لبنان في خطر والثقة مهددة – صندوق النقد بلغة مباشرة

بيروت هيثم محمود

أصدر فريق من صندوق النقد الدولي تقرير المادة الرابعة للعام 2019 متوقعاً عجزاً للموازنة يتجاوز بكثير المستوى الذي تستهدفه الحكومة عند 7.56 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي. وجاء في التقرير  »نتوقع أن تؤدي التدابير في موازنة 2019 إلى عجز عند نحو 9.75 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي«. أضاف:  »بناء على المعلومات الحالية، يُرجح أن يتجاوز العجز المتوقع بكثير المستوى المستهدف الذي أعلنته السلطات اللبنانية«.

وأشار الصندوق إلى أن شراء السندات الحكومية اللبنانية المقترحة ذات الفائدة المنخفضة سيؤدي إلى تدهور موازنة المصرف المركزي وتقويض مصداقيته. وشدد على عدم فرض أي ضغوط على المصارف الخاصة لشراء السندات. وتفكر الحكومة في إصدار سندات بقيمة 660 مليون دولار يشتريها المصرف المركزي وهو ما حذر منه صندوق النقد.

ومن ضمن مساعيها لخفض عجز الموازنة بنحو 5 في المئة على مدى خمس سنوات، تحركت الحكومة اللبنانية في الأشهر الأخيرة لتنفيذ إصلاحات طال تأجيلها في مسعى لوضع ماليتها العامة على مسار مستدام وتجنب أزمة. وتستهدف موازنة 2019 خفض العجز من 11.5 في

فيتش تشكك في قدرة الحكومة على تنفيذ الإصلاحات

المئة في 2018، إلى 7.56 في المئة لكن التوقعات لا تشير الى أن لبنان سيتمكن من تحقيق ذلك الهدف. ويعاني لبنان من ثلاث مصادر رئيسية للعجز هي: القطاع العام المتضخم، الذي يمثّل أكبر مصدر إنفاق في الدولة، إضافة إلى تكاليف خدمة الدين، والتحويلات الكبيرة لشركة الكهرباء العامة الخاسرة.

والاقتصاد اللبناني صغير نسبياً، إذ يبلغ الناتج المحلي الإجمالي 55 مليار دولار وسط نمو متباطئ للغاية وهو تراجع بشكل ملحوظ منذ 2010 بسبب تراجع السياحة وانغلاق مسارب التصدير الرئيسية عبر سوريا، وانهيار أسعار النفط الذي أدّى إلى ضعف التحويلات من الخليج، وارتفاع فاتورة دعم شركة الكهرباء، وارتفاع أعداد النازحين السوريين، ما أثقل سوق العمل والبنية التحتية.

واعتبر صندوق النقد الدولي إن على مصرف لبنان المركزي أن يتراجع عن العمليات شبه المالية وعن مشتريات السندات الحكومية، ليتيح للسوق تحديد العائدات على الدين الحكومي. ويمكن أن تساعد الموازنة إذا نالت استحسان المانحين في تدفق نحو 11 مليار دولار من التمويل الذي قُدمت تعهدات به في مؤتمر باريس للاستثمار في الاقتصاد اللبناني العام الماضي.

واعتبر الصندوق أن الموازنة وخطة إصلاح قطاع الكهرباء، التي أُقرت هي الخطوات الأولى على طريق طويل لإعادة التوازن إلى الاقتصاد. وقال إن الحكومة اللبنانية  »أمامها الآن فرصة لتنفيذ الإصلاحات وتغيير المسار«. وتوقع أن تكون هناك حاجة لفائض أولي نحو 4.5 في المئة من الناتج المحلي لخفض نسبة الدين إلى الناتج على المدى المتوسط إلى الطويل. ولتحقيق ذلك شجع الصندوق الحكومة على تحديد اجراءات مالية دائمة إضافية وتطبيقها. وشدد على إن إجراءات زيادة الدخل ينبغي أن تشمل رفع ضريبة القيمة المضافة ومكافحة التهرب الضريبي وزيادة الرسوم على الوقود.

وقال الصندوق إنه في حالة تطبيق الحكومة الجاد لإجراءات التعديل المالي في 2019-2020 والإصلاحات الهيكلية المزمعة فإن ذلك قد يعزز الثقة ويفرج عن تمويل المانحين. لكنه حذر من أن لبنان مازال يواجه الأخطار وأن الفشل في تحقيق الأهداف أو الإصلاحات قد يقود إلى تراجع الثقة.

على خط المعالجات المقترحة، كانت الحكومة اللبنانية تنوي إصدار سندات خزينة قيمتها 11 تريليون ليرة (7.3 مليار دولار) بفائدة واحد بالمئة، للمساعدة في خفض كلفة الدين العام. إلا أن هذه الخطوة اصطدمت برفض المصارف المحلية بحسب ما أفادت مصادر مصرفية  »الحصاد«. كما أنه لن يكون في استطاعة مصرف لبنان القيام بهذه الخطوة منفرداً لما سيمثله ذلك من إضعاف لموقع  »المركزي« من جهة وتراجع الثقة من جهة ثانية في قدرة الدولة على الاقتراض من مصادر محلية أو دولية.

وبحسب مصادر  »الحصاد« فإن النمو المتوقع قد يكون سلبياً بمعنى أن الاقتصاد المحلي ربما يسجل انكماشاً وفي أحسن الأحوال فإن النمو لن يتعدى الصفر في المئة. ومما يزيد منسوب التشاؤم فإن مجموع المبالغ التي خرجت من لبنان منذ إقرار مؤتمر  »سيدر« تصل الى نحو 10.5 مليار دولار أي ماي يقل قليلاً عن مجموع تعهدات المجتمع الدولي البالغة 11 ملياراً. ومما يزيد المصاعب المالية اللبنانية أن ميزان المدفوعات سجل في الأشهر الأربعة الاولى من العام الحالي عجزاً قيمته 2.5 مليار دولار، علماً ان لبنان سجل فائضاً في ميزان بلغ 20 مليار دولار استنزفها كلها منذ العام 2011. وعلقت مصادر  »الحصاد« على تقريير صندوق النقد بالقول إن المؤسسة الدولية انتقلت من استعمال التعابير المنمقة في صياغة النصائح للبنان على مدى السنوات الماضية الى استعمال لغة مباشرة تشكل حالياً خريطة طريق اختيارية، لكنها قد تتحول في لحظة الى خريطة طريق إجبارية.

الوكالات العالمية

واستبقت وكالات التصنيف العالمية صدور تقرير صندوق النقد، فأصدرت وكالة  »فيتش« تقريراً شككت فيه بقدرة الحكومة على تنفيذ الإجراءات المقترحة في مشروع موازنة 2019، متحدّثة عن إصلاحات إضافية يجب القيام بها لإبقاء الاستقرار في نسبة الدَّين إلى الناتج. ورأت

نصائح صندوق النقد خريطة طريق لا منفذ منها

أن  »اقتراح الحكومة إصدار سندات خزينة بفائدة مخفضة يعكس ضعف قدرتها على خفض النفقات. والوضع الخارجي للبنان لا يزال صعباً ويضغط على احتياطات مصرف لبنان بالعملات الأجنبية التي تراجعت في الأشهر الأربعة الأولى من السنة إلى جانب التراجع في ودائع المصارف التي تراجعت 0.7«.

بدورها، توّجت وكالة  »موديز« تحذيراتها السابقة بإصدار تقرير عن نظرتها المستقبلية للبنان، أشارت فيه إلى أن تصنيف لبنان بدرجة (Caa1) وبنظرة مستقرّة ناجم عن دين عام كبير، ويعكس أيضاً أن مدفوعات الخزينة لخدمة الدَّين باتت توازي 46.9 من الإيرادات الحكومية، وهذا من أعلى التصنيفات في العالم.

ورغم أن مشروع موازنة 2019 تضمن تدابير مالية أساسية، إلا أن تباطؤ التدفقات إلى لبنان وضعف نموّ الودائع يزيدان الأخطار من أن تتضمن استجابة الحكومة لهذا الأمر عملية إعادة هيكلة للدَّين العام أو أي تدابير أخرى شبيهة لا يمكن تفسيرها وفق معايير الوكالة إلا على أنها تخلّف عن السداد.

واستندت  »موديز« في هذه الخلاصة إلى دراسة عوامل التصنيف التي تاتضمن: القوة الاقتصادية، متانة المؤسسات، العجز المالي، القدرة على تجنّب الأخطار. لذلك فإن أي تهديد مباشر ووشيك يؤدي إلى خفض أولي للتصنيف.

وبحسب الوكالة فإن التحويلات الخارجية كانت تغذّي قطاع العقارات والخدمات المالية والسياحة، وهي قطاعات ذات قيمة مضافة تدعم الاستهلاك. وتتوقع الوكالة تعافياً بسيطاً في التحويلات من الخارج بمعدل 0.8 في المئة في 2019، وذلك في حال حصول لبنان على أموال مؤتمر  »سيدر« بعد إقرار موازنة 2019.

وتوقفت  »موديز« عند تراجع المصادر الخارجية للتمويل، فالتحويلات من الخليج تستحوذ على ما بين 20 في المئة و25 في المئة من صادرات لبنان. ويعمل 330 ألف لبناني في دول الخليج وتحويلاتهم تمثّل ما بين 30 في المئة و40 في المئة من إجمالي تحويلات المغتربين إلى لبنان.

إلى جانب هذا التقييم الاقتصادي، يضع التقييم السياسي لبنان في أخطار مرتفعة، وتقييم المؤسسات في لبنان في مستوى  »متدنٍّ جداً«، والأخطار المصرفية مرتفعة أيضاً. أما فعالية مصرف لبنان في إجراء العمليات المالية الاستثنائية، فهي محدودة على المدى القصير  »طالما استمرّ العجز الداخلي والعجز الخارجي يثقلان بنيوياً على احتياطات مصرف لبنان بالعملات الأجنبية«.

وهذه العمليات تأتي أيضاً مع  »كلفة مرتفعة تنعكس سلباً على تدهور الاحتياطات وتكبّد مصرف لبنان المزيد من الخسائر في ميزانيته، فضلاً عن ضعف الاستقلالية في مصرف لبنان الذي أصبح المقرض الأكبر للدولة يزيد أخطار تدهور الثقة«. في رأي الوكالة، فإن  »مسار الدين العام لا يزال يشكّل تحدياً، واستبدال السندات القديمة ذات الفائدة المرتفعة، بسندات فائدتها منخفضة، غير كافٍ لتعديل مسار الدَّين بسبب ارتفاع أسعار الفائدة السوقية. هذه العملية ستخفف من ثقل الدَّين ولا تعدّل مساره«.

وتشير الوكالة إلى أن القدرة على سداد الدين تتدهور، وبالنظر إلى تحديات العجز في الموازنة، فإن  »التصنيف الحالي يعكس أخطار متزايدة من أن تكون استجابة الحكومة على شكل إعادة هيكلة أو إجراءات شبيهة تتضمن تخلفاً عن السداد وفق مفهوم موديز«.

المصرف المركزي لا يمكنه تحمل عبء الدين العام

في السياق ذاته، نشرت وكالة  »بلومبيرغ« تقريراً تطرّقت فيه إلى سبل إصلاح الديون في لبنان، وإلى المسؤولية التي تقع على المصرف المركزي، لا سيما مع تأخر إقرار الموازنة وارتفاع حدة التوترات الإقليمية التي تثير قلق المستثمرين. ولفتت الوكالة إلى أنّ وزارة المالية كانت قد أصدرت سندات دولية إلى المصرف المركزي مقابل أذون خزانة بالقيمة نفسها، وذلك في مبادلة للدين.

وذكرت الوكالة أنّ ثلاثة أضعاف عدد اللبنانيين يعيشون خارج لبنان، وهم يدعمون الاقتصاد عن طريق التحويلات المالية. وعن الموازنة، رأت  »بلومبيرغ« أنها تأخرت كثيرًا، علمًا أنها تتضمن خفضًا للإنفاق وتجميدًا للتوظيف في القطاع العام، وتخفيض العجز من 11.4 إلى 7.6، ومعه ستنخفض خدمة الدين.

وكانت  »بلومبيرغ« قد نبّهت من أنّ صبر المستثمرين بدأ ينفد بسبب الخلافات السياسية التي تعرقل الإصلاحات الاقتصادية، فيما يُنتظر أن يقرّ مجلس النواب الموازنة.

 

 

العدد 95 – اب 2019