وليد عبد الصمد في همس الأماكن

يستولد نمطه من إيقاعه العسكري ومفرداته من قاموس الوطن والحب والحرية… يحاول أن يتنازع مع شهواته ليرضي ملكته الأدبية.. هي محاولة في أدب التأملات التي تدخل عمق الخواطر وتمرّ بالنثر الى لقطات شعرية تحمل غايتها…

في »همس الأماكن« لوليد عبد الصمد، محاولة تجريبية للبوح بسُكَّر القلب، قبل أن يتحوّل الى هرمون إيجابي في شرايين الجسد، يعبُر الى النص، واضعاً كل لمساته في لا وعيه ويمشي نحو الضوء مترجماً مشاعره على الورق، ليصير همسه مكاناً ضاجَّاً بالحركة…

تنتقل المفردة الناشئة عند وليد الى فرادة واعية تفهم إيقاعها ويذهب هو معها إلى تناص مع المغايرة ليثبت فكرته، هنا تتجمّل الصورة، فتحدّد مسارها غير المنضبط بسلوك؛ هو العسكري المنضبط المتقاعد في الجيش، يروح الى حركة غير منضبطة إيقاعاً ووزناً وحركة… لكنه يهمّ في إشهار لا وعيه وعياً مخموراً بوَلهٍ وشغف النبرة.. فتأتي اللغة عسكرية في آن، وهمساً في آنٍ آخر.. وأفعال الأمر التي يحبسها وليد في مخيلته دليل على تكثيفها في النص النثري لديه، ويريد الإفلات منها دون رقيبٍ أو حسيب…

»همس الأماكن«، استنطاق ذاكرة واعية تدلّل على زمنية مكانية، تُعيد أنفاسنا الى شهقة تزفر بالنثر والشعر، وترسم دلالات مستقبلٍ واعد لشاعر سيحقق الكثير من رؤيته إذا أكمل تعبه على هامة الورق…

وليد عبد الصمد له إيقاعه الخاص، هو ثوروي حتى النخاع، مسكونٌ بهالة الفناء في سبيل الآخر، وهذه ميزة المثقف الذي يعرف كيف يعطي ويحب ويحترم، من هنا يبدأ الأدب الرسولي…

أكثر، أقل

كلما تناسلت أكثر،

صرت احتمالاً أقل…

العالم مقبرةٌ عظمى،

موتاه أكثر من الموت،

لأن قلوبهم أقل…

الوجه يصبح أكثر

حين شروده أقل…

والفضاء يصبح أكثر

حين يحملني أقل…

يصير الغائب أكثر،

حين يحضرني أقل…

لا أحلم بالأكثر

كي يأويني الأقل…

هذا القليل، جميلٌ،

وخطيرٌ،

وكثيرٌ،

لأنه يحلم ببعض الكثير،

ليكون الأقل…

إليها

أعيريني بعضي،

لأسألَك، كيف حالي؟!

 (… )

مساءُ يديَّ،

مسك أصابعي،

فاستحمي قبل انهيار القصيدة…

 (… )

وطني غفّارة أحلام،

نائم على باب الشمس؛

فلِمَ إذاً،

لا تسمحي لأحلامي أن تمرَّ؟!

 (… )

أخافَكِ عابسة،

تخافينني باسماً،

كلانا يخشى الخوف،

فلِمَ تستبدلين شمسك بعتمتي؟!

 (… )

استدركي يا هاجر،

أنا ميت،

وجسدي محرور النوايا…

 (… )

توابيت تسير في شارع الحجآج

وصوت أبي يذكرني:

يا بني: الجثث تطير بلا معراج.