رحيل محمد مرسي.. بين اثارة السياسة وجلال الموت

كلمة حول رحيل د. مرسي

الاسلام حرر العبيد.. وأعلى من قيم العقل والتفكير

أمين الغفاري

يتصالح الناس ويتخاصمون، يتعاونون أويتنافسون، يتفقون في الفكر أو يختلفون ولكن أمام قضاء الله وقدره بالرحيل يتوقفون ويصمتون فاللموت قداسة وجلال تستوجب التقدير والأحترام، فليس في الموت شماته، ولا ضغينة، وعلى ذلك لاتجوز معه الرغبة في الاستخدام بالتشنيع والاكاذيب أوبمعنى آخرالأستغلال بالحدث والتجارة به على اوسع نطاق، حتى وان سلمنا أن بعض قواعد السياسة الميكيافيلية هي (الأثارة). رحل الدكتور محمد مرسي، الرئيس الأخواني الأسبق لمصر، وليس هناك انسان أو كائن حي، فوق الموت، وكلنا ضيوف على أرض الله، ولكل بداية نهاية، . لكن لأن الدكتور محمد مرسي كان رئيسا من جماعة الأخوان، فلابد أن تكون وفاته – في تقديرهم وتقدير أصدقائهم غير طبيعية، ووليدة مؤامرة، ونتاج عملية قتل ممنهج، فهو زعيم يخشى معارضوه بأسه، ووجوده يشكل خطرا على خصومه، فهو محل تربص،

الرئيس الأسبق أنور السادات
لايوجد شئ اسمه الأخوان
والجماعات.. كلهم واحد

عانى في سجنه من حبس انفرادي، واهمال طبي، وتعذيب ان لم يكن جسدي فهو نفسي، الى آخر تلك الخزعبلات، التي لا يرددها الا نوع من البشر، نشأوا وتربوا تحت الأرض أكثر من ثمانين عاما. لم يتعايشوا مع المواطنين، ولم يتنفسوا الحياة لاجتماعية، والعلاقات الطبيعية بين الناس، في اطار صلات وصداقات بريئة، لا تهدف الى اقناع أو ترغيب ثم تجنيد أو توريط علاقات تحكمها المودة ومفاهيم الأنسانية، عمادها الثقة، لا، الريبة، والتعاطف، وليس الشك، والألفة التي تتجاوز معاني التحفظ ان لم يكن الحذر. جماعة الأخوان فصيل من التنظيمات لم يترب على تفعيل العقل أو اعمال الفكر، فهو محصور ومحكوم بالسمع والطاعة، وتلبية الأوامر حتى وان كانت بالتدمير أوالتفجير بالقنابل الموقوتة، أو حتى بالعمليات الانتحارية، فما أسهل القتل، وازهاق الأرواح، وما أرخص البشر، فكل يهون في قضية ازاحة الخصوم، لا يهم اسالة الدم، حتى وان تحول الى مجازر، ولايهم عدد القتلى ونوعيتهم ان كانوا اطفالا أو شيوخا أو نساءا مادامت الأهداف تتحقق، وهو الوثوب الى السلطة، واعلاء كلمة الرجل القوي في التنظيم سواء كان اسمه المرشد، أو زعيم التنظيم السري للجماعة، فهو الأمير الحاكم الضامن للجنة وللنعيم المقيم. ألم تكن تلك هتافاتهم في فترة حكمهم الأسود(أعطونا أشارة نلمهم في شكارة !). هم قضاء الناس لقدرهم، وهم أصحاب الأمر والنهي في مصيرهم، ما داموا يملكون السلاح، ويجهزون الفتاوى ويصدرون الاوامر والاحكام، ثم أن السمع والطاعة هو القسم وعلى ذلك أصبح هو السيد بل هو القانون.

محمد مرسي وساعة الرحيل في المحكمة

أذنت ساعة الرحيل للدكتور مرسي في قاعة محكمة الجنايات برئاسة المستشار محمد شيرين فهمي، حيث استمعت المحكمة الى مرافعة الدفاع عنه ومعه 23 آخرين في قضية التخابر مع (حماس)على مدار ثلاث ساعات، وقد يتساءل البعض كيف يمكن توجيه اتهام (التخابر مع حماس)، ويتناسى البعض كون أن(حماس منظمة عربية اسلامية) فضلا عن أنها الآن نظام حكم لقطاع غزة شيء وكونها (أجنبية بحكم القانون) شيء آخر، واستمر الدفاع نحو ثلاث ساعات، وبعد الأنتهاء من ذلك طلب الدكتور مرسي التحدث قائلا. (بعد أذن عدالة المحكمة عندي كلمة أحب أقولها) فرد عليه القاضي (اتفضل). قال الدكتور مرسي (أحب أن أشكر هيئة دفاعي على المجهود الذي بذله اضافة الى أنني أريد أن أدفع بعدم اختصاص المحكمة ولائيا لنظر الدعوى، وقبل أن أنهي حديثي أشكر المحكمة على سعة صدرها معي) فسأله القاضي مرة أخرى (في حاجة تحب تقولها تاني؟) فأجاب بالنفي، ثم حدث وأثناء مغادرة هيئة المحكمة القاعة بعد أن قامت بتأجيل الجلسة، أن جاء خبر أصابة مرسي بحالة أغماء، وتم نقله أثرها الى المستشفى عبر سيارة أسعاف، وتبين أنه توفى، وتم دفنه في مدافن مرشدي الجماعة في منطقة مدينة نصر احدى ضواحي مدينة القاهرة، وكم ذكر محامي الاسرة عبدالمنعم عبدالمقصود لصحيفة (لمصري اليوم) بحضور بعض أفراد أسرته (أولاده عبدالله وعمر واحمد وابنته بالأضافة الى شقيقيه وحسب مصادر قضائية، كما ذكرت الصحيفة فإن التقارير الطبية تؤكد تلقيه جميع أوجه الرعاية الطبية المنتظمة، وأنه خضع للفحص الطبي أكثر من 5 مرّات، وتم صرف العلاج اللازم له، وإجراء كل الفحوصات الطبية. كما تسلمت تفريغ كاميرات المراقبة الموجودة في القاعة وأمامها، ومن المقرر أن تستمع لعدد ممن شاهدوا واقعة الوفاة داخل القفص فضلًا عن الطبيب الذي وقّع الكشف الطبي عليه. أي أن حادثة الوفاة حدثت في العلن، وفي المحكمة، ويعن للمرء أن يتساءل، لو كانت الوفاة قد حدثت في السجن أو هو في مقر حبسه، ماذا كانت ماكينة الأعلام الأخوانية سوف تبتكر، وتتشدق بأسباب الوفاة وملاباساتها، ويحلق خيالها في تصور حالة الوفاة وأسبابها وعلاتها. فلنتق الله فيما نقول وندعي، سواء في الصلح والوئام أو في الخصومة والشقاق، فالله جل جلاله هو الرقيب والحسيب. على الدوام. ذلك ان صدقت النوايا وكنا مع الله مخلصين.

الأخوان والأثارة واللعب على الألفاظ

لجماعة الأخوان وأصدقائهم (أوركسترا) اعلامي من صحف الى قنوات الى مواقع متناثرة، تلتقط ان لم تكن تبتدع عبارات مغشوشة ومتهالكة وتتناولها بالتركيز عليها باعتبارها حقائق دامغة منها، ثم تقوم بتحويلها الى معزوفة رديئة النظم سيئة اللحن (أن الرئيس مرسي أول رئيس مدني منتخب)، مع ان كل من حكموا مصر في العصر الجمهوري بالأنتخاب كانوا مدنيين ذوي حتى وان كانت أصولهم قبل ذلك عسكرية، وقد كان ديجول في فرنسا جنرالا في الجيش، فهل كان الحكم هناك عسكريا، وهكذا كان ايزنهاور في الولايات المتحدة، وفي مصر تم حل (مجلس قيادة الثورة) عام 1956، وكان عبدالناصر والسادات من بعده حين تقدموا للانتخابات مدنيين ذوي أصول عسكرية، ولكن نظام الحكم لم يكن على الأطلاق نظاما عسكريا. كانت هناك حكومة مدنية ومؤسسات دستورية، وجرت عملية الأنتخابات، وكان نجاحهم مؤكدا،

الاعلامي احمد منصور
طوفان الكراهية للأخوان

والدليل أن عبدالناصر حين تنحى هبت الجماهير، ليس في مصر وحدها، ولكن في الكثير من العالم العربي تطالبه بالعودة فيما يماثل (الأستفتاء) الذي حظي بجماهيرية كاسحة، بل حين رحل كانت جنازته لا مثيل لها عبر التاريخ، وفي الأقوال القديمة كان التباهي بقيمة الرجال يقاس بالجنازات، فكان يقال في مواجهة الخصوم مثلا(بيننا وبينكم الجنازات) أي من هو صاحب الحظوة لدي الناس، والأعلى مرتبة وقيمة. ثم نأتي لعملية الأنتخاب لمرسي، و بصرف النظر أن كان بعض من انتخبوه، لم يكن الانتخاب لذاته أو لجماعته، وانما كان كرها ومقتا لمنافسه فحسب، ولكن من جانب آخر ليس الأنتخاب تفويضا على بياض، ولنتذكر رأيا واجتهادا للأب الروحي للثورة الفرنسية (جان جاك روسو) أن من حق الشعب سحب الثقة من الحاكم أن خرج على نصوص العقد الأجتماعي المفترض لا سيما حين يتعلق الأمر بأمنه وسلامته، فالثورة الشعبية، وخاصة ان كانت، من حيث التعداد تحصى بالملايين كما في ثورة (30 يونيه) فهي تشكل تنحية ومصادرة باتره لحكم وضع نفسه في خدمة جماعته وعشيرته لا في خدمة شعبه من بني وطنه. فالشعب دائما هو المصدر لكل سلطة، وهو صاحب الشرعية لأي حاكم، وبغير رضاه يصبح الحكم اغتصابا، يبرر التمرد عليه، وهو ما حدث لمرسي وجماعته.

تجربة الأخوان.. وطوفان الكراهية

نشر الأعلامي الأخواني(أحمد منصور) يوم السبت 6 يوليو عام 2013 في جريدة الشروق المصرية مقالا بعنوان (طوفان الكراهية للأخوان المسلمين) قال فيه (عاش الأخوان المسلمون ستين عاما في المحن والابتلاءات والمطارادات والقضايا والسجون والمعتقلات، كسبوا خلالها تعاطف الناس حتى كانت جموع الذين خرجوا لتأييد الاخوان المسلمين سواء في الانتخابات الرئاسية أو البرلمانية وصل الى أكثر من 50  من عدد الذين شاركوا في هذه الانتخابات أي نصف الشعب المشارك في العملية السياسية وهذه نتيجة مبهرة، لكن العجيب أنه خلال عام واحد فقط من وجودهم في السلطة بلغ طوفان الكراهية لهم حدا غير مسبوق لينتهي بسيطرة القوات المسلحة على السلطة وعزل الرئيس محمد مرسي. طوفان الكراهية للأخوان بدأ مبكرا وليس الآن وتحديدا مع الدعاية الانتخابية وزاد بعد تولي الرئيس مرسي السلطة وبداية مسلسل الاخطاء التي سبق وان كتبت عنها في حينها، وقد كان اختيار مرسي للمنصب خطأ كبيرا في حد ذاته لأن الرجل لا يملك المقومات الرئيسية لرجل الدولة)، ثم يقول في مقطع آخر مشيرا الى العديد من الأخطاء (خطاباته العطفية والمرتجلة الخالية من المحتوى والمضمون والرؤية والخيال واصراره على رئيس الحكومة وعلى النائب العام والاعلان الدستوري وأشياء أخرى كثيرة، والسياسة لا تعلاف العناد حيث بقي مرسي يعاند الى آخر لحظة خلال طوفان 30 يونية بل وقبله). قال الكاتب (جمال سلطان) في جريدة (المصريون) وهي ذات اتجاه ديني يوم 8 يوليو عام 2018 وتحت عنوان (نعم خان الأخوان الثورة وغدروا بالشعب) كتب حلقتين 1، 2 قال في الحلقة الأولى (ظل الأخوان تحت وهم (الشرعية) التي لم يحترموا اي قاعدة سياسية من قواعدها أنها (شرعية الصندوق) التي محت (شرعية الثورة)، ورغم كل الأنذارات التي قدمت، وخاصة في الأيام العشرة الأخيرة قبل 30 يونيو الا أنهم كانوا غارقين في ضلالهم المبين وأحلامهم التعسة)، وفي يوم 9 يوليو قال (مرسي والجماعة لعبوا مباراة خاصة بهم مع أطراف أخرى، الشعب ليس حاضرا في حساباتهم فيها، مباراة شطرنج صامتة قوامها الدهاء والخداع، وخسروها، كانوا يتصورون أنهم الأشطر، وعزلوا أنفسهم عن الجميع، حتى حلفائهم المقربين من الاسلاميين ضللوهم واعطوهم معلومات كاذبة وغير صحيحة عما يجري، مما اضطر بعضهم للاستقالة لأنهم لا يستطيعون أن يعملوا في أجواء موبوءة كتلك). يقول الكاتب عماد الدين حسين رئيس تحرير جريدة الشروق المصرية وهو من الكتاب المعتدلين بتاريخ الخميس 4 يونيو عام 2015 تحت عنوان (ماذا بعد اعتراف الأخوان بالعنف) في صدر المقال يقول : الحقيقة المؤكدة الاساسية التي يمكن لأي عاقل أن يخرج بها من الجدل الدائر الآن دتخل جماعة الاخوان بعد السجال العلني بين محمود غزلان وعمرو فراج هي ان الجماعة تمارس العنف والارهاب ضد الحكومة والدولة والمجتمع. ثم يستطرد في الشرح محمود غزلان قبل القبض عليه ومعه عبدالرحمن البر اعترف بوضوح ان بعض اعضاء الجماعة  »تفلتوامن السلمية ولجأوا الى العنف« في حين رد عليه عمرو فراج وآخرون بالتأكيد على أنهم سائرون على منهج العنف وساخرون منه بضرورة التوقف عن الحديث عن السلمية. ويستطرد فيقول (قبل شهور انفردت (الشروق) بنشر قصة مهمة خلاصتها أن الأخوان هم عمليا الذين يقفون وراء العمليات الأرهابية التي كانت تنسب لمجهولين. وقتها لم يصدقنا كثيرون أيضا، رغم أن مصدر الخبر كان أحد الأعضاء العاملون في جماعة الأخوان.

السادات وتجربته مع الأخوان

نستمع الى خطاب السادات الأخير الذي ألقاه في مجلس الشعب يوم 5 سبتمبر عام 1981 أي قبل شهر تقريبا من حادث الأغتيال. قال الرئيس عن الأخوان حين جاء مرشد الاخوان عمر التلمساني لزيارتي، فكرت أن أدخله  »مجلس الشورى« باعتبار أن لي صلاحيات التعيين فيه، أقوم بتعيين أقباط وأعين التلمساني، بحيث داخل المجلس يبدأ الناس في العارف والتقارب بين الأفكار، ويستطرد السادات فيقول لم أكن أعرف أبدا أن هناك فرقا بين الأخوان المسلمين والجماعات الأسلامية، لا يوجد شيء أسمه أخوان مسلمين وجماعات أسلامية. كله واحد. يشير

الرئيس الأسبق محمد مرسي
كان صوره لحكم مكتب الارشاد

السادات الى مجلة (الدعوة) الأسلامية، وقد جاء في احدى مقالاتها  »الأخوان المسلمون لا يطلبون الحكم لأنفسهم. فان وجدوا من الأمة من يستعد لحمل هذا العبء وأداء هذه الأمانة والحكم بمنهاج اسلامي قرآني فسنكون أنصاره أعوانه، وان لم يجدوه فالحكم من مناهجهم وسيعملون لأستخلاصه من كل حكومة لا تنفذ أوامر الله« ويتساءل الرئيس السادات (الحكم بمنهاج اسلامي قرآني من الذي يحدده؟ ويجيب (هم الذين يحددوه بالطبع!)

الأخوان.. جماعة لا تنسى وأيضا لا تتعلم

اصطدم الأخوان مع كل العهود في الحقبة الملكية والحقبة الجمهورية، وكان الدم هو سلاحهم وأداة ترهيبهم، ورغم تكرار المحن، وتعدد الكوارث، فلم يواجهوا أنفسهم مرة واحدة، ولم يعرفوا معنى تقييم التجارب، ومعادلات التقدم والتراجع، ولم يدركوا أبد فضيلة (النقد الذاتي) والوقفة مع النفس، ومحاسبة الذات، وأن الدين في جوهره الطمأنينة والسلام مع النفس والغير، وأن الأسلام نزل للبشرية جمعاء، ولم يكن أبدا حكرا عليهم، ولاملكا لهم، وأن شعارات السمع والطاعة لا تفرض على الأحرار، ولايمكن أن يستقيم أمر جماعة بقسم يضع أفرادها في سلة العبيد !. الأسلام حرر العبيد، وأعلى من

شأن الكلمة، وعظم دور العقل والتفكير، وكان حريا بكل مؤمن حقيقي أن يرعى تعايم الدين الرفيعة وقيمه المثلى في الحوار والجدل بالتي هي احسن، ولو كنت فظا غليظ القلب لأنفضوا من حولك.

 

الكاتب عماد الدين حسين
الحقيقة المؤكدة التي يخرج بها اي عاقل من
الجدل داخل الجماعة أنها تمارس العنف والارهاب

 

 

 

 

 

 

 

 

 

العدد 95 – اب 2019