السرطان في العراق

الدكتور هيثم الشيباني

خبير في البيئه

كلما لاح اسم السرطان في العراق، يجد البعض شماعة (اليورانيوم المنضب) ليضع عليها اللوم بسهولة ثم ينصرف.

ان اليورانيوم المنضب ناتج ثانوي من عمليات تخصيب اليورانيوم لذلك يتوفربسهولة وبأسعار قليلة جدا، وله تطبيقات تجارية وعسكرية كثيرة منافسه للمواد الأخرى ذات الكثافة العالية مثل التنكستن غالي الثمن. ان الأشعة الرئيسية التي يطلقها اليورانيوم المنضب هي أشعة ألفا وبيتا أيضا وقابليتها على خرق المواد محدودة جدا، الا أن قابليتها عل احداث التأين كبيرة جدا عند دخولها إلى الجسم الحي ودرجة سميتها عالية جدا.

ان عمر نصف اليورانيوم المنضب هو 4. 468 بليون سنة، ويمكننا أن نتصوربقاء تأثيراته المضرة طيلة هذه الزمن الطويل.

حيث أن له قابلية على خرق أقوى الدروع والجدران الكونكريتة المسلحة، وكونه رخيص الثمن ولقدراته الاشعاعية والسمية والحارقة فقد وجدته الدول الكبرى وشبه الكبرى العتاد المفضل في الدبابات والطائرات والصواريخ.

تأسيسا على ما ذكر أعلاه فان خطورة اليورانيوم الأكبر على البشر ناجمة من التعرض الداخلي أكثروأسرع من التعرض الخارجي، وذلك عند دخول المادة إلى الجسم عن طريق الجهاز الهضمي والجهاز التنفسي والجروح، وتسلله إلى التربة ومياه الأنهار والبحيرات. أما التعرض الخارجي فيكون بطيئ التأثير.

منذ عام 1991 تراكمت على العراق مصادر كثيرة من التلوث الاشعاعي والكيمياوي والبايولوجي، مصحوبة بشحة الدواء وفقدان المؤسسات الصحة أبسط المقومات والهياكل التنظيمية من الملاكات البشرية واللوازم المادية المطلوبة للوقوف أمام هذا الغزو المدمر، والتصدي لأشرس ما عرفه العراق منذ قرون من الزمن.

كل هذا فصلناه بوضوح مصحوبا بالأمثلة والصور والوثائق في مقالاتنا السابقة.

وعلى الرغم من الحاحنا على خطأ الحكومة بدمج وزارة البيئة ضمن مظلة وزارة الصحة المتهالكة نفسها. ولسنا هنا نشيد بوزارة البيئة لكننا نستقصي عن مصير قانـــون وزارة البيئة رقم (37) لسنة 2008 ودمجها بوزارة الصحة.

يؤيد عضو لجنة الزراعة والمياه والأهوار في البرلمان السابق علي البديري

 بأنه خطأ ستراتيجي فادح تتحمله الكتل السياسية التي صوتت على قرار الدمج في الدورة النيابية السابقة فيما اشار إلى ان ما تعانيه البصرة من تلوث بيئي وتدهور صحي سببه إلغاء تلك الوزارة، وأن وزارة البيئة من الوزارات الأساسية لأنها ترتبط بصحة المواطنين، وأن اعتبار تلك الوزارة شيئا ثانويا ودمجها بوزارة الصحة يعطي دليلا واضحا على عدم دراية وتخطيط وستراتيجية مدروسة للوضع المؤسساتي ونوعية وحجم التحديات التي تواجه البلد. وأضاف أن الذين صوتوا على عملية الدمج في البرلمان يتحملون المسؤولية عن التلوث الذي حصل بالبصرة والذي سيصيب باقي المحافظات العراقية تباعا نتيجة للتراكمات المستمرة للمواد الملوثة للبيئة دون جهة مختصة بمتابعة تلك المخاطر.

ودعا البديري إلى اعادة النظر بوضع البيئة والغاء قرار الدمج مع وزارة الصحة.

واعتبارها وزارة أساسية واستراتيجية وابعادها عن الصراعات السياسية، كونها ترتبط بحياة المواطنين بشكل مباشر.

ان ما ورد أعلاه يتفق مع ما طرحناه وأكدنا عليه، ونضيف أنه قد آن الوقت أن تتحرك كل من الصحة والبيئة مهما كانت تسميتها أن تعلن النفير ويشمر منتسبوها عن سواعدهم، وزيادة ساعات دوامهم والتغاضي عن رخاء العطل المصطنعة ورفع شعار (المواطن أولا).

اطفال مصابون بالسرطان

يتطلب الاستثمار الأقصى للمنظمات الدولية مثل منظمة الصحة الدولية والوكالة الدولية للطاقة الذرية وبرنامج حماية البيئة للأمم المتحدة. وأن هذه المنظمات مستعدة لمعاونة العراق باعتباره بلدا منكوبا على نفقتها، وذلك بفتح الدورات للملاكات البشرية بمختلف مستوياتهم الفنية والوظيفية وارسال الخبراء إلى العراق لحل المعضلات الشائكة التي يواجهها العراق في مجالي الصحة والبيئة. كما أن للعراق حق على هذه المنظمات فيها لأنه عضو مؤسس فيها.

لقد استطعنا من خلال منظمة الطاقة الذرية العراقية، استثمار جسور التواصل مع المنظمات الدولية على طريق واضح المعالم في الاستخدامات السلمية للطاقة الذرية، أن نحصل على عدد من أجهزة الاستطلاع والكشف الميداني المحمولة، ومنظومات مختبرية متطورة في التحليل الطيفي للأشعة المؤينة. كذلك فرصا لتدريب الكوادر الفنية في فينا أو دول الأعضاء. وحضور الندوات وورش العمل والمشاركة بالمؤتمرات النوعية العربية والعالمية. وبالتالي التوصل إلى تأسيس قاعدة علمية فنية مشبعة بالمتخصصين والأجهزة المتطورة، التي تستطيع القيام بواجباتها أمام أي كارثة بيئية، أو عدوان مسلح مقرون بأسلحة التلوث الاشعاعي والكيمياوي والبايولوجي.

 كانت استعداداتنا الوقائية تبنى بالعمل المدروس والمحسوب بدقة، بدعم وتشجيع وتجاوب كبير من قبل رئيس منظمة الطاقة الذرية العراقية الذي نهض بالمنظمة يعاونه المخلصون فيها، وجعلها ترقى إلى منزلة أرقى المنظومات العلمية البحثية في العالم، إلى أن حصل القصف المدمر لموقع التويثة الذي عشنا معه وفيه في حرب عام 1991.

لقد آن الوقت للحكومة الحالية متمثلة بالوزارات المتخصصة، أن تقدم الخدمات الصحية للمواطن العراقي كي يستغني عن التعثر على أبواب سفارات الهند وايران وأية دولة، طلبا للفحص والعلاج، بحيث يتباهى المواطن ويكون سعيدا بمستشفيات بلاده كما كانت مدينة الطب، ومستشفى ابن البيطار، ومستشفى الرشيد العسكري، ومستشفى الجملة العصبية ومستشفيات أخرى كثيرة كانت منتشرة في عموم البلاد.

وبنفس الوقت يتطلب التحرك على كل بلاد العالم لترغييب الملاكات الطبية والأكاديمية والفنية العراقية لمد اليد إلى العراق ومعظمهم متحمس لهذه الخدمة بتأمين الشروط المؤكدة لنظام الرواتب والعيش الكريم وضمان الأمان.

ان الانسان العراقي يستحق توفير هذه الخدمات، وهي حق من حقوقه ولا منة لأحد عليه.

وهي ترجمة لتحقيق السيادة الوطنية بالفعل والعمل الجاد المخلص بشكل عملي دون شعارات.

بعد توقف المدافع في الحرب على العراق في عام 1991 مباشرة تلقيت تكليفا برئاسة لجنة أطلق عليها لجنة دراسة ومتابعة آثار الحرب على البيئة في العراق. وحدد أمر التكليف أن تسمي الوزارات والهيئات المستقلة ممثلا عنها عضوا في اللجنة. ترتبط اللجنة بأمانة مجلس الوزراء.

بدأت اللجنة أعمالها فور تلقي أمر التكليف.

رشحت الوزارات المعنية بالواجب، أفضل وأكفأ الأشخاص لهذا العمل الذي بدأ صغيرا بالعنوان حتى توسع إلى مشروع شامل كبير، لعموم العراق ومفاصله الحيوية في هذا الموضوع.

شكلت اللجنة مجاميع وفرق ميدانية، انتشرت في عموم البلاد مع التركيز على أكثر مناطق العراق تعرضا ودمارا وقصفا ينيران العدو الصاروخية وقنابل الطائرات. وكان موقع التويثة النووي الأصعب لكونه يحتوي على المفاعل النووي السلمي الروسي المخصص للأبحاث والتطبيقات السلمية. وتزامن مع هذا الواجب أن منظمة الطاقة الذرية قد كلفتنا رئيسا لهيئة الطوارئ قبل الحرب وخلالها وما بعدها.

لأننا ننتمي إلى موقع التويثة النووي، فقد كانت معلوماتنا زاخرة من المعايشة الميدانية للقصف المعادي الذي لم يتوقف على مدار الساعة منذ بدء العدوان حتى قرار وقف اطلاق النار.

ومن معطيات الخبرة المتراكمة توصلت لجنة دراسة ومتابعة آثار الحرب على البيئة في العراق إلى الكشف عن اليورانيوم المنضب، في أماكن كثيرة من أرض العراق، تلك البقع من الأرض التي لم تميز بين القطعات العسكرية والأماكن المأهولة بالمدنين بضمنهم الأطفال والشيوخ والنساء حتى الحوامل منهم.

أوصت اللجنة بثقة تامة عن كشف اليورانيوم المنضب، وضرورة ان تعلن الحكومة عالميا عن هذا الدليل الدامغ على بشاعة الأسلحة التي استهدفت العراق. لكن داءرة الاعلام الخارجي في وزارة الاعلام لم تتفق مع مقترحنا. (رددت مع نفسي المثل العراقي المشهور: ان مغنية الحي لا تطرب)وتوكلنا على الله.

لم يتوقف قصف العراق باليورانيوم المنضب في مرات متقطعة بعد وقف اطلاق نار حرب عام 1991 ثم عاد القصف على عموم العراق بشكل أشرس وأكثر كثافة عند احتلال العراق في عام 2003.

استفادت اللجنة من كافة أجهزة الكشف عن الاشعاع المحمولة، والمختبرات التحليلية لأطياف الأشعاع، التي نجحنا في منظمة الطاقة الذرية في ابعادها عن القصف المعادي. فاستعملها أفراد الكشف والاستطلاع من أعضاء اللجنة، الذين تدربوا بشكل جيد ضمن منظمة الطاقة الذرية ووزارة أخرى.

هذه الأنشطة كلها قد ترجمت بشكل عملي توجهات العراق السلمية في استخدام الطاقة النووية التي كانت صميم عملنا وتوجهنا.

في الوقت الذي أنجزنا فيه تقرير اللجنة وتقديمه بشكل متكامل مع كافة الملاحق الفنية والخرائط إلى أمانة مجلس الوزراء دخل إلى العراق عالم ألماني (سيكوارت هورست كونثر) على نفقته الخاصة باحثا عن اليورانيوم المنضب في ميادين المعارك وحطام الأسلحة المقصوفة، وزار

الاطفال المرضى ينتظرون دورهم للفحص الطبي

الأحياء الفقيرة والقرى المنكوبة والمليئة بضحايا هذا السلاح المتوحش. التقط اطلاقة يورانيوم غير منفلقة، وأخذ عينات من(ادرار) الأشخاص الذين تأثروا بالقصف، لغرض تحليلها في مختبرات بلاده ألمانيا.

التقينا مع هذا العالم الجليل، ورتبنا له لقاءات مع المسؤولين في الجهات الفنية المتخصصة في وزارات الدولة. بعد ذلك غادر إلى بلاده ووعد بأنه سوف يتحدث إلى وسائل الاعلام الألمانية ويؤيد استنتاجاتنا المؤكدة، التي أعجب بها من حيث المنهجية العلمية والمهنية العالية للقائمين بالعمل.

أما في حرب احتلال العراق في عام 2003 فقد تجاوز القصف باليورانيوم المنضب أكثر مئات المرات عن الحال في حرب عام 1991  وكأن العدو كان متأكدا بعد تحريك مجساته ومصادر معلوماته

من النتائج الكارثية لهذا السلاح البغيض في احداث الموت الجماعي، والتشوهات الخلقية المروعة، وحالات الاجهاض المبكرة الكثيرة جدا، وأعراض مرضية أخرى تنتهي معظمها بالسرطان ثم غالبا بالموت.

لقد تزامنت مع الكارثة باختصار شديد أعلاه، كوارث لا تقل بطشا بأرواح العراقيين مثل المواد السامة التي تسللت إلى السلة الغذائية (ان توفرت) والمواد الكيمياوية التي تستورد دون ضوابط ولا سيطرة نوعية والأدوية مجهولة المنشأ أو التي توضع داخل حاويات مغشوشة كي تبدو وكأنها أصلية لغرض الربح الحرام، وتراكم النفايات الصلبة والسائلة بشكل عشوائي دون معالجة، وقيام الكثيرين بالقائها في الأنهار وتسريبها إلى المجاري العامة ومجاري الأمطار. وتلوث مياه الشرب والأنهار وروافدها، وغياب شبه كامل لمنظومات آدمية لمياه المجاري وتراكم النفايات الصلبة داخل المدن وبين الأزقة والشوارع المحيطة بالمدارس والمؤسسات الحيوية وحتى مبنى أمانة بغداد.

قبل أن أنتقل إلى صفحة احتلال العراق بعد 2003 لا بد من التأكيد أن العراق تصدى للتلوث الاشعاعي والبيئي بقدرات كبلتها العقوبات على العراق بعد عام 1991 ولم يكن مسموحا له شراء أي جهازأو مادة تعليمية حتى ولو قلم رصاص ولاالمشاركة في أي نشاط تدريبي وقائي سلمي، وكان يعمل بالمتبقي من المواد والبشر التي سلمت من القصف. وكانت الأدوية ممنوعة فعانى بسسببها مرضى الحالات المزمنة مثل ضغط الدم والقلب وكذلك السرطان.

وهنا لا بد أن أشيد ببعض الشرفاء الوطنيين الذين تطوعوا مجانا بالسفر على نفقتهم الخاصة وشراء الأدوية المهمة لأنقاذ حياة المرضى، والتحرك مع المنظمات الانسانية غير الحكومية لهذا الغرض، وفي مقدمتهم الأستاذ الراحل الدكتور وميض جمال عمر نظمي.

عجز العراق بعد عام 2003 عن اعادة البنية التحتية التي تبخرت عن الفعل الايجابي، كي ينهض على قدميه وينجز خططا يتمناها كل مخلص شريف، في حين أن القيود والحواجز رفعت من أمامه وصارت دول الغرب والدول العربية والأسلامية والوكالات الدولية والمنظمات الدولية المرتبطة بالأمم المتحدة متاحة أمامه دون قيود الحصار العالمي والكابوس الذي كان جاثما على صدر العراق. حتى أن (الفزعة الدولية) التي استقطبت معظم الدول العربية والأجنبية الراغبة باعادة بناء العراق في دولة الكويت، فشلت وعاد الجميع إلى ديارهم تلاحقهم قلوب العراقيين الذين تشبثوا بسراب الاعلام وأوهامه.

 لقد كانت الترجمة لبرهان العلاقة بين اليورانيوم المنضب والسرطان في العراق، عندما شارك العالم والطبيب الألماني سيكوارت هورست كونثر في بحث وصف فيه مشاهداته العينية في 30 يوليو/ تموز 1999 في المؤتمر الدولي حول السرطان الوبائي الذي أقيم في العراق، وعلاقته المحتملة باستخدام التحالف لأسلحة اليورانيوم المنضب ولقي هذا البحث حفاوة من قبل الحكومة العراقية واعتبرته من الوثائق المهمة للحالة الصحية في العراق خلال العقد الأخير. الباحث هو نفس العالم الذي تعرفنا عليه أثناء تقديمنا التقرير الذي أثبتنا فيه وجود اليورانيوم المنضب ضمن مسئوليتنا عن لجنة أثار الحرب على العراق بعد وقف اطلاق النار. وقد أشاد بالعمل والمنهجية التي كانت لجنتنا تطبقها منذ ثمانية سنوات.

وكان مضمون البحث ما يلي:

مقدمة

نتيجة لحرب الخليج الثانية فإن الفقر في العراق – الدولة النفطية الغنية سابقا- قد وصل إلى أعلى من 70 خلال رحلتي الأخيرة إلى بغداد (1998).

شاهدت في الصباح والمساء أطفالا يبدو على أجسامهم الهزال وتكسوهم القذارة يحملون حقائب ويبحثون في أكوام النفايات عن شيء ليأكلوه تأتي الكلاب في الشوارع خلال الليل، وبعضها مريض للغاية لتتغذى كذلك على أكوام النفايات وسط نباح عال.

يعتمد الشعب المسكين تماما على طعام الدولة والتي تكفي لأسبوعين فقط أما الطعام الغني بالبروتين والخضراوات فمتوفر فقط في الأسواق الحرة. وجدت أسعار العديد من المنتجات آلاف الأضعاف عما كانت عليه قبل عقد من الزمن واستقر معدل دخل العائلة العراقية عند 2000 إلى 3000 دينار عراقي (الدولار الأميركي يساوي حوالي 2300 دينار عراقي) بينما سعر كيلو اللحم أو السمك يصل إلى 1800 دينار عراقي وسعر كيلوغرام واحد من الطماطم مائتي دينار عراقي.

بموجب احصائيات اليونسيف، فإن حوالي 860 ألف طفل عراقي تحت سن الخامسة يعانون من سوء التغذية. وفي مارس/ آذار 1994 توفي 11480 طفلا في هذه السن بينما تبلغ نسبة الوفيات حاليا خمسة آلاف إلى ستة آلاف في الشهر الواحد.

يصاب هؤلاء الأطفال وبشكل مستمر بالأمراض المعدية، وبشكل خاص شلل الأطفال والسل والتدرن الرئوي وتيتا ناس الكزاز والسعال الديكي والخناق وحتى الحصبة سببت وفيات عالية. تم تشخيص إصابات كبيرة من الأطفال باللوكيميا وفقر الدم (اضطرابات نخاع العظم). في جنوب العراق.

بسبب أسلحة اليورانيوم المنضب التي استخدمتها قوات التحالف، سجلت جمعية الأم تيريزا حالات كثيرة من السرطان والتشوهات، اذ أن هذه القوات استخدمت بحدود 300 طن من هذا السلاح، وتم تحديد مواقع سقوط الذخيرة في العراق والكويت والسعودية.

وحيث أن هذه الذخيرة شديدة السمية والاشعاع فيجب خزنها في مخازن محصنة، ولما كان التحالف يملك كميات كبيرة جدا منها، فانه يقدم لمن يطلبها مجانا أو بسعر رخيص.

خصائص اليورانيوم المنضب:

أثقل مادة معروفة.

قذائف اليورانيوم المنضب المطورة باستخدام التقنية الألمانية مناسبة أكثر من غيرها للدخول في تصفيح عدة الفولاذ الحربية.

 مادة غير قابلة للاشتعال عندما يتم اختراق إلدروع الحربية، فإنه يحرر مواد عالية السمية والإشعاع وهي أوكسيد اليورانيوم، بينما هو يحترق.

من تقارير المخابرات أن الألمان قد خططوا لاستخدام الإشعاع في نهاية العام 1943. فمن المحتمل أن يعود تطوير القذائف الخاصة إلى ذلك الوقت وقد كان جواسيس الولايات المتحدة على علم بذلك.

خلال أسابيع قليلة بعد نهاية حرب الخليج الثانية في مايو/ أيار 1991 وجدت في ساحة معركة في العراق قذائف بحجم وشكل سيجار، التي كانت أثقل بشكل غير اعتيادي وكانت بلون مشابه للرصاص.

بعد قرابة عام وفي مارس/ آذار 1992 رأيت أطفالا يلعبون بهذه القذائف في جنوب العراق خارج البصرة على القرب من الحدود مع الكويت. وقد ظهرت عاى أحد أطفال هذه المجموعة أعراض اللوكيميا (سرطان الدم) الذي سبب وفاته لقد شغل هذا الحادث بالي، وطلبت من

مخلفات الحرب الملوثة باليورانيوم المنضب

الشرطة العراقية جمع تلك القذائف كما قررت البحث عنها بنفسي أيضا.

وفي نهاية العام 1991 شخصت مرضا لم يكن معروفا سابقا في العراق وكان نتيجة اضطرابات الكلية والكبد. وقد أعلنت عن ذلك في الثامن والعشرين من أكتوبر/ تشرين الأول 1991 تحت عنوان هل الأطفال العراقيون ضحايا أسلحة نووية بايولوجية كيمياوية؟

في ديسمبر/ كانون الأول 1991 بالكاد نجوت من محاولة اغتيال تكررت في ألمانيا في الثالث من يناير/ كانون الثاني 1993 عندما كنت مصابا إصابة خطرة إلى ذلك فقد سبب لي البحث عن واحدة من تلك القذائف غير الاعتيادية صعوبات حقيقية في ألمانيا فقد كانت سامة جدا وفعالة إشعاعيا كما أن غلاف القذيفة كان فعالا إشعاعيا أيضا.

لقد أمسك القذيفة وغلاف القذيفة عدد كبير من الشرطة الألمانية يلبسون ملابس واقية تحت إجراءات أمنية مشددة للغاية ونقلت في حاوية خاصة وخزنت في موقع آمن بعيد عن أي مراكز سكانية.

وبعد أسابيع قليلة تم اعتقالي وأخذت إلى الحجز بسبب حيازتي على الاشعاع وقد أسيئت معاملتي أثناء الحكم علي بالسجن وقد أمرت بالحضور إلى المحكمة في الرابع من يناير/ كانون الثاني 1999 وتم إعلامي بأنني يجب أن أرسل إلى وحدة علاج نفسي مغلقة ربما رغما عني. في تلك الأثناء تم إيقاف معاشي بشكل متكرر وقد رفضت السلطات الألمانية قبولي في خطة معاش الضمان الصحي.

عند عودتي من الخارج تعرضت للهجوم في ألمانيا وسرقت مني حقيبة تحتوي على وثائق مهمة ومنذ 28 أبريل/ نيسان 1998 كنت تحت وصاية الشرطة وعلي أن أقدم تقريرا للشرطة المحلية مرتين في الأسبوع كما حرمت من وظيفتي وهاتفي.

قامت احتجاجات دولية مدعومة بالالتماسات ضد سلوك السلطات الألمانية خلال السنوات الخمس الأخيرة فكنت قادرا على تنفيذ تحريات مفصلة في العراق. تبعا للنتائج فإن ملامسة ذخيرة اليورانيوم المسلح التي وجدتها سيقود إلى ما يلي خاصة عند الأطفال:

تدهور في نظام المناعة مع ارتفاع حاد في الأمراض المعدية.

انتشار واسع للبثور الجلدية أو الحصبة حتى لدى الأطفال الرضع.

أعراض مشابهة للإيدز حتى لدى الأطفال الرضع.

اضطرابات الكلى والكبد التي تنتج في مرض لم يكن معروفا سابقا والذي قد سمي الآن (مورباس كانذر) MORbUS-GUNTHER).

لوكيميا (سرطان الدم).

الأنيميا (اضطرابات نخاع العظم) أو السرطان.

تشوهات جينية والتي تحدث كذلك في الحيوانات.

الإجهاض أو الولادات السابقة للنضج لدى النساء الحوامل.

لقد أعلم جنود التحالف في حرب الخليج حول مخاطر قذائف اليورانيوم المنضب بعد أسبوع واحد فقط من انتهاء الحرب وفي محاضرة في واشنطن تبين لي أنه خلال حرب الخليج فإن قائد التحالف لم يتم إعلامه بالتأثيرات الجانبية لقذائف اليورانيوم المصنعة باستخدام التقنية الألمانية.

تعليق: ان عدم المبالاة هذا أدى تعرض جنود العدو وأسرهم إلى اصابات وأمراض خطيرة، مما دفع هؤلاء الجنود إلى مقاضاة حكوماتهم أمام محاكم دولهم)

وقد أظهرت نتائج تحرياتي تشابها مع ما يدعى بـ (أعراض حرب الخليج) الحاصلة لدى جنود التحالف وأطفالهم. إن التشوهات الجينية متشابهة لدى الأطفال الأميركان والإنكليز والعراقيين. وكما في جميع المعادن الثقيلة مثل الرصاص Cadmium فإن اليورانيوم سام بدرجة عالية ولا يفترض أن يلامسه الناس.

 اكتشفت أن الجرعة على سطح قذيفة اليورانيوم هو 11 مايكروسف McsrosV في الساعة في ألمانيا، والجرعة السنوية المسموح بها هي 300 مايكروسيفرت.

السيفرت هي وحدة لقياس جرعة الاشعاع المكافئة Sv وهكذا فإن التعامل مع مثل هذه القذائف سيعطيك أكثر من الجرعة السنوية في يوم واحد.

لقد رأيت أطفالا يلعبون بـ12 قذيفة من هذه القذائف رسم عليها دمى وتبعا لتقديرات سلطة الطاقة الذرية البريطانية فإن قرابة 40 طنا من تلك الذخيرة قد ترك مستقرا حول منطقة الحدود للكويت ويعتقد خبراء آخرون أن الرقم 300 طن. قامت إحدى الشركات البريطانية بفسخ عقد لإزالة ذخيرة اليورانيوم بسبب الخطر الصحي على موظفيهم.

بلغ عدد المصابين بأعراض حرب الخليج بين العراقيين 250ألف من الرجال والنساء والأطفال.

وبما أن هذه المناطق من الصحراء لها أيضا فترات من الأمطار فإن الجزيئات المشعة تدخل إلى المياه الجوفية وأخيرا إلى سلسلة الغذاء. إنها تمثل مصدر خطر طويل المدى إلى المليون شخص الذين يعيشون في هذه المنطقة وهي تبعا لآخر التحريات البريطانية فإنها قد حصلت في وقت مسبق.

ملاحظة: ان تسلل اليورانيوم المنضب إلى المياه الجوفية ثم إلى السلسلة الغذائية ينطبق على معظم مناطق العراق وهذا يفسر انتشار التلوث وبالتالي انتشار الاصابات السرطانية.

وقد أخبر رجال القبائل البدوية أن المئات من الجمال والخراف والطيور التي كانت قد استخدمت هدفا للتمرين من قبل القطاعات الأميركية هي ممددة الآن في ساحة المعركة لصحراء الكويت.

على كل حال فإن تحريات من قبل طبيب بيطري أميركي وخبراء في الأمراض المعدية أظهرت أن تلك الحيوانات لا تحمل أي علامات لجروح الإطلاقات النارية كما أنها لم تتعرض لوباء بعض الحيوانات الميتة، قد أغارت عليها الحشرات التي ماتت هي الأخرى حسب مصادر إعلامية أميركية. وبطلب من السعودية فإن جميع المعدات العسكرية والعجلات المدمرة بذخيرة اليورانيوم يجب أن يتم جمعها من قبل جيش الولايات المتحدة ونقلها إلى أميركا لقد دفنت في الصحراء في وقت سابق.

وتبعا لمعلومات من الولايات المتحدة فإن أمراض حرب الخليج قد عزيت إلى التلقيح والتطعيم ضد الملاريا ومانع الحشرات ومواد ضد الغاز المثير للأعصاب ولكن أيضا هي متعلقة بذخيرة اليورانيوم.

ملاحظة: (هذا جهل أو تجاهل)

لم تستخدم الغازات السامة في حرب الخليج رغم أن شركة من ألمانيا الغربية ساعدت العراق على بناء معمل للغازات السامة في سامراء وإنتاج القنابل اليدوية المناسبة وشركة أخرى من ألمانيا الشرقية زودتهم بمعمل لاملاء 122 ملليمترا من القنابل اليدوية معا.

هذا المعمل دمر تماما في القصف أثناء حرب الخليج لقد تم اختبار للقطعات يدعى أعراض التقنية الألمانية بعد تسعة أيام من نهاية الحرب وأخبر الجنود ذوو الخبرة الطويلة في حرب الخليج عن مرض يتضمن ظهورا لمختلف أعضاء الجسم وسقوط الشعر والأسنان أو السرطان كما حملت الموظفات العسكريات الحوامل أطفالا مشوهين واعتبر أحد الأميركان أن العديد من جنود حرب الخليج يخشون الآن أنهم قد استخدموا (كفئران تجارب) في تجربة إشعاعات.

وتبعا لما جاء من قبل رئيس جنود حرب الخليج الأميركان فإن ما بين 50000 إلى 80000 موظف في الجيش الأميركي قد تأثر بما يدعى (أعراض حرب الخليج). و39000 منهم يجب تسريحهم من الواجبات العسكرية الفعالة بينما ما بين 2000 و5400 منهم ماتوا. وفي المملكة المتحدة عانى قرابة 40 ألف جندي من (أعراض حرب الخليج) والذين توفي منهم 19 فردا.

مع ذلك فإنه تبعا لما جاء في تقارير أخرى فإن أكثر من مائة من الوفيات قد وقعت مسبقا كما أطلع الجنود الإنكليز مجلس العموم على أطفال مشوهين وأعادوا أنواطهم العسكرية في الوقت نفسه. وتأثر أيضا الجنود الأستراليون والفرنسيون والكنديون بـأعراض حرب الخليج. وتتزايد الأمثلة على مثل هذا المرض في الكويت.

يبلغ عدد الاصابات بمثل هذه الأعراض إلى 250 ألفا من الرجال والنساء والأطفال العراقيين ونسبة الوفيات عالية أما الأطفال فانهم يخضعون للإصابة باللوكيميا (سرطان الدم) وقد تم تسجيل 1050 حالة – خمسة أضعاف ما كان قبل الحرب -، في واحدة من مستشفيات العراق، ويأتي المرضى بشكل أساسي من جنوب العراق.

وقد لاحظ الأطباء في البصرة أن 765 مريضا مصابا بالسرطان جاءوا من المنطقة الزراعية غربي البصرة حيث كانت هناك معركة للدبابات في العام 1991.

وفي مارس/ آذار 1994 تم الإخبار داخل الولايات المتحدة عن كون ما بين 251 عائلة من جنود حرب الخليج في ولاية المسيسيبي فإن 67 من أطفالهم ولدوا مع تشوهات مثل فقدان العيون والأذن والأصابع والأيدي والأرجل أو يعانون من اضطرابات خطيرة في الدم أو صعوبات في التنفس ولدي صور لهؤلاء الأطفال.

في تلك الأثناء صادق رئيس جنود حرب الخليج الأميركان على شكوكي، بأن تلك الأمراض مساوية للكارثة النووية في تشرنوبيل Chernobyl في العام 1986. على كل حال فإن إصابات مماثلة وقعت في مركز أوروبا.

وفي ما يتعلق بهذا فأنا أذكر تحطم الطائرة الأميركية المحاربة A10 فوق ريمس هيد (Remscheid) عام 1988 وطائرة النقل الإسرائيلية EL-AI التي كانت عائدة من الولايات المتحدة وتحطمت فوق أمستردام عام 1992. وقد زعم أن كلا الطائرتين كانتا تحملان مواد مشعة بما في ذلك قذائف اليورانيوم.

في الفترة التي لحقت وقوع الحادثتين كانت هناك شواهد متزايدة لاضطرابات البشرة من إسهال شديد ولوكيميا (سرطان الدم) عند الأطفال وأطفال مشوهين في تلك المناطق وقامت مؤسسة سويدية باختيار 15 شخصا كانوا في موقع التحطم في أمستردام، وكلما ازدادت الفترة التي بقوا فيها هناك ارتفع مستوى اليورانيوم الموجود فيهم. في نوفمبر/ تشرين الثاني 1996 تم الإعلان عن أن ألف طفل يعانون الإصابة بأعراض غير معروفة المنشأ في يوغسلافيا السابقة. أعراضهم كانت مشابهة لأعراض الخليج وأخذ أكثر من 600 طفل إلى المستشفى.

في ديسمبر/ كانون الأول 1997 ويناير/ كانون الثاني 1998 أعلن الإعلام البوسني عن زيادة مأساوية في حالات اللوكيميا والسرطان والأطفال المشوهين في بعض أجزاء البلاد وإصابات غير اعتيادية بالأمراض حصلت أيضا في الأبقار واضمحل إنتاج الحليب بشكل متتابع وفي بعض الأحيان توقفت تماما نسبة الدم في الحليب وكانت عالية جدا غالبا ولا تصلح للاستخدام البشري. في بعض الحالات كانت ولادات الأبقار مشوهة أيضا بغير جلد على أقدامها وبغير حوافر وألسنة وتم اكتشافه أيضا في أنواع أخرى من الثدييات. كما كان ظاهرا تغيرات في النباتات والخضروات. كانت هناك فواكه قليلة جدا ليس فيها تشوهات كما تشكل طحلب غريب.

وتبعا لما جاء في التحريات التي قام بها معهد الأبحاث الذرية في فينكا (VinCa) فإن الإشعاع الذري بعد قصف الناتو ازداد إلى مستويات خطيرة عندما تم استخدام ذخيرة اليورانيوم المستندة على التقنية الألمانية. وعلم أن الأطفال الرضع اللاجئين في كوسوفو أصيبوا بحصبة واسعة الانتشار وهي غير اعتيادية بين الأطفال الرضع، وقمت بالتحري عن الآثار الجانبية الخطرة في حوالي 30 من المرضى الذين تمت معالجتهم في ما يدعى بـمركز علاج(الإشعاع الذري في ألمانيا الغربية) إصابات مرضية وحصبة تشير إلى انهيار نظام المناعة).

أنا سعيد بشكل خاص بأنني وبشكل أولي عرضت بشكل تام مناظراتي في المناقشات وبعد ما قدمت دليلي تمكنت من إقناع زملائي أيريك هوسكنز والريك كودستين بتكرار الآثار الجانبية لقذائف اليورانيوم المصنوعة باستخدام التقنية الألمانية منذ حين طلب مني طبيب ومحام ألمانيان تزويدهما بالوثائق إذ إن موظفا في معمل صناعة الدبابات المدرعة مريض للغاية. وقد أوضحت تكرارا في محاضراتي أن ألمانيا مطالبة بإعطاء التعويضات لكل من يصاب بقذائف اليورانيوم وأنا أفكر بشكل خاص بالعديد من الأطفال المرضى وأولئك المشوهين.

كطبيب وعالم فأنا أجادل مرة أخرى لأجل وضع حظر على استخدام ذخيرة اليورانيوم المنضب التي تمتلكها جيوش تسع دول الآن هذه الدعوة هي أيضا في ما يخص الأسلحة الليزرية المطورة مؤخرا والتي تسبب عمى لا شفاء منه عند استخدامها.

انتهت محاضرة البروفسور كونثر
ان الأمثلة كثيرة كي تتصدي الأمم للكوارث التي ألمت بها وحتى الهزائم في الحروب، تتحقق عند وجود الارادة وحزم القيادة والبنيان المؤسسي والوطنية الحقة.

واليوم على العراق أن يستلهم ماضيه المشرف ويتصالح مع نفسه، ويشمر الرجال عن سواعدهم ويفعل العناوين الغائبة أو المغيبة.

في كارثة التلوث البيئي وفي مقدمتها التلوث الاشعاعي والانهيار الصحي يتطلب أن يمارس الجهاز المركزي للتقييس والسيطرة النوعية دوره في فحص وتصديق كل مفردات السلة الغذائية التي يعيش عليها المواطن، مهما كان مصدرها من الخارج أو الداخل أو عابر للحدود البرية والجوية والبحرية واستكمال مختبرات الصحة والسلامة في كافة مرافق الدولة الرسمية والأهلية. وتطعيم حلقات التعليم اعتبارا من رياض الأطفال وحتى الجامعات بالثقافة الصحية والسلامة البيئية. والتطبيق العادل لفرص العمل حسب الكفاءة والمهنية والاختصاص دون اعتبار للوساطة والمحسوبية.

والعراق صاحب الحضارات البشرية ومهد الأنبياء والرسل، نهض من الغزوات المدمرة التي سجلها التأريخ وكانت تستهدف مسح البشر والحجر، نهض منها مشافى معافى مثل الغابات التي تحترق عن بكرة أبيها فتموت فيها الديدان والحشرات، لكنها تعود براعم خضراء يانعة وورود جميلة متنوعة الألوان.

وبالتالي فان تزايد حالات السرطان في العراق بخط بياني متسارع سببه هو المجموع التراكمي لكل أنواع التلوث، في الماء، والتربة، والهواء، والغذاء، والأنهار، والبحيرات، والروافد والمواد السامة التي تتسلل عبر الحدود غير المسيطر عليها، وضعف دور وزارة الصحة، وفقدان هوية وزارة البيئة باجراء اداري خاطئ.

وغياب الدور الرقابي بين الجهل، وتبخر الاختصاصات بين الموت أو الهجرة وضعف أو غياب الثقافة المجتمعية.

 

العدد 90 – اذار 2019