النسخ والفسخ…صورة المعنى عند الحكيم

أعطى عاطف الحكيم الحق دلالته.. فكان التقمّص أحد ايحاءات النص لديه، ليعطيه وظيفة سماوية أعلى من الوظائف الدينية والعلمية التي وقعت في تصورات أبعد من العلم والدين نفسه… لقد أخرج فكرة التقمص من النظريات التطبيقية والاستيطاقية والاستنطاقية ليحيلها

حقّاً جلياً، مدلولات البعث ومعنى النشور…

قد يكون التقمص أفراداً، وقد يحصل جماعات، وحضارات كما يذهب الباحث الحكيم في رؤيته، وقد يكون نسخاً أو فسخاً أو مسخاً أو رسخاً، بإعتباره نظرية فلسفية أكثر منها دينية او علمية بحتة، وما استشهاده في الآيات القرآنية الاّ دلالة على أن الذين قرأوا القرآن لم يفهموا كنهه أو يحفظوا سرّه، فالعالم أدوار سبعة، وقد يكون الدور الواحد سبعة في كل دور من الأدوار؟

 فهو إذاً حمل ثقيل على كل من يرث في الأرض وعياً، وقد يكون الاستثمار الذكي الذي حدا بيونغ عالم النفس المشهور، الذي أكد بخلاف داروين،على أن اللاوعي الجمعي قد يتحوّل وعياً جمعياً في وقت ومكان آخرين، وإلاّ ما هو سرّ أن تذهب الى مكان لمرة أولى في حياتك لترى أنك جئت هذا المكان سابقاً… قد لا يكون التقمُّص أنت وانما المكان…وأنت لا تدرك ذلك، إنه تحوّل اللاوعي الجمعي ليصبح وعياً جمعياً جديداً…نظرته النشور اليونغية لا نظرية النشور والارتقاء الدارونيية…

إذا كان الفلاسفة قبل الأديان السماوية التوحيدية قد لبسوا لبوس الانتقال والتجسُّد والروحانية وخلود الروح، بدءاً من أنكيدو الى طائر الفينيق وفيتاغوراس وهيرقليطس وأدونيس، فلماذا إذاً نضنّ على أنفسنا بسؤال المسيحية عبر العمادة، والآسلام عبر القرآن  »فقل الروح من آمر ربي«، الى عبدالله بن سبأ والسهرودي، وابن سينا، وابو العلاء، واخوان الصفاء ومذهب التوحيد، وصولاً الى جبران خليل جبران، فمخائيل نعيمة، فالصين، وأفريقيا، واليونان؟ فلماذا نحن نخجل من مناقشة هذه الظاهرة بشكل منطقي وعلمي، إذا كنا نعتمد العقل كشرع أعلى؟!؟

ولا يبدو أن هذه الظاهرة تريد الانكشاف، بقدر ما تريد الاعتراف كي نبني رؤية جديدة واضحة، تجسّد صورة الحي فينا، وأننا آلهة متنقلون؟

عاطف الحكيم تجرأ ليفتح على موضوع وُضع في الحفظ، والتداول فيه قيد الظلمات، ولا تنفتح كوّة في جدار إلاّ إذا أيقظنا حسّ العقل الصافي فينا، وذلك لا يكون إلاَّ إذا أبعدنا عنّا الغبش عن قزيحات العيون، والأفكار المتزاحمة في العقل والنفوس، لنحيك معاً سجادة المعرفة على قاعدة العرفان…

وها هو الدكتور عاطف الحكيم استجلى كل النصوص القرآنية التي تحكي عن صورة النسخ والفسخ، ليحلينا الى قضية المعنى…يجدر بنا إذاً أن نسمع ونصغي لهذه التجربة المعرفية، علَّ وعسى ننتبه وندرك، أن العالم لا يقف على قدم واحدة…

العدد 94 – تموز 2019