الثورة الصناعية الرابعة: الفرص والتحديات المستقبلية

ا.د. مازن الرمضاني*

لقد أدت مخرجات استمرار النمو المتسارع على صعيد العلوم والتكنولوجيا إلى أن يبدأ العالم، ومنذ بداية القرن الراهن، بالدخول في الثورة الصناعية الرابعة. وفي شأن مخرجاتها قيل: انها ستفضي مستقبلا إلى احداث تغيير ايجابي كبير في تفاصيل الحياة البشرية جراء تبني الذكاء الاصطناعي، والتكنولوجيا الحيوية والنانو والعالم الافتراضي والبيانات الضخمة… الخ. وكذلك قيل أنها يمكن ان تنطوي على معطيات سلبية تؤدي مثلا إلى تفاقم ظاهرة الفقر والتفاوت بين الاغنياء والفقراء وتقويض العلاقات الإنسانية وخلق مخاطر أمنية جديدة وتأجج الصراعات الدولية… الخ.

إن اقتران الثورة الصناعية الرابعة بمخرجات ايجابية وسلبية يفضي بالضرورة إلى ان يكون تأثيرها المستقبلي مضاعفا وتحدياتها أشد خطورة. ومن هنا يضحى الوعي الموضوعي المسبق بهذه المخرجات كمدخل لصناعة المستقبل،على قدر عال من الأهمية. ولنتذكر أن الوعي بالمستقبل والإرتقاء به إلى مستوى تحدياته يُعدٌ من بين أبرز شروط النجاح، فالنجاح لا يتحقق من دون رؤية استراتيجية دقيقة وواضحة للمشاهد البديلة التى سيقترن بها المستقبل. لذا يلغي غياب مثل هذا الوعي علاقة الإنسان بمعطيات الزمان الذي سيعيش فيه وبمخرجات تفضي به إلى أن يكون خارج حركة التاريخ بالضرورة.

وتؤكد التجربة الإنسانية أن الإنسان ومنٌ ثٌم المجتمع الذي يعيش خارج حركة التاريخ يبقى عاجزا عن صناعة مستقبله. فهذه الصناعة لها شروطها. وأهمها يكمن في تبني ثقافة الإنحياز إلى المستقبل والعمل من اجله. فثمٌة فرق اساس بين المستقبل الذي نريد ونعمل من اجل تحقيقه والمستقبل الذي نريد ونتمنى تحقيقه ولا غير. وقد سبق للمفكر العربي زكي الميلاد في سياق تأكيده على أن المستقبل صناعة بشرية.إن قال:  »نحن يجب أن نختار طريقنا إلى المستقبل… من الماضي والحاضر نتعلم كيف نبني مستقبلنا. المستقبل (هو) الذي يجب ان نذهب اليه لا أن ننتظره أن يأتي الينا لانه حينذ لن يأتي ولن يأتي. وحينما نقرر الذهاب إليه فلن نصل إليه إلا بالاعداد والتحضير«.

 برعاية أكاديمية دبي للمستقبل اجتمع عام 2016 في دبي 21 مستقبليا من مختلف انحاء العالم وبمشاركة مؤسسات مستقبلية عالمية الشهرة ولغاية تنحصر في إعداد تقرير حول مستقبل العالم حتى عام 2060. وقد تناول التقرير الصادر عن هذا الاجتماع/المؤتمر والذي جاء بعنوان تقرير استشراف المستقبل سبعة من المجالات الحيوية شملت الطاقة والصحة التعليم. والمياه والنقل والتكنولوجيا والفضاء. وقد أكد هذا التقرير على 122 توقعا مستقبليا مرجحا سيشهدها العالم حتى العام 2060. وللأهمية سنستعرض في ادناه بعض هذه التوقعات كما جاء بها تقرير مستقبل العالم وبالتسلسل ذاته للمجالات الحيوية التي تناولها.

وقبل تناول هذه التوقعات تجدر الإشارة إلى أنٌ كثير منها يستوي ومخرجات الخيال العلمي  ومنٌ ثمٌ قد يرى البعض انها مجرد امنيات غير قابلة للتحقق. وبهذا الصدد من المفيد التذكير أن كثيرا من تنبؤات الخيال العلمي وتوقعاته وجدت طريقها إلى التحقق لاحقا وان طال الزمان. فجل الابتكارات والانجازات التي تتميز بها الموجة الحضارية الراهنة تعود جذورها الأولية إلى رؤيات الخيال العلمي. ويكفي ان نتذكر كمثال أن رواية أحد رواد التفكير الخيالي العلمي،الروائي الفرنسي جول فيرن الموسومة من الارض الى القمر الصادرة عام 1865 وجدت تطبيقا يكاد يكون حرفيا لها في الرحلة الفضائية الأمريكية إلى القمر (ابولو 1) عام 1969.

لذا أن التوقعات التي جاء بها تقرير استشراف مستقبل العالم وإن ليست إلا بعض التوقعات عن مستقبل العالم إلا أنها تؤشربعض معطيات العالم الذي سيعيشه اطفالنا خصوصا. ومن هنا نبع الحرص على استعراضها وتعميم المعرفة بها وكالاتي:

اوٌلا في مجال الطاقة. من المتوقع:

– أن يشهد العام 2020 توفيرا رخيصا في الطاقة الشمسية والفحم، وان الولايات المتحدة الأمريكيةٌ ستعتمد عليها لاشباع ثلث حاجتها. كذلك من المتوقع أن يشهد هذا العام أيضا هيمنة توليد الطاقة المتجددة. فمن المحتمل أن تتفوق الكهرباء المولدة من مصادر متجددة مجموع الطلب الحالي لقوى دولية سائرة في طريق النمو كالصين والهند والبرازيل.

أن يشهد العام 2025 نموا غير مسبوق في مجال توليد الكهرباء من الطاقة الشمسية. وجراء ذلك ستنخفض تكلفة انتاج الطاقة الكهربائية. وبذلك ستهيمن الطاقة الشمسية على قرابة  15 إلى 20 من المنازل في العالم.

أن يشهد العام 2030 ابتكار شبكات كهرباء لا مركزية يتم من خلالها توليد الكهرباء كلما دعت الحاجة إلى ذلك وبالتالي سيكون ممكنا امداد الشوارع والساحات بالطاقة دون الحاجة إلى شبكة الكهرباء لان كل عمود كهرباء سيكون مستقلا بذاته في حصوله على الطاقة. وكذلك من المتوقع أن يشهد هذا العام ايضا وفرة في الجدران والنوافذ الشمسية. عندها ستتمكن اسطح النوافذ وجدران المنازل من انتاج الطاقة الكهربائية من خلال الخلايا الشمسية.

أن يشهد العام 2035  انتشار استخدام العجلة (السيارة) الكهربائية وبنسبة تساوي 90، وجراء ذلك سيتم الاستفادة من الطاقة الناجمة عن مكابح السيارات في الاماكن الحضرية لتوفير الكهرباء لبعض مرافق المدينه.وكذلك من المتوقع بحلول هذا العام ظهور الجيل الرابع من الطاقة النووية وبمخرجات تحد من وقوع تفاعل انشطار نووي مثل الذي حدث في مفاعل تشرنوبل.

من المتوقع أن يشهد العام 2040 إعادة تدوير للطاقة عبر إعادة تدوير الذرات إلى منتجات أعلى قيمة، إلى انتاج طاقة نظيفة. وكذلك من المتوقع أن يشهد هذا العام ايضا زيادة في الطلب على أجهزة الحاسوب، وزيادة القدرة على اشباع هذه الحاجة.

من المتوقع بحلول العام 2050 أن يتحقق الاندماج النووي وبمخرجات تؤمن للعالم مصدر طاقة لاحدود لها.

ثانيا في مجال الصحة. من المتوقع:

أن تكون في العام 2020 اختبارات السرطان المنزلية متاحة على نطاق واسع وباسعار معقولة.وكذلك من المتوقع في هذا العام ان يتم اختراع عين حيوية(آلية) تعمل بشكل كامل.

أن يشهد العام  2026 تطورا مخبريٌا في ابطاء الشيخوخة عند الثديات. فمن المحتمل أن تمتد اعمار الفئران إلى ما يفوق ثلاثة اضعاف ما هي عليه الآن.

 أن يتم في العام 2028 استخدام الهندسة الوراثية في مكافحة الامراض.

 أن يشهد العام 2030 ابطال مرض الزهايمر وتثبيطه عن طريق حقن المرضى بالبروتينات.

 أن تتمكن الهندسة الجينية في العام 2035 من ايقاف انتقال الامراض الوراثية.

أن يتم في العام 2042 ابتكار احواض رحمية للولادة حيث ستتم الولادة ضمن بيئات اصطناعية أكثر أمانا.

ان يتم التخلص في العام 2040 من الامراض القلبية الوعائية جراء تعدد الخيارات العلاجية كالعلاج بالخلايا الجذعية، اوتجديد عضلات القلب.

ان يشهد العام 2054 تخصيص الرعاية الطبية، ومن ثم انتفاء الحاجة إلى مراجعة الطبيب. وكبديل سيحتاج الإنسان فقط إلى النظر إلى شخصيات مجسدة وارتداء المستشعرات والرقائق لتعزيز صحته.

ان يقترن العام 2057 بزيادة كبيرة في مدى عمر الإنسان.

ثالثا في مجال التعليم. من المتوقع:  

 أن تصبح في العام 2020 الأوراق البحثية العلمية الممولة حكوميا والموجودة في أوروبا متوفرة للجميع بشكل مجاني. وفي هذا العام سيتعلم الطلبة داخل العالم الافتراضي فما عليهم سوى ارتداء نظارات الواقع الافتراضي ليبدأوا في التعلم.

أن يشهد العام 2025 زيادة في عدد خبراء التعليم عن بعد ومن ثم بداية انقراض غرف الصفوف الدراسية واستمرارة إلى عام 2036، الذي سيشهد انخفاضا كبيرا في عدد هذه الغرف.

أن يضحى التعليم في العام 2026 عالميا. فجراء انتشار الإنترنت ستعمد المؤسسات التعليمية إلى توظيفه لنشر المعارف العلمية. كما أن الدورات التدريبية المفتوحة ستكون متاحة على نحو أوسع عبر الإنترنت.

أن تتصل في العام 2030 الادمغة البشرية بخدمات الحوسبة السحابية سبيلا لتحسين قدرة الإنسان عالى التعلم. كما من المتوقع في هذا العام أن يؤدي المسح الدماغي إلى ثورة في الاساليب التدريسية. فهذا المسح سيمنح القدرة على التحكم في عملية التعلم عن طريق اختبار مدى نجاح انماط التعليم المختلفة وبمخرجات توضح للافراد كيفية تأثير طرق التدريس على الدماغ.

أن يكون في العام 2031 الذكاء الاصطناعي معلمٌا

أن يشهد العام 2036 نموذجا تعليميٌا جديدا يصبح فيه التعليم جزءا من الحياة. كما أن كثافة استخدام الإنترنت سوف تؤدي إلى أن يكون التعليم أكثر انتشارا.وفضلا عن ذلك من المتوقع أن تختفي في هذا العام الامتحانات التقليدية بشكل نهائي وسيصار إلى الاعتماد على طرق أكثر شمولية لتقييم الافراد.

أن تتخلى المدارس في العام 2050 عن مهمتها في التعليم، سيما وان تقنية اتصال الادمغة البشرية بالحوسبة السحابية ستجعل من المهارات المكتسبة في المدارس التقليدية عديمة الجدوى.

رابعا في مجال المياه. من المتوقع:

أن يتم في العام 2020 اختبار فائق الفعالية لجودة المياه. وهذا الاختبار سيتيح للمستهلكين الحصول على معلومات انية حول جودة المياه في بيوتهم كما يتيح لهم ارسال عينة من هذه المياه للاختبار.

أن تتحد في العام 2022 الطبيعة والتقانة من أجل توفير المياه النظيفة.

أن يتم في العام 2025 إعادة تدوير المياه بالحلقات المفرغة بمعنى تدوير المياه وإعادة استخدامها ضمن حلقة مغلقة.وستجد هذه التقنية انتشارا عالميا مضطردا. كما سيشهد هذا العام ذاته تنظيف نصف رقعة القمامة المنتشرة بكثافة في المحيط الهادي ضمن مشروع ممتد زمانا يهدف إلى تنظيف المحيطات.كذلك من المتوقع في هذا العام استخراج الماء من الفضاء.

أن يشهد هذا العام 2030 تحسنا كبيرا في نوعية المياه في البيئة والتخلص من الملوثات. وفي هذا العام أيضا سيصبح الماء أكثر الموارد الطبيعية أهمية هذا جراء الزيادة المتسارعة في اعداد السكان عالميا. ولهذا سيكون الماء أحد أبرز مدخلات الصراع الدولي. كذلك من المتوقع ان تنتهي في هذا العام عمليات المسح ورسم الخرائط لأغلبية مساحات قيعان المحيطات والبحار في العالم.

أن يؤدي انتشار الزراعة العمودية في العام 2032 إلى تقليص الحاجة إلى الماء نتيجة لقلة المساحة المستخدمة لاغراض الزراعة في الدول المتقدمة والدول السائرة في طريق النمو.

أن تكون المياه النظيفة في العام 2040 متاحة لكل شخص في العالم وذلك من خلال معالجة المياه في المنازل.

أن ينتهي في العام 2050 الصراع الدولي على المياه نهائيا جراء توافر تقنيات تحلية المياه وانخفاض تكاليفها.

خامسا في مجال النقل. من المتوقع:

أن يشهد العام 2020 أول نظام هايبرلوب. كذلك من المتوقع في هذا العام ذهاب شركة أوبر إلى استخدام الطائرات ذات الاقلاع العمودي وبذلك سيتم توفير خدمة النقل الجوي التشاركي.

أن تطلق في العام 2021 شركة أوبر وشركة فولفو سيارة مشتركة ذاتية التحكم بشكل كامل.

أن يتم في العام 2025 توفير نظام توصيل جوي واسع الانتشار يستخدم الطائرات من دون طيار لاغراض التوصيل الفوري للتجارة الإلكترونية للسلع خفيفة الوزن.

أن تكون في العام 2028  السيارات الطائرة ذاتية التحكيم متوفرة للشراء من الاسواق.

أن يتم في العام 2030 بروز جيل جديد من  الطائرات التي تفوق سرعتها سرعة الصوت وتصل إلى 6.100 كيلومتر في الساعة، وستكون متوفرة تجاريا.

أن يشهد العام 2036 ثورة السيارات الكهربائية ذاتية التحكم وسيصبح الشخص الذي يرغب في قيادة سيارته بنفسه بمثابة الاستثناء. ومن المتوقع أن يكون السفر جوا خال من الاضطرابات الهوائية.

أن يحلق الركاب في العام 2050 على متن طائرات ذات مقصورات شفافة تمكنهم من الرؤية الخارجية وذلك من خلال تزويد الطائرات بأغشية ذكية لجدران هذه المقصورات.

سادسا في مجال التكنولوجيا. من المتوقع:

أن تقوم في العام 2020 الطائرات من دون طيار والمدرعات المصغرة بمهام الجنود في المعارك وذلك من خلال تحكم الإنسان في تشغيلها عن بعد.

أن تعمل في العام 2025 أنظمة الواقع الإفتراضي بشكل مستقل تماما عن الانظمة الحاسوبية التي يتطلب  تشغيلها الاتصال بحاسوب شخصي.

أن يتم في العام 2030 تطبيق نظام تحديد الهوية العالمي، وذلك بعد أن دعت الامم المتحدة  في وقت سابق إلى أن يكون لكل شخص في العالم هوية تعريفية خاصة به واصدرت التعليملت ذات العلاقة واتفقت مع العديد من الشركات لاغراض التنفيذ.

أن يشهد العام 2036 انتشارا واسعا للروبرتات في الحياة اليومية وهو الأمر الذي سيتيح للافراد امتلاكها بسهولة.

أن ترتكب الآلات في عام 2040 جرائم أكثر من ارتكابها من قبل البشر هذا جراء الاعتماد الواسع على الذكاء الصناعي في الحياة العامة.

أن يؤدي الذكاء الصناعي في العام 2042 دور المجالس الإدارة التنفيذية.

أن تصبح قوة العمل العالمية في عام 2045 ذاتية التحكم.

أن تصبح في العام 2050 المنازل الذكية هي المعيار السائد بعد دمج التقنيات في المنازل بشكل كبير وسوف تقوم الروبوتات بأعمال الطبخ والتنظيف بدلا من الإنسان، كما ان المفروشات ستقوم بتعديل نفسها تلقائيا لتلائم اشكال اجسادنا ودرجة حرارتها.

سابعا  في مجال الفضاء. من المتوقع:

أن تطلق الصين في العام 2020 محطتها الفضائية المسماة تيانجونج 3 التي سيكون بامكانها ضم 3 افراد لمدة 40 يوما.

أن يشهد العام 2023 الهبوط على سطح أقرب كويكب بهدف استخراج اول كمية من الموارد الموجودة على سطحه وعرضها.

أن تقوم في العام 2024 مؤسسة ىسبيس إكس الأمريكية بارسال  أول المستوطنين البشر إلى المريخ أملا في تأسيس مستوطنة بعيدة المدى.

أن يشهد عام 2030 إنشاء مستوطنة قمرية من قبل وكالة الفضاء الاوروبية. كما يتوقع في هذا العام أن يكون التلسكوب الفضائي عالي الدقة جاهزا للعمل والذي سيكون بإمكانه مسح الاجسام الموجودة ضمن نطاق 330 سنة ضوئية وعندها سيكون عمر الكون 3 مليار سنة.

أن يتم في العام 2036 إطلاق مركبات فضائية فائقة الصغر تعمل بالضوء نحو النجوم. ويرجح أن تستغرق هذه المركبات 30 عاما فقط لتصل إلى اقرب نجم من الشمس.

أن يتم في العام 2033 تحديد موعد نهائي لانشاء مستوطنة روسية كبيرة على القمر. وعلى وفق تخطيط الوكالة الروسية للفضاء من المرجح  أن يكون عام 2045  هو الموعد النهائي.

أن يشهد عام 2045 تأسيس أول مستعمرة ذاتية الاكتفاء خارج كوكب الارض اما على القمر أوالمريخ أو قد يكون الاثنان معا.

أن يشهد عام 2050 التوصل إلى معرفة الاسباب الكامنة وراء الطاقة المظلمة وكذلك الطبيعة الأساسية للمادة. وبهذا سيتحقق ابتكار مهم على صعيد علم الفيزياء.

* استاذ العلوم السياسية ودراسات المستقبلات

العدد 93 – حزيران 2019