مستقبلات العلاقة الألمانية ـ الأوروبية: ألمانيا الأوروبية ام أوروبا الألمانية؟

ا.د. مازن الرمضاني *

منذ تأسيسس الدولة الألمانية في عام 1871 والتاريخ الألماني ينطوي على كثير من الاثارة. فهذه الدولة التي عاشت عبر الزمان تجارب الصعود والهبوط ومنٌ ثٌم المجد والذل لم تتخل يوما عن مشروعها القومي في القيادة والريادة أوروبيا وعالميا. وجراء ذلك نتساءل: هل ستتخلى ألمانيا عن مشروعها القومي وتصبح أوروبية أم أنها ستعمل على تحقيقه بوسائل متعددة وتجعل من أوروبا ألمانية؟ وقبل إستشراف مستقبلات العلاقة الألمانية ـ الأوروبية من المفيد الرجوع الى الماضي الألماني وتناول مدخلات الفاعلية الداخلية الألمانية وانعكاساتها السياسية الخارجية منذ اعلان الوحدة الألمانية عام 1991

 أولا الماضي الألماني

لقد ادى الاستسلام الألماني لحلفاء الحرب العالمية الثانية في 23 مايس 1945 إلى سقوط الرايخ الألماني الثالث. وبهذا السقوط تكررت تجارب سابقة مماثلة تمتد جذورها إلى القرن الثالث عشر الميلادي. ففي هذا القرن تأسس الرايخ الألماني الأول بقيادة الامبراطور كونراد الثالث. وقد استمر هذا الرايخ مؤثرا في التفاعلات الأوروبية انذاك حتى عقد معاهدة وستفاليا في عام 1648. فهذه المعاهدة التي أنهت حرب الثلاثين عاما في أوروبا (1648-1618) ذات الطبيعة الدينية ووضعت المبادئ التي استمرت الدول القومية تستهدي بها في علاقاتها الدولية حتى الآن أدت إلى تقسيم ألمانيا إلى عدة ولايات ومنٌ ثمٌ حالت دون تحقيق نزوعها القومي لأكثر من قرنين ولكن دون أن تلغيه.

إن انتصار روسيا على فرنسا ولأول مرة في التاريخ عام 1871 افضى بالامراء الألمان إلى الا تفاق معها على إعادة توحيد ألمانيا.. إن اعادة توحيد ألمانيا في هذا العام وأن أسس السبيل لدور ألماني فاعل في التفاعلات الأوروبية انذاك إلا أن فاعليته كانت بسبب  حنكة بسمارك: المستشار الألماني انذاك. فبسمارك لم يحرص على الارتقاء بمكونات الفاعلية بمعنى القوة الداخلية للدولة الألمانية فحسب وأنما عمد أيضا إلى بناء نظام أوروبي تكون ألمانيا هي قاعدتة وقائدته. لذا يجسد بسمارك أحد الامثلة البارزة في التاريخ الحديث للدور الفاعل للقائد في صناعة تاريخ بلاده.

بيد أن الخشية الفرنسية والانكليزية والتي ستتكر لاحقا مرات من تعاضم القدرة الألمانية على الفعل متفاعلا مع تناقض المصالح الأوروبية وتنافسها على المستعمرات أدى إلى انقسام أوروبا التي كانت انذاك مركز الثقل في العالم إلى معسكرين متصارعين: الأول تقوده ألمانيا. أما الثاني فتتزعمه فرنسا. إن الصراع الألماني ـ الفرنسي سهل اندلاع الحرب العالمية الثانية عام 1914 وخسارة ألمانيا وحلفائها لها. وقد ترتب عن هذه الخسارة أمران مهمان: الأول: سقوط الرايح الألماني الثاني. أما الامر الثاني: فهو توقيع معاهدة فرساي في 28 حزيران 1919 بشروطها القاسية والمذلة بالنسبة لألمانيا. وقد كان من بينها أن تبقى ألمانيا داخل الحدود التي رسمها الحلفاء المنتصرون لها.

على أن هذه المعاهدة فرساي كانت السبب وراء عودة الصعود الألماني في أوروبا مرة اخرى. فبعد عقدين من هزيمتها في الحرب العالمية الثانية استطاع هتلر الوصول إلى قمة الهرم السياسي في بلاده بتاريخ 30 كانون الثاني 1933. إن هتلر الذي اطلق على ألمانيا تسمية الرايخ الثالث تبنى برنامجاتضمنه كتابه كفاحي اراد به أن تستعيد بلاده دورها الأوروبي والدولي السابق على 1914. فهو القائل: أما أنٌ تكون ألمانيا قوة عالمية أو لا تكون. ومثلما فعل بسمارك ذهب ايضا هتلر إلى انشاء ما اسماه بالنظام الأوروبي الجديد الذي تكون بلادة قاعدته وقائدته.

وايضا كانت الخشية الأوروبية وخصوص الفرنسيه والانكليزية من برنامج هتلر أحد ابرز المدخلات التي ساعدت على اندلاع الحرب العالمية الثانية عام 1945. وعلى غرار نتيجة الحرب العالمية الاولى أدت نتيجة الحرب العالمية الثانية أيضا إلى استسلام ألمانيا دون قيد وشرط. وبذلك انتهى مشروع الرايخ الثالث إلى الفشل. وبهذا الفشل فشلت ثالث محاولة ألمانية لتبوء موقع القيادة والريادة أوروبيا وعالميا.

بيد إن ألمانيا التي خرجت من هذه الحرب وهي مهانة نفسيا ومخربة اقتصاديا ومنهارة اداريا ومحتلة عسكريا لم تستسلم لمعطيات واقعها الداخلي انذاك. إذ راحت كاليابان  إلى إعادة بناء ذاتها مرة أخرى سبيلا لتحقيق الغاية القومية الراسخة في الوجدان الألماني .وبهذا الصدد تجدر الاشارة إلى أن كافة المستشارين الألمان ومنذ عام 1949 ابتداءً بالمستشار اديناور وانتهاءً بالمستشارة الحالية ميركل لم يترددوا عن العمل من اجل تحقيق هذه الغاية القومية ولكن هذه المرة بادوات غير عسكرية وفي ضوء ظروف دولية مختلفة .

إن الإصرارالألماني على اعادة البناء وترسيخ مقومات الفاعلية الداخلية فضلا عن تحقيق الذي كان يبدو خلال الحرب الباردة حلما قبل الوحدة بين الدولتين الألمانيتين في عام1991 يدفع إلى التساؤل: كيف اضحى حاضرالجسد القومي الألماني بعد هذا العام؟

  1. مدخلات الفاعلية في الجسد القومي الألماني وانعكاساتها على السياسة الخارجية

قبل الوحدة الألمانية  لم تكن جمهورية ألمانيا الاتحادية أو ألمانيا الغربية قوة هامشية. وتؤكد ذلك دلالات الآتي مثلا: فالناتج القومي الاجمالي الألماني كان يساوي 12088 مليار دولار. أما متوسط الدخل السنوي للفرد فقد وصل إلى نحو 10.680 دولار. كما ان عدد القوات المسلحة كان قد بلغ نحو 495 الفا ونصف مليون جندي في الاحتياط.

وقد أدت الوحدة  بين الدولتين الألمانيتين إلى أن يكتسب الجسد القومي الألماني مدخلات قوة مضافة جعلته يتمتع بفاعلية داخلية عالية انعكست بدورها ايجابا على السياسة الخارجية  هذا جراء العلاقة الطردية الموجبة بين الفاعلية الداخلية  والفاعلية الخارجية.

2.دخلات الفاعلية الداخلية  

تتعدد وتتنوع هذه المدخلات. وسنكتفي بتناول المدخلات الجغرافية والاقتصادية والعسكرية انطلاقا منٌ أنها تُعدٌ من بين ابرز المدخلات المؤثرة في تشكيل قدرة الدولة كلُ دولة على الفعل الهادف والمؤثر.

فاما عن المدخلات الجغرافية فألمانيا الموحدة اضحت تمتد على مساحة تساوي 357و040 كلم مربع. وهي بهذا تشكل رابع أكبر دولة في الاتحاد الأوروبي بعد فرنسا واسبانيا والسويد. وينطوي هذا الاتساع المكاني والممتد من وسط أوروبا إلى حدود الدول الاسكندافية شمالا وإلى جبال الالب جنوبا وإلى الدول الأوروبية الاطلسية غربا وإلى دول أوروبا الشرقية جنوبا ينطوي على مجموعة إيجابيات ومنها الآتي مثلا:

— الاطلال على البحار المحيطة بالدولة الألمانية من منافذ متعددة بايجابياته المتعددة.

–الجمع بين البيئتين الألمانيتين السابقتين: الصناعية والزراعية في بيئة واحدة وبمخرجات جعلت ألمانيا اكثر ثروة على صعيد الموارد الطبيعية والغذائية  ومنٌ ثمٌ أكثر قدرة على ضمان الامن الغذائي.

— زيادة عدد السكان إلى نحو81.2 مليون شخص ومن بينهم 16.4 مليون شخص من اصول أجنبية  ومن بين هولاء نحو 3 مليون مسلم. إن هذا العدد المرتفع نسبيا من السكان جعل ألمانيا تتفوق على كافة دول الاتحاد الأوروبي كلا على أنفراد.

— زيادة عدد الكفاءات والقوى العاملة على شتى الصعد. ففي عام 2013 مثلا بلغ عدد العاملين في القطاعات المختلفة نحو 42 مليون شخص.

فاما عن المدخلات الاقتصادية فمن المعروف أن الألمان شعب مجدا ونشطا ويُقدس العمل. وقد كان لهذه الخاصية القومية دورا مهما في احتواء المعاناة الألمانية الشديدة التي تميزت بها فترة ما بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية والتي كان الجوع أحد ابرز عناوينها .إن هذه الخاصية متفاعلة مع مخرجات ادخال ألمانيا ضمن مشروع مارشال الأمريكي للنهوض بالاقتصادات الأوروبية أدت إلى أنٌ تبدأ ألمانيا في تحقيق سلسلة متعاقبة من الانجازات الاقتصادية. وقد تحققت القفزة الاساسية الأولى في عهد اديناور: أول مستشار ألماني بعد الحرب العالمية الثانية. وجراء انجازاته فقد قيل أنه استطاع اختزال قرنين من العمل في مدة لم تتجاوز 15 عاما بين (1963-1949). أن هذا الانجاز اكسب اديناور تسمية مؤسس الرايخ الألماني الرابع.

وقد استمر الاقتصاد الألماني في النمو السريع ليصبح  بمثابة القلب الاقتصادي لأوروبا  فضلا عن أنه صار رابع اقتصاد دولي بعد الاقتصادات الأمريكية والصينية واليابانية . ومما ساعد على هذا الانجازالإنفاق المالي الضخم على البحث والتطوير والذي يبلغ منذ سنوات نحو 2.9 من مجمل الناتج القومي الاجمالي الألماني مقتربا من الانفاق الأمريكي والياباني علية.

وجراء واقعها الاقتصادي المتميز تُعدٌ ألمانيا من الدول ذات المستوى المعيشي الاعلى في العالم إذ تحتل المرتبة السادسة من بين 187 بلدا وذلك حسب مؤشر الامم المتحدة للنمو البشري لعام 2014 . كما أن ثقة المستثمرين بالصناعة الألمانية على المستويين الأوروبي والعالمي جعل شعار صنع في ألمانيا يستوي الرمز للجودة العالية والدقة في الصناعة. ومن هنا تنتشر هذه الصناعة في جل الاسواق العالمية.

تؤكد التجربة التاريخية أن التأثير الثقافي والسياسي لاحدى الدول يبقى محدودا إنٌ لم يكن مدعوما بقدرة اقتصادية عالية. لذا لا يمكن مقارنة التأثير الذي تتمتع به مثلا فرنسا داخل الاتحاد الأوروبي بالتأثير الذي تتمتع به ألمانيا. فتأثير الاخيرة أعظم وأعمق. إن العلاقة الطردية الموجبة والثابته علميا بين متانة الاقتصاد والتأثير السياسي الدولي الفاعل تدفع إلى التساؤل: اليس محتملا أن تؤدي مخرجات المعجزة الاقتصادية الألمانية إلى تهيئة الظروف الملائمة لتحقيق غاية المشروع القومي الألماني في القيادة والريادة أوروبيا وعالميا في زمان يقع بين المستقبل المتوسط (إلى عشرين عاما من الآن) والمستقبل البعيد (إلى خمسين عاما من الآن).

وإما عن المدخلات العسكرية  فتجدر الاشارة إلى أن حلفاء الحرب العالمية الثانية عمدوا إلى تجريد ألمانيا الخاسرة من كافة قدراتها العسكرية. فحتى عام 1955 استمرت ألمانيا بلا جيش إلا من عناصر محدودة لحماية الحدود. بيد أن اشتداد حدة الحرب الباردة وتحول ألمانيا إلى ساحة للصراع الدولي دفع بالولايات المتحدة الأمريكية إلى ادخالها في منظمة حلف شمال الاطلسي عام 1955. وفد نجم عن ذلك اعادة تأسيس جيشها وتسليحها واحياء صناعتها العسكرية التقليدية. أن إحياء هذه الصناعة متفاعلة مع الزيادة المستمرة في الموازنة العسكرية التي بلغت هذا العام 2019 نحو 42.9 مليار يورو لم يؤد الى اشباع حاجة ألمانيا الذاتية إلى السلاح التقليدي وأنما إلى تصديره ايضا هذا فضلا عن مشاركة الجيش الألماني في مهمات قتالية خارج حدود بلاده.

إن عضوية ألمانيا في حلف شمال الاطلسي سهل عليها الانصراف إلى دعم  نمو قدراتها الداخلية وبضمنها العسكرية التقليدية سيما أن هذه العضوية جعلتها تتمتع بالحماية النووية الأمريكية خلال الحرب الباردة. وعلى الرغم من تفكك الاتحاد السوفيتي قد الغى الحاجة إلى ديمومة هذه الحماية  إلا أن ألمانيا لم تطالب مع ذلك بسحب القوات الأمريكية المتمركزة في أراضيها. ومرد ذلك ادراك صناع القرار الألماني ان استمرار هذه القوات يلغي الخشية الأمريكية والأوروبية من احتمال ذهاب ألمانيا إلى التسلح النووي هذا فضلا عن  التزام ألمانيا بعدم التسلح بالسلاح غير التقليدي وبضمنه النووي فضلا عن تقليص عدد القوات المسلحة الألمانية إلى 370 ألف عسكري بعد ان كان(قبل الوحدة) 495 الف ونصف مليون في الاحتياط وهو الالتزام الناجم عن اتفاقية الاتحاد بين الألمانيتين والاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا والمملكة الاتحادية.

وأما عن السياسة الخارجية فلقد عمدت ألمانيا وحتى تفكك الاتحاد السوفيتي إلى الاخذ بتوجه مركب: فمن ناحية اخذت بسياسة الاعتماد على الحماية النووية الأمريكية والانسياق وراء السياسىة الخارجية الأمريكية في العموم. واما من الناحية الثانية عمدت إلى الانغماس المكثف في التفاعلات السياسية الدولية وتوظيف مخرجاته سبيلا  لضمان وحماية وتطوير مصالح اقتصادية وسياسية واستراتيجية. إن هذا الانغماس والانماط السلوكية الناجمة عنه شكل ومنذ عام 1991 الارهاصات الأولية لسياسة خارجية لدولة تتطلع الى أن تكون مؤثرة دوليا. ومن أجل ذلك ذهبت إلى الاخذ بصيغة المثلثات التي يجمع كل منها بين ألمانيا ودولتين مؤثرتين اقليميا و/أو دوليا والذي تكون ألمانيا بمثابة الضلع القاعدة فيه. ولتأمين ذلك تنطلق من استراتيجية بسمارك المستشار الألماني الاول في ربط الدول الاخرى بألمانيا. وتقوم هذه الاستراتيجية على نسج شبكة واسعة من المصالح المتبادلة والتي تحول متانتها دون قيام الطرف الاخر بالتخلي عنها إلا إذا اراد تحمل خسائر باهظة. ولا يستطيع المرء القول أن هذه الاستراتيجية كانت فاشلة. فألمانيا بعد الوحدة هي غيرها قبل الوحدة.

3.مشاهد مستقبلات العلاقة الألمانية ـ الأوروبية

وفي ضوء مخرجات فاعلية داخلية متميزة وسياسة خارجية نشطة ومؤثرة نعود إلى السؤال المركزي لهذا المقال هو: هل ستبقى ألمانيا أوروبية أم أنٌ أوروبا ستكون ألمانية؟ وحول مستقبلات العلاقة الألمانية ـ الأوروبية تتذبذب الآراء بين مشهدين مختلفين: الأول ويرى أن ألمانيا ستكون بمثابة الدولة القاعدة (الارتكازية) للاتحاد الأوروبي وليس قائدته. أما المشهد الثاني فهو يؤكد أنٌ ألمانيا ستكون بمثابة الدولة القائدة (المحورية) للاتحاد الأوروبي. ومع أنٌ هذه الآراء تستند على ما يدعم مضامينها إلا أنٌنا نريد اضافة مشهد ثالث هو ان القيادة في أوروبا ستبقى إلى ما بعد زمان المستقبل القريب: أيٌ من الآن إلى عشرين عاما ستبقى قيادة مشتركة.

ولنتذكر أن ألمانيا على الرغم من قدراتها المتفوقة في الوقت الراهن لا تستطيع توظيف هذه القدرات لصالح انفرادها بالقيادة الأوروبية. فمثل هذا الانفراد يحدٌ منه كابحان اساسيان: الأول الخشية التاريخية الأوروبية الكامنة والصريحة من ألمانيا. ولا تلغي العلاقات الطيبة التي تجمع بين ألمانيا والدول الأوروبية حاليا هذه الخشية. أما الكابح الثاني فهو يكمن في الاعباء المادية الباهظة التي سيتعين على ألمانيا تحملها جراء قيادتها لأوروبا وتأثيرها سلبا على معدل نموها وديمومة رفاهيتها. وعليه لا نرى ان مستقبلات العلاقة الألمانية -الأوروبية ينطوي حتى زمان المستقبل المتوسط على مشهد تحول ألمانيا إلى الدولة القائدة لأوروبا.

ولكن بالمقابل تدرك الدول الأوروبية المؤثرة الاخرى انها اضحت تجابه بتحديات دولية مهمة ومنها التحديات الأمريكية والصينية. فمن أجل أن يكون النظام السياسي الدولي أما أمريكيا أو صينيا فأن ذلك يتطلب تحجيم الاتحاد الأوروبي وسواه والحيلولة دون بروزه قوة دولية مؤثرة ومنافسة. وبسبب من استمرار تأكل تأثير ثمة دول أوروبية مهمة فأنها  تدرك انها لا تستطيع الإرتقاء بإستجابتها إلى مستوى التحديات الدولية بمعزل عن دور القدرة الألمانية على الفعل. إن هذا الادراك قد يدفع بالدول الأوروبية إلى التماهي مع اهداف السياسة الخارجية الألمانية وبمشهد يجعل ألمانيا تؤدي دور الدولة القاعدة داخل الاتحاد الأوروبي ولكن  ضمن تلك الحدود التي لا تجعل دول هذا الاتحاد تبدو وكأنها اضحت ألمانية وهذا المشهد إن تحقق فأنه سيجعل من الاتحاد الأوروبي قوة دولية اساسية بدور ألماني فاعل .

بيد أنٌ هذا المشهد قد يتراجع لصالح مشهد أخر. فالقدرات الألمانية عندما تتصاعد والقدرات الأوروبية عندما تتآكل وخصوصا بعد انسحاب المملكة المتحدة وسواها من الاتحاد الأوروبي عندها من المحتمل أن تقترن العلاقة الألمانية-الأوروبية بمشهد ينتقل بالدور الألماني من دور الدولة القاعدة إلى دورالدولة القائدة (المحورية) للاتحاد الأوروبي . وبهذا سيصبح الرايخ الرابع قادرا على تحقيق غايته القومية على الصعيد الأوروبي خصوصا والعالمي عموما .

*يعود اصل هذا المقال إلى محاضرة تم تقديمها يوم السبت المصادف 9/3/ 201 في نادي حديث الامة/ لندن

** استاذ العلوم السياسية ودراسات المستقبلات

العدد 91 – نيسان 2019