المدارس العربية التكميلية في المهاجر

مع اقتراب العطلة الصيفية على الانتهاء ينشغل الجميع في توفير مستلزمات استقبال العام الدراسي الجديد، ادارات المدارس واولياء امور الطلاب والطلاب انفسهم، في حين تنهمك فئات من ابناء الجاليات في نوع آخر من النشاط الدؤوب استعدادا لبدء عام دراسي جديد لمدارسهم الاسبوعية المسماة بالمدارس التكميلية او بمدارس السبت.. فما هي المدارس التكميلية وكيف تختلف عن المدارس الاعتيادية التي نعرفها؟

تُعرَّف المدارس التكميلية بأنها  »برامج ونشاطات تربوية، للأولاد والبنات في أعمار التعليم العام دون الجامعي، تُقام من قبل جاليات في أوقات تقع خارج أوقات دوام المدارس الاعتيادية«، وهي توفر دروسا في المواد الدراسية الأساسية واللغات ونشاطات ثقافية وفنية متنوعة، ومعظم المدارس التكميلية تقام في أيام السبت والقليل منها تقام في أيام الأحد، كما توجد صفوف دراسية تقام بعد الدوام خلال أيام الاسبوع الاعتيادية في المساجد أو المراكز الأجتماعية أو المكتبات وغيرها من المباني، وقدر تقرير نشر في عام 2010 عدد المدارس التكميلية للجاليات الاجنبية في انكلترا ما بين 3000 إلى 5000 مدرسة تكميلية، في حين أشارت إحدى الدراسات إلى أن حوالي 5 من كل الطلاب في التعليم الأساسي في انكلترا قد درس فترة ما في حياته في المدارس التكميلية، وتزداد هذه النسبة إلى حوالي 20 من الطلبة المنحدرين من الأقليات، ويعتقد أن حوالي نصف المدارس التكميلية توفر تعليما ذا علاقة بالتوجه الديني للقائمين عليها.

وتختلف المدارس التكميلية عن التعليم الخاص، حيث يكون التدريس في المدارس التكميلية لمجاميع من الطلبة عكس التعليم الخاص، كما أنه يكون مجانياُ أو بأجور رمزية أو خليطاً من الأثنين، وإنه يكون غالباً من قبل أساتذة متطوعين.

د. احمد البغدادي
مؤلف سلسلة  »كتاب العربية« لتعليم اللغة العربية للمغتربين

ونظرا لما للغة من دور كبير في حياة الافراد والمجتمعات فقد حرص افراد الجاليات الاجنبية في المهاجر على تعليم ابنائهم لغتهم الأم بشتى الوسائل المتاحة، والمدارس التكميلية هي الوسيلة الأنجع في هذا المجال، لان اللغة هي الوسيلة التي يُعبّر بها الأفراد عن أنفسهم وما يدور في ذهنهم ووسيلة للتعبير عن حاجاتهم ورغباتهم، وهي لسان الأمة، وهويتها، وجوهرها، وكيانها، فاللغة في المجمل وعاءٌ لجميع العلوم، وأداة الفهم والتعبير العادي والفني والعلمي.

وبالنسبة للجاليات العربية في المهاجر فان الموروث الثقافي العربي يرتبط باللغة العربية ارتباطاً وثيقاً، مما يزيد من أهمية تعلم اللغة العربية على وجهها الصحيح، والمحافظة عليها، كما ثبت أن الجهل في اللغة العربيّة، عند المسلمين بشكل عام، أحد أسباب الزيغ لديهم، فالضعفُ بمعرفةِ اللغةِ العربيّة ومفرداتهِا أدّى إلى ضلال الكثيرين، كما ان تعلُّم اللغة العربية ودراستها لأبناء الجالية العربية يُعد بوّابة الدخول إلى أكثر المناطق غنىً في العالم كلِّه من النواحي التجارية والحضارية والسياحية والثقافية، مما دفع حتى غير العرب إلى المسارعة بدراسة وتعلم اللغة العربية نظراً لما تحققه هذه الدراسة لصاحبها من فُرصِ عمل لا تُتاح لدارسي اللغات الأخرى.

وتعد اللغة العربية من اللغات القليلة، إن لم تكن الوحيدة، التي بقيت قدرتها التواصلية عبر أكثر من ستة عشر قرناً من الزمان، حيث ان مجموع محصولها اللغوي الذي يستخدمه العرب في الوقت الحاضر يرجع في التاريخ إلى أكثر من 1600 عام، ولو أنّ عربيا بُعث اليوم من وراء هذه القرون لكان بالإمكان التواصل معه بكل سهولة، كما تبرز أهمية اللغة العربية في فهم الإسلام وفَهم معاني آيات القرآن الكريم.

إنَّ المكانة المعاصرة للأمة العربية، اقتصادياً، وسياسياً، وثقافياً، زادت من تأكيد أهمية وعالمية اللغة العربية، فقد قرّرت مُنظّمة اليونسكو عام 1948 اعتماد اللّغة العربيّة كثالث لغةٍ رسميّة لها بعد اللّغتين الإنجليزيّة والفرنسيّة، كما تم عام 1974 اعتماد اللّغة العربيّة كواحدة من اللّغات العالميّة التي تُستخدم في المُؤتمرات الدوليّة، كما تمّ تخصيص يوم الثامن عشر من شهر كانون الأول (ديسمبر) للاحتفال سنوياً باللغة العربية، وذلك لما لها من دور وتأثير مهم ليس فقط في العالم العربي، بل في جميع أنحاء العالم، واللغة العربية اليوم واحدةٌ من أهم وأوسع خمس لغات عالمية تداولاً وانتشاراً في العالم، لارتباطها الكبير بواحدةٍ من أكثر الديانات انتشاراً على سطح الكرة الأرضيَّة وهي الديانة الإسلامية وكتابها المقدس، حيث تصل نسبة عدد متحدّثيها في العالم إلى حوالي 7 من سكان العالم، ويُقبل الملايين اليوم على تعلّم اللغة العربية بشكل مطرد ومتزايد لأنّها لغة القرآن الكريم.

وقد تضاعف عدد المدارس العربية التكميلية عدة مرات في العِقود الثلاثة الأخيرة نتيجة توجه الجاليات والتجمعات المدنية لأخذ زمام المبادرة لمعالجة التحديات الاجتماعية وتوفير فرص تعليمية أفضل لأبنائها، وكذلك بسبب زيادة التنوع الإثني بين صفوف المجتمع الناتج من التغير الديمغرافي الواسع ووصول أعداد كبيرة من الأجانب للاستقرار في البلد لأسباب كثيرة، حيث شهدت بريطانيا موجات واسعة من الهجرة خلال العقود الثلاثة الأخيرة بسبب الحروب وعدم الاستقرار في البلدان الأصلية، فحسب التعداد السكاني في بريطانيا لعام 2011 وصل عدد المسلمين في بريطانيا مثلاً إلى حوالي 3 مليون شخص، وهو ما ينعكس بالضرورة أيضا على حجم الجالية العربية فيها، باعتبارهم جزءاً من المهاجرين المسلمين، فلم يكن للمسلمين وجود واضح في أوربا الغربية في منتصف القرن العشرين، إلا أنه وبحلول القرن الحادي والعشرين فإن عددهم قد وصل ما بين 15 و17 مليون مسلم.

ويعتقد البعض أن تبلور ووجود الجاليات العربية في بريطانيا، كما نعرفه الآن، إنما كان في النصف الثاني من عقد السبعينات من القرن الماضي، لأسباب عديدة منها وصول موجات هجرة جديدة من المغتربين، سواء من البلد الأم مباشرة أو من بلدان مهجر سابق، فضلا عن حالات الزاوج والإنجاب وما اعتاده العرب من الميل لتكوين أُسر كبيرة، أما قبل ذلك فكان معظم التواجد العربي يقتصر على الوجود العابر المؤقت لعرب متفرقين من هذه الدولة أو تلك، ولأسباب متنوعة كالدراسة بالنسبة لطلبة البعثات أو العلاج للمرضى الذي قد يستمر أشهر أو العمل لفترات محددة، الا انه وبحلول منتصف االسبعينات ظهرت الحاجة إلى توفير مؤسسات لرعاية الجيل الثاني لناحية اللغة والعادات والتقاليد، فأنشات  »الجمعية الخيرية العربية الدولية« مدرستها التكميلية عام 1976، والتي تم تغيير اسمها الى  »مدرسة عصمت السعيد« عام 1999 تخليدا لمؤسسة الجمعية الدكتورة عصمت السعيد، وفي العام 1979 انشئت أولى مدارس المنتدى العربي من ويمبلدون ثم لحقتها مدرسة في ايلينج وثالثة في ويستمنستر ولا زال المنتدى العربي يقوم بخدماته في خدمة تعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها.

كما شهد عام 1982 تأسيس أول مدرسة تكميلية عراقية هي  »مدرسة التوحيد العربية« برعاية  »رابطة الشباب المسلم« حيث استوعبت المئات من ابناء الجالية العراقية والعربية في منطقة وسط لندن، ولم تمر عدة سنوات إلا وبرزت على الساحة عشرات المدارس التكميلية الجديدة بسبب الزيادة الهائلة في أعداد الجالية العربية، وخاصة في لندن وفي جميع بلدياتها، وتولي الجالية العربية اهتماماً أكبر من غيرها من الجاليات لإقامة المدارس التكميلية وذلك بسبب التنوع اللغوي والثقافي والديني لها عما موجود في المجتمع المحيط الذي تعيش فيه والرغبة الكبيرة لديها في المحافظة على لغة وثقافة ودين وهوية أبنائها، خاصة في أجواء الفهم الخاطئ والإستغلال السيء للنصوص الدينية المقدسة الناجمة من سوء فهم هذه النصوص، وهو ما أضاف أهمية أُخرى للمدارس التكميلية للجالية العربية فضلاً عن تلك التي بالنسبة للجاليات بشكل عام، وتشهد الجاليات العربية في بلدان المهجر المتنوعة افتتاح مدارس تكميلية عربية جديدة مع بداية كل عام دراسي.

أهمية المدارس التكميلية للجاليات

يقول وزير الدولة السابق لشؤون التربية  »اللورد اندرو ادونيس«  »انّ نشاطات وعمل المدارس التكميلية تمنح طلبتها الشعور العالي بالقدرة وتضاعف إحساسهم بالثقة والإنطلاقة، داخل صفوفها أو خارجها«، كما أكدت أكثر من دراسة على  »أنّ طلبة المدارس التكميلة قد حققوا نتائج في الإختبارات المدرسية في المواد الدراسية الأساسية أعلى من المعدل الوطني«، ولا تنحصر فائدة المدارس التكميلية في تعليم ابناء الجالية لغة ابائهم واجدادهم بل تتعداها لتحقيق فوائد اخرى كثيرة غير منظورة كونها توفر للطالب الآتي:

تجارب تعليمية غنية ومتنوعة للطلبة.

أجواء تعلم تتسم بالعلاقة القريبة والحميمة بين الطالب والمعلم، بسبب صِغر حجم الصف ووجود أكثر من معلم فيه.

منصة للانطلاق في بحث الطلبة الشاق عن الهوية، فإن من شأن تعرف الطالب على هويته الخاصة في المدرسة التكميلية زرع الثقة بنفسه مما ينعكس إيجابياً على دراسته وحياته بشكل عام.

نماذج لشخصيات من الجالية نفسها يتخذها الطلبة قدوة لهم، والتي قد يفتقدها في المدارس الإعتيادية بسبب اختلاف الخلفية الثقافية والدينية.

شبكة دعم من الأصدقاء من الجالية نفسها، يشعر الطالب فيها بالأمان والدعم، وتساعد على تطوير مهاراته الاجتماعية.

مجالاً خصباً لمشاركة أولياء الأمور في شأن رعاية وتربية أولادهم مما يوفر للأولياء فرص الإنفتاح اجتماعيا مع باقي افراد الجالية وإبعادهم عن التقوقع والإنعزال.

أجواء تعليمية شبه رسمية داعمة للمدارس الإعتيادية من شأنها رفع المستوى العلمي لهذه المدارس وطلابها، بما فيها من الطلبة أبناء الجاليات.

عاملاً إيجابياً لتحسين سلوك الطالب ورفع مستوى أدائه المدرسي بسبب وجود الطالب لفترات دراسة إضافية ودراسته مواد دراسية اخرى.

مجالات وفرص عمل مستقبلية للطالب، كونه يجيد التحدث بأكثر من لغة فضلاً عن معرفته بثقافتها.

 فرصاً لأفراد الجالية للتعرف على بعضهم وتحديد وعلاج المشاكل الاجتماعية التي يعاني منها أفراد الجالية.

حاضنة صحية تزود الطالب بمقومات الإنسجام السليم والإيجابي مع أفراد مجتمعه بعيداً عن حالات التطرف أو الانعزال أو السلبية بل تساعده على التعايش فى مجتمع متعدد الثقافات والأعراق والديانات واللغات.

وتواجه المدارس التكميلية بشكل عام تحديات كثيرة، منها المالية بسبب التقلص الكبير لفرص الدعم المالي الذي كانت حكومات بلدان المهجر تقدمه لها ما ادى تحميل اولياء امور الطلبة الاعباء المالية لتسييرها وهو ما انعكس فتورا نسبيا لحماسة بعض الآباء في تشجيع ابنائهم للانخراط في هذه المدارس، ومنها تحديات تتعلق بالمناهج والمقررات الدراسية لهذه المدارس نظرا لحاجة المدارس التكميلية الى مناهج تعليم اللغة تتوفر فيها مواصفات خاصة وهي مما لا يتوفر بالنوعية والمواصفات المطلوبة، ومنها تحديات تتعلق بنوعية المعلمين العاملين في هذه المدارس حيث ان الغالبية العظمى من معلميها غير مؤهلين مهنيا.

وعلى الرغم من التحديات الكبيرة هذه الا ان اصرار الجاليات يزداد يوما بعد آخر على فتح المزيد من هذه المدارس وتحمل الصعاب من اجل المحافظة على لغة وعادات وتقاليد هذه الجاليات لدى الاجيال الجديدة ولمنعها من الذوبان في البيئات الغريبة التي وجدت نفسها بها، ما انتج اجيال من الشباب أغنوا ما تعلموه في المدارس الاجنبية من علوم بما تعلموه في المدارس التكميلية من لغة وثقافة وفنون ساعدتهم على التميز عن اقرانهم من ابناء البلد الذي هاجروا اليه.

العدد 95 – اب 2019