لقاء مع الشاعر المصري محمد حافظ

سناء بزيع

في واحدة من المبادئ النقدية التي طرحها عملاق الفكر العربي (محمود عباس العقاد) مرسيا بها مبادئ المنهج النفسي في النقد الحديث قوله :  »إن الشاعر الذي لا يُعرف من شعره لا يستحق أن يُعرف ولو كانت له عشرة من الدواوين« من هذا المبدأ ومن تلك الزاوية كان حوارنا مع الشاعر المصري  »محمد حافظ حافظ محمد« وهو شاعر مصري معاصر، عضو باتحاد كتاب مصر، وعضو برابطة الأدب الحديث  »أبولو سابقا، وعضو ممثل عن أدباء محافظة القليوبية بمؤتمر أدباء مصر الذي تقيمه الهيئة العامة لقصور الثقافة المصرية في دورتيه الحاليتين، وله حضور ملموس في الأمسيات الثقافية والصالونات الأدبية بها«.

»الحصاد«: بداية نود تعريفا عن الشاعر محمد حافظ حافظ حتى يتعرف جمهورنا العربي معنا على واحد من الشعراء المصريين المعاصرين الذين لهم حضور على خارطة الإبداع

محمد: محمد اسمي محمد حافظ حافظ محمد واسم الشهرة محمد حافظ، شاعر مصري من مواليد 1972 تخرجت في كلية دار العلوم جامعة القاهرة عام 1994 وأعمل بالتدريس، أكتب الشعر الفصيح، وصدر لي أربعة من الدواوين، وحصلت على عدد من الجوائز الأدبية من مصر وسوريا. الحصاد : هلا خبرتنا عن هذه الجوائز ؟ محمد : حصلت على المركز الأول في جمعية دار الأدباء على مستوى مصر عام 2007 عن أفضل قصيدة فصحى بعنوان (ليلى)، وفي عام 2010 فزت بالمركز الأول بجمعية حماة اللغة العربية المصرية في دورتها الأولى التي حملت اسم الراحل الكبير  »محمد التهامي« عن قصيدة  »الجواد المتعب« ومؤخرا في ختام عام 2018 فزت بأفضل قصيدة فصحى على مستوى العالم العربي من بين 1800 شاعر وشاعرة بمؤسسة الجيل الجديد للثقافة والإعلام بسوريا عن قصيدة (قُبلة مؤجلة) وعلى إثرها حصلت على لقب  »شاعر للجيل الجديد« وتم طباعة ديوان يحمل نفس العنوان على نفقة المؤسسة

»الحصاد«: يقول علماء النقد المشتغلون بالحقل الثقافي والإبداعي إن العنوان عتبة النص فهلا حدثتنا عن عنوان ديوانكم الرابع  »قبلة مؤجلة« ؟

محمد: نعم أنا من هؤلاء المؤمنين بتلك المقولة، حيث إن العنوان يعد بمثابة مدخل لعوالم الشاعر وأجوائه التي يرسمها من خلال قصائده، وأما عن عنوان الديوان  »قبلة مؤجلة« ففيه أمران الأول وفاء لمؤسسة الجيل الجديد للثقافة والإعلام بسوريا ممثلة في رائدتها ذات النشاط الملموس في استعادة القصيدة العربية عرشها ورونقها وقوة تأثيرها الأديبة  »رواء العلي« حيث تكفلت بطباعته نظير الفوز بأفضل قصيدة في مسابقتها. الثاني وهو ملمح الديوان فالقبلة لا تقف عند حدود المعنى الحسي لها، وإنما عدم القدرة على ممارسة الحياة بشكل طبيعي نتيجة لظروف اجتماعية أو صراعات سياسية، ومن ثم فالقبلة المؤجلة قد تكون حلما لم يحدث، أو تأبينا لصديق لم نشهد وفاته، أو دورا منتظرا من الشعراء الممثلين الرسميين للخطاب اللغوي والثقافي يلم شعث هذه الأمة العربية ويعيد لها موقعها من الريادة والصدارة… ولا يمنع أيضا أن تحمل على معناها الحسي فلم يعد الحبيبان في استطاعتهما ممارسة الحب فتتأجل قبلاتهما كما تأجلت أحلامهما

 »الحصاد«: ألا ترى معي أن ديوانكم الثالث  »عازف ولا وتر« يشي عنوانه بنوع من الأسى والتشاؤم؟

محمد: أتفق في أن به من الأسى ما به غير أني لست متشائما ؛ فالديوان مجموعة من القصائد ذات الطابع الإنساني، والنفس الإنسانية متعددة الأجواء، كنت في هذا الديوان كحامل  »الكاميرا« التقط من هنا موقفا ومن هناك موقفا محاولا الغوص وراء المشاعر الإنسانية التي تنتاب صاحبه، فمثلا أقف عند تلك الفتاة التي عاشت عمرا عيشة مترفة تنتقل في ثياب النعمة وحياة القصور والمجوهرات ثم فجأة زال كل هذا، أقف عند سيدة ماتت ابنتها ودعاها بعد ذلك من كان يخطبها لحضور حفل زفافه على أخرى، أقف عند امرأة كتب عليها أن تٌبتر ساقها، وشاب فتيٍّ في ريعان شبابه فقد ساقه، أقف عن ذلك المحمول الذي طغى على حياتنا ولكني أؤكد أنه لن يستطيع أن ينقل لنا مشاعر دافئة ؛ فالحب اتصال روحي لا اتصال هاتفي

 »الحصاد«: من المعروف أن للشعر عناصر ثلاثة تعد بمثابة القوى الحقيقية التي ينهض بها الشعر ويستقيم؛ وهذه القوى الثلاث هي (الفكر، الوجدان، الخيال). فما رأيكم في قوته الثالثة  »الخيال« وموقفكم منها؟

 محمد: نعم ؛ إذا سلمنا بأن الشعر كما ذكر الشاعر الديواني الكبير  » إبراهيم عبد القادر المازني« :  »ديوان يسجل فيه أصحاب العقل الراجح ما يفتعل في خاطرهم في لحظات ما، وينقذ خواطر الإلهام التي تتبادر بين الحين والحين، فيحلق معه الإنسان فوق الحياة فيحس ما يرى ويرى ما يحس ويتخيل ما يعلم ويعلم ما يتخيل ؛ فيجعل القبح جمالا ويزيد الجمال نظرة وجلالا، كان الشاعر أحس الناس وأعمقهم حكمة وأجمعهم لخلال الخير وخصال الفضل«ومن ثم فمن كان هذا حاله فعليه أن يسعى إلى تجويد فنه، ومن ذلك لا شك الخيال أحد هذه القوى الثلاث كما تفضلتم، فأنا أرى أن الشعر هو التعبير بالصورة، حيث يحاول الشاعر أن يقدم عالما واقعيا من خلال عالمه التصويري وخلق علائق مترابطة تقرِّب وتشدُّ لا تبعد وتنفر، أي أن الصورة هي وسيلة من وسائل التأثير والإيحاء، غير أننا نعيش حالة من فوضى الصورة الشعرية التي ابتعد أصحابها عن الدور الحقيقي لها، فأصبحت ترفا وغاية في حد ذاتها بغض النظر عن علاقتها بالمعنى المراد والفكر المقصود ؛ وفي ظني أن الصورة الشعرية هدف لا ترف، وسيلة من وسائل التأثير والإقناع لا غاية، إنها بيان وتوضيح لا غموض وتدويخ !، والشاعر ليس مطالبا أن تأتي قصيدته من البدء للختام صورة في إثر صورة، لا يكاد يقف المتلقى على الأولى ودورها وأثرها حتى يباغته الشاعر بالثانية فتضيع منه الأولى، وهكذا حتى تنتهي القصيدة دون أن يخرج المتلقى منها بطائل حتى وإن نال الشاعر من التصفيق ما نال، ومن الإطراء ما وجد، فما ذلك التصفيق ولا ذلك الإطراء إلا لفساد ذوق وعدم معرفة حقيقية لوظيفة الصورة الشعرية، وكأن الصورة عند مثل هؤلاء الشعراء أصبحت غاية مقصودة لذاتها وليست وسيلة من وسائل الإيحاء والتأثير.

 »الحصاد«: هل ترى أن القصيدة الخليلية  »العمودية« قادرة على إحداث ثورة غنائية خاصة ونحن نعيش حالة الانحدار اللغوي فيما نسمعه من قصائد مغناة ؟

محمد: أولا دعنا نتفق أن الغناء عصا موسى التي بها تنفذ الكلمة إلى القلوب وتعلق بالأذهان ؛ ولقد لعبت  »أم كلثوم« دورا لا يُنكر في ذلك، كما يقوم المطرب البديع  »كاظم الساهر« بنفس الدور وإن تغيرت بعض التقنيات الموسيقية بحكم التغير، وغيره من الأصوات الجادة التي تنتقي الكلمة المعبرة، وأنا شخصيا لي تجربة في ذلك المضمار حيث كونا  »فريق أجيال« الذي يهدف إلى تقديم قصائد باللغة العربية الفصحى مغناة للجمهور العربي حتى ننقي الجو مما شابه والغناء مما علق به، وقدمنا أولى حفلاتنا على خشبة مسرح سينما الحضارة بدار الأوبرا المصرية بصحبة المطرب والملحن المصري الكبير  »فايد عبد العزيز« والتي كان عنوانها  »لكِ أشعاري وحبي« وكان له صدى واسع وقوبل بالإعجاب والانبهار من جميع الحاضرين، ونستعد الآن لتقديم حفلنا الثاني بعنوان  »ستعود أصوات البلابل«

 »الحصاد«: المرأة قصيدة مراوغة. هل تتفق مع القائلين بذلك ؟

محمد: المرأة أمة، والأمة وطن، والوطن قصيدة لم يجتمع شطراها بعدُ، وما أنا وما غيري من الشعراء المهمومين بحال أمتهم وأوطانهم إلا محلقون يحاولون كتابة القصيدة الوطن التي نرى فيها الأمة  »المرأة« عروسا تزينت، وعلى عرشها تربعت.

العدد 90 – اذار 2019