زمن البراكين والاعاصير

مشاهد الرياح والنيران تفوق برهبتها روعة ناطحات السحاب والقصور الخلابة

سيدني – جاد الحاج

على رغم روائع المعمار والهندسة والابتكارات الخلاقة، كالجسور المعلقة والحصون التاريخية والآثار المذهلة، وعلى رغم برجي إيفل وبيزا وناطحات السحاب المنتشرة في عواصم العالم، وعلى رغم المتاحف الرائعة كاللوفر وغوغنهايم والمتحف البريطاني، وعلى رغم المباني الجليلة كتاج محل، وباكنغهام بالاس وقصور ملوك فرنسا واوروبا، والاهرام والكوليزيوم في وسط روما… تبقى الطبيعة نجمة المشهد الكوني بلا منازع، من العواصف الكهربائية والبراكين المتفجرة إلى الزوابع والأعاصير الدوّامة والبحار المثيرة او المريبة، إلى الصواعق أو ومضات البرق الشاحنة بالكهرباء، تنير السماء فوق بحيرة مراكايبو في فينزويلا على مدى مئتين وستين يوما كل عام، حيث تُسجَّل مئتان وخمسون صاعقة أو ومضة برق في الكيلومتر المربع – وتشهد تلك البحيرة في بعض الليالي ألف صاعقة في الساعة الواحدة!

 كوكبنا مدهش! يتمتع في الغالب بالظروف والأحوال المناسبة للحياة. لكن بعض الأماكن شديدة الحر جدا، أو بالغة الرطوبة، أو مثلجة ومكسوة بالجليد الابدي على نحو لا يُصدَّق. تضاريس الأرض ومناظرها الطبيعية شديدة التفاوت، تراوح من قمم الجبال الوعرة إلى منبسطات أو سهول الملح الجافة، ومن الصحاري القطبية المكسوّة بالثلج إلى الأراضي البركانية المحمصة بالحمم. ولعل أكثر مناطق الأرض انبساطا وسهلا هي أكبر منبسط ملحي في العالم: ’سالار دي أُويوني‘ في بوليفيا، الذي يغطي مساحة 10500 كيلومتر مربع.

متابعة الاعصار عبر الاقمار الصناعية

 اما الأماكن الأشد سخونة فيمكن البدء بتحديدها من دالول في إثيوبيا حيث يسجل معدل الحرارة الوسطي الأعلى 35 درجة مئوية على مدار السنة. ناهيك عن وجود بركان حيّ في المنطقة نفسها. وبالنسبة إلى الرطوبة، تتلقى منطقة ماوسينرام، في شمال الهند، معدلا وسطيا من الأمطار يبلغ 1187 سنتيمترا في السنة. وقد بلغ المعدل السنوي للهطولات في مدينة شيرابُنجي القريبة 2674 سنتيمترا سنة 1861.

 سنة1927 انهمر مقدار قياسي من الثلج على جبل إيبوكي في اليابان وادرك رقما قياسيا مقداره1182 سنتيمترا. وسجلت محطة فوستوك للأبحاث في القارة القطبية الجنوبية (أنتارتيكا) حرارة تساوي -89 2 درجة مئوية تحت الصفر في الأول من تموز (يوليو) 1983! ويعتبرأخدود ماريانا هو المكان الأعمق على كوكبنا – 11 كيلومترا دون مستوى سطح البحر. في المقابل لم تتلق أودية مكمردو الجافة في قارة أنتارتيكا أية هطولات مطرية على مدى مليوني عام.

مدينة مكسيكو، عاصمةالمكسيك هي أكبر مدن أميركا الشمالية سكانا وعددهم فيها 8 85 ملايين نسمة. بينما تتمتع غرينلاند ذات الحجم الهائل بأدنى كثافة سكانية في أي من بلدان العالم، إذ تبلغ 0 03 شخص في الكيلومتر المربع الواحد، مما يحاكي مدينة الفاتيكان الأقل سكانا في العالم، وفيها ألف شخص لا غير. اما القاهرة عاصمة مصر فهي أكبر مدن القارة الأفريقية سكانا إذ تضم 18 7 مليونا. تقاربها ساو باولو عاصمة البرازيل أكبر مدن أميركا الجنوبية بــ 12 مليونا. رواندا هي الدولة الأكثف سكانا في أفريقيا مع وجود 482 شخصا في الكيلومتر المربع الواحد، مما يثير حفيظتنا إلى السؤال: أين يعيش جميع البشر؟

يبلغ مجموع سكان العالم 7 475 مليارات. لكن مثال الدول والمدن الأشد كثافة سكانية على الكرة الأرضية يقودنا إلى تركيا القريبة، فاسطنبول وحدها تضم حوالى 15 مليون نسمة وتعتبر أكبر مدن أوروبا ولو لها قدم في أوروبا وأخرى في آسيا. ثم الهند ثاني أكبر دول العالم سكانا (1 281 مليارا)، ومن المتوقع أن تمسي أكبرها سكانا مع العام 2028. وفي اندونيسيا تعتبر جاوا أكثر جزر العالم سكانا بمجموع يبلغ 139 4 مليونا، بينما اكبر مدن القارة الاوقيانية حجما، سيدني، لا يتجاوز عدد سكانها الخمسة ملايين نسمة.

عالميا تعتبر ماكاو، وهي إقليم إداري خاص بالصين، أشد دول الأرض كثافة سكانية. فمجموع قاطنيها 648500، بكثافة 22998 مواطن في الكيلومتر المربع. ويستوطن الصين، أكبر بلدان العالم سكانا 1 379 مليارا، أي قرابة خمس سكان الكرة الارضية. ويقيم في شانغهاي وحدها 24 3 مليونا، ما يشكل أكبر كثافة منه في أي مدينة أخرى. وتعتبر شنغهاي، الواقعة على ساحل الصين الشمالي الشرقي في دلتا نهر يانغتزي، مركزا ماليا دوليا رئيسيا ومرفأ الحاويات الأشد ازدحاما في العالم.

البراكين

 البلدان التي تحوي العدد الأكبر من البراكين هي الولايات المتحدة (173) وروسيا (166). وهما بلدان كبيران، لكن السبب الرئيسي لوجود الكثير من البراكين فيهما هو ملامستهما »حلقة النار«. وهي خط وهمي حول المحيط الهادئ حيث تتراصف البراكين عبر إندونيسيا واليابان وتشيلي.

يشهد جبل سترومبولي، في جزيرة سترومبولي الإيطالية، تفجرا وطيدا منذ2700 سنة على أقل تقدير. ولا يعيش في الجزيرة سوى حوالى مئة شخص يهتم معظمهم بإ يواء الزائرين في فترات الخمود وتنفجر فوهة سترومبولي في اوقات مرصودة بدقة، بغية تنبيه سكانه وقطع الطريق على المغامرين.

 الا ان الانفجار الأشد فتكا يعود إلى تامبورا في إندونيسيا في العام 1815 حين قضى سبعون ألفا إما لتعرضهم إلى الحمم او من جراء بوار المحاصيل الذي أعقب الثوران. وسنة 1883احدث انفجار بركان كراكاتو ضجيجا لم تسمع مثل دويه الكرة الأرضية من قبل، إذ أدرك الاذن بقوة عن بعد خمسة آلاف كيلومتر.

يحتمل تفجر عشرين بركانا من البراكين الألف والخمسمائة الناشطة في أي وقت. هناك انفجارات تحطم الصخوربالحمم الحارقة وتذيبها. لكن ايها الاشد رعبا؟ يروى انه جبل توبا قبل خمسة وسبعين ألف عام في انفجار يزيد مئة ضعف على انفجار تامبورا في العام 1815. وقد قذفت فوهة توبا 2800 كيلومتر مكعب من الحمم والأنقاض.

اخيرا، يتمتع جبل نييراغونغو في جمهورية الكونغو الديمقراطية بأكبر بحيرة حمم، تسببت في العام 1977 بسيل حمم سرعته 60 كيلومترا في الساعة.

بركان سترومبولي

الأعاصير

يسحب الإعصار القوي ويمتص كل ما يقع في طريقه ويسبب الدمار وهو يدور في دوامة فوق الأرض بسرعة 110 كيلومترات في الساعة ويرتفع إلى السحاب. ويتكون الإعصار من ارتطام الهواء الدافئ الرطب القريب من سطح الأرض بالهواء البارد الجاف في الطبقات العليا، مما يجعل الهواء الدافئ يرتفع في عمود دوار. فمن المتوقع للأعاصير الضخمة أن تدور في دوامة بسرعة تبلغ 480 كيلومترا في الساعة، باتساع أربعة كيلومترات. وتدوم ثلاثين دقيقة مندفعة عبر التضاريس الطبيعية مدمرة أي شيء في طريقها.

وتنطوي نزعة تقصي ومواكبة العواصف على مغامرة خطيرة اشتهر بتصويرها الأميركي دافيد هودلي الذي بدأ مهمته في العام 1956 وعاين ما يزيد على مئتين وثلاثين إعصارا. وظهرت اعماله الفوتوغرافية في المجلات العالمية وعلى صفحات الصحف قبل جمعها في مؤلفات انيقة.

 عام 1999 ضرب إعصار مدينة أوكلاهوما الأميركية بلغت سرعة رياحه داخل حلقة الزوبعة 484 كيلومترافي الساعة على ارتفاع مئة متر فوق سطح الأرض. ولا تزال المدينة حتى اليوم تعيش مرحلة نقاهة من مفاعيله حتى اليوم. وفي نيسان (أبريل) 1989، حطم إعصار دولاتبُر ساتوريا الأشجار واقتلعها ودمر المساكن في بنغلادش على مساحة ستة كيلومترات مربعة، قاتلا 1300 شخص ومصيبا بالجروح آلافا آخرين.

 اما اطول الاعاصير فدام ثلاث ساعات ونصف واجتاز 352 كيلومترا عبر ثلاث ولايات أميركية في العام 1925. ويوم 12 آذار (مارس) 2006 سبب إعصار ضرب ولاية ميزوري الأميركية باقتلاع قاطرة وداخلها شخص يدعى مات سوتر. ارتفعت مسافة 398 مترا قبل أن تحط على الارض، وقد نجا السيد سومر باعجوبة. وضربت »موجة عاتية« من الأعاصير في العام 2011 إحدى وعشرين ولاية أميركية وأجزاء من جنوب كندا. بلغ مجموعها 362 اعصاراعلى مدى اثنتين وسبعين ساعة مُلحِقة أضرارا بقيمة 11 مليار دولارا. وفي العام 2013 شق إعصار إلـ رينو ممرا عبر مدينة أوكلاهوما الأميركية بلغ مداه 4 2 كيلومترات، وهذا رسميا الممر الأعرض المسجل في تاريخ الاعاصير.

العدد 92 – ايار 2019