لبنان واللبنانيون ليسوا بخير.. وإليكم الأدلة

أهل السلطة يتبادلون تعطيلها والدولة المدنية إخراج للإحراج

»نورما« لم تكن تسونامي لكنها كشفت المستور

بيروت – غسان الحبال

هل يستحق اللبنانيون لبنانهم.. وطنهم؟

وهل يمكن فعلا اعتبار لبنان وطنا حقيقيا ونهائيا كما يدعي اللبنانيون؟

السؤالان«مشبوهان« لكنهما واقعيين ومشروعين، فلبنان لا يبدو بخير اليوم، وإليكم الأدلة:

تأجيل وتمديد.. لا تنفيذ ولا تشريع

 عهد رئاسي عاجز عن الانطلاق حتى الآن بعد مضي أكثر من سنتين على قيامه، وبعد الإعلان عن وعود يعتبر تحقيقها الحد الأدنى المطلوب لتعزيز وجود الدولة، وتمكين مؤسساتها الدستورية من العمل بشكل طبيعي، لاسيما وأن بداية هذا العهد جاءت في أعقاب فراغ رئاسي استمر سنتين ونصف تقريبا، فتح المجال واسعا خلالها أمام انتشار جميع أنواع الفساد في مختلف مرافق الدولة، ما استدعى رئيس الجمهورية العماد ميشال عون وضع موضوع مكافحة الفساد في رأس أولويات برنامج عهده.

 تراكم الأزمات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية في ظل حكومة تصريف أعمال لا تربط ولا تحل، وفي غياب حكومة فاعلة نتيجة قطع الطرق على تشكيلها طوال ثمانية أشهر، وبحجج وأسباب يمكن اعتبارها واهية ولا تمت إلى العمل الوطني بصلة، هذا من دون أن ننسى أن تشكيل حكومة الرئيس تمام سلام في عهد الرئيس السابق ميشال سليمان، والتي أعلن عن تشكيلها في 15 شباط/فبراير 2014، قد استغرق بدوره 11 شهرا، اي ما يقارب السنة عمليا، فيما كل هذا الوقت الضائع في »الجدل السياسي البيزنطي« يتم على حساب مسيرة الإنماء والتنمية

انتخاب الرئيس عون تم بعد فراغ في موقع الرئاسة امتد.سنتين ونصف تقريبا

الوطنية، الأمر الذي يؤدي فعليا إلى تراكم الأزمات الاجتماعية والمعيشية والاقتصادية وتفاقمها.

 فقد اللبنانيون حقهم في تقرير مصيرهم واختيار ممثليهم لمدة 9 سنوات من العام 2009 وحتى شهر أيار/ مايو العام 2018، حين تم التمديد للمجلس النيابي على مدى ثلاث دورات لم تنجز خلالها أية أعمال تشريعية، وحيث تمت عمليات التمديد في الأعوام 2013 و2014 و2017 )تمديد تقني( تحت عناوين اعتبرها الخبراء غير دستورية كمثل »منع الحرب وإبعاد الفتنة« و»عدم إحداث فراغ« و»تمديد الضرورة«.

»نورما« تكشف المستور

 كل هذا كان قبل أن تصلنا العاصفة الثلجية »نورما«، التي ضربت لبنان في مطلع الأسبوع الثاني من العام الجديد 2019، لتكشف المستور ولتذيب الثلج عن النوايا التي يصفها »خبراء السياسة« اللبنانيون بـ»الخبيثة والمشبوهة«، ولتؤكد أيضا على أن لبنان ليس بخير.

فعلى الرغم من الاعتراف بأن غالبية الشعب اللبناني الذي أصبح مدمنا على وسائل التواصل الاجتماعي، غارق في دوامة من التذمر والشكوى و»النق« تفوق المعدل العام في اي بلد آخر، فإن الملفت أيضا ان الكتل السياسية والتيارات والاحزاب أصبحت تمتلك بدورها وسيلتها لـ»النق« وما يمكن وصفه اليوم بـ»الدكتيلو الالكتروني« تيمنا بـ»دكتيلو« جهاز المخابرات اللبناني الذي كان يطلق عليه قديما تسمية »المكتب الثاني«، والذي كان يتولى مهمة تزويد وسائل الاعلام اللبنانية بما كانت السلطة تزوده به من مواد تهدف لإثارة حملات او الترويج لتبريرات او مدح او هجاء. ويبدو الآن وكأن عقد الدولة/الكيان قد انفرط لتتعدد أجهزة »الدكتيلو الالكترونية« وليصبح لكل »دكتيلو« جمهوره يروّج حرفيًا لطروحاته وتحليلاته وأهدافه عبر وسائل التواصل الاجتماعي، فهنا مجموعة تصوب على »العهد القوي والصهر والعائلة«، وهناك مجموعة ثانية تهاجم رئيس الحكومة ومن خلفه تيارة السياسي وبلدية بيروت، ومجموعة ثالثة تهاجم »الثنائية الشيعية التي خنقت نهر الغدير بالاعتداءات العقارية، بعدما خنقت مجرور الرملة البيضا عند الايدن روك«، فضلا عن مجموعة رابعة »تقصف مجلس الانماء والاعمار والمقاول جهاد العرب«، فيما لم ينج من هذه الحملات سوى الأرمن.

أما في العودة إلى منطق الأمور، فإنه من البديهي التصويب على السلطة التنفيذية مع تحديد الوزارات المعنية بمثل هذه التطورات، لكن ذلك لا يمنع من الإشارة إلى أن ما شهده لبنان هو عاصفة غير معتادة لا في قوتها ولا في غزارة أمطارها ولا في طول مدتها، وأن أضرار الحد الأدنى التي أحدثتها كانت متوقعة في وقت كثفت الأرصاد الجوية والوزارات المعنية تحذيراتها، لكن ما لم يكن متوقعا هو انطلاق حملات التشويه السياسي في توقيت بدا موحدا وفي كل الاتجاهات، مع هطول أول زخة مطر.

السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو ببساطة شديدة: ماذا لو كانت نورما من نوع الاعصارات التي تضرب الساحل الشرقي للولايات المتحدة على غرار كاترينا وماريا وهارفي مثلا، فتقتل الناس وتدمر الاحياء وتجرف الجسور وتقطع الطرقات السريعة وتغمر مدنًا بكاملها بالمياه؟

السلطة التشريعية:تشريع الضرورة لثلاث دورات

ماذا سيكون حال اللبنانيين اذا رأوا السيارات تطير والبيوت تندثر والفيضانات تتحول الى طوفان يغطي ما يعادل مساحة نصف لبنان كله؟

وهنا يعلق أكثر من مسؤول معني في وزارات الخدمات بالقول أن »الشكوى من العاصفة شكلت حملة سياسية اكثر منها معيشية او الخدماتية، وفي التقارير تصويب سياسي اكثر مما هو إعلامي، وفي »النق« توجيه اكثر مما هو ردة فعل عفوية، وكأن المطلوب كان ان تذهب العاصفة بما تبقى من اطلال الدولة واثار الكيان«.

الدولية المدنية.. إخراج أم إحراج؟

 ويبقى أحدث دليل على أن لبنان ليس بخير هو الدعوة التي أطلقها مؤخرا رئيس مجلس النواب نبيه بري إلى إقامة الدولة المدنية في لبنان وذلك في معرض تعليقه على فشل كل الحلول التي طرحت خلال ثمانية أشهر لتشكيل الحكومة اللبنانية، وقد أوحت دعوته وكأنه يستبق أو يحاول الإشارة إلى أن انهيار الدولة والنظام باتَ قريباً.

ودعوة الرئيس بري لـ»الدولة المدنية«، التي لم تكن الاولى من نوعها إذ سبق له ان أثارها خلال أزمات سياسية سابقة، لم تمر مرور الكرام لاسيما أن هذه الدعوة مرتبطة عضوية بإلغاء الطائفية السياسية، حيث يقول بري »أن الأمر الأساس هو أن الاغتراب اللبناني شارك في الانتخابات والعملية السياسية، وهي ليست مجرد مشاركة في صندوق الانتخاب، هذا الأمر يوقف العد في لبنان، يعني اننا انتهينا من الحديث عن أن المسلمين أكثر أو المسيحيين أكثر. الانتشار اللبناني، هو والوجود اللبناني يجب أن يوصلانا إلى دولة مدنية. الدولة المدنية هي خلاصنا. هذا هو الواقع وليس الدولة الطائفية التي لا نزال ننعم بها بعض الأحيان. بمعنى آخر ان الامر الذي يجعل لبنان هادئاً الآن هو الطائفية وهذا أمر غريب جداً، بينما الواقع هو أننا يجب أن ننتهي من هذا الأمر نحو الدولة المدنية الحديثة.. أنا اعتقد أننا أمام المستقبل وعلينا هذا التحدي، ولكن هذا الأمر يتوقف على استمرار العملية السياسية بين الاغتراب وبين المقيمين«.

المستقبل والقوات والعلمانيون

جاء طرح الرئيس بري لشعار الدولة المدنية في وقت يزداد الانقسام الطائفي في البلاد، ما يجعل من تطبيق هذا الشعار أمرا صعبا بما يستدعيه من إلغاء للطائفية السياسية، الأمر الذي يثير السؤال حول وجود آلية لترجمة هذا الاقتراح وتطبيقه، بقدر ما يثير التساؤل عما اذا كان هذا الطرح يهدف إلى فتح الباب أمام »مؤتمر تأسيسي«؟

وفعلا فإن كتلة المستقبل تعتبر في تعليقها على الموضوع أن الرئيس بري إنما كان يقصد بطرحه كالعادة موضوع إلغاء الطائفية السياسية والغمز من قناة معرقلي تشكيل الحكومة ليقول لهم »ان حال البلد هيك مش ماشي«، على الرغم من إصراره على أن الدولة المدنية هي الخيار الأفضل والحل الوحيد الذي سيعود إليه الجميع أخيرا عبر »إنشاء الهيئة الوطنية لإلغاء الطائفية السياسية تحت سقف الدستور. وبوجود مجلسين للنواب والشيوخ يُنتخبان بالتوازي«.

من جهته، حزب القوات اللبنانية له قراءة مختلفة، ويرى أن »الكلام عن الدولة المدنية ليس في وقته، فالأولوية هي لتشكيل الحكومة«، فالقوات تعتبر أن »الدولة المدنية تلغي دور المسيحيين«. ويقول المعترضون أن للتلويح بالدولة المدنية وإلغاء الطائفية السياسية »أهداف أبرزها الضغط على المسيحيين وسحب المزيد من امتيازاتهم، وأن إعادة ترتيب النظام سيسمح للشيعة بالحصول على مكاسب أكبر نتيجة تنامي دورهم«، ويمرحون أخيرا إلى أن »بري ربّما يشعُر بأن انهيار الدولة والنظام باتَ قريباً جداً، فيمهّد بدعوته هذه إلى عقد مؤتمر تأسيسي جديد«.

وتعتبر بعض القوى العلمانية اللبنانية أن الدعوة للدولة المدنية لافتة، وتتساءل »كيفَ تستطيع مرجعية سياسية طرح هذا العنوان في هذا التوقيت، بينما التعصّب الديني والمذهبي في لبنان أصبح مُنظّماً«؟، وتقول أن »الوعي بوصف الطائفية علّة النظام السياسي في لبنان، يقابله اقتناع أعمق بأن الطائفية أحد أبرز مظاهر الحماية للبنية السياسية للطوائف، التي لا تجِد ديمومتها إلا في إطار النظام الطائفي، فكلّما طُرح شعار الدولة المدنية، تؤيّده القوى السياسية في المبدأ، قبلَ أن تغوص في تفاصيله فتفجّره من الداخل. ويُصبح الحديث عن الدولة المدنية صعباً نظراً للخلافات السياسية الحادة، وضبابية المفاهيم المتعلّقة به«.

وتخلص هذه القوى إلى التأكيد على أن أحداً من القوى السياسية الكبرى »لا يُريد فعلاً الذهاب باتجاه إلغاء الطائفية السياسية والدولة المدنية، فالأكثرية تتعامل مع هذا الشعار وكأنه شرّ مطلق، حتى المنادون بهذا الشعار حالياً لا يبدو أنهم يملكون مشروعاً واضحاً لكيفية ترجمته، وهم يدركون أنه سيصطدم بمعوقات كثيرة كما حصلَ مراراً«ّ.

لا شك أن تعطيل عمل المؤسسات الدستورية بين فترة أخرى بهدف تحقيق مآرب سياسية فئوية، وتعطيل دورة الحياة الطبيعية في البلاد، خلق عوامل كثيرة للقلق على أكثر من صعيد سياسي ورسمي وشعبي، وهو قلق على مستقبل لبنان بشكل عام، وقلق من التهديدات التي يشكلها هذا التعطيل على صعيد الاستقرار السياسي، الداخلي والخارجي، وعلى صعيد الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي والخدماتي، فضلا عن الاستقرار الأمني.

وهو قلق بات ينعكس بشدة على الحياة اليومية للناس وقدرتهم على تحمل ضغوطات الحياة، بقدر ما ينعكس تراجعا تدريجيا على صعيد الإنتاج الوطني العام مما بات يهدد استمرار صمود الدولة ومؤسساتها، وسط وعود لا تتحقق بالعودة للأصول والدستور والانتظام ووقف الفساد والهدر.

ويبقى السؤال المصيري: من هو القادر على إنقاذ لبنان من الانهيار الشامل غير قواه السياسية والوطنية سواء كانت داخل الحكم أو خارجه؟

العدد 89 –شباط 2019