التوتّر… انعكاساته على الصحة الجسدية والنفسية وعلاجاته

من بيروت- رنا خير الدين

المتطلّبات الحياتية كثيرة، تتزايد يوماً بعد يوم صعوبتها لتأمين احتياجاتنا المادية، الاستهلاكية والنفسيّة، ينتج عن هذه المتطلّبات شبكة علاقات في دائرة المجتمع الواسعة لتتشعّب إلى دوائر ضيقة، منها العائلة، الأهل الأبناء، محيط العمل، والأصدقاء، وكل ما هنالك من احتكاكات إنسانية واجتماعية على أنواعها. وهذه الاحتياجات التي يسعى إلى تحقيقها الفرد في حياته يمكن أن تسبّب له قلقاً وانزعاجاً، إضافة على عدّة عوامل.

هو القلق والتفكير، قد يكون عارضاً أو يكون نمطاً سلوكياً مرافقاً لشخصيتنا، هو طريقة تعبير عن كيفية تعاملنا مع الأحداث. يتشكّل نتاج الحياة المدنية المكلّفة والصعبة، ونتاج المشاكل الاقتصادية والسياسية التي يحصدها المواطن الإنسان، التي تؤدي إلى أمراض إن لم تكن خطيرة

اتباع نظام غذائي صحي مؤشر على الصحةالنفسية والعقلية

فهي مستعصية كارتفاع ضغط الدم وأمراض القلب والجلطات وحتى السرطانات، نتيجة الهموم والقلق والتفكير. كما قد يكون التوتر مفيداً وإيجابياً، حينما يدفعنا نحو النجاح والنشاط.

 »الحصاد« تعرّفت وأخصائية التغذية العلاجية الدكتورة  »أماني الشيخ« على مضار التوتر وانعكاساته على الحالة الصحية النفسية والعلاجية للفرد، وكيفية تخفيفه من خلال الغذاء والأعشاب.

التوتر يعطّل كفاءة الهضم والأيض

سوء التغذية ونقص بعض العناصر الأساسية من الجسم هي سبب من أسباب التوتر، وهذه حلها سهل؛ أمّا التوتر المتلازم سلوكياً للشخص، فيتطلب تدريب النفس على السيطرة والتحكّم على النفس والسلوك وتدريب العقل على الحكمة والهدوء في التعاطي مع الحياة.

عندما يبدأ التوتر، تقول  »د. أماني الشيخ«، فإن كل أعضاء الجسم تعمل بشكل عكسي مسبّبة مشاكل صحية وأمراض للجسم، خصوصاً في الجهاز الهضمي، الذي عليه يعتمد كامل الجسم. فالتوتر يسبّب ضخّ السموم في مجرى الدم يرافقه حالة إرهاق وتعب، واضطراب. كما أن التوتر يزيل العناصر الغذائية من الجسم ويقلّل أو يُعطّل كفاءة الهضم والأيض.

وتشير  »د. أماني الشيخ« إلى أن السبب الرئيسي لخسارة الطاقة، سواء كانت عقلية أم حركية بدنية، هو كثرة العمل وقلة النوم وعدم الترّيض وسوء التغذية.

 يُجهد التوتر الغدّة الكظرية بالكلى ويُضعف المناعة، كما أنه يستنزف فيتامينات ب وتزيد الحاجة الى مضادات الأكسدة مثل فيتامين ج وهـ وبيتاكاروتين وسيلينيوم.

كما أن التوتر يؤثر على الغدد اللعابية، عند التوتر، تقلّ عملية إفراز إنزيم الأميليز )Amylase( الذي يكسّر الأطعمة، المنتجة من الغدد اللعابية، مما يفشّل عملية هضم الكربوهيدرات وبلع الطعام.

التوتّر والطاقة

التوتّر يستهلك طاقات الجسم، أي يستهلك العناصر الغذائية المخزّنة في الجسم، ويزداد الأمر سوءاً عند الأشخاص الذين يتناولون الكربوهيدرات المكرّرة عند توترهم، حيث يتأرجح معدّل سكر الدم مما يربك الجسم، ويضع مجهوداً على البنكرياس لينتج أنسولين أكثر ليتحكّم في معدل سكر دم منضبط؛ كما يُجهد الغدد الكظرية بالكلى لتنتج الكروتيزول )مهدىء( والأدرينالين )توتر(، هذا التأرجح يؤدي إلى انخفاض في معدل سكر الدم عن الطبيعي.

تُشير الدراسات إلى أن وجبة الإفطار ذات المكون الخاطىء والضار، تعطي شعوراً بالتعب وعدم التركيز، لذلك يجب البدء بوجبة إفطار صحية كاملة لتعطي الجسم نشاطاً خلال ساعات النهار.

التوتّر والبكتيريا التعايشية

التوتّر المزمن الطويل يؤدي إلى اضطراب البكتيريا التعايشية بسبب تغير بيئة الجهاز الهضمي، ويسمح للبكتيريا الضارة والخمائر والفطريات بالنماء؛ وهذا بدوره يؤثر على مناعة الجسم وحالة العناصر المغذية. فإن بكتيريا Lactobacillus plantarum p8  تُبعد التوتر

الابتعاد عن المنبّهات

والضيق وتُحسّن الذاكرة والوظائف المعرفية الإدراكية، لذلك يُنصح للأشخاص الذين يعانون من التوتر بتناول البكتيريا النافعة من خلال اللبن الطبيعي مع المكمّلات الغذائية، أو تناولها على شكل كبسولات بروبايوتيك.

التوتّر والمفاصل

للآلام المفاصل علاقة وثيقة بالتوتر وسوء التغذية، خاصة مفاصل الرقبة وأسفل الظهر. فالحبل الشوكي يعتبر المسار الرئيسي للشبكة العصبية في الجسم، كل التوترات العاطفية والنفسية والجسدية تتجلّى في الظهر تحديداً في الأسفل وكذلك الكتف.

التوتّر ينضب وظيفة البنكرياس

تأثير التوتّر على البنكرياس يكون واضحأً جداً، حيث يعطّل إنتاج الأنسولين وإنزيمات الهضم، وهما وظيفتا البنكرياس الأساسيتين. وعندما تطول فترة التوتر، فإن البنكرياس يصعب عليه الإستجابة الفورية أو السريعة ويصعب عليه التحكّم بمعدل السكر بالدم، فتنضب وظيفته.

تأثير التوتّر على الهرمونات

التوازن الهرموني يعمل على تناسق أداء وظائف الجسم، يشمل كل الجهاز المتعلّق بالغدد الصماء بما فيها الغدد البصرية والغدد النخامية والدرقية والكظرية وغدّة البنكرياس والمبايض والخصية. فالتوتر المزمن يسبّب زيادة في إفراز هرموني الأدرينالين والكورتيزون من الغدد الكظرية بالكلى، فتمسي مستنزفة منكمشة أو ضامرة. كما يسبب إختلال بالغدة الدرقية النظام الهرموني بالجسم مما يؤدي الى قمع الجهاز المناعي فيصبح الجسم عرضةً للعدوى والسرطانات وإصابات البرد والإنفلونزا.

التوتّر والتنفس

يتحكّم بالتنفس جهاز الأعصاب اللاإرادية وهرموني الأدرينالين الذي يزيد سرعة التنفس عندما يفرز بسبب التوتر، وهرمون النوادرينالين الذي يهدّىء الأعصاب والتنفس. إفراز الكثير من هذين الهرمونين بسبب التوتر، يؤدي الى عدم توازن جهاز الأعصاب اللاإرادية، مسبباً تعرّق اليدين وتسارع نبضات القلب وكذلك التنفّس. وبسبب كمية الأدرينالين الكبيرة في حالة شدةّ التوتر، فإن التنفس يميل الى السرعة والضحالة، مما يدفعنا إلى أخذ أنفاس عميقة للحصول على الأكسجين أكثر في مجرى الدم. فالتوتر له تأثير سلبي على معدل وعمق التنفس وكذلك على الجهاز الهضمي. لذا عند التوتر يُنصح بأخذ نفس عميق وبهدوء عدة مرات، أقلها ثلاث مرات، حتى يتأقلم مع الوضع ويهدأ، وبالمثل لذوي الضغط المرتفع.

كيفية التخلّص من التوتّر يومياً

تشير  »د. أماني الشيخ« إلى أن المواظبة على الخضوع للإسترخاء من خلال التدليك وحمامات البخار، اليوغا والرياضة من شأنها تخفيف القلق اليومي لدى الأفراد. وزيادة ساعات النوم التي يمكنهما تحسين المناعة وإبطال تأثير التوتر، فأقوى الكيميائيات المحفّزة للمناعة بالجسم

الرياضة واليوغا محفّزان لطرد السموم جراء التوتر

تنطلق خلال النوم العميق. كما أن الاسترخاء العميق يُنظم معدل التنفّس ويُخفض نبض القلب ويقلّل ضغط الدم ويُحسن حركة الدم من الأطراف إلى الأعضاء العليا الداخلية ويُحسن إفراز العرق ويُحسّن الهضم من خلال زيادة العصائر الهاضمة.

كما أن ممارسة الرياضة بانتظام تطرد السموم من الجسم وتحسّن عمل الجهاز الدوري وتزيد الطاقة، لذا من المفيد الحركة أو الترّيض مدة 30 ذ 45 دقيقة يومياً مع إتّباع نظام غذائي صحية.

مقاومة التوتّر بالغذاء

تشير  »د. أماني الشيخ« إلى أن بالغذاء يستطيع الفرد تجنّب التوتّر والأمراض من خلال: شرب 6 – 8 أكواب من الماء يومياً تنقي الكلى، وتفادي شرب المنبّهات، تناول الكثير من الخضروات الخضراء والفواكه والمكسّرات مثل البندق واللوز وكذلك السمسم والأسماك الطازجة والحبوب الكاملة. الابتعاد تماماً عن الطعام الصناعي والمكرّر والمهدرج، وتناول السكريات الطبيعية من الفواكه والعسل والرب التلبينة، عدم تناول اللحوم الحمراء التي ترفع مستوى هرمون الدوبامين والنوريبينيفيرين في الدماغ، وكليهما مرتبطين بإرتفاع نسبة الشعور الضيق والقلق.

مقاومة التوتّر بالأعشاب

لزيادة معدل الطاقة عند التوتر وتحسين القدرة العلية والأداء الرياضي تنصح  »د. أماني الشيخ« بشرب شاي الجينسينغ، الذي يحمي الجسم من التأثير الضار للتوتر والتعب البدني والذهني، كما أنه يدعم وظيفة الغدة الكظرية، شرب عرق السوس الذي يعمل على تسريع الأيض فيزيد الطاقة ويزيل سموم الجسم فيمنع الأكسدة وينبه الأستجابات الهرمونية للتوتر وهو مضاد للبكتيريا ولفيروسات. ومن الأعشاب الأخرى التي تخفف التوتّر: الزعتر، القرفة، الزنجبيل، الينسون والقميلة، الليمون والشوف.

 

 

 

 

العدد 89 –شباط 2019