البدانة لدى الأطفال… بين السلوك الغذائي الشائع والتنمّر

من بيروت رنا خير الدين

البدانة لدى الأطفال

البدانة لدى الأطفال باتت تشكّل هاجسا لدى الأهل والمؤسسات الصحية لكثرة انتشارها في الفترة الأخيرة في العالم العربي، فهي مشكلة تفتح بابا واسعا لبروز الأمراض على أنواعها، إن كان في الجهازين الهضمي والمناعي أو القولون أو التأثيرات النفسية والاجتماعية المترتّبة على عاتق الطفل بشكل خاص، حيث تخفّف ثقته بنفسه وتقلّل من نسبة نجاحه وطموحه.

مع ازدياد التوسّع التكنولوجي وميل المجتمعات نحو السرعة في تيسير أمورهم اليومية والحياتية برزت معالم الحصول على الوجبات السريعة التجارية البديل »الأفضل« من خيار تحضير وجبات صحية مليئة بالبروتينات والفيتامينات، وتقديمها للأطفال، الأمر الذي يجب التنبّه له

اخصائية التغذية العلاجية دكتورة اماني الشيخ

على الدوام ويحتاج إلى معالجة ومتابعة مع الأهل.

اخترنا في هذا التقرير البدانة لدى المراهقين والأطفال لمساعدة الأهل وتقديم النصح إليهم عن طريق الإخصائيين في هذا الشأن، وسنعرض في التقرير أبرز الأمراض التي قد تنتج عن السمنة لدى الأطفال وأسبابها وكيفية تفاديها، كما سنطّلع على الحالة النفسية والاجتماعية للطفل البدين وكيفية دمجه اجتماعيا وحمايته من التنمّر الذي يتعرّض له يوميا.

الأنماط السيئة السائدة

يُحسب وزن الأطفال في العادة بالاعتماد على أعمارهم. فكل فئة عمرية من الأطفال لديها وزن معين، منذ الولادة. الزيادة في الوزن مؤشر على سوء التغذية واتباع نظام غير متوازن من الأطعمة عبر توزيع الوجبات خلال النهار. فتعود هذه الزيادة عند الأطفال في الوقت الراهن إلى الإفراط في إعطاء الأطعمة المليئة بالسعرات الحرارية والدهون، وميل الأطفال نحو الأطعمة التجارية بالدرجة الأولى، من الشوكولاتة والحلويات والمشروبات الغازية أو الأطعمة المصنّعة من الدقيق الأبيض المضرّ. هذه الأطعمة تسبّب الإدمان للطفل عبر التعلّق بها من خلال طعمها الحلو وكثرة المواد المصنّعة فيها. من جهة ثانية، إلى جانب هذه المأكولات الصناعية تعتبر قلّة الحركة لدى الأطفال من الأسباب الرئيسية في تراكم الشحوم لديهم، حيث باتوا يقضون ساعات طويلة أمام التلفزيون أو الألعاب الإلكترونية أو الهواتف الذكية. إضافة إلى ما سبق، ثمة بعض الاضطرابات الجينيّة النادرة التي لها عامل في البدانة في مرحلة الطفولة.

BMI أو قياس محيط الخصر؟

»Body Mass Index« هو عملية حسابية أو مؤشر كتلة الجسم الذي يقيس الوزن بالنسبة للطول، وهو أفضل المقاييس العالمية لتحديد الوزن الزائد أو الناقص أو المثالي لكل جسم حسب طوله بالسنتيمتر ووزنه الحالي، لكن BMI لا يقيس كتلة العضلات ونسبة الدهون في الجسم، لذلك يعمد بعض الأخصائيين إلى حساب الوزن من خلال محيط الخصر الذي يعتمد على الفئة العمرية والجنس. فعند الإناث معدل محيط الخصر الطبيعي هو 82 سنتمترا والرجال 92 سنتمترا، لكن هذا القياس يتفاوت بحسب المراحل العمرية المختلفة.

يميل الأخصائيون نحو قياس محيط الخصر، لأنه منطقة تجمّع الدهون والغازات، يتم من خلال قياسه التعرّف على إصابة الشخص بالقولون العصبي الذي له علاقة بزيادة الوزن والنحافة المرضية وسوء التغذية.

أخصائية التغذية العلاجية والرعاية الصحية الدكتورة »أماني الشيخ« (ليبيا) أشارت لـ»الحصاد« إلى أن الوزن الزائد عند الأطفال يبرز من خلال القياس ولا يحتاج إلى دقّة لملاحظته، ولا يوجد ما يسّمى أنواع البدانة لدى الأطفال والمراهقين.

الأمراض الناتجة عن البدانة

تكثر الأمراض الناتجة عن البدانة لدى الأطفال في العالم العربي، فهي بحسب د. »أماني الشيخ« تتوزّع على الشكل التالي:

ارتفاع معدّل سكر الدم: يمكن لبعض الأطفال الذين يعانون من السمنة أن ترتفع نسبة السكر في الدم لديهم، وأن يتطوّر ذلك إلى النوع الثاني منه الذي يتوجب تناول الأدوية لمعالجته.

ابعديه عن الاطعمة الصناعية والمهدرجة

ارتفاع الضغط: البدانة من شأنها أن ترفع ضغط الدم لدى الطفل والذي يمكن أن يتحوّل إلى النوع المرضي الذي يحتاج إلى متابعة دائمة.

فقر الدم: الذي ينتج عن سوء التغذية، فغالبا في حالات البدانة ما تبرز مشكلة فقر الدم لنقص فيتامين الحديد في مأكولات الطفل ووجباته.

اضطرابات الجهاز الهضمي: الجهاز الهضمي يتبعه معظم أعضاء الجسم وتعتمد عليه في تأدية وظيفتها، لذا أي خلل في الجهاز الهضمي سيؤدي حكما إلى خلل في بعض الوظائف الأخرى للأعضاء.

قلة التركيز: يترافق معها تساقط الشعر، بشرة باهتة واصفرار الأظافر.

ضعف المفاصل: وهي مرحلة متقدّمة من الأمراض التي قد تصيب الطفل، يعود سبب ذلك إلى توالد الخلايا الدهنية في الجسم.

إرهاق الدورة الدموية: تعرقل البدانة أوالسمنة عميلة ضخّ الدم ما يؤثر سلبا على عمل القلب ويضعفه، ويمكن أن تنتج عنه انسدادات في الشرايين.

ارتفاع معدل الدهون في جسم الطفل.

ازدياد نسبة خطر الإصابة بالجلطات.

الوراثة والبدانة

إن احتمال انتقال الوزن الزائد من الآباء والأمهات إلى أطفالهم عالٍ، وذلك يرجع في الدرجة الأولى إلى العادات الغذائيّة الخاطئة والسلوك في تقسيم الوجبات. لذا لا بدّ من تدارك الأمر عن عمر مبكّر للطفل لتفادي زيادة وزنه والحدّ من خطر الإصابة بالأمراض المذكورة آنفا.

البدانة والنمو العقلي للأطفال

البعض يعتقد أن البدانة تؤثر أو تؤخر النمو العقلي للطفل، لكن هذا الاعتقاد الشائع هو خاطئ، فالسمنة بحدّ ذاتها لا تؤثر على النمو العقلي للطفل وعمل الدماغ لديه، لكن تتراجع مقدرة العقل والمخّ لديه بسبب نوع الأطعمة السيئة التي يتناولها، مثل السكر الأبيض والطحين الأبيض، الدهون الصناعية والمهدرجة، أي المأكولات التي تحتوي على هذه المواد تقلّل كفاءته على التركيز.

كما تسبّب هذه المواد ضعف الذاكرة لدى الطفل، فيتراجع مستواه الدراسي، إضافة إلى عدم القدرة على الحفظ. كما تؤثر البدانة على أعصاب المخّ لدى الطفل وعلى الأعصاب الطرفية الموجودة في اليدين والأرجل.

كما لا بدّ من الانتباه إلى أن المأكولات الدهنية والسكرية الصناعية تؤذي الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة أو الذين لديهم أمراض عصبية وعقلية ونفسية أو توحُّد فمن شأنها أن تدهور حالتهم العقلية والعصبية ناهيك عن القلق والكآبة المرافقين لها.

يصعب في العادة التعامل مع الطفل البدين بسبب حساسيّته الزائدة الرافضة لنظرة أقرانه إليه، بالتالي يتعسّر إقناعه في ممارسة النشاط الرياضي اليومي لذلك يحتّم على الأهل الانتباه لهذا الأمر والقيام بتمارين رياضية مع أطفالهم لتشجيعهم على الركض والمشي وممارسة الألعاب الرياضية الحركيّة ككرة السلة وكرة القدم وغيرها، وتسجيلهم في أندية متنوعة.

النظام الغذائي الأساسيّ للأطفال

يقع على عاتق الأهل عملية الإدراك والوعي الكافي لتأمين احتياجات النظام الغذائي الصحي لأطفالهم بعيدا عن المنتجات الصناعية والتجارية والمعلّبة، لذا عليهم تأمين أولا المأكولات المليئة بالفيتامينات والبروتينات والألياف الضرورية لأطفالهم، ثم إعطاء أطفالهم مساحة لاكتشاف الطعام الصحي.

لا نعني بالنظام الغذائي أي الحمية القاسية وحرمان الطفل من وجبات الطعام الأساسية بل على العكس.

نعرض في ما يلي نموذجا عن النظام الغذائي الصحي للأطفال باستشارة د. »أماني الشيخ«:

التوجّه إلى الطعام الطبيعي: الذي من شأنه تعزيز وظائف أعضاء الجسم ويقلّل نسبة الدهون في الجسم ويساعد على إنقاص الوزن. استبدال السكر الأبيض المصنّع بالسكر الطبيعي على غرار العسل، الدبس (خالٍ من السكر مصنوع من عصير الفواكه)، اعتماد السكر البني الطبيعي (خالٍ من الكراميل) واعتماده في صناعة الحلويات، والاعتماد على الفواكه للحصول على السكر الجيد للجسم.

استخدام دقيق الذرة/ الحنطة أو الشوفان: لصناعة الخبز والبيتزا أو المأكولات التي يحبّذها الأطفال كالباستا، واستخدام الزر البسمتي أو ذي الحبّة الطويلة أو الأسمر.

الامتناع عن السمنة النباتية والزيوت: الانكفاء تماما عن إضافة الزيوت الصناعية للأكل التي تضرّ بصحة الأطفال، واستبدالها بالزيوت الطبيعية المعصورة في المطبخ.

توفير الملح الطبيعي بدلا من المصنّع.

الامتناع عن المشروبات الغازية: على الأهل التوقف نهائيا عن شراء المشروبات الغازية بأنواعها كافّة.

توفير الحليب الطبيعي غير المصنّع الذي يقلّل من إمكانية التأثير على تغذية الطفل وصحته.

لا بدّ من تناول الطفل خمس وجبات يوميا. تتقسّم بين وجبة الفطور، الغذاء، والعشاء، ووجبات خفيفة بين وجبتَي الفطور والغذاء وبين وجبتَي الغذاء والعشاء.

توقيت الوجبات الغذائية

الفطور: بين الساعة السادسة صباحا حتى الثامنة. إعطاء الطفل وجبته الأساسية صباحا تعطي جسمه قدرة جيدة على امتصاص الفيتامينات والمغذّيات في الأطعمة.

الغذاء: حوالي الساعة الواحدة ظهرا.

العشاء: الساعة الخامسة. (أي عند المغرب).

يفضّل، بحسب د. »أماني الشيخ« خلود الأطفال إلى النوم باكرا من أجل عمل الهرمونات، فالسهر مضرّ لصحة الطفل وتصيب شهيته بالترنّح.

نقص العاطفة مسبّب للبدانة

معظم الأهل يعتبرون حالات السمنة لدى أطفالهم لا تعود إلى مرض نفسي أو عوامل نفسية، لذلك نسبة تردد هذه الحالات إلى عيادات المختصين قليل.

أخصايئة في العلم النفس العيادي ومعالجة نفسية راشيل غالب (لبنان) تشير إلى أن انكفاء الأهل عن عرض طفلهم على المعالجين النفسيين هو بسبب اعتقادهم أن السمنة وراثية.

 والطفل البدين يعاني على الدوام من القلق لذلك يلجأ إلى الأكل حتى يهدّئ نفسه، أو لديه مشكلة في التنظيم العاطفي، نقص الأمان والاستقرار.

من الجهة الخاصة بالوالدين يترتّب عليهم الدور الأكبر في مراعاة طفلهم البدين من خلال اشباع احتياجاته العاطفية وتشجيعه دائما، لذا على الأهل تقبّل طفلهم أولا من ثم تبدأ محاولات العلاج لتحسين العلاقة العاطفية بين الأهل والطفل.

التمارين النفسيّة للطفل البدين

الكتابة: يطلب المعالجون من الطفل أن يكتب ما يشعر به كنوع من المذكّرات، هل هو سعيد، أو حزين عبر الكتابة.

تمارين الاسترخاء: القيام بنشاط رياضي كالكاراتيه، لافراغ الطاقة السلبية بدل من الأكل.

تمرين النظر بالمرآة: كل يوم على الطفل أن ينظر إلى المرآة بوقت يحدده المعالج له، مع القيام بحركات خاصة، لاعادة هذه العلاقة بينه وبين نفسه، حتى يحب نفسها من جديد ويثق بها.

من الضروري أن يترافق مع العلاج النفسي علاج جسدي إما مع إخصائي تغذية لتنظيم غذاء الطفل أو طبيب غدد.

تعزيز ثقته بنفسه من خلال تحفيز نشاطاته وواجباته، الأمر الذي يساعده ويحميه من التنمّر ويخفف عنه الضغط النفسي الذي يشعر به على الدوام.

العدد 92 – ايار 2019