التوحّد… أعراضه التواصلية والسلوكية والنطقية وعلاجاتها

من بيروت – رنا خير الدين

نسمع كثيراً في الآونة الأخيرة عن انتشار حالات التوحّد التي تصيب الأطفال، يحمل ذلك معه العديد من المفاهيم الخاطئة في التشخيص والمعالجة، فليس كل اضطراب سلوكي لدى الطفل هو توحّد، أو أي اضطراب في التواصل يعني انقطاع الطفل وعدم مقدرته على التجاوب، إضافةً إلى أنه تتحتّم على المعالجين مسؤولية كبيرة في اعتبار أن هذه المعالجة هي إنسانية مجتمعية تحتاج لدعم متكامل من فريق المختصين والعائلة المحيطة بالطفل والابتعاد عن المتاجرة.

الإحصاءات الأخيرة التي صدرت على صعيد عالمي بيّنت أنّ بين كلّ 59 طفلاً نموذجياً هناك طفل واحد من ذوي اضطراب التوحّد. وهذه نسبة مرتفعة. كما أنه لا يوجد مختصون فعليون في إطار علمي يمكنهم تشخيص حالة الطفل المتوحد وأحياناً يمكن أن يكون الطفل لديه نمط

اخصائية التربية المختصة الدكتورة ريماز حرز

سلوكي بعيد كل البعد عن التوحّد، وقد يكون لديه تأخّر عقلي جديد أو أي شيء آخر، ويتم وضع كل هذه الحالات تحت عنوان  »التوحّد« لذا لا مجال أن تكون الإحصاءات في لبنان دقيقة.

اضطراب السلوك يصيب خلايا في الدماغ مسؤولة عن التواصل والتفاعل والمخيّلة. ومن الخطأ التعميم أنّ كلّ الأطفال الذي يعانون من طيف التوحّد لا يمكنهم التواصل بصرياً مع محيطهم، أو أنّهم جميعاً عدوانيون، العدوانية هي صفة مكتسبة وليست جزءاً من عوارض الاضطراب السلوكي.

»الحصاد« تناولت الجوانب الحركيّة والسلوكية والنفسيّة والتواصل لدى الأطفال المتوحّدين بمساعدة فريق مختص من مركز  »AID« الذي يُعنى بتنمية خصائص ذوي الاحتياجات الخاصة في بيروت.

كيف يكتشف الأهل اضطراب التوحّد عند أطفالهم؟

عدم الاستجابة حين مناداتهم بأسمائهم، فقدان المهارات اللغوية، الإصابة بنوبات غضب ومواجهة صعوبة في التواصل مع الآخرين هي بعض من أعراض التوحّد عند الأطفال، فكيف يتمّ تشخيص هذا الاضطراب وما هو دور الأهل تجاه أطفالهم؟

تقول الأخصائية الدكتورة في مجال التربية المختصة ريماز حرز: لتشخيص حالة التوحّد عند الأطفال لا بدّ أن يكون لديه اضطراب في التفاعل الاجتماعي أولاً، اضطراب في التواصل التعبيري والاستقبالي، ويعاني من حركات نمطيّة.

وتضيف: يمكن للأم ملاحظة عدم تفاعل طفلها معها، يتوقف عن الابتسام لها بعد مرور سنة من عمره، يتوقف عن النظر إليها، فقدان طفلها إلى الليونة، ومن الأعراض بكاؤه المستمر، اضطرابات في النمو كالتأخر في الكلام والمشي.

التوحّد ليس مرضاً…!

لا يمكن اعتبار التوحّد مرضاً لأنه عبارة عن مجموعات اضطرابات ومشاكل متعلقة بنمو الجهاز العصبي والعقلي، تؤثر على القدرة الإدراكية والتفاعل الاجتماعي للطفل. وتجدر الإشارة عدّة عوامل متداخلة في اضطراب طيف التوحّد لذلك لا يمكن اعتباره مرضاً.

الصعوبات الحسيّة الحركيّة

أخصائية العلاج الحسّي حركي ربى جمّول تؤكّد أن الصعوبات الأساسية لدى الطفل المتوحّد هي حركية عامة بطبيعتها خاصة بالتوازن، كالقفز، وصعوبات في الحركات الدقيقة في استخدام الأصابع، توتر عضلي، التأخّر في تعلّم الجانبية (الجانب الأيمن والأيسر)، صعوبة في الإدراك الزمني، صعوبة في الإدراك والتحليل البصري (أي صعوبة في تمييز الأشكال، تمييز الخلفيّة عن الصورة، صعوبة في تمييز الأحرف والكلمات)، إضافةً إلى صعوبات على صعيد المخطّط الجسدي (أي عدم إدراك الجسد وحدوده لذلك يصعب عليه وضع حدود بينه وبين

اكسابهم اساليب التنظيم

الآخرين).

وتتابع جمّول: نتابع كلّ حالة على حدة عبر برنامج التكامل الحسّي، فلكل حالة خصائصها، وكل حالة تتفاعل مع البرنامج حسب عواملها. فالحالة التي لديها فرط حركة نمطية يتمّ العمل عليها عبر الإحساس والإدراك الجسدي والحواس، عبر أنشطة حسيّة، لفهم الجسد وإدراك المحيط لتقبّله وتقبّل الآخرين والتواصل معهم بطريقة سليمة، من خلال الجسد والحركات.

إضافةً إلى الأنشطة الأكاديمية، التعليمية كالقراءة والكتابة.

نشاطات التواصل والنطق

أخصائيّة النطق والتواصل مايا قاسم تشدّد على أنه لا بدّ من الإشارة إلى أن الطفل المصاب بالتوحّد هو غير قادر على التواصل اللفظي وغير اللفظي مع محيطه كليّاً. لا يعني ذلك عدم المحاولة في دمجه أو المبادرة إلى تكييفه وتشجيعه على التواصل، وثمة طرائق عديدة لتعزيز التواصل لديه:

نشاطات: اللجوء إلى نشاطات بإمكانها تعزيز التفاعل، خصيصاً التفاعلات الاجتماعية من خلال استخدام تطبيقات تقوم على المشاركة والدور في الغناء وغيرها.

التقليد: من خلال تقليد حركات الطفل أو الكلمات الصحيحة التي يقولها، خصوصاً التي تصبّ في السلوك الإيجابي والصحيح، والحركات التي لها معنى وظيفي وتطبيقي إن كان في البرامج أو النشاطات أو الألفاظ.

المبالغة في استخدام لغة الجسد: حركات اليدين، تعابير الوجه، الصوت العالي للفت انتباهه إلى الحاجات الضرورية من وراء هذه الإشارات، فالصوت العالي أو الشدّ على بعض الكلمات يلفت انتباهه على الدوام.

إفساح المجال أمامه للتعبير عن ذاته: إعطاء الطفل الوقت الكافي للتفكير وقولبة العملية التي يريده المعالج أن يقوم بها، ليتمكّن من التعبير عن نفسه بالطريقة المناسبة له.

اعتماد الأسلوب المبسّط: كلّما كان أسلوب الطرح بسيطاً وصغيراً كانت الردود سريعة والنتيجة أفضل، وذلك لإمكانيته على الاستيعاب البسيط.

التركيز على اهتماماته وتدعيم تواصله من خلالها: فإذا كان الطفل يحبّ السيارات، يجب التركيز على النشاطات التي تحتوي على السيارات لشدّ تركيزه وقتاً أكثر، ويترافق ذلك الشرح والكلام والوصف.

الدعائم البصرية: معظم الأطفال الذين يعانون التوحّد لديهم صعوبة في اللغة الاستقبالية والتعبير، لذا نعتمد على الصور التي تترجم ما يريدونه (الطعام، الشرب، الدخول إلى الحمام) أي احتياجاتهم الأساسيّة، من خلال عرض الصورة وهي طريقة للتواصل غير اللفظي لديهم يتم

التوحّد ليس مرضاً بل حالة

العمل على معالجتها وتحسينها.

أمّا طرائق العلاج النطق تعتمد على:

جلسات النطق أولاً، كلّما كانت على عمر مبكّر كلّما كانت نتيجتها ملحوظة بشكل أفضل.

تعاون الأهل والمحيط: لتحقيق أهداف جلسات النطق لا بدّ من أن يعمّم الطفل ما يتعلّمه في المنزل والمحيط بمساعدة الأهل.

ABA أو تحليل السلوك التطبيقي: الذي يعتمد على تطبيق تكيّف في تعديل سلوك الطفل. هو من أنجح الطرق وأكثرها انتشاراً واعترافاً من قبل المختصّين. تحليل السلوك التطبيقي أهم البرامج العالميّة لتعديل سلوك المتوحّدين بالصفة الذي أثبت في اكتساب الأطفال مهارات عديدة في مجالات تعلم اللغة والمهارات الاجتماعية، بالإضافة إلى تحسين مهارات التعلّم لديهم، كما أثبت في التعامل مع الأطفال الذين يعانون من تحديات السلوك المصاحبة لكثير من الاضطرابات النمائيّة، مثل تشتت الانتباه وفرط الحركة.

المفاهيم الأساسية لانتظام السلوك

تشير إخصائية المعالجة السلوكية في المركز شيماء شعيب إلى أن ثمة مفاهيم على المعالج أو الأخصائي تبسيطها للطفل وشرحها مفصلاً بعدّة طرق، منها:

مفهوم الانتظار: عدم إدراك الطفل للعديد من المفاهيم يصعب عليه تطبيقها أو تنفيذها، لذا يقوم المعالج بإيصال معنى مرور الوقت على أصابيعه، ثم الانتقال إلى المعنى اللفظي للكلمة من خلال استخدام الكلام ككلمة  »انتظر«.

تدربيات لتخفيف الحركات النمطية: من خلال تطبيقات سهلة وبسيطة يمكن مساعدة الطفل للتخلص من الحركات النمطية.

مفهوم التواصل النظري واللغة الاستقبالية: لا يمكن مساعدة طفل دون الوضع في الحسبان عدم مقدرته على الإدراك، لذا يجب العمل على التواصل الحسي الذي يقوم على النظر، واللمس، والكلام، حتى يتعلّم الطفل شيئاً فشيئاً الاستجابة للغة الاستقبالية.

الثقة لترسيخ التواصل

تختلف طريقة التعبير بين طفل وآخر خاصة أمام من ضيف يبحث عن الأجوبة حول كيفية تعاطي المدرّبة مع الأطفال، وتُخبرنا لونا منصور عن تجربتها معهم، فتقول: التحدّي الأكبر يتمثّل في المقدرة على التقدّم مع الطفل الذي يعاني من الاضطراب السلوكي الشديد، ولكن هذا الأمر يُحفّزني بإطار إيجابي، كي أحصل على نتيجة مرضية لي ولهم في الوقت نفسه.  »سامي« على سبيل المثال لا الحصر كان يعاني من صعوبات شديدة ويقوم بحركات نمطيّة دون توقف ويصرخ باستمرار ويضرب كلّ شيء حوله ولا يقبل بالجلوس على الإطلاق، ولكن خلال فترة قصيرة جداً بدأ بالتعاون والتعرّف على كلّ الأشياء حوله.

وتؤكد منصور أنّ العمل الصعب يحفزها لتعطي أكثر، مشيرة إلى أن لكلّ طفل سلوكياته، فهناك الاجتماعي وهناك مَن يحاول لفت النظر، وهناك الفنان القادر على الابتكار، ولكن في النهاية تبقى الثقة هي المقياس لترسيخ التواصل بين الطفل الذي يعاني طيف التوحّد ومعلمته.

تطوير مهاراتهم من خلال التدريبات

البرامج العلاجيّة المقدّمة في مركز  »AID«

 »ABA« أو تحليل السلوك التطبيقي.

برنامج  »بكس« لإمكانية الطفل في التعبير عن احتياجاته.

MAKATON LANGAGE.

برنامج TEACH.

Play Therapy .

أنشطة علاجية تساعد الطفل على النمو وزيادة التوازن وتنمية قدراته منها برنامج التنمية اللغوية، وتدليك الوجه وعضلات الفم. اليوغا لتفعيل حواس الطفل الظاهرية والباطنية وتقنية الاسترخاء للجهاز العصبي، يترافق ذلك مع جلسات علاجية يومية.

العدد 93 – حزيران 2019