الحكومة اللبنانية تستعد للبدء بالاصلاحات المطلوبة

تعهدات »سيدر« اللبنانية تحت مجهر المجتمع الدولي

بيروت – هيثم محمود

حفلت الأيام القليلة الماضية بجملة من المعطيات الاقتصادية في لبنان لعل أبرزها زيارة السفير بيار دوكين المكلف من فرنسا الاشراف على تنفيذ بنود مؤتمر »سيدر«، الذي حضر إلى بيروت لمعرفة الخطوات العملية التي قامت بها الحكومة. وقد ترافق ذلك مع إصدار وكالة »ستاندرد أند بوزر« للتصنيف الائتماني تقريرها حول لبنان والذي تضمن تحذيراً من احتمال خفض التصنيف الائتماني خلال الأشهر المقبلة في حال لم تتخذ الحكومة إجراءات فعلية لضبط الوضع المالي ووقف الهدر الحاصل في أكثر من مفصل من مفاصل الدولة. وبهذا تكون وكالتان من أصل ثلاثة معتمدة عالمياً اصدرتا تقييمين منفصلين سلبيين بشأن لبنان ما يعطي مؤشرات غير مطمئنة للمستقبل.

زيارة السفير دوكين، منسق مؤتمر »سيدر«، تركت انطباعات سلبية لجهة قدرة الدولة اللبنانية على القيام بخطوات فعلية لتنفيذ ما تعهدت به في المؤتمر امام المجتمع الدولي الذي انعقد في باريس قبل نحو 11 شهراً. وجاءت تصريحاته بعد لقائه عدداً من المسؤولين، في مقدمهم رئيس الحكومة سعد الحريري، لتعكس نوعاً من الامتعاض إذ قال »ليس لدى الحكومة اللبنانية الكثير من الوقت لكي تبدأ الإصلاحات المطلوبة« و»يجب تقديم خطة للاصلاحات في القطاعات المتفق عليها كي تكون الصورة واضحة عند المستثمرين لكسب ثقتهم«.

ونقل عن المسؤولين اللبنانيين قولهم إن لبنان مستعد للبدء بالاصلاحات وأن الحكومة لن تضيع المزيد من الوقت وستبدأ بانجاز التقدم والارادة واضحة لدى الجميع، وأضاف: »من دون تحديد أي وقت للحكومة اللبنانية للإصلاح، لكن عليها ان تبدأ«. كما شدد على وجوب الإصلاح في قطاع الكهرباء وأن تكون الكهرباء 24/24 فمن دونها لا مجال للإنماء والإستثمار والتطور.

وذكّر بأن ما تم الاتفاق عليه في مؤتمر »سيدر« هو نوع من العقد بين لبنان، بسلطاته وشعبه، وبين المجتمع الدولي. ويقوم على ثلاث دعائم:

  1. برنامج بنى تحتية مفيد جدا لهذا البلد، التمويل الذي تم التعهد به لهذا البرنامج بقيمة 11 مليار دولار، والإصلاحات لتنفيذه.
  2. على الحكومة أن تقوم بالعمل اللازم لتحديد الأولويات لديها. مرت فترة طويلة من الوقت، ولا بد من تحديد ما هي المشاريع يجب أن تنفذ في العام الأول ثم في العام الثاني، وذات الأولوية القصوى. وهو أمر طبيعي مع تشكيل الحكومة الجديدة.
  3. هناك إصلاحات قطاعية، وهناك إصلاحات تدخل في الاقتصاد الكلي، جوهرية وضرورية.

وطالب دوكين بضرورة تقديم موازنة 2019 بشكل سريع، وأن تلحظ الموازنة خفض العجز بما لا يقل عن واحد في المئة من إجمالي الناتج المحلي ولا بد من إحراز تقدّم على هذا الصعيد، مشدداً على ضرورة إحراز التقدّم على صعيد موضوع الوظيفة العامة ونظام التقاعد. وقال دوكين: »الإصلاحات لا تقتصر على الموازنة، وثمة مشاريع في قطاع الاتصالات والطيران والطاقة. سُنّت قوانين لكنها غير مطبَّقة لأن الهيئات الناظمة لا تعمل لعدم حصول التعيينات. كيف تتوقعون إقناع المستثمرين من القطاعين العام والخاص، بالاستثمار إن كانوا يجهلون طريقة تنظيم القطاعات؟ الإصلاح لا يعني دائماً التعديلات الهيكلية ولكن ببساطة إنشاء الهيئات التي تنصّ عليها القوانين اللبنانية، ونقرأ عنها في البيان الوزاري«.

علمت »الحصاد« من مصادر تابعت زيارة الموفد الفرنسي أنه أعطى تحذيرات واضحة مفادها أن الحكومة اللبنانية لا تملك رفاهية الوقت لإجراء الإصلاحات والخطوات الفعلية وأن إهدار الوقت لن يكون في مصلحة لبنان. ورأت المصادر أن من شروط الإسراع في وضع لبنان على سكة الإفادة من المشاريع التي لحظها مؤتمر »سيدر« بناء لطلب حكومته، ترشيد الإنفاق والبدء في الإصلاحات المالية والإدارية ومكافحة الفساد ووقف الهدر وإبداء حسن النية في إدارة المال العام،

وكشفت المعلومات أن دوكين توصل في محادثاته في بيروت وتحديداً مع الرئيس الحريري إلى وضع آلية لتنفيذ المشاريع وتقويم الخطط المرسومة لها. كما تفيد المصادر بأن دوكين تفاهم مع الحريري على تشكيل لجنة تقنية تجتمع بشكل دوري وترفع تقاريرها إلى هيئة دولية عليا مقرها باريس لتقييم التقدم المحرز، على أن تدخل بعض التعديلات لضمان حسن تنفيذ المشاريع، عند الحاجة. كما يمكن لهذه الهيئة أن تجتمع في باريس عندما تدعو الحاجة على المستوى الوزاري أو رئاسة الوزراء في حضور ممثلين عن الجهات المانحة مرة في السنة أو أن تلتقي استثنائئياً عند الحاجة.

المصادر أوضحت أنّ لقاءات المبعوث الفرنسي عكست أجواء غير مشجّعة. وأوضحت أنّ دوكين لم يكن مرتاحًا إلى ما سمعه في بيروت، وانّ المقاربات الّتي سمعها من بعض هذه الجهات نمّت عن عدم إلمام جدّي بملف »سيدر« ما أثار تساؤلات لدى الوفد الفرنسي.

مؤتمر سيدر ووكالات التصنيف تراكم مؤشرات سلبية

ووفق المصادر الوثيقة الصلة بالملف فقد لمس دوكين واقعاً لبنانياً مريراً ومثقلاً بأزمات صعبة تبعث على القلق من أن لا يتمكّن لبنان من الإيفاء بالالتزامات الّتي قطعها في ملف الإصلاحات، وتشكّل الممرّ الإلزامي لعبور لبنان نحو الاستفادة من تقديمات »سيدر«.

وكشفت الزيارة امام الموفد الفرنسي أن هناك حاجة لإصدار دفعة من التشكيلات والتعيينات الإدارية تكون مؤهلة لمواكبة تنفيذ المشاريع وقالت إن تلزيم بعضها للقطاع الخاص سيخضع لتدقيق الدول والمؤسسات المانحة ما يعني استبعاد إشراك شركات يدور اللغط حولها وترتبط بطريقة أو بأخرى بـ»محور الممانعة«.

وذكرت المصادر المواكبة أن للبنان وضعية سياسية مميّزة لدى فرنسا التي تتحرك على خطين، الأول للحفاظ على الاستقرار فيه والثاني لدعمه بمشاريع اقتصادية وتنموية لما لها من دور في تحييده عن النزاعات الدائرة في المنطقة، وهذا لن يتحقق ما لم يتم تأمين شبكة أمان سياسية وأمنية تُجنِّب إقحامه في مغامرات عسكرية غير محسوبة النتائج.

تقرير ستاندرد اند بورز

في سياق لا يقل أهمية، أبقت وكالة »ستاندرد أند بورز« تصنيفها الائتماني السيادي للبنان عند درجة »بي سلبي«، وخفّضت النظرة المستقبلية من مستقرة إلى سلبية، وفق بيان حصلت »الحصاد« على نسخة منه، متوقعة أن تبقى المخاطر الأمنية الخارجية مرتفعة في لبنان. وأعلنت الوكالة إن تشكيل الحكومة يجب أن يحسّن ثقة المستثمرين، ما سيدعم حاجات التمويل الحكومي في 2019.

وتوقعت في تقريرها لمراجعة تصنيف الديون السيادية للبنان، أن تبقى محركات النمو التقليدية في لبنان، مثل السياحة والعقارات والبناء ضعيفة، وأن تبقى المخاطر الأمنية الخارجية مرتفعة.

وتعليقاً على التقرير غرّد وزير المال علي حسن خليل على حسابه عبر »تويتر« قائلاً: »إن هذا يعتبر تذكيراً، بأن لدينا فرصة لإنقاذ الوضع الاقتصادي والمالي، عبر إجراءات إصلاحية جديّة، تضعنا على مسار جديد، يفتح المجال للخروج من الأزمات، والمراهنة كبيرة على الحكومة، لكن من دون مهلٍ مفتوحة«.

من جهته، رأى وزير الصناعة وائل أبو فاعور أن تقرير »ستاندرد أند بورز« كان واضحاً، لجهة توقّعه أن تبقى محركات النمو التقليدية، أي السياحة والعقارات والبناء ضعيفة، مجدداً طرحه وتأكيده على أهمية القطاعات الإنتاجية الصناعية والزراعية، في تحريك عجلة النمو. كما

من اجتماع دوكين بالحريري – الدول المانحة تنتظر خطوات لبنانية فعلية

دعا إلى الابتعاد عن السياسة الخاطئة، التي طالما حكمت لبنان اقتصادياً طيلة السنوات الماضية، والتي أوصلت لبنان إلى هذا التدهور الاقتصادي والاجتماعي والانمائي.

ويشير محللون إلى أن الوكالة ترى أن ثقة المستثمرين ستنخفض في غياب الإجراءات للحد من العجز المالي، والذي قد يؤدي إلى تباطؤ نمو ودائع غير المقيمين وانخفاض في احتياطات العملات الأجنبية والتي قد تؤثر على قدرة لبنان في تسديد ديونه بالعملات الأجنبية”.

ووفق التحليلات فإن النظرة السلبية تعني أن هناك شكوكا حول جدية الحكومة في تنفيذ الإصلاحات. فإذا نفذت الحكومة الإصلاحات الموعودة، فإن التوقعات ستعود من السلبية إلى الاستقرار، ولكن إن لم يكن الأمر كذلك، فقد يتعرض لبنان لخفض أكبر لتصنفيه، وهذا ما سيترتب عليه تداعيات لن يكون بمقدور البلد تحملها مثل ارفاع الفوائد على السندات وكذلك صعوبات التجارة الخارجية وبالتالي أعباء إضافية على الموازنة وعلى الوضع المالي العام. وترتكز الخطوة الأخيرة للوكالة على عدة عوامل منها أن الدين العام اللبناني سيستمر في الزيادة خلال الفترة المقبلة بسبب غياب الإصلاحات، في حين أن النمو سيظل بطيئا.

وفي كانون الثاني/ يناير الماضي، خفضت وكالة »موديز« التصنيف الائتماني للبنان إلى »سي ايه ايه 1«، وعدلت النظرة المستقبلية إلى مستقرة من سلبية. وأشارت الوكالة حينها إلى تزايد الضغوط على السيولة في لبنان، لافتة إلى أن استجابة حكومة لبنان لزيادة المخاطر على الاستقرار المالي ستشمل إعادة جدولة ديون، بما قد يشكل تخلفاً عن السداد، بموجب تعريف »موديز«.