جبران أم صوته منحولاً؟

آفاق / جاد الحاج

في الخامس والعشرين من آب (أغسطس) 1928 كتب المحرر الثقافي في جريدة  »الكون« الصادرة في بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية: اللقاء مع الأديب والفيلسوف اللبناني جبران خليل جبران صعب كالحوار معه، خصوصاً اذا تطرق لموضوع الشرق وما يعانيه من هموم وتحديات تجعله عاجزاً عن المواجهة، خصوصاً ان دوله تقبع تحت الاستعمار الغربي وتخضع لشروطه المرفوضة اصلاً من شعوبه لكن أنظمته خاضعة لتلك الشروط. بدأ جبران كلامه بالقول:  »أنا غريب في هذا العالم أفكر دائماً بوطن سحري لا أعرفه وأنا غريب عن جسدي وكلما وقفت أمام المرآة أرى في وجهي ما لا تشعر به نفسي. أنا غريب زرت مشارق الارض ومغاربها لم اجد مسقط رأسي ولا التقيت من يعرفني أو يسمع بي«. وأضاف:  »أنا من هذا الكون ولو صادف مولدي في الشرق حيث الصراع دائماً بين فكرتين: قديمة مغلوب على أمرها، وجديدة على يقظة تقاوم النوم واليقظة قاهرة لأن الشمس قائدتها والفجر جيشها«.

لكن هل وصل جبران إلى حالة اليأس من قيامة الشرق؟ يقول:  »اليأس يعني الموت. موت الافكار والطموحات والتجديد، ولعلني أصبحت على قناعة أن الشرق بات جثة هامدة في ظل خنوع أنظمته وعجز شعوبه عن اتخاذ المبادرة طالما أنها لا تمتلك ثقافة الثورة والانتفاضة«. هل كان جبران يتوقع اندلاع ثورة في الشرق؟ يجيب:  »لو ثار قومي على حكامهم الطغاة وماتوا متمردين لقلت ان الموت في سبيل الحرية أشرف من الاستسلام. ومن يعانق الابدية والسيف في يده خالد خلود الحق«. وفي تلك المقابلة قال جبران ايضاً إن كلامه دعوة الى الثورة لكن كيف يثور الشرق وسيوفه مغلفة بالصدأ وثرواته مغمورة في التراب؟ القلوب المغلفة بالتراب لا تنكسر والاموات لا يبكون لكن مشاكل الشرق لا تحلها إلا الثورة… ولكن…

ولكن ماذا؟

يجيب جبران:  »إن أبناء الشرق متعددو الوجوه والأقنعة تديّنهم رياء ودنياهم دماء وآخرتهم هباء. أكره هذا الشرق لأنه يكره المجد وأحتقره لأنه يحتقر ذاته«. سأله المحرر ألهذا الحد وصلت نقمتك على وطنك وأمتك وهي التي كانت نور العالم؟

– كانت وهي اليوم الى زوال. أعود فأقول ان اليأس موت والرقص أمام نعش الميت جنون مطبق. نعم انا متطرف الى حد الجنون. أميل الى الهدم الكلي لأبني الكل من جديد. في قلبي كره لما يقدسه الناس وحب لما يرفضونه. تمنيت لو أستطيع استئصال عوائد البشر وعقائدهم وتقاليدهم… لكن العين بصيرة واليد قصيرة.

لا أذكر أنني لاحظت وجود جريدة أو مجلة اغترابية تدعى  »الكون« وحين سألت بعض الاصدقاء العاملين في مجال البحوث المهجرية وآدابها لم أحصل على جواب شافٍ. بل يبدو أن المقالة التي ادركتني عبر وسائل التواصل الاجتماعي منحولة استناداً الى افكار وأقوال لا تبدو غريبة بالنسبة الى أفكار جبران خليل جبران واقواله الواردة في الكثير من مقالاته وكتاباته. من جهة أخرى بدت صفحة الجريدة المصورة منضدة بأحرف جديدة والعنوان ايضاً مصفوف بحرف تجاري معهود وحديث فصحف تلك المرحلة دأبت على وضع عناوينها بالخط المكتوب يدوياً. يبقى السؤال لماذا يلجأ أحدهم الى انتحال الصوت الجبراني كي يقول ما قد قيل في قصائد ومقالات ومقابلات لا تحصى ولا تعد؟

لعلها واحدة من التسالي الالكترونية، لدنه في النهاية حارقة القرب من الحقيقة!