كتاب المسرح العلاجي، السايكودراما للمخرج المسرحي العراقي الدكتور معيبد العيساوي

سناء بزيع

 صدر حديثا كتاب المسرح العلاجي،السايكودراما والخبرات الصادمة عن دار الفنون و الاداب للمخرج المسرحي العراقي الدكتور معيبد خلف راشد العيسى »معيبد العيساوي«

دكتوراه في الإخراج المسرحي مدرس في معهد الفنون الجميلة أخرج العديد من المسرحيات منها مسرحية »فاوست و الأميرة الصلعاء« »زغاريد الموت«، »ليلة الحلم:، »البقايا«، »واقع حال«، »طقوس وحشية« »هواجس« »تراكمات صور« وفيلم قصير »اليتيم«. شكل و ادار فرقة السفير المسرحية عام 2004، شارك في مهراجانات عديدة في العراق والعالم العربي وحصل على العديد من الجوائز

ما يثير الفضول انفعال المخرج الشاب وانشغاله في أمور المسرح الوجودية حيث وجدناه باحثا معالجا منشغلا بأبحاث دؤوبة عن شغفه وما نحن بصدده في هذا اللقاء صدور كتابه »المسرح العلاجي« المتضمن العديد من البحوث منها المنهج النفسي في مسرحيات شيكسبير (هاملت نموذجا الانزياح وتمثلات الهوية في العرض المسرحي العراقي السيكودراما و اثرها الفاعل في خفض درجات القلق لدى الأطفال . كما اهتم أيضا بالمسرح الكنسي وكان قد قدم محاضرة مؤخرا عن نشأة المسرح والكنيسة.

الدكتور معيبد العيساوي

حدثنا المخرج المخرج عنمفاعيل وتأثيرات المسرح علينا، وحضوره ونشأته وأجزاءه وتاريخه

عن المسرح العلاجي(السيكودراما)

رافق علم النفس الفلسفة منذ زمن بعيد في كثير من دراسات الفلاسفة اليونان عن اصل الكون، علما ان اول من اهتم بدراسة النفس هو سقراط الذي اكد ان معرفة النفس هي الخطوة الاولى نحو معرفة الانسان، بعد ان اخذت عملية البحث عن النفس منحى اخر في مقابل المباحث الفلسفية الاخرى، لذا ذهب سقراط الى  ان النفس الانسانية هي ظل الله في الانسان، والنفس جوهر الانسان، ويتوجب علينا معرفة ماهيتها حتى نستطيع التوصل الى اثبات وجودها، فالنفس عند سقراط تكمن في كونها ذات طبيعة روحية الهية لها وجود قائم بذاتها وهي من جنس مغاير للبدن، وهي القوة المحركة للجسم.  اما افلاطون فالنفس عنده كما عند سقراط جوهر الانسان الحقيقي وان لها وجودها القائم بذاته ومغايرة من حيث الطبيعة للجسم الذي يحل فيها وتمنحه الحياة والحركة،اما ارسطو فقد انعكس فهمه بعد دراسة للمادة والصورة الى تحديد النفس وتفريقها بان تكون المادة اي شيء، بحيث يمكن ان نعطيها تحديدا او بوصفها شيئا له حيز من المكان، وبعدها استطاع ارسطو ان يفرق بين كل من المادة والصورة على النفس والجسد فالجسم مادة الانسان والنفس صورتها يعني ان النفس للجسم الحي هي بمثابة الصورة والطبيعة لغير الحي، لذا لا يمكن ان تنفصل المادة عن الصورة، اذ ان النفس عند ارسطو تفسد بفساد الجسد، فليس لها وجود قائم بذاتها وليست منفصلة عن الجسد.

  لم يتوقف ارسطو عند دراسة النفس من حيث الروابط بين كل من الفلسفة وعلم النفس، وانما اشتغل على كونه العنصر الفعال في تنقية الروح، لذا هو اول من وضع فلسفة (التنفيس) لاسيما فيما يتعلق بدورها في الموسيقى والاعمال الدرامية المأساوية وتأثيرها على الجمهور لذلك عرف المأساة : هي محاكاة فعل نبيل تام، لها طول معلوم، بلغة مزودة بالوان من التزين تختلف وفقا لاختلاف الاجزاء، وهذه المحاكاة تتم بواسطة اشخاص، تثير الرحمة والخوف فتؤدي  الى التطهير من الانفعالات.

 فالتراجيديا كما يعتقد ارسطو انه توثر تأثيرا عميقا في المشاهد عن طريق تحريك واثارة كل من الخوف والشفقة، ومن ثم تنتهي اخيرا الى احداث تفريغ او تطهير او تنفيس لانفعالات المشاهد بينما هو يشاهد عرضا لصراع الانسان وهذا يوضح السبب في ان التراجيديا تستولي على انتباه المشاهد وتنتزع اهتمامه من خلال الحبكة الدرامية عبر تصاعد الاحداث المسرحية حتى تصل الى الذروة ومن ثم تقديم الحلول لمشكلات توثر في المشاهد تأثيرا عميقا.

 فان علاقة الدراما بعلم النفس لاسيما مفهوم التطهير فانه يعمل على تنقية النفس من كل التراكمات الصدمية التي يوصي بها علما النفس في الكثير من ابحاثهم عن النفس الانسانية وخباياها وكيفية التوصل لانعكاساتها اللاشعورية التي اثرت هي الاخرى على سير المنظومة الحراكية لدى الانسان فان : سيرانوس الطبيب الروماني في القرن الاول قبل الميلاد قد نصح مرضاه العقلين بالقراءة والمشاركة في تمثيليات درامية مستعملا التراجيديا لمكافحة المانيا والكوميديا لمكافحة الكأبة، والتي يتم من خلالها تحقيق الاستجابات الجمالية تأثرا بجملة مؤثرات، وهي حاله سيكولوجيه لها هويتها المتميزة وظاهرة مطروحة للدراسة وقابلة للقياس لغرض الوصل بالمتلقي الى مرحلة الصدمة، ولعل اهم ما يركز علية المتخصصون من ابعاد مؤثرة في الاستجابة الجمالية، وهو البعد الوجداني الذي يتضمن القيم الشخصية والاتجاهات والميول والدوافع وخصائص الشخصية لتلعب دورا اساسيا في تشكيل خلفية وجدانية يقبل بموجبها الانسان أو يرفض ما يعرض عليه أو يتعرض له من نماذج قابلة للتذوق والتقويم.

ان الفن لعب دورا اساسيا في معالجة الامراض النفسية التي لا تشكل في الانسان على نحو عضوي مقنن، حتى وان كانت بسبب عضوي فالمرض النفسي فيه من الشكوى أكثر مما فيه من المشاهدات العينية السلوكية، علما ان  المريض لا يشكو من معاناته لا بلغة الوجدان ولا يتعامل مع اعراض المرض بالبدن لا بشعرية فيها من الحاجة الى الفن الشي الكثير حين يصف المريض النفسي مرضه يستخدم لغته واصدق اللغات في التعبير عن المرض هي لغة المريض الخاصة به، برموزه بإيحاءاته بكل ما يتصوره ذاتيا.

 واخذ علم النفس بتتطور تدريجيا في اعتماده على الفن لكونه وسيلة علاجية جديدة يتم من خلالها الوصول الى الخبايا النفسية عن طريق التمثيل او عملية الاستذكار بأسلوب تمثيلي فردي او جماعي وان اول من عمل بهذا المجال هو  ج. ل. مورينو Moreno  الذي يعد أبو  الدراما النفسية مطبقا النموذج الدرامي على افعال الانسان ودوافعه، ليس فقط بهدف التحليل ولكن ايضا بهدف العلاج ، استطاع مورينو ان يدخل المسرح كجزء مهم في العملية العلاجية على وفق المزاوجة بين الحياة الاجتماعية والحياة الدرامية لا من حيث الواقع الاجتماعي وصورته الدرامية وانما العمل من خلال وضع حلول علاجية تسعى الى طرح الافكار وتبادلها عبر بناءات سيكولوجية للشخصيات في العمل المسرحي.

وعن المسرح الكنسي حدثنا:

ارتبط المسرح منذ- نشأته- الأولى بالدين وبالخصوص ما كان يتعلق بالأساطير الدينية وإبطالها متخذا منها وسيلة يعبر من خلالها – بمستويات جمالية متنوعة – عمّا يحصل للإنسان ومحيطه من متغيرات ظاهرة سواء أكانت اجتماعية أم بيئية

أدركت الكنيسة ضعف وسائلها القديمة في نشر التعاليم الدينية، لذا رأت ضرورة تجديد تلك الوسائل او توظيف وسائل أخرى لهذا الغرض واخذت تبحث عن جهاز اعلامي واسع النطاق ودقيق في تقديم المعلومات والتعاليم المسيحية فكان المسرح احد تلك الوسائل. وكان وراء هذا هدفين رئيسيان الاول هو نقل تعاليم الدين المسيحي الى كل العالم والثاني هو التبشير بالمسيحية بلغة مصورة مقبولة بسهل فهمها من قبل الشعب .

 ولعل أولى المصاعب التي واجهتها الكنيسة، هي أمية المجتمع الروماني، وكذلك صعوبة لغة الإنجيل والقداس فكانت بحاجة الى إيضاحها وتوصيلها الى اذهان الجمهور، وبهذا وجدت ضالتها في المسرح فكرست الكنيسة الكثير من جهودها التي ظهرت على يد رهبانها في خصوصية أساليبها فقد وظهرت اولى علامات التغيير حوالي عام 915 عندما أضاف احد الرهبان ويدعى (تويتيلوtui-tilo) حوار قصيرا من أسئلة واجوبة  الى قداس عيد القيامة، وهذه الإضافة  كان ينشدها القساوسة الذين كانوا يجسدون الملائكة الذين كانوا عند قبر المسيح والمريميات الثلاثة اللاتي كن يبحثن عن جسد المسيح

  وعلى الرغم من سماح الكنيسة المقيد ـ ببعض العروض الدينية وتشجيعها لهذا النوع من العروض إلا أن التمثيل فيها ظل معتمدا على الرجال دون النساء وهكذا انتشرت المشاهد الدينية في الكنائس وباركها رجال الدين واقبل عليها الناس ليأخذوا منها الوعظ الديني. هذا وقد اتصف الاداء في تلك المسرحيات بأنه كان يسعى الى الوصول الى اكبر قدر من التأثير في المتلقي وذلك بإضافة الكثير من المؤثرات على خشبة المسرح.اما بالنسبة للمواضيع  فلم يجدوا افضل من الكتاب المقدس لاستلهامها منه فكانت (قصة آدم وحواء ونزولهما على الارض وقصة النبي نوح وقصة قابيل وهابيل وتمثيلية العذارى الراشدات والعذارى المفتونات وغيرها من العشرات من القصص الدينية التي تمسرحت على يد القساوسة، حتى اخذت فيما بعد تتجه الى العامية التي هي لهجة الشعب وتخرج من ساحة الكنيسة وسرعان ما اخذت تتحول الى عروض شديدة التركيب والتعقيد.

المسرح  الكنسي في العراق: عنيت المدارس المسيحية في الموصل لا سيما المدرسة الاكليركية التي اسسها الاباء الدومنيكان في الموصل 1750 بالفن المسرحي في نطاق الاطار الديني لكن ضاع معظم هذا النتاج المسرحي لعدم اهتمام الكنائس بطباعتها في كتب او ربما يعود الى عدم توفر وسائل الطباعة في الموصل.

العدد 92 – ايار 2019