كوارث السيول والفيضانات

الدكتور هيثم الشيباني

خبير في البيئه

المدخل : ليس في نيتي تكرار موضوعين سابقين هما معركة المناخ الأممية وكارثة الجفاف في العراق لكني أربط هذين الموضوعين مع مصيبة السيول والفيضانات التي تدمر العراق هذه الأيام، لكني أشير الى الترابط العضوي النسيجي بين هذه الكوارث كلها. وقدر الله أن يكتب لنا العمر لمناقشتها، لعل في هذا ما ينفع.

  1. مؤتمر باريس ومعركة المناخ :

 سبق أن نشرنا مقالا بعنوان (مؤتمر باريس ومعركة المناخ) وذلك في شهر شباط /فبراير 2018

 لأن بعض الدول ذات الثقل المؤثر في مصير البشرية تتصرف بمنتهى السطحية، بخصوص تغير المناخ الذي شن معركة ضد البشرية والحياة، وقام بغزوات دمرت مدنا بكاملها وأغرقت سواحل وقرى بأمطار وثلوج وغيرها راح ضحيتها الاف البشر.

ويعتبر تغير المناخ من أبرز التحديات الرئيسية في هذا العصر، فقد عرضت فضائيات الأخبار العالمية على الشاشات وأبرزها الCNN وBBC طبقات الثلوج، التي غطت الصحراء الجزائرية الحارة، ومقاطعة كاليفورينيا التي شاهدت قبل ذلك بشهر حرائق مخيفة تعذر اطفاؤها، لكنها واجهت بعدها سيولا وانهيارات طينية مروعة، فالآثار العالمية لتغير المناخ واسعة النطاق ولم يسبق لها مثيل من حيث القوة والتأثير، مثل تغير أنماط الطقس التي تهدد الإنتاج الغذائي والحيواني، وارتفاع منسوب مياه البحار التي تزيد من خطر الفيضانات الكارثية.

 جاءت اتفاقية باريس وتطوراتها لوقف ارتفاع حرارة الأرض تفاديا للتبعات الكارثية للاختلال المناخي، مثل تزايد الفيضانات وموجات الجفاف وذوبان الكتل الجليدية.

وتشمل الخسائر التي لا يمكن تعويضها والمرتبطة بذوبان كتل الجليد أو ارتفاع مستوى المياه مثلا، مما يشكل خطورة على الإنتاج الزراعي والثروات البحرية في العديد من المناطق.

وقد خصص اتفاق باريس فصلا كاملا لمسألة ذوبان الجليد بسبب التغير المناخي. أن أهداف اتفاقية باريس ليست حكرا على الحكومات بل هي شأن يخص الجميع من المواطنين والمؤسسات والشركات الخاصة.

امطار وسيول

 لقد علق وزير الخارجية السابق جون كيري وكذلك مؤسس مايكروسوفت بيل غيتس والمشاركون في المؤتمر على أن التغيرات المناخية تنذر بكوارث ستصيب البشرية وأبرزها التصحر والجفاف وارتفاع مستوى المياه بسبب ذوبان الجبال الجليدية.

سميت القمة (قمّة الكوكب الواحد) لرفع التحديات المناخية والبيئيّة،حيث تكون الخسائر التي لا يمكن تعويضها بسبب ذوبان كتل الجليد أو ارتفاع مستوى المياه، كما خصص اتفاق باريس فصلا كاملا للدول الأشد هشاشة مثل الدول الواقعة على جزر

 لقد لفت المؤتمر الأنظار إلى حلول التقدم العلمي والتكنولوجي لمعالجة التغيرات المناخية وضرورة أن تتجذر في الممارسة اليومية لسكان الأرض.

  1. كارثة الجفاف في العراق

سبق أن نشرنا في نيسان/أبريل 2018 مقالا مهما حول كارثة جفاف العراق،وبينا أن نهري دجلة والفرات اللذان ينبعان من تركيا قد واجها جفافا كبيرا بسبب تحويل ايران روافدها الى دجلة نحو الداخل الايراني، وأن تركيا حبست المياه بحجة املاء سدودها. مما أدى الى انخفاض حاد في منسوب نهر دجلة وعدد كبير من المسطحات المائية، وجعل الفلاحين يهجرون قراهمولست أدري هل أن قدر العراقيين، وضعهم في حالة هجرة دوما.

لقد تأثرت الثروة الحيوانية والثروة السمكية كثيرا في العراق،وكذلك تدهورت الحالة البيئية في البلاد،وانخفضت حصة مياه الشرب للبشر والمواشي، وتصحرت الأرض.

يقدر مجموع مساحة البحيرات الكبرى في العراق (الثرثار والحبانية والرزازة) بـ 373 ألف هكتار انخفضت مساحتها إلى النصف.

وتقدر كميات المياه المتاحة في العراق بحدود 77 مليار متر مكعب منها 29 مليار متر مكعب من نهر الفرات، لكن الكمية المستغلة صارت فقط 25 مليار متر مكعب، وقال الخبراء أن مجموع كميات المياه المتاحة في العراق ستنخفض في عام 2025 إلى 2. 162 مليار متر مكعب.

وأشارت بعض الدراسات إلى أن خسارة كل مليار متر مكعب من مياه الفرات في العراق تؤدي إلى نقصان 26 ألف دونم من الأراضي الصالحة للزراعة، وخسارة حوالي 40 من هذه الأراضي الزراعية جراء ارتفاع معدلات الملوحة في مياه الفرات.

وأكدت الدراسات أن موجة الجفاف أدت إلى تحول كثير من المجاري المائية إلى مواضع للنفايات ومراتع للحشرات والقوارض، ومصدر للروائح الكريهة، أي تحولت إلى مجارٍي تعاني من الطفيليات والذباب والبعوض ومرتع لأوساخ الناس، ومخلفات المطاعم القريبة.

تمتلك تركيا 91 سد على نهري دجلة والفرات، حتى صار رأي الخبراء أن نهري دجلة والفرات على وشك الجفاف.

 أن تركيا من بين الدول القليلة التي لم توقع بعد على الاتفاقية الدولية المنظمة لاستغلال المياه المشتركة، والمشكلة كبيرة لأن نسبة 95 في المئة من مياه الفرات تأتي من تركيا.

لقداضطر الكثير من المزارعين في العراق المنتجين لعشرات السنوات الى ترك الزراعة، والتحول الى عاطلين أوباعوا الأراضي للاستفادة من أثمانها.

  1. مصيبة الفيضانات.

يتطلب أن نعرف الفرق بين الطقس وهو الحالة الجوية لموقع معين خلال فترة قصيرة من الزمن.

وبين المناخ وهوالظروف الجوية السائدة في موقع معين قد تمتد لشهر أو فصل من الفصول.

يشهد العراق خلال الأيام القليلة الماضية تساقط كميات كبيرة من الأمطار مما تسبب في حصول سيول جرفت الكثير من القرى والأراضي الزراعية وهددت بحصول فيضانات في مدن رئيسية.

من أخبار السيول في العراق، ما نشرته صحيفة الزمان في 15 نيسان 2019، عنوان تدفق السيول يهدد باغراق قرى جديدية في جنوب العراق، حيث أعلن مجلس محافظة ميسان أن عدد المنازل التي أغرقتها المياه ونزحت عوائلها بلغ أكثر من 1500 منزل في حوض النهر وقضاء الميمونة والمشرح. وقال عضو المجلس سرحان الغالبي في تصريح صحفي أن أغلب المنازل التي أغرقتها المياه تقع في مناطق حوض النهر والميمونة وقضاء المشرح فضلا عن الشريط الحدودي، وأوضح أن عدد المنازل التي غرقت بالكامل ونزح ساكنوها وصلت الى أكثر من 1500 منزلمشيرا الى أن بعض العوائل تم ايوائها في مخيمات نصبت لهم وأخرين نزحوا الى أقاربهم في المناطق الأخرى وكان مجلس محافظة ميسان قد أعلن قبل أيام عن غمر السيول أكثر من 800 ألف دونم زراعي، واتلاف المحاصيل الزراعية بالكامل. كما أعلنت المديرية العامة للأنواء الجوية والرصد الزلزالي في أقليم كردستان أن موجة الأمطار ستجتاح الأقليم.

وهكذا صار منسوب المياه في خزانات العراق يرتفع.. وخلقت خالة خوف من فيضانات قادمة.

 وصل منسوب ارتفاع المياه في الخزانات والسدود في البلاد مستويات لا سابقة لها مع احتمال نزوح آلاف العائلات بسبب الفيضانات. حتى امتلأت الخزانات المائية الأربعة الرئيسية في العراق مع ارتفاع منسوب نهري دجلة والفرات للمرة الأولى منذ عقود، بسبب موجة الأمطار

السيول تجبر الناس على ترك خيامهم

وذوبان الثلوج في تركيا وإيران. كما صرح مدير سد سامراء شمال بغداد كريم حسن أن المياه المحولة إلى الخزان الطبيعي في بحيرة الثرثار، وصلت إلى مستويات لم تشهدها المنطقة من قبل. كما أن ناظم الثرثار صار يمررأعلى جريان في تاريخه. لم يتحقق هذا المستوى منذ بناء المنشأة عام 1956 أي منذ 63 عاما. كما صرح مدير سد دوكان حمه طاهرأننا لم نشهد منذ العام 1988 ارتفاعا مماثلا في منسوب المياه مبلغا السكان المجاورين للسد أن يتركوا منازلهم.

تؤكد الحكومة العراقية أن فائض المياه سيحفظ في الخزانات تحسبا لموجات الجفاف المتوقعة خلال أشهر الصيف الحارة في البلاد كإجراء وقائي.

لأول مرة انطلق الموصليون في محاولة لنسيان همومهم ولو لبضعة ساعات، احتفالا بعيد الربيع في جزيرة أم الربيعين، وذلك بالانتقال على عبارات لم يؤهلها المستثمر بشكل كافي، من حيث شروط السلامة، مما أدى الى انقلاب أول عبارة كانت تحمل أعدادا كبيرة أكثر من طاقتها،مما أدى الى غرق عدد كبير من الأطفال وكبار السن والذين لا يجيدون السباحة والتغلب على تيار النهر الجارف، حتى تجاوز عدد الخسائر اكثرمن مائة غريق.

لقد صبت هذه النكبة الملح فوق جروح أهل نينوى التي لم تلتئم بعد.

أولا. سيول إيران تهدد انهيار سدود البصرة وخوف على النفط

داهم مواطنون من مدينة البصرة العراقية خوف شديد على حقل مجنون العملاق من السيول الجارفة القادمة من إيران بشكل سريع رغم كل السدود الموضوعة لحمايته. أن كمية المياه كبيرة جدا وربما توقف عمليات استخراج النفط من الحقول الحدودية مع إيران.

حتى أن علي شداد الفارس، رئيس لجنة النفط والغاز قد صرح للعربية نت : أن السد القريب من حقل مجنون النفطي قد تأثر بالمياه القادمة من إيران وأن الساتر الترابي من الجانب الإيراني باتجاه هذا الحقل انهار بسبب ارتفاع منسوب المياه القادم من إيران وأضاف أن المياه دخلت إلى منطقة قريبة من الحقل النفطي.

كما شدد على أن الفريق الهندسي من وزارة النفط سارع وكثف جهده من أجل وقف تدفق المياه إلى الحقل النفطي وقد تمت السيطرة على المياه بشكل مؤقت. وأوضح الفارس أن حقل مجنون النفطي يضم المئات من آبار النفط وينتج يوميا مايعادل 250 ألف برميل نفط، وهو يساوي ما ينتجه إقليم كردستان،كما أشار إلى أن تلك المياه تصلح للزراعة فقط ويمكن الاستفادة منها بتوجيهها إلى أهوار جنوب البصرة.

ويخشى إذا زادت كميات المياه المتدفقة مع انهيار جوانب أخرى من السدود الترابية المحيطة بالحقول، ستشكل عائقا كبيرا أمام عملية إنتاج النفط، وتشغيل الحقول وكذلك عمل القطاع الخاص والشركات الاستثمارية العاملة ضمن عقود جولات التراخيص أو العاملة مع شركة نفط البصرة.

وأوضح الفارس أن إيران تقوم بغسل التربة في أراضيها (بسبب ملوحتها العالية)، ومن ثم تصرف المياه باتجاه العراق، قائلا: نحن نعاني هذه السنة بسبب كمية المياه نتيجة كثرة الأمطار.

كما قال أن هذه المياه تأتي سنويا من إيران ولكنها تضاعفت هذه السنة بسبب كميات الأمطار الكبيرة التي تساقطت.

ومما عقد المشكلة هو تأكيد مجلس محافظة نينوى خروج ثلاثة جسور على نهر دجلة عن الخدمة بسبب الأمطار وهي: جسر الحرية العائم وجسر النصر العائم كذلك سقوط أجزاء من جسر سنحاريب.

وواصل مراسل الحرة في جنوب العراق بأن مياه السيول القادمة من إيران باتت تحاصر حقل مجنون،وتسبب ارتفاع مناسيب المياه في غرق أحد الجسور الحديدية القريبة من الحقل بينما واصلت الفرق الهندسية بناء سدود ترابية لمنع تسرب المياه إلى داخل حقل مجنون شرق البصرة.

تقدرالخسائر المتوقعة في حالة وصول السيول إلى داخل حقل مجنون النفطي بنحو ثمانية مليارات دولار.

 هناك أيضا مخاوف من حصول تلوث بيئي، بسبب غرق حقل مجنون، ربما ينتشر الى مناطق زراعية وقرى سكنية قريبة.

وما زاد من تأثير ذلك قدوم كميات ضخمة من المياه من إيران أدت إلى تعرض محافظات عراقية محاذية للحدود بين البلدين لموجات غير مسبوقة من مياه السيول..

واجتاحت الفيضانات والسيول معظم أنحاء إيران منذ آذار/مارس، واستمرت في غرب البلاد

وجنوبها الغربي في الأول من نيسان/أبريل عندما عادت الأمطار الغزيرة للهطول في المنطقة.

 خلال فترة رفسنجاني والرئيس محمد خاتمي تضاعف عدد السدود الإيرانية حتى بلغ 1330 بن سدود مشدة وسدود في مراحل التشد، تتسع لنحو 65. 3 ملار متر مكعب، لكن معظمها غير مفيد لايران نغسها وعليه كثير من الانتقادات.

ثانيا. سيول وفيضانات تركيا.

 تركيا والأزمة البيئية وتأثيرها المُحيط على دجلة والفرات

يتكون نهر الفرات الذي يتراوح طوله بين (2800 إلى 2900) كيلومتر، من جبال إرمينيا الغربية وعلى حدود شرق تركيا. أما نهر دجلة الذي يقترب طوله من (1850) كيلومترا فينبع من السفح الجنوبي لجبل طوروس في تركيا ويجري إلى العراق مباشرة لكن نهر الفرات

الفيضان في جنوب العراق

يجري من تركيا إلى سوريا ومن سوريا إلى العراق. ويندمج كلا النهران (دجلة والفرات) في منطقة القرنة العراقية.

بدأت تركيا ببناء سدودها منذ عام 1973 بسد كوبان ثم أنشأت أكثر من 500 سد 22 منها باعتبارها منطقة فروع الفرات في تركيا، ضمن المشروع العظيم المعروف باسم (جي أي بي) الشهير بجاب وسد أتاتورك الذي يعدُّ أهم سد تركي وأوروبي وأكبرها وخامس سد في العالم، ومساحة كبيرة للغاية.

ان مشروع بناء السد التركي يتناقض مع المادة الأولى من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان(الذي ينص أن الإنسان يتمتع بحقوق مؤسسية من أجل امتلاك الحرية والمواجهة وظروف الحياة المناسبة في بيئة تسمح له بالحياة السعيدة).

يحمل المشروع مزايا مرحلية لتركيا، إلا أنه سوف يتسبب في تدمير الأراضي الزراعية والخراب والجفاف والتصحر في سوريا والعراق، وينتهي جزء كبير من مياه الأراضي العراقية إلى حوض هور العِظِيم،الذي ثلثاه في العراق وثلثه في إيران. وفي عقد السبعينيات شيد العراق سد القادسية في مدخل نهر الفرات نحو تركيا.

لقد تم تعديل اتفاقية حقوق الاستفادة من المجاري المائية الدولية غير القابلة للملاحة في عام 1997 بواسطة الأمم المتحدة لكن تركيا نقضت المواد 5، 6، 7. والتي تذكر أنه ليس لدول المنبع الحق في إحداث وتنفيذ مشاريع بنية تحتية في منبع النهر (التي ستتسبب في ظهور مشكلات ومضار جادة لدول المصب) وهذه مخالفة لحقوق اتفاقية المجاري المائية الدولية.

يمكن الاستنتاج أن الجانب العراقي الغربي تلقى تأثيرات محدودة حتى الآن من سلبيات السدود التركية، حتى أن تأثيرات الأمطار في هذا الجزء من الوطن محدودةمع العلم أن سد حديثة يعمل بشكل مقبول وبحيرة الحبانية والمسطحات المائية لا زالت في أمان.

  1. استعدادات الطوارئ:

تحضرني استعدادات الطوارئ التي نفذتها منظمة الطاقة الذرية وذلك منذ بداية ثمانينيات القرن الماضي ولغاية الحرب على العراق في عام 1991، تحسبا لمواجهة المخاطر ابتداءا من الأصغر مثل فقدان مصدر مشع، مرورا بخروج المفاعل النووي عن السيطرة وتسرب اشعاعي كارثي، وصولا الى ضربة معادية مدمرة على موقع التويثة النووي.

تشكلت هيئة الطوارئ في موقع التويثة أثناء الحرب العراقية الايرانية، بعد أن تطاولت صواريخ أرض – أرض الايرانية على بغداد، برئاسة رئيس المنظمة بدأت عضوا في الهيئة لكوني رئيسا لهيئة السلامةثم كلفني رئيس المنظمة بواجب رئيس هيئة الطوارئ في موقع التويثة النووي.

قدمت المنظمة خطة الطوارئ أسوة بكافة وزارات الدولة. ترتب على الهيئة أعمالا تخطيطية وتنفيذية بوتيرة متصاعدة تحت عنوان استعدادات الطوارئ.

نفذت الهيئة تمارين كاملة مكتوبة بمعدل تمرين واحد شهريا، وقد كتبت التمارين على غرار تمارين كلية الأركان التي تبدأ بالفرضية الافتتاحية وتنتهي بالدروس المستحصلة ثم التوصيات. ونفذت التمارين كلها على الأرض.

لقد كان هيكل هيئة الطوارئ البشري والمادي من موارد منظمة الطاقة الذرية دون اضافة.

حققت التمارين فوائد جمة راجعنا بموجبها أنفسنا وقدراتنا البشرية والمادية، وفحصنا أجهزتنا المحمولة ومنظوماتنا المختبرية، والأهم كان هو خلق حالة الاستعداد النفسي لأجواء الحرب، التي تلوح بالتصعيد.

منذ أن بدأت الحرب على العراق في عام 1991 وكانت حصة موقع التويثة النووي من القصف الجوي والصاروخي كثيفة ومستمرة دون انقطاع ليلا ونهارا، عدا فترات في النهار كان العدو يحتاجها للتصوير وتحليل نتائج القصف.

 في نيتي الكتابة بالتفصيل عن الموضوع مفصلا ان شاء الله، فقد كان العمل في هذا النشاط مشرفا وكشف العاملون فيه معادنهم الأصيلة المرصعة بالوطنية والايثار والتضحية والتواضع والترفع، فان من يجود بالنفس يستهين بمال الدنيا وما فيها.

يستحق ملف هيئة الطوارئ في منظمة الطاقة الذرية مقالا مستقلا أو أكثر وربما مشروع كتاب، فبالاضافة الى المهنية العالية ورقي التدريب والاستعداد، فقد برزت أمثلة للاخلاص في العمل ونكران الذات والتضحية، التي كانت تتحلى فيها فرق الطوارئ أفرادا ومجموعات، بأمثلة ووقائع تستحق الاحترام والتبجيل وصح من قال أن معادن الرجال تعرف في الحروب، وكان الرجال اقتداءا برئيس المنظمة يتصرفون بالعقول ودرء الأخطار وتلافي الكوارث المحتملة والتأكد من سلامة البشر من التلوث، داخل موقع التويثة النووي وفي محيطه الجغرافي. أسأل الله الرحمة وجنة الخلد للفيزياوي الصحي قاسم علي كاظم.

أما فاجعة الفيضانات فقد كان على العراق أن يستنبط من دروس الجفاف التي حلت بالبلاد قبل سنتين، مصحوبة باحتمالات تغير المناخ الى فيضانات، استعدادات وبرامج تحت عنوان ادارة المياه.

تضع معظم الدول المتقدمة ستراتيجيات ارشادية وخطط تفصيلية لمواجهة أي طارئ، ولا تترك الصدف أن تتحكم بحياتها، خصوصا أن الماضي القريب كان مليئا بالكوارث والمفاجآت، ولا يزال هذا القرن محملا بكل ما هو غير متوقع.

ان في الدول الأوروبية خير الأمثلة على استعدادات الطوارئ، حيث تقوم بتحضير مخازن كبيرة محسوبة لضمان عيش السكان والمواشي وبذور المحاصيل الاستراتيجية، ففي حالة سقوط النيازك العملاقة من السماء، وحصول الفيضانات الخارجة عن سيطرة الدول، وحصول ضربة نووية على غرار ما حصل في مدينتي هيروشيما وناكازاكي في اليابان في عام 1945 وغيرها من الاحتمالات كلها متوقعة.

تتطلب قوائم الخزين المراجعة الدورية للتأكد من مدى صلاحيتها أو مدى أهميتها. ويكون التركيز على المواد التي تحتوي على سعرات حرارية عالية ولا تشغل حجوما خزنية كبيرة. كما يجب أن يكون اختيار موقع هذه المخازن أمينا من حيث الفيضانات والظروف الجوية غير الملائمة. أجمع العلماء على أهمية خزن متطلبات الاسعاف الأولي والحبوب والفواكه المجففة ومعلبات الغذاء ذات الصلاحية الكافية. يجب تهيأة مخيمات نظامية ومقطورات (كرافانات) للأيواء مجهزة بالتكييف المناسب للعيش ومياه للغسل وتصريف المياه بشكل انساني لائق.

كل هذا النقاش يتطلب أن يطرح على المواطنين بشفافية عالية على مجالس المحافظات ومنظمات المجتمع المدني، بحضور مؤسسات الدولة ذات الصلة بالطوارئ، مثل جمعية الهلال الأحمر ودائرة الدفاع المدني ووزارة الصحة ووزارة الموارد المائية وأمانة بغداد، وكل جهة يمكن أن تضيف اقتراحا أو رأيا ايجابيا.

يكفي مراجعة كارثة الجفاف التي مر بها العراق، ثم أعقبتها كارثة السيول والفيضانات واستحضار كارثة العبارة في الموصل الجريحة، لتكون أساسا للحوار الجدي المثمر.