الشائعات تجتاح لبنان وتربك الحكم – بري: تخريب وتآمر.. الحريري للوزراء: سربوا صح

بيروت ـ غسان الحبال

ساهم غرق لبنان في بحر الإشاعات طوال الفترة القريبة الماضية، ومنذ إعلان الحكومة عن الموازنة العامة للبلاد وإحالتها على المجلس النيابي لمناقشتها، في كشف الاوضاع الهشة التي يعيشها لبنان على جميع المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية. لا بل أن هناك من يقول أن انتشار الإشاعات يؤكد أن لبنان »يتعرض لأكبر عملية تخريب وتآمر في تاريخه«، ويتوافق هذا القول التحذيري مع عشرات التساؤلات التي يمكن اختصارها بالآتي:

ـ ما هي الأبعاد وراء تأخر مناقشة الموازنة أكثر من 8 أشهر. وسط شائعات عن انهيار اقتصادي وإفلاس البلد؟

ـ لماذا إغلاق مرفأ بيروت وسط إطلاق أرقام عن خسائر في خزينة الدولة لا أحد يملك حقيقة صحتها، ووسط التسديد على أطراف سياسية واتهامها بالاستفادة من الفوضى في داخله؟

ـ لماذا إغلاق المصرف المركزي وسط إطلاق أرقام عشوائية عن الرواتب والتعويضات التي يتقاضاها العاملون، والتسديد بشكل شخصي على حاكمه الذي طالما تمت الإشادة بمواقفه الحكيمة التي حمت الاقتصاد اللبناني؟

ـ ما معنى إستفزاز العسكريين وتهديدهم بلقمة عيشهم إلى درجة دفعهم الى التظاهر وقطع الطرقات قبل ان تتأكد ادعاءات بأن إجراءات التقشف سوف تذهب بمستحقاتهم؟

ـ ما معنى التفسير الاعتباطي للبند الوارد في الموازنة حول وقف المستحقات لبعض المؤسسات العامة بشكل دفع موظفي الضمان الاجتماعي إلى الاضراب وتعطيل مصالح المواطنين ورفع مستوى النقمة في صفوف المضمونين وتهديدهم بتعويضاتهم؟

العسكريون المتقاعدون: لا تمسوا حقوقنا

ـ لماذا سيل الشائعات والأخبار المتضاربة على أقنية التلفزيون والصحف ووسائط التواصل الاجتماعي، والتي تتحدث عن الخراب؟

ـ ما معنى كل ما جرى ويجري بحق البلد في وقت واحد، وفي ظروف معروفة يحاول لبنان الرسمي من خلالها النهوض باوضاعه المالية والاقتصادية؟

والمؤسف أن كل ذلك حدث ويحدث وسط تضخم حاجات الناس والحديث علنا عن الغلاء والفساد والهدر وأموال الدولة المنهوبة، ووسط عشرات المعارك الإعلامية والتراشق بإتهامات عن المسؤولية تتداخل فيها الخلافات الشخصية بالسياسية والحزبية، والتي لم توفر حتى رئيس الجمهورية العماد ميشال عون بل طالته عبر التساؤل علنا حول مرتبه ومستحقاته والتعويضات المالية التي يتقضاها، بقدر ما طالت رئيس الحكومة سعد الحريري بادعاء أن الهدف هو دفعه للاستقالة عبر نشر خبر يفتقد لاسم المصدر والمصداقية منقول عن »وزير سابق يؤكد في مجالسه الخاصة، أن ما يحصل من توتّرات وضعضعة داخلية، هو نتيجة توجّه لدى »حزب الله« لدفع رئيس الحكومة سعد الحريري إلى تقديم استقالته«.

بري والحريري يتصديان للحلول

وربما كان الرئيس الحريري أول من أشار إلى أحد مصادر الشائعات، حين أشار علانية إلى ذلك في افتتاح إحدى جلسات مجلس الوزراء الخاصة بالموازنة، والتي يفترض أن تكون سرية، متوجها إلى الوزراء بالقول: »إذا بدكن تسرّبوا على الأقل سرّبوا صح«.

وبعد الحريري بادر رئيس مجلس النواب نبيه بري إلى التأكيد على موضوع موجة الشائعات التي تنشر أجواء سلبية في البلاد،

مستغربا »التحركات التي تقوم بها بعض القطاعات غير المعنية بالموازنة لا من قريب او بعيد، وهذا يجعلنا نطرح علامة استفهام حول الدافع ومن يدفع الى هذه التحركات«، وقد جاء تعليقه هذا في معرض تشديده على أن »الموازنة هي الفرصة الوحيدة التي يمكن من خلالها تجاوز الوضع القائم«، حيث أعرب عن إستيائه من »الشائعات التي ضخّت مؤخراً في وسائل التواصل الإجتماعي«، معتبراً ان هذا المناخ هو »مناخ تآمرى لا يعكس الواقع والحقيقة، فالبلد ليس مفلساً والوضع النقدي سليم وتحت السيطرة«.

وفي معرض قطع الطريق على الشائعات قال بري أن »إنجاز الموازنة سيخلق أجواء ثقة حتى قبل إقرارها في المجلس النيابي«، وأن »لا مسّ بحقوق الفئات الفقيرة ومحدودة الدخل والمتوسطة«، معتبرا أن »قانون الموازنة قادر على ان يحمل معايير موحدة للراوتب في المؤسسات والمصالح المستقلة«. وحمل بري مسؤولية الاجواء السلبية إلى النظام الطائفي معتبرا أن المشكلة تكمن فيه، وأن »الحل لا يكون كما عبرت سابقاً إلا بالدولة المدنية للتخلص من الطائفية القاتلة«.

الإشاعة.. والمستهدفون بها

كل هذه التساؤلات تصبح مبررة إذا علمنا أن الإشاعة تتمثل بخبر أو مجموعة أخبار زائفة تنتشر في المجتمع بشكل سريع ويتم تداولها بين العامة فيما هي تفتقر إلى المصدر الموثوق الذي يحمل أدلة على صحتها.

وتعليقا على تعريف الإشاعة يقول نائب سابق ومراقب سياسي مخضرم: »للأسف فإن لإثارة الإشاعات دائما أهداف ومآرب سلبية، وهي تتنوع انسجاما مع تنوع أهداف مثيريها، فمنها ما هو يسعى للكسب المادي غير الشرعي، ومنها ما يحمل أهدافا وخلفيات سياسية، وهذا النوع من الإشاعات عادةً ما يحصل في الحروب أو في الظروف الأمنية غير الاعتيادية، ويهدف إلى إرباك الطرف المعني بالإشاعة. وهناك من الشائعات ما يصنعها المجتمع بنفسه خصوصاً حين يكثر التساؤل حول شؤون مرتقبة الحدوث، بما يؤدي إلى خلق شائعة وانتشارها«.

اضراب موظفي الضمان يهدد مصالح المضمونين

ويرجع النائب السابق أسباب سرعة انتشار الشائعة في لبنان إلى »غياب المعلومات الحقيقية عن الناس، وكذلك إلى الجهل وانعدام الوعي لدى الطبقات الشعبية ما يسهل انطلاء الأكاذيب على أفرادها نتيجة عدم تساؤلهم وسؤالهم عن المصدر، وثقتهم العمياء وغير المبررة بوسيلة الإعلام التي يتابعونها، فضلا عن غياب الطرف المخول بالرد ونفي الإشاعة الأمر الذي يزيد من انتشارها«.

كما يرى أن انتشار وسائل الاتصالات الحديثة يعد سببا بارزا في انتشار الشائعات، »فهي تقوم بنشر كم هائل جداً من المعلومات في وقت يسير جداً وبكل يسر وسهولة ومن غير الاستناد إلى مصدر معروف او موثوق«.

ويستطرد السياسي المخضرم قائلا: »هناك عوامل وشروط أخرى لابد من وجودها لتهيئة ظروف خلق الشائعة وترويجها، من ضمنها وأهمها توافر عاملي الأهمية والغموض كما في الظروف التي شهدها لبنان مؤخرا حول موضوع موازنة التقشف، والمقصود هنا أهمية الموضوع بالنسبة للأفراد المعنيين أو المتضررين من التقشف، وغموض الأدلة الخاصة بموضوع الشائعة حول الفئات المستهدفة، ولذلك فإننا غالباً ما نجد الشائعة تحتوي على جزء صغير من الأخبار أو الحقائق، ولكن عند ترويجها تُحاط بأجزاء خيالية بحيث يصعب فصل الحقيقة عن المتخيل، أو التعرف على الحقيقة من المتخيل«.

ويتابع شارحا: »أن هذا النوع من الشائعات الذي واكب الحديث عن الموازنة، يتضمن تلك القصص العدائية التي توجه في مجتمعنا ضد رجال الحكومة والمسؤولين لمحاولة تلطيخ سمعتهم، وكذلك تلك القصص الزائفة التي تروج لعرقلة أي تقدم اقتصادي، أو سياسي، أو اجتماعي، ويدخل في ذلك أيضا ما يقوم به المروجون من نشر تنبؤات بوقوع أحداث سيئة تمس هذه الموضوعات، وبنسخ سلسلة لا تنتهي من القصص يستمرون في العمل على تغذيتها ونشرها«.

خطر الشائعات وسبل المواجهة

ويحذر المراقب المخضرم من أن »بمقدور الشائعات القضاء على مجتمعات كاملة إذا لم تتم مواجهتها من قِبل الأطراف الواعية، وتزداد خطورتها في حال وجود جهة تعمل على تسعير نارها لتحقيق أهدافها، فالشائعة ببساطة تجعل من الصواب خطأ ومن الخطأ صواب«.

كما يحذر هنا من الربط بين الشائعة والنزعات الكامنة في نفوس الناس وانتماءاتهم الطائفية أو المذهبية »والتي قد يدعمها أحياناً بعض الشخصيات والوجهاء ورجال الدين، ذلك أن انتشار هذا النوع من الشائعات وسيطرتها على عقول المجتمع قد يغير في السلوكيات وفي التعاطي مع أمور حساسة بالنسبة للأفراد، وقد يصعب إبطالها مفاهيمها أحياناً لتفشيها وتشرب المجتمع لها«.

أخيرا، »هل هناك علاج لهذه الظاهرة وكيف يمكن مواجهة الشائعات؟«

يتوقف السياسي المخضرم في إجابته على هذا السؤال عند موقفي الرئيسين بري والحريري حول التطورات التي واكبت الاعلان عن الموازنة، فيقول: »حسنا فعل الرئيس الحريري حين مازح الوزراء بالقول (إذا بدكم تسربوا سربوا صح)، إذ وجه بذلك رسالة إلى الطرفين

الموازنة والمهمة المستحيلة: هل يتمكن النواب والوزراء من أبعاد شبح التقشف عن أنفسهم

المعنيين: الناس والإعلام مفادها إلا تصدقوا كل ما تسمعون أو تقرأون، ثم جاء تصريح الرئيس بري ليكون أكثر توضيحا عبر تسمية الامور بأسمائها، والإعلان بأن المناخ السلبي هو مناخ تآمري من صنع الشائعات«، ويخلص مؤكدا على أن مواجهة الشائعات إنما »يكون بالتعامل الموضوعي والمنطقي مع الأخبار، التأكد من المصدر، التوعية لاسيما حول ما ينشر في الصفحات والمنتديات التي تروج لأخبار بلا مصادر، الشفافية والنزاهة في تناول الأحداث بما يضيق الخناق على مروجي الاشاعات والاصطياد في الماء العكر«.

 

 

 

 

 

 

العدد 93 – حزيران 2019