بين المثقف والضوء شرٌّ لا بدَّ منه

نعيم تلحوق

نعم.. شرٌّ لا بدَّ منه، والعالم يتّجه لإيجاد صيغة يأتلف فيها مع نفسه والموجودات المحيطة.. يجب أن نصدّق أن الميديا هي القرية الكونية الصغرى، أن نتقبّل هذه الفكرة… لكنها غير ثابتة، الثبات دائما هو لله، للكلمة لا الصورة، لأنها لا تدرك دوامها… إذا حصلنا على تقرير لكاتب أميركي يقول إن السنوات العشر المقبلة، ستكون للفلسفة والفنون بعد أن أصبح البشري آلة رقمية… عبارة عن شريحة.. فلا يعود هناك مكان للأسرار.. سيتّجه السؤال بعدها.. ماذا بعد؟! ولماذا، والى أين؟ هذه الأسئلة ستعيد إنتاج صياغة حقيقة المشهد الثقافي والاجتماعي والإعلامي برمّته… سنعود الى القراءة والى الكتاب والى الصفحات البيضاء.. الحنين يصنع الذاكرة.. والإلفة تقيم الاحتدام… لهذا سيبدأ عصر اللماذا، والكيف، والجمال بعناصر دفينة… العالم لم يخرج عن صمته بعد… والتواصل الاجتماعي حركة من حركات النشاط الذهني المواكب لحركة التطور البشري… لكنه ليس إنسانيا بالمطلق… الإنسان بمعناه ليس إسم جنس بل صفة نوع… والحياة تأخذنا الى ما بعد الرقم، وبعد الحدث اللحظوي…

الشّر الذي نتحدث عنه واقع لا محالة، إذا كان العقل البشري هو الذي يصنع الروبوت ولكني لا أظنّه سينتصر عليه، يبقى الكتاب هو السّر الذي لا تمحوه الذاكرة، لأنه تكريس للبياض، النقاء… إنها طفرة الميديا السريعة التي تجعلنا نلتبس… الميديا لا تعيد صياغة الجمهور، لأنه معجوق في حاله وملتبس على ذاته، لكثرة المعلومات التي تقع عليه، من هنا الميديا السريعة غير مرتكزة على ثبات.. الميديا تجعلك مشهورا لكن لا تجعلك متداولا عبر الزمن.. الميديا توصل فكرة ناقصة، لكنها غير ناضجة الأمد… لأنها سريعة ومتعجرفة ومشوّهة، وترتكز على المعلومة الإعلانية السريعة لا المعلومة الهادفة المستقرّة… هي طبعا شرٌّ لا بدَّ منه… لكنها شرٌّ يُستغنى عنه…

العدد 90 – اذار 2019