حوار حول  »مُنتدى الفِكر اللبنانيّ«، مع رئيسه الدكتور طراد حمادة

نسرين الرجب- لبنان.

 »صورة تعكس تعدديّة الواقع اللبنانيّ الثقافيّ«

رئيس مُنتدى الفكر اللبنانيّ، الوزير السابق، الأستاذ الباحث والشاعر طراد حمادة، وهو أستاذ الفلسفة والتصوّف في الجامعة اللبنانية، ومؤلف له عدّة إصدارات ومقالات صحفيّة توزّعت بين الشعر والرواية والسياسة والفلسفة والقراءات الصوفيّة، تعددت الصفات تعدّد ينابيع المعرفة لديه. التقته الحصاد وكان لها معه حوار حول منتدى الفكر اللبنانيّ، وحول الفلسفة والرؤية التي تنتهجها سياسة المنتدى.

منتدى الفكر اللبنانيّ

عرّف الدكتور طراد حمادة بالمنتدى قائلًا: هو منتدى ثقافيّ لبنانيّ يهتم بالفكر والمعرفة والحوار والتواصل بين المثقّفين اللبنانيّين وبين أهل الفكر والأكاديميين والكتّاب والشعراء والأدباء والفنانين، وأيضًا، بين المهتمين بصناعة الكتاب وبشؤون الثقافة من كل النواحي وهذا المنتدى الذي تأسّس عام 2006 ببركة حرب تموز من أجل يكون صورة للثقافة العربيّة والاسلاميّة، مقرّه الحاليّ في بيروت حارة حريك، وتشمل نشاطاته العديد من المناطق اللبنانيّة، هو صورة للفكر اللبناني بتعدديّاته وإبداعاته المختلفة، كذلك يقوم هذا المنتدى بنشر المؤلفات والكتب والاصدارات لكتّاب لبنانيين يختار منهم ما يمكن أن يُغني الحوار الفكريّ اللبنانيّ في كافة أبواب المعرفة، سواء في الفلسفة العامة الفلسفة السياسيّة، التاريخ، فلسفة العلوم، علم الكلام، الفقه، كذلك في مجال الأدب (النقد الأدبي، الرواية، الشعر)، كلّ أشكال المعرفة والكتابة.

الدكتور طراد حمادة

 وأضاف؛ هذا المنتدى يمكنه أن يطبع إصدارات موسميّة أو سنويّة لكُتّاب ليس بالضرورة أن يكونوا من المنتدى، كُتّاب لبنانيّين مختارين، كذلك يُقيم حوارات ومؤتمرات شهريّة وسنويّة، وبعض هذه الندوات يمكن لها أن تُنشر كأعمال للمؤتمرات أو كأعمال للندوات الهامة، إذًا هو منتدى فكريّ ثقافيّ يهتم بالتواصل والحوار الثقافيّ، وبالإنتاج الثقافيّ، وحريّة الثقافة وديمقراطيتها.

المثقّف صوت الأُمّة

أشاد الدكتور حمادة بأهميّة المثقف الذي يؤدّي دورًا أساسيًّا في مجتمعه سواء على صعيد نشر الفكر وتشجيع الإبداع والتعبير عن روحه، وعن روح الجماعة وكتابة تاريخها ومنجزاتها الحضاريّة التي تتمظهر هذا الابداع الحضاريّ في الثقافة، وتابع أنّ المثقف يعبّر عن هموم شعبه عن آلامه عن أفراحه عن تقاليده عن عاداته تعبيرًا واقعيّا وتعبيرًا وجوديًّا وتعبيرًا جماليًّا، فهو ينشر الفرح واالسعادة لأنه عاشقٌ للجمال ولأنه مبدعٌ للجمال، وعن المثقف والسلطة أوضح الدكتور حمادة، أنّ ليس من الضرورة أن يكون المثقّف تابعًا للسلطات السياسيّة أو أن يكون صوتًا لهذه السلطات السياسيّة، ولكن يمكن له أن يكون صوتًا للأمّة، صوتًا للناس وللشعب، صوتًا للجماعة في التعبير -كما ذكرت- عن حضارتها وعن التحديّات الوجوديّة التي تواجهها، والثقافة تنميَة حقيقيّة تنميَة للحريّة للسعادة، تنميَة للديمقراطيّة، للابداع ولعشق الجمال وحب الجمال وللعيش حياة أفضل وحياة سعيدة دائما.

 »لا ينفصل الفيلسوف عن واقعه«

رأى الدكتور حمادة وهو أستاذ الفلسفة والتصوُّف في الجامعة اللبنانيّة، وله كتابات في التصوّف والعرفان، أنّ الفلسفة التي تبدو أنّها تفكير منفصل عن الواقع هي أكثر مذاهب أو مدارس التفكير علاقةً بالواقع، فنجد أنّ لكل إنسان فلسفته في هذه الحياة التي تقود سيره وسلوكه ومساره العام، فلا ينفصل الفيلسوف عن واقعه، الفيلسوف يتأمّل الواقع ينظر في الواقع يتدبر الأفكار التي تكون نتاج واقعه الاجتماعيّ ثم يصيبها في صورة منطقيّة، في صورة فلسفيّة، بحيث أنّها يمكن أن تعبّر عن رؤيَة واضحة وفق منهجيَة واضحة، الفيلسوف ينظّم الفكر والواقع يُنتج هذا الفكر؛ الفيلسوف يؤدّي دور قائد الأوركسترا الذي يُنظّم الأنغام الصادرة عن الآلات الموسيقيّة عبر الأوتار المجتمعة، فيأتي الفيلسوف في الاجتماع الانسانيّ وإبداعه المعرفيّ لينظّم هذا الإبداع وفق منهجيّة معيّنة، وحيث يمكننا أن نتتعلّم من النظريات التي أبدعها الفيلسوف بحيث يمكننا أن نعلنها ونلتزم بها في سير وسلوك الحياة، بحيث أنّ لكلّ منّا -كما ذكرت- فلسفة تقود سلوكه وسيره وعلاقاته بالآخرين وعلاقته بنفسه، بالمجتمع الانسانيّ المحيط به وفق أنظمة العقل بآداته المعرفيّة التي هي المنطق والتي هي لغة الفلسفة، يُنظّم هذه العلاقات ويتدبّر أمرها.

 »الصوفيّة هي الرؤية المعتدلة للاسلام«

وفي سؤال عن الصوفيّة وعلاقتها بالإسلام، أوضح الدكتور حمادة أنّ الصوفيّة يمثلون الرؤية المعتدلة، فهم أهل اعتدال، والمتصوفة يسلكون إلى الله ومن يحب الله يحب خلق الله يحب عباد الله، ولا يمكن لمن ينظر الى عباد الله بعين الله كما يفعل الصوفيّة الذين ينظرون إلى عباد الله بعين الله، لا يمكن إلّا أن يكون كما الله سبحانه وتعالى رحيمًا ورؤوفّا وخيِّرًا كلّ الخير، لا يمكن للمتصوف إلا أن يعشق أن يحب إلا أن ينظر بعين المحبة إلى الآخر وأن يعترف به وأن يقدّر حقّه، في أن يختار طريقه إلى عبادة الله سبحانه وتعالى، الصوفي يعبّر عن نفسه بالسير والسلوك، وأيضا يفصح عن تجاربه بواسطة الشعر أو بواسطة الكتابة الأخرى الشعر قصة رمزية المقامات االمعارج الشطحات الفتوحات الإشراقات يكتب اللمعات، كلّ كتابة صوفيّة إنما بأقلامها تسطّر، وتصبح هذه الكتابة هي صورة عن صاحبها الذي أفصح عن وجده وعن تجربته افصاحه اللغوي، سواء هذه الكتابة -كما أسلفنا- (نشيدًا، أو رقصًا، أو مسرحية، آداب أسفار) كلها آداب صوفية ساهم الصوفيّون بشكل أساسيّ الإفصاح عبرها عن تجاربهم.

نموذج مستقل

وفي حديثٍ عن لا مركزيّة الثقافة، أوضح أنّ المنتدى هو نموذج خاص مستقل يستفيد من تجارب الآخرين لكن لا ينسج على منوالهم بقدر ما يستفيد من هذه التجارب، وأضاف: نريد أن يكون لنا أسلوبنا الخاص وهويّتنا المستقلة التي تعبّر عن نظرتنا إلى الثقافة وإلى الحوار الثقافي في بلدنا العزيز لبنان.

 وحول إمكانيّة دخول منتدى الفكر معترك الحياة برمتها من دون رادع أو وازع: من أهداف المنتدى السعي للتعبير عن أنفسنا عن ثقافتنا عن فكرنا بحريّة وديمقراطية كما أننا نحترم الآخر حق الآخر بالتعبير عن آرائه، ونريد أن نوصل آراءنا وأفكارنا إلى الآخرين بطريقة سليمة، وبطريقة تحترم عقولهم

 »طموحنا أن نبني حوارًا.. «

في سؤال عن سعي المنتدى إلى لقاء حوار الفكر كالحوار المسيحيّ الاسلاميّ، أكّد الدكتور حمادة على أهداف المنتدى الذي يهتم بإقامة حوار بين كافة الأديان وكافة الاتجاهات الفكريّة، وأضاف: نضع هذا في صلب اهتماماتنا لأنّ الفكر اللبنانيّ فكر متعدّد يشارك ويساهم فيه المسيحيّون والمسلمون من كافة المذاهب والمدارس إلى جانب العلمانيين والقِوى الأخرى غير الدينيّة، ونحن صورة تعكس تعدديّة الواقع اللبناني الثقافيّ ونسعى إلى إقامة حوار بين هذه الفئات.

أمّا عن استشعاره للمرحلة الجديدة ثقافيًا واجتماعيًّا واقتصاديًّا، أشاد بنعمة الهدوء والاستقرار الأمنيّ في لبنان، آملاً أن يحل لبنان مشكلاته الماليّة والاقتصاديّة، وأن تتوفّر فرص العمل للشباب بشكل أساسيّ وأن يهتم بجيل الشباب، وفي إشارة إلى سياسة المنتدى أضاف: نحن نهتم بجيل الشباب بالجامعات بالمدارس بالمؤسسات الأخرى، وفي المزارع والأرياف ونجد أن بلدنا في مرحلة استقرار يعيشها يمكن أن تكون مناسبة لإنتاج ثقافيّ مميز.

التفكير السلفي لا يُبدع جديدًا

 حول العلاقة بالتراث ونظريّة القطع مع الماضي، أوضح الدكتور حمادة قائلاً: نستفيد نحن من التراث ما أمكننا بحيث أننا نستند إلى هذه الأصول ولكنّنا، أيضًا، لدينا عقول تُبدع الجديد، وأضاف، نحن نتواصل مع الماضي بطريقة تجعله في خدمتنا من أـجل أن نبني حاضرنا ونرى مستقبلنا ليس بمعنى السلف، لأن التفكير السلفيّ أثبت خطورته كونه لا يُبدع شيئًا جديدًا، نحن نحاول أن نبدع دائمًا قضايا جديدة، وأن نجدّد في الفكر والثقافة.

 وعن موقفه من الاستعمار والاستكبار العالمي وخطره على لبنان، اعتبر أن لبنان في مرحلة التحرّر من الاستعمار وفي مرحلة النهوض بوجه الاستكبار العالمي، وهو في زمن المشاركة في إدارة هذا العالم.

ماهيّة الإنسان

 اختتم الدكتور متحدّثًا عن ماهيّة الإنسان: الإنسان هو عبدٌ لله استخلفه على هذه الأرض من أجل إعمارها ومن أجل أن يبني سعادته عليها ومن أجل أن يعبد ربّه وأن يخدم أبناء جنسه، وأن يعمّر الأرض ويصل إلى السعادة في هذا العالم وفي العالم الآخر.

 »ندوة قالت الأرض«

من النشاطات التي حضّر لها منتدى الفكر اللبنانيّ بالتعاون مع منتدى صيدا الثقافيّ، ندوَةً فكريّة لمناسبة يوم الأرض الموافق لـ 30 آذار من كل عام، تحت عنوان  »قالت الأرض: فلسطين«، بتاريخ الجمعة 29 آذار 2019، في قاعة بلدية صيدا، تحدّث في النَدوة كلّ من السادة سماحة الشيخ  »علي دعموش« نائب رئيس المجلس التنفيذيّ في حزب الله، الشيخ  »ماهر حمود« رئيس اتحاد علماء المقاومة، والأستاذ  »صلاح صلاح« عضو المجلس الوطني الفلسطينيّ، الندوة كانت من تقديم الشيخ  »جمال شبيب« رئيس منتدى صيدا الثقافيّ، وبحضور حاشد وداعم للقضيّة الفلسطينيّة، أشاد المتحدثون بأهميّة الحفاظ على القضيّة ودعمها ماديًّا ومعنويًّا، وبالجيل الشاب الذي لم ينس قضيته، وبشهادات عن حتميَة زوال الاحتلال الاسرائيلي الغاشم.

هذه الندوة كانت برعاية منتدى الفكر اللبنانيّ، بحضور رئيسه الدكتور طراد حمادة، وهي واحدة من الندوات التي يرعاها المنتدى، في كافّة المناطق اللبنانيّة، كإحدى توجهاته الداعمة لقضايا المقاومة والفكر الدينيّ والمعرفيّ في مجالاته المختلفة.

العدد 92 – ايار 2019