يكتب القصة القصيرة والقصيرة جدا-عمران عز الدين قاص سوري

سناء بزيع

عمران عز الدين قاص سوري( الحسكة)

يكتب القصة القصيرة والقصيرة جدا

عناوين مجموعاته القصصية:

1 يموتون وتبقى أصواتهم / قصص قصيرة جدا / دمشق / دار التكوين 2010

2 موتى يقلقون المدينة / قصص قصيرة / دمشق / دار ممدوح عدوان 2012

3 بين تفاحتين / قصص قصيرة / تركيا / دار ميسلون 2018

4ـ متحف الأنقاض (نصوص الحرب والعزلة). كتاب جماعي / دار نينوى 2018

فاز ببعض الجوائز، ومنها:

ـ جائزة الشارقة للإبداع دورة 2009

ـ جائزة ناجي نعمان العالميّة دورة 2009

ـ جائزة رابطة الكُتَّاب السوريين للإبداع الأدبيّ دورة 2018

ـ بالإضافة إلى جائزة bbc البريطانيّة الشهريّة خمس مرات عن القصّص التالية:« وردة لحارس الغابة أجوبة على أسئلة الوصية رجلان وحلم واحد أنا وهو لماذا لم أنتحر ؟«.

وقد نشرت قصصه في كبريات الصحف والمجلات العربية، كما إنها ترجمت إلى لغات عدة، ومنها: الانكليزية والفرنسية والكردية والتركية.

مجوعته الاخيرة  »بين تفاحتين«. فازت بجائزة رابطة الكتاب السوريين للإبداع الادبي أواخر العام الماضي. في مئة صفحة. نذكر منها: ثورة وثروة حول اختفاء العم يوسف، النبي الجديد، اعتقال ميت، خوازيق كرنفالية، فتوحات الجد الأكبر، سنعوي.

يتكيء عز الدين على قصصه، يغفو قليلا لتمر طائرة محملة ببراميل الموت أو قذيفة لكي لا يختنق أكثر. في بلاد الحروب ندعي النوم للإستعانة بالأحلام علنا نستيقظ على حياة.

في قصصه لم ينجو عمران عز الدين من فواجعه وظل يراقب أمانيه تتهدم كالبيوت وأعشاش العصافير، فكيف ينجو والموت مثقل بموتاه، والحياة حفرة لطمر الأحلام، والفضاء أزيز أصم ٌ أبكمٌ مدوي. سجون ومعتقلات مطلية بأرواح مغتصبة، وفضلات آدمية تضج منها الجرذان.

موتى يقلقون المدينة

حرية يسكنها الخوف فتتكور على نفسها كسلحفاة،. دمار. خراب، عويل، أنين، ولم يكتمل المشهد بعد، فزع، اغتصاب، قتل ثم قتل، ولن يكتمل.. وهذا أقل ما يقال.

في مقدمة مجموعته يتساءل عمران عز الدين عن الأسباب التي جاءت به إلى الحياة، وبهذيان محموم يسأل عن جدوى الحياة بما فيها من صراعات وتعقيدات. واعظا ومنشدا ومتمنيا العيش الأمثل خارج المقدسات المائعة، والمدنسات المرجومة، والانصياع الأعمى… آملا البحث عن ذواتنا، فنستبت منها شجر سيحبل بثمار مختلفة:« قد تروق لأذواقنا ثمار دون غيرها. انا شخصيا لا أستسيغ التفاح، لكنني على استعداد لأن أروي ما تبقى من عمري كل أشجار التفاح، على امتداد هذه الممورة البائسة، مقابل شطيرة ذات«. (عبد الستار)

ندخل في القصص لنجد عبد الستار مقيم داخلها، هو ضمير عز الدين الغير مستتر، هو وجهه المكشوف على الخيبات ووجهته الضائعة، وهو شخوصه المحطمة، هو السؤال والانتحار، وهو العلامة الدالة على الأحداث المكسورة والمبتورة المنبوذة العابثة الوحيدة الشريدة، وربما هو الحب المذبوح بسيف الخيبة.

كأن عمران عز الدين يقف على اطلال بلاده وقفة امرئ القيس إنما دون رفيقين له يبكي بلاده. يقف الكاتب السوري ليعلن كما فوكوياما نهاية التاريخ. غير أنها على عكس صرخة الأخير، ليست صرخة انتصارية واحتفائية بفكرة ما تمهّد لتاريخ جديد وصل الإنسان فيه لسدرة منتهى الكمال. على العكس من ذلك تماما، يطلق عز الدين صرخة انتهاء التاريخ بما هي من وصول ليأس كونيّ مهيمن. اليأس الذي يتجلّى واضحا ومخيّما فوق بلاده سوريا، إنما المعبّر عن الانحطاط الشامل الذي وصلت إليه الأطراف قاطبة بشكل جماعي. ولذلك ليس غريبا أن يعلن عز الدين في كتاباته عن عدم ثقته بكل من جعل لنفسه ناقة وجملا في سوريا ودخل في معتركها.

هو اليأس في أعلى مراحله الذي يتجلى ضحكا على كل ما يدور، كل قرارت الدول والأمم المتحدة ونشرات الأخبار وتصريحات المسؤولين. الضحك من كل كرّ والضحك من كل فرّ لأي فريق. الضحك من السلطة ومن معارضيها، من كل ما حدث وما سوف يحدث. وصرخةٌ أشبه بصرخة أبي العتاهية  »لِدوا للموت وابنوا للخراب« فليس من بارقة أمل تأتي من أحد يمكن أن يعوّل عليه.

ثمّ يؤكّد المخزون الأدبي لعز الدين على حزنه أو بالأحرى ما شاء أن يستشهد به من مخزونه الأدبي. فليس غريبا أبدا أن نجده يعطف كل الحزن في كتاباته والعزلة التي يختبرها في عالم لا يجد فيها معينا له ولشعبه على الحزن والعزلة في أعوام ماركيز المئة. وإن كنا نبني عالما على صورة ما بداخلنا ونرسم الأشياء والأشخاص حولنا على صورة ما تنطوي عليه قلوبنا ويختلج في نفوسنا، فإنه ليس غريبا أن نجد عز الدين يرى بجدته صورة أورسولا الحزينة؛ سيدة الحزن في رواية ماركيز الشهيرة.

هذا الحزن لا يصطنعه عز الدين، بل نجد نحن القرّاء ظروفا موضوعية تؤدي إليه. هو الحزن على بلاد يجد أهلها أنفسهم يقعون على المهانة والذل في أتفه تفاصيل حياتهم اليومية. ولا يجدون حولا لهم ولا قوة. ليس من فعل ينفّس الغضب المعتمل فيهم سوى البكاء؛ البكاء بصمت.

 »تهان من أجل رغيف، وتبكي بصمت. تهان في الحافلة، وتبكي بصمت، تهان في الشارع وتبكي بصمت… تهان وأنت تلقي نظرة على الجثث، وتبكي بصمت، تهان وأنت تلقي نظرة على السجن المركزي، وتبكي بصمت، تهان لأنك أصبحت رقما، وتبكي بصمت، تهان وأنت ناجح، وتبكي بصمت… تهان لأنك أحببت، وتبكي بصمت، تهان لأنك أحببت وتتمزق بصمت، تهان لأنك أحببت، وتهيم بصمت…

كل هذا النداء الداخلي الهامس، المحترم، لا يكف عن القول:

_عيب! أنت كاتب محترم.

أيها النداء الجبان:

_ كنت كاتبا، وجعلت مني ضاحكا«.

وكذلك اليأس المنبعث من فقدان البديل وفقدان الثقة. فليست ثقة الكاتب معدومة بالسلطة أيا تكن هذه السلطة. إنما أيضا وربما أكثر ممن يطرح نفسه بديلا لهذه السلطة. ذلك أنه انعدام للثقة متأتٍّ من الخيبة الكاملة بما كان يمكن أن يكون أملا بغد أفضل. فنجد عز الدين غاضبا في نقده

بين تفاحتين

لمعارضة السلطة بمفهومها العام. ولكن أيضا في مفهومها الخاص حيث انتشرت  »المنظماتية« التي يذكر منها صديقه الذي يستغله من أجل أن نيحصل على معلومات منه.

_ أشكرك أكتب له، وقبل أن أضغط على زر  »أيقاف تشغيل الدردشة« يقصفني بجملته المنظماتية:

_ أريد أسماء يا صديقي.

ولا نريد أن يبدو يأسا مقفرا معدوم الأمل، أو حالة سايكولوجية أو مزاجية تدعم القصة، بل هي هستيريا المعاناة، ولا خيارات مع الحرب، أما الموت أو الجنون أو اليأس والإحباط. اذا لم تكن شريكا فيها. ولو سلمنا جدلا مع القائل : لا يأس مع الحياة، ولا حياة مع اليأس. فهل نفرح ونبتهج بكل هذه الهزائم والخسارات والحروب والآفات الاجتماعية والإنسانية التي نعيش.

لن تهزمه الحرب وهو المستعين عليها بالكتابة، فهو لا يمل البحث عن التجدد والاختلاف، شاطرته الكتابة همومه فشاطرها نفسه. ويبدو جليا بأن اللغة أسعفته، متمكنا منها فأطاعته، فكانت القصة القصيرة. فهي ليست مجرد تصوير فوتوغرافي أو تسجيلي عند عز الدين، هي حالة مس بين الواقع والمتخيل، وتماس بين شاعرية اللغة ونثرها، وهي السرد المختصر المكتمل، وهي شغفه بكل رمزيتها وتقنياتها واستعاراتها وبنائها، وهي الوشم المحفور في الجلد.

من قصة، فتوحات الجد الأكبر:

النبي الأول: تفاحة للخطيئة.

النبي الثاني: وأخرى للجاذبية.

النبي الثالث: وثالثة للأكل.

النبي الأول: السر ليس في شكل التفاحة.

النبي الثاني:ولا في مضمونها.

النبي الثالث: وليس في لكنة جدنا آدم.

ردد الصدى: أو في لكنة حفيده نيوتن.

وردد الصدى ثانية: مات آدم، ماااات نيوتن.

وردد الصدى ثالثة: مات أرخميدس.

النبي الأول: وبقيت التفاحة

النبي الثاني: وبقيت التفاحة.

النبي الثالث: وضاع السر، رويداٌ رويداٌ.

العدد 93 – حزيران 2019