أداء مخيّب للاقتصاد اللبناني في 2018.. فهل يكون 2019 عام الانهيار؟

بيروت  هيثم محمود

ليس غريباً أن يكون لبنان بلد الفرص الضائعة لا سيما الاقتصادية منها، فالبلد المحكوم بالتوازنات الطائفية الهشة بلغ مرحلة لم يعد فيها الحديث عن الانهيار الاقتصادي أمراً سريّاً أو مقتصراً على الكواليس والغرف المغلقة. فهل يكون عام 2019 عام الانهيار، الذي تبدو بوادره ماثلة في استمرار تعثّر تأليف الحكومة وارتفاع دراماتيكي في عجز المالية العامة معطوفاً على تأخر إقرار موازنة 2019 المثقلة بالأعباء؟ أم أ، اللبنانيين سيكونون قادرين على التوصل الى مخرج على الطريقة اللبنانية بحيث يتأجل السقوط الكبير إلى حين؟

فقد أسدل العام 2018 ستائره على نتائج سلبية سجلها الاقتصاد اللبناني في مفاصله كافة كنتيجة طبيعية لحال الشلل السياسي المطبق على البلاد منذ ما بعد الانتخابات النيابية. فالأرقام التي سجلت بعض التقدم في النصف الأول من العام ما لبثت أن تلوّنت بالأحمر في النصف الثاني منه مطيحة بالآمال المعقودة على ثلاث مؤتمرات دعم دولية للبنان من بروكسيل الى باريس وروما، وكذلك بالتقدم المحرز في مجال تلزيم استكشاف الثروة الطبيعية من النفط والغاز في المياه الإقليمية.

وحده حاكم المصرف المركزي رياض سلامة واصل بثّ موجات من التفاؤل عن استقرار العملة الوطنية وعن قدرة »مصرف لبنان« على ضبط سعر الصرف. موجات إيجابية قابلتها ضغوط سلبية ناتجة عن قرار »المركزي« بوقف ضخ حزم التحفيز الموجهّة إلى قطاع الإسكان. ولعل الوضع الذي بلغه القطاع العام من تضخم في عدد موظفيه وفي انخفاض انتاجيته وما يرتبه على المالية العامة من أعباء مثال واضح على ما ينتظر لبنان من خطوات صعبة سيتوجب على الحكومة، التي طال انتظار ولادتها نحو 8 أشهر، اتخاذها في قرارات غير شعبية.

كلام بالارقام

سجلت الأرقام في عام 2018 نراجعات في معظم المجالات ففي المالية العامة بلغ إجمالي العجز أكثر من 6 مليارات دولار ارتفاعاً من نحو 3.7 مليار دولار في نهاية العام 2017. وزادت نسبة الدين العام إلى 157 من الناتج المحلي الإجمالي ليكون لبنان في المرتبة الثالثة عالميا بين أكبر الدول مديونية بالنسبة إلى الناتج المحلي.

ومن ضمن النتائج السلبية للعام 2018 لا يمكن إغفال قرار وكالتي التصنيف الائتماني »فيتش« و»موديز« نظرتيهما المستقبلية للبنان من مستقرة إلى سلبية وأبقت »فيتش« التصنيف عند درجة »B سلبي«. وتعكس هذه النظرة مزيداً من التدهور في العجز الحكومي وديناميكيات الدين وتشير إلى الضغوط المتزايدة على سياسة التمويل في لبنان بالإضافة إلى تراجع نموّ الودائع وزيادة الاعتماد على تدابير البنك المركزي غير التقليدية لمواجهة هذه الضغوط. وأكدت »فيتش« أنّ لبنان يفتقر إلى خطةٍ ذات مصداقية وقابلة للتنفيذ لخفض عجز الميزانية وأشارت إلى أنّ المالية العامة اللبنانية ازدادت سوءاً في العام 2018 وارتفعت المخاطر على استدامة الديون المتوسطة الأجل.

يشير مراقبون اقتصاديون إلى أن الخطوات التي قامت بها وكالات التصنيف تُعتبر بمثابة جرس إنذار مفاده أنّ وكالات التصنيف ستقوم بتخفيض تصنيف لبنان في حال لم تعالج الحكومة وضعها المالي في المدى القريب أي في غضون عام الى عامين، وبالتالي فإذا حصل حفض التصنيف يُترجم فعلياً بأنّ كلفة تمويل الدولة سترتفع بشكل كبير.

ومن الأرقام المقلقة أن سعر الفائدة على الليرة اللبنانية لأجل ليلة واحدة في سوق التعاملات بين البنوك )الانتربنك( وصل خلال العام 2018 الى 75 وهو أعلى مستوياتها منذ أزمة استقالة رئيس الحكومة سعد الحريري في نوفمبر/ تشرين الثاني 2017 حين وصلت الانتربنك إلى 117، إلا أن ها الرقم ما لبث أن تراجع إلى مستويات معقولة عند 15. وفي سياق متصل بموضوع الفوائد، أوصَى مجلس إدارة جمعية المصارف في لبنان المصارف اللبنانية برفع معدل الفائدة المرجعية في السوق على التسليفات بالليرة اللبنانية بـ40 نقطة أساس إلى 11.90 بدءاً من مطلع شهر يناير/ كانون الثاني 2019. وأوصى بزيادة معدل الفائدة المرجعية في السوق على التسليفات بالدولار بـ38 نقطة أساس إلى 8.58.

المصارف.. إيجابية محدودة

مصرفياً، أظهرت البيانات المالية غير المدققة لمجموعة مصارف »ألفاً« تراجعاً سنويا في أرباحها الصافية المجمعة إلى 1.69 مليار دولار خلال الاشهر التسعة الاولى من 2018 إنخفقاضاً من 1.96 مليار دولار في الفترة ذاتها من 2017. يُذكر أنّ مجموعة مصارف »ألفا« تضم 15 مصرفاً من أكبر المصارف اللبنانية التي يحوي كل منها ودائع زبائن تتخطّى الملياري دولار.

خلال الشهور العشرة الأولى من 2018 نما إجمالي الأصول المجمعة للمصارف بنسبة 10.4، وبنسبة 12.4 على أساس سنوي، لتصل إلى نحو 242 مليار دولار، وزاد إجمالي الودائع 2.3 على أساس سنوي، ليصل إلى 177.5 مليار دولار في نهاية أكتوبر / تشرين الأول الماضي. وهذا المؤشر بمثابة جرس إنذار لأن نمو الودائع سنوياً بما بين 4 و5 أمر حيوي لتمكين المصارف من الاكتتاب في سندات الدين العام لتلبية سد حاجات الدولة اللبنانية من التمويل. ولا يبدو لبنان في وضعه الحالي قادراً على جذبُ الودائع بسبب تفاقم حالته من عدم اليقين الى القلق. ولو دخل القطاع المصرفي في المرحلة الحالية بعض الودائع فهذا الأمر لن يكون مؤثراً قبل تشكيل الحكومة. ولا بد من الاشارة إلى أن حالة اللاستقرار القائمة والمترجَمة بخطابات عن القلق على المالية العامة وتمويل الدولة والليرة، كلها عوامل تؤدّي الى خروج الأموال وليس جذبها. وبالتالي فإن الحفاظ على مستوى الودائع الحالي في القطاع المصرفي، في زل الظروف الراهنة، هي في حدّ ذاتها إنجاز.

»المركزي«.. مقاوم الصدمات

إلى ذلك، أظهرت ميزانيّة مصرف لبنان تراجُعاً في موجوداته الخارجيّة بنحو 882 مليون دولار خلال النصف الأوّل من ديسمبر/ كانون الأوّل 2018 إلى 40 مليار دولار من 40.88 مليار دولار في نهاية نوفمبر/ نشرين الثاني. وتُبيِّن ميزانيّة مصرف لبنان ارتفاعاً في قيمة احتياطه من الذهب بنحو 151.15 مليون دولار خلال النصف الأوّل من شهر ديسمبر/ كانون الأوّل إلى 11.43 مليار دولار وذلك نتيجة لتحسُّن سعر الذهب خلال هذه الفترة. كما انخفضت قيمة الموجودات الخارجيّة لمصرف لبنان بنسبة 4.29 بنحو 1.79 مليار دولار مقارنة بالمستوى الذي كانت عليه في منتصف الشهر الأخير من 2017 والبالغ حينها 41.79 مليار دولار.

وفي مؤشر إيجابي، توقع »البنك الدولي« أن يرتفع حجمُ تحويلات المغتربين إلى لبنان بنسبة 4 سنويّاً خلال العام 2018 إلى 7.8 مليار دولار ليحلّ لبنان بذلك في المركز الثاني إقليميّاً من حيث حجم التحويلات الوافدة مسبوقاً فقط من مصر بتحويلات قيمتها 25.7 مليار دولار. وبحسب تقديرات »البنك الدولي« فقد تبوّأ لبنان المركز الثالث على صعيد المنطقة من حيث مساهمة تحويلات المغتربين في الناتج المحلّي الإجمالي للعام 2018 والتي بلغت 14.5.

تراجع النشاط العقاري

من ناحية أخرى، تراجَع النشاط العقاري في لبنان خلال نوفمبر/ تشرين الثاني وانخفض عدد معاملات المبيعات العقاريّة بنسبة 21.19  خلال هذا الشهر إلى 5035 معاملة من 6389 معاملة في الشهر الذي سبقه. وانكمشت قيمة المعاملات العقاريّة بنسبة 8.37 إلى 700 مليون دولار من 770 مليوناً في أكتوبر/ تشرين الأوّل. وعلى صعيدٍ تراكميٍّ إنخفض عدد المعاملات العقاريّة 17.71 سنويّاً إلى 54687 معاملة لغاية نوفمبر/ تشرين الثاني من 66458 في الفترة ذاتها من العام الفائت. وتراجعت قيمة معاملات المبيعات العقاريّة 18.87 إلى 7.31 مليار دولار.

وأعلنت ادارة الاحصاء المركزي انّ الرقم القياسي لأسعار الاستهلاك في لبنان سجّل خلال نوفمبر/ تشرين الثاني إرتفاعاً وقدره 0.14 مقارنة بأكتوبر/ تشرين الاول. وعلى أساس سنوي إرتفع مؤشر أسعار الاستهلاك لشهر نوفمبر/ تشرين الثاني 2018 بنسبة 5.83 مقارنة بالشهر ذاته قبل سنة.

تجارياً، ارتفع عجز الميزان التجاري إلى 14.41 مليار دولار خلال الأشهر العشرة الأولى من 2018 من حوالي 13.86 مليار دولار في الفترة ذاتها من 2017. وارتفع مجموع قيمة الصادرات الصناعية اللبنانية خلال الأشهر التسعة الأولى من العام 2018 بنسبة 3.3 مقارنةً بالعام 2017 وبانخفاض نسبته 0.7 مقارنةً بالعام 2016 إذ بلغ 2.8812 مليار دولار. في المقابل، بلغ مجموع قيمة الاستيراد من الآلات والمعدات الصناعية خلال الأشهر التسعة الأولى من العام 2018 نحو 210.3 ملايين دولار مقابل 194.1 مليون دولار خلال الفترة عينها من العام 2017 و183.1 مليون دولار خلال الفترة ذاتها من 2016، أي بارتفاع نسبته 8.3 عن العام 2017 و14.8 مقارنةً مع 2016. وكشفت آخر إحصاءات مرفأ بيروت عن انخفاض سنوي في إيراداته بلغ 1.7 حتى نوفمبر/ تشرين الثاني 2018، مقارنةً بالفترة ذاتها من 2017.

بورصة بيروت.. التراجع الكبير

وشهد عام 2018 بروز عناصر أزمة في بورصة بيروت إذ برزت ضغوط كبيرة على مستوى العرض مع انسحاب عدد كبير من اللاعبين من سوق بورصة بيروت، وفقدان الثقة بمؤشّرات القطاعات التي تسيطر على الأسهم المتداولة فيها. كذلك ساهمت في زيادة هذه الضغوط النتائج السلبية في ميزانيّة »سوليدير« لسنة 2017، التي أظهرت وجود خسائر بقيمة 118.5 مليون دولار وديوناً تناهز 860 مليون دولار. وتوضحت عناصر القلق في البورصة منذ نيسان/ أبريل 2018 حين بدأت تسجّل التراجع الأطول والأكثر حدّة لها، إذ انخفض مؤشّر رسملة سوق البورصة من 11.79 مليار دولار في نيسان/ أبريل إلى 9.66 مليار دولار حتّى بداية كانون الأوّل/ ديسمبر. بمعنى آخر، شهدت البورصة خلال تسع أشهر فقط خسائر توازي نحو 18 من إجمالي قيمة الأسهم المتداول بها في مختلف القطاعات.

 

العدد 89 –شباط 2019