حوار مع الأكاديميّة والكاتبة مهى جرجور

في حوار مع الأكاديميّة والكاتبة مهى جرجور لمجلّة الحصاد – لندن

بيروت من ليندا نصّار

من خلال مثابرتها ووإصرارها، استطاعت الكاتبة والدكتورة  »مهى جرجور«، العمل على المختلف والمتميّز، إذ ساهمت في تطوير طرق تعليم اللّغة العربيّة وإدخالها بشكل كبير إلى عالم الرّقميّات. وقد شجّعت بذلك فتح آفاق جديدة من خلال الجمع بين الكلمة والحركة، وتمّ تجسيد أعمالها في المدارس على شكل مسرحيّات أو أفلام قصيرة.

تحمل  »مهى جرجور« قلقا يجعلها لا تملّ ولا تهدأ. استطاعت التواصل مع الكبار والصغار، متّخذة دور المحللة النفسيّة والمرشدة الاجتماعية، محاكية العقول لاستنباط الأفكار والتعبير عن المواقف الإنسانيّة بوساطة الإبداع. إنّها الكاتبة الّتي تتطلّع إلى المواهب المستقبليّة دائما عبر طموح لا يحدّ، وهي تستمد قصصها من الواقع والمعاش معتمدة تقنيات حديثة للكتابة.

وفي لمحة عنها، مهى جرجور أستاذة متفرغة في الجامعة اللبنانية، حاصلة على الدكتوراه في اللغة العربية وآدابها، )النقد الأدبي(، رئيسة قسم اللغة العربية وآدابها، ومنسقة اللغة العربية في الماستر، وعضو في مجلس مندوبي رابطة الأساتذة المتفرغين في الجامعة اللبنانية أيضا.

غلاف الادب في مهب التكنولوجيا

عملت في عدّة لجان في كلية الآداب. أشرفت ولا تزال على العديد من رسائل الماستر وأطاريح الدكتوراه، وشاركت في عدد من المؤتمرات، وقد ألّفت عدة كتب نقدية وقصصية منها: سلسلة  »لم نعد صغارا« للمراهقين، وبيت على الحافة، ودخلت في التجربة )رواية( وكتاب الأدب في مهب التكنولوجيا، الذاكرة والرغبة في الكتابة، الدلالة الثانية )قراءة في شعر محمود درويش(، طفلي ماذا أقرأ له؟

1- تعتبر مجموعة  »لم نعد صغارا« من الكتابات الّتي استطعت من خلالها، محاكاة المراهقين، متفهّمة هواجسهم وطريقة تصرّفهم وعلاقتهم بالكبار. برأيك كيف يمكن للكاتب التّواصل مع الكبار والصّغار مع مراعاة الأسلوب، وتفهّم حاجة كلّ مرحلة عمريّة؟

 ليس من السهل أن يتمكن كاتب معيّن من التواصل مع الكبار والصغار وأن يعبّر عنهم وعن قضاياهم بالمستوى نفسه من الدّقة والاحترافية، ولاسيما مع التقدّم في السّن. فهذا الأمر يتطّلب مهارات تتعلّق بشخصيّة الكاتب وقدرته على أن يكون متقبلاً للآخر، ولطريقة تفكيره إلى جانب الموهبة والمهارات اللغوية والتقنية وما إلى ذلك من المهارات المفترض إتقانه إياها. من هنا، تعدّ الكتابة للأطفال بشكل عام، وللمراهقين بشكل خاص من الأنواع الأدبية الأصعب بالنسبة إلى مؤلّف راشد، خاصّة في هذا العصر المتغيّر؛ فهو لا يكتب عن مراهقته هو! فشتان بين حياة مراهق قبل سنوات والمراهق اليوم! والصعوبة تكمن في أن يكتب ما يجذب قارئ لا يحبّ القراءة في عصر الصورة. وهذا ليس بالأمر الهيّن، إذ يحتاج إلى الكثير من العلم والمعرفة والمتابعة للمتغيرات النفسية والفكرية التي يحياها المراهق في يومياته وتتبُّع تفاصيلها ومحاكاتها.

2- أصدرت كتاب  »الأدب في مهبّ التّكنولوجيا« وقد لاقى هذا المنجز نجاحا كبيرا. بما أنّك من مشجّعي اعتماد التّكنولوجيا، ما هي أهمّيّة استخدامها كوسيلة للتّعلّم؟ وإلى أيّ مدى يمكن الاعتماد عليها كحافز لتقريب اللّغة العربيّة من هذا الجيل؟

كتاب الأدب في مهبّ التّكنولوجيا، هو من الكتب الأولى في لبنان التي تدرس نماذج من الأدب الرقمي المنشور عبر الانترنت وتقاربها مقاربة نقدية في محاولة للتنظير لهذا الأدب الذي نتوقّع أن يكون أدب المستقبل. والإقبال الشديد على استخدام وسائل التواصل كأداة للتواصل والتعبير عن الذات والرؤية إلى الوجود، أرى أنها هي نفسها تدفعنا إلى استخدام الوسائط المتعددة في التّعليم أيضا، إنطلاقا من توجيه المهارات الحاسوبيّة لدى الطّلاب وتحويلها من الاستغلال السّلبي)استخدام الحاسوب للهو فقط( إلى مهارات إيجابيّة للبحث والتّعلّم وتصميم المشاريع. وقد يكون هذا هو الحلّ أو جزء من الحلّ من أجل تنمية روح الإنتاجيّة والإبداع لدى المعلم والمتعلّم، وتنمية قدرات السّيطرة والتّحكم والتّواصل عند كلّ منهما، إلى جانب ترسيخ ثقافة الإنجاز، هذا إضافة إلى غرس القيم الإيجابيّة من خلال وضع برمجيات خاصّة تتناسب واستراتيجيات التكنولوجيا من جهة، واستراتيجات التربية ونظمها واستراتيجيات التعليم الناشط، من جهة ثانية، في إطار تكنولوجيا التّعليم تخدم اللغة العربية الفصحى وتعليمها إلى حدٍّ بعيدٍ.

3- مهى جرجور المنسّقة والأستاذة التي تحاضر في الجامعة اللّبنانيّة، والنّاقدة والكاتبة التي تدعو إلى التّجديد في معالجة المواضيع لتأسيس جيل واع ومثقّف، أين تجد نفسها بين هذه الأعمال المتنوّعة ؟ وما الخيط الرّابط بينها؟

الخيط الرابط هو شغفي في عمل تربوي أكاديمي يتطلّع دائما إلى التغيير الإيجابي، والخروج على كل المستويات من التكرارية، والتفكير دائما بإيجاد الحلول من أجل بناء ثقافة الإنجاز وصناعة مكان يليق بإنسانية الإنسان. وأجد نفسي في كلّ منها، فأنا أحبّ ما أعمل، حتى عملي الإداري الذي أقوم به إلى جانب عملي الأكاديمي وعملي كباحثة ومؤلفة قصصيّة، هو خيار اخترته لإيماني أنّ بذل بعض الجهد في مكان ما قد يحسّن، أو يفيد فردا ما، على الأقل، في هذه المعمورة.

4- ماذا تعني لك الكتابة؟

الكتابة هي القدرة على التغيير. هي حرية الممارسة وحرية إعادة التشكيل. فأنا عبر الكتابة حرّة في كل ما أكتب، وما أنسج. أعبر فيها عن ذاتي، وأعبر عن ذوات كثيرة لم تتح لها الفرصة لتبوح، أو لم تجد آذانا صاغية تسمعها. أنا بالكتابة أهدم وأعاود البناء. انا لست ذاتا واحدة عندما أكتب أنا ذوات متداخلة ومتنافرة في آنٍ. أشعر أنّ لي أصواتا كثيرة تطالب بحقّها في البوح. وأفرح كثيرا عندما تصل كلماتي إلى آذان القراء / الأجيال الصاعدة في المدارس، وأفرح أكثر عندما أستمع إلى بعضهم وهم يقولون لي:  »كيف عرفت أن هذا جرى معي؟ من أخبرك قصتي؟«.

5- هل من تقنيات تعتمدينها لتطوير نصوصك بما يحاكي المتلقّي في هذا الزّمن؟ ما هي؟

 التقنية الأساسية هي أني أكتب عن موضوعات تثير اهتمام المتلقي في هذا الزمن، وأكتب له بالأسلوب الذي يحبّه، المكثّف والقصير. وبدأت من خلال المباريات التي أجريها سنويّا، باسم  »من الورق إلى الرقم- من قصص بيت على الحافة« بدعوة طلاب صفوف الثانوية إلى تحويل قصصي المنشورة ورقيّا إلى قصص رقمية أو إلى تمثيلها على المسرح أو في أفلام قصيرة. ولاقت هذه المبادرة رواجا ونجاحا كبيرين في صفوف المتلقين الذين أبدعوا في تقديم عروض مميّزة ومختلفة للقصة الواحدة.

6- إلام يحتاج الأدب بعد هذا التّسطيح الذي بدأ يمسّ بثقافة اليوم؟ وكيف نعدّ جيلا يقرأ ويطرح أسئلة؟

السطحي يسقط مع مرور الزمن، ويبقى الأدب الحقيقيّ المعبّر عن الحالات الوجودية العابرة للعصور والأزمنة. والأدب يحتاج إلى أدباء يقرأون ويطّلعون على الأعمال العالمية القديمة والجديدة، ولا يسيرون في تيارات الاستسهال والتسرّع. وإنّ إعداد جيل يقرأ ليس بالأمر السهل، فهو يحتاج إلى تخطيط يبدأ مع وضع مناهج تشجّع على القراءة، وترتكز على حاجات المتعلّم، وألا تحصّر القراءة بالنصوص الأدبية. وهنا، علينا الانتباه إلى أن نسبة القراءة عبر وسائل التواصل ازدادت نوعا ما، والسؤال المفترض طرحُه: ماذا يقرأ الناس؟ وهنا تكمن الخطورة مع ذلك الكم الهائل من الأخبار والمعلومات غير الدقيقة والمشوِّهة أحيانا كثيرة للحقائق، وتهدّد أمن الناس الفكري والنفسي!

7- كيف تتجلّى قدرة المبدع على إطلاق منجزه الإبداعيّ، مقدّما معرفة وثقافة للقارئ، من دون أن يشعره بالتكرار والملل؟

 عليه العمل على تقديم الجديد، والجديد تُفترض ولادته من تجربة جديدة وخبرة جديدة ليضيف شيئا جديدا. والإضافة تكون بالأسلوب المتغيّر في التعبير الأدبي أو تكون في تغيير المقاربة أو اللغة المستخدمة. . . وما يجعل المبدع مبدعا هي قدرته المستمرة على الابتكار. . والابتكار لا يأتي من فراغ. . . ولملء الفراغ هذا، يجب أن يعمل المبدع باستمرار قبل البدء بفعل الكتابة.