حظاً سعيداً!

سهير آل إبراهيم

تستهويني المفاتيح جداً، وبالتحديد تلك القديمة المصنوعة يدويا والتي تتميز بأشكال فنية جميلة تعكس براعة صانعها. لدي مجموعة مفاتيح أعتز بها وتسعدني أي إضافة جديدة اليها.

 بدأت حكايتي مع المفاتيح قبل سنوات طويلة؛ سنوات الطفولة البعيدة. كانت للأبواب في دار طفولتي مفاتيح كبيرة، أو هكذا كانت تبدو للطفلة التي كنتها آنذاك! دخلت ذات يوم مع صديقتي الى غرفة من غرف ذلك الدار، وأغلقنا الباب خلفنا، ولا أدري أو لا أذكر لماذا أدرنا المفتاح وأقفلنا الباب، ولم نتمكن من فتحها عندما اردنا الخروج من الغرفة! لا أزال أذكر مشاعر الهلع التي انتابتني، ويبدو أن مشاعر صديقتي في تلك اللحظة لم تكن مختلفة عن مشاعري، إذ تعالى صراخنا وكأننا كنّا في سباق للبكاء والعويل! أسرعت أمي لنجدتنا، لكنها طبعا لم تتمكن من الدخول الى الغرفة، فأدركت سبب خوفي وصديقتي وبكائنا.

حاولت أمي رحمها الله توجيهنا للكيفية التي ندير بها المفتاح، لكن يبدو أن الخوف كان قد أخذ منا كل مأخذ، فعجزنا عن تحريك ذلك المفتاح الذي أردناه بسهولة وقفلنا به الباب قبل لحظات. عندما لم نتمكن من فتح الباب بمساعدة توجيهاتها، طلبت منا اخيرا ان نحاول إخراج المفتاح من مكانه وإلقائه من النافذة الى الحديقة، وهكذا تمكنت من إخراجنا من تلك الغرفة، التي ظننت لوهلة اني سأمضي باقي العمر حبيستها! أدركت حينها ان للمفتاح قوة كبيرة، رغم صغر حجمه مقارنة بحجم الباب الذي يقفله ويفتحه الا أنه قادر على قهر سطوة الأقفال وفتح مغاليق الأبواب.

لا أزال أذكر أول مفتاح اشتريته قبل سنوات من محل يعرض للبيع قطعاً لها تاريخ طويل. أعجبني شكله، وكأن بصمات الزمن التي ظهرت عليه على شكل صدأ كانت تحكي الكثير من الحكايات. لم أكن اعلم حينها أن المفتاح تميمة من أقدم تمائم الحظ السعيد! فقد ساد معتقد عند الإغريق والرومان أن المفتاح يجلب الحظ السعيد، لأنه يفتح أبواب الآلهة، فتصل اليهم صلوات الناس ودعواتهم. ولا يزال اليابانيون الى يومنا هذا يتفاءلون بالإحتفاظ بثلاثة مفاتيح مربوطة ببعضها البعض، لانها، وفقاً لمعتقداتهم، ستفتح أمامهم أبواب العافية والغنى والحب!

كما هو الحال مع المفاتيح، فقد إستخدم الانسان عبر التأريخ الكثير من الأشياء كرموز للتفاؤل وجلب الحظ الجيد وطرد الشر. منها مثلا حدوة الحصان، إذ نجد الى يومنا هذا من يعلق حدوة حصان في مدخل داره او محل عمله لاعتقاده بأنها تطرد الشر. اما الحكاية التي تذكرها بعض المصادر عن سبب التفاؤل ذاك فهي أن الشيطان رأى صانع حدوات وهو يُركّب واحدة على حافر فرس، فطلب منه أن يُركب له مثلها، ظنا منه انها ستزيد من سرعة تنقله بشكل مريح وتساعده على الذهاب الى أماكن أبعد. وافق الرجل على طلب الشيطان ولكنه خدعه حيث دقّ المسمار الذي يثبت الحدوة أعمق مما يجب في عمق الحافر، فصار الشيطان يتألم مع كل خطوة يخطوها. عاد الى الرجل وتوسل اليه ان يزيل تلك الحدوة المؤلمة، فوافق الرجل بشرط أن يُقسم الشيطان على أن لا يدخل أي مكانٍ تحميه حدوة فرسٍ فوق بابه!

تقول بعض الأساطير إن الذي يدخل مكاناً من تحت حدوة حصان عليه أن يغادر من نفس المدخل، وإلا فإنه سوف يأخذ خير ذلك المكان معه إن غادره من باب آخر. وأساطير اخرى تقول أن الحدوة يجب أن تُدق على الجدار مع توجيه فتحتها الى الأعلى كي لا يتسرب الخير والحظ الجيد من ذلك المكان!

رغم تشاؤم الكثير من الناس من الغراب، الا ان أمي رحمها الله كانت تستبشر خيرا عند سماع صوته! كانت تعتبر نعيقه إيذاناً بقدوم رسالة من اخوتي الذين أخذتهم سبل الحياة الى اصقاع الارض البعيدة. كانت تضع التمر فوق سور الدار مكافأة للغُراب بعد وصول كل رسالة، مثلما كان ساعي البريد يحصل على مكافأة منها مع كل رسالة يوصلها اليها! كان الغراب ينعق، وكانت الرسائل تأتي، ولا أحد يعلم ان كانت هنالك علاقة بين الأمرين!

من الغراب الى الفيل، إذ يُعتبر الفيل رمزاً للحظ السعيد لدى بعض الشعوب، فهم يعتقدون انه يجلب الحظ السعيد في اَي مكان يتواجد فيه، خصوصا في الهند، حيث ان الإله كانيشا عندهم هو مزيل العوائق وجالب الحظ السعيد، علما إن لذلك الإله هيئة إنسان له خرطوم فيل! نظراً لذكاء الفيل وعمره الطويل، فالبعض يعتبرونه رمزاً للحكمة وطول العمر.

و من الفيل الضخم الحجم الى الدعسوقة؛ تلك الخنفساء الصغيرة الجميلة المرقطة الجناحين، فهي أيضا بالنسبة للبعض جالبة للحظ السعيد. إذا حطت على يد إمرأة فإن عدد البقع السوداء على جناحيها يمثل عدد الأطفال الذين ستُرزق بهم تلك المرأة!

يقترن المثلث أيضاً بالحظ السعيد، وكان له حضوراً بارزاً عبر التاريخ، بسبب القوة التي يتمتع بها الهيكل المتكون من ذلك الشكل الهندسي. أضلاع المثلث الثلاثة كانت ترمز الى دورة الحياة التي تبدأ من الولادة مروراً عبر الحياة ثم الموت. أهرامات مصر أمثلة على ذلك من عمق التاريخ لا تزال قائمة الى يومنا هذا. تتكون الأهرامات من مثلثات هائلة تستند على بعضها البعض، وترتكز على قاعدة مربعة.

يتشاءم البعض من المرور تحت سلم مُسند الى جدار، لأنهم يعتقدون إن ذلك المرور يكسر استمرارية المثلث المتكون من السلم والارض والجدار! يمثل المثلث بالنسبة للبعض العائلة؛ أم وأب وطفل، وطبعا بالنسبة للمسيحيين فهو الثالوث المقدس؛ الأب والابن والروح القدس. اذا اضطر شخص الى المرور من تحت سلم وهو يتشاءم من ذلك، فانه يلف إصبعيه الأوسطين حول سبابتيه ويبصق ثلاث مرات بين درجات السلم لغرض طرد سوء الحظ الذي قد يسببه ذلك المرور!

من المدهش واللطيف أيضاً بقاء واستمرار تلك المعتقدات وغيرها الكثير مما يتعلق بالحظ، رغم التقدم والتطور العلمي الكبير، والذي طال جميع جوانب الحياة تقريبا، واعتقد أن للأمل دورٌ كبيرٌ في ذلك؛ فالغراب مثلا كان يمنح أمي الأمل بوصول رسالة من أحبتها البعيدين! الأمل برأيي هو نور الحياة وجذوتها المتقدة.

العدد 92 – ايار 2019