في حوار مع الشاعرة حنان فرفور

بيروت – ليندا نصار

لا يستطيع الشعر أن يعيش وسط القضبان فهو يحتاج إلى النفس والحرية والتي تشكّل بوصلة القصيدة فترشدها إلى النور الحقيقيّ، حيث الانفتاح على الأفكار الكونيّة والعالم الإنسانيّ. هذه الحرية تؤمّن للذات الشاعرة  الحضور بخصوصيّتها للتعبير عن مساحات الوعي واللاوعي، ومن  هذا العالم يكتسب النص الشعريّ جماليّته ويبحث الشاعر عن  »اللاحدود« ليؤلّف عالما آخر لا نصّا، إنّه عالم كيميائيّ بأفق كونيّ، يكشف عن خفايا الروح والذات.

شاعرتنا اليوم، ضيفة مجلّة الحصاد والتي نحتفي بتجربتها، هي حنان فرفور التي تعتني بالقصيدة وبعمليّة التصوير والإبداع، وهي تعتبر أنّ التخييل عامل أساسيّ في الشّعر. بالنسبة إليها القصيدة فعل تراكميّ يعود إلى مشاهدات وقرءات ومشاعر من الماضي. هذه العناية بالقصيدة تجعل من الشاعرة تقيم في المساحة بين الفكرة والصورة لتخرج بمعناها غنيّا مؤثّرا ومعبّرا.

وحنان فرفور حائزة على ماجستير في اللغة العربية  وآدابها من الجامعة اللبنانية قسم  »بحثي«، وتتابع في الدراسات العليا. وهي أستاذة في التعليم الثانوي الرسمي،

حنان فرفور

كما أنّها ناشطة في مجالي البيئة وقضايا المرأة . تكتب حنان الشعر ومؤخرا القصة القصيرة.

كذلك شاركت الشاعرة في مهرجان قصيدة النثر  »الفجر والسلام« في الاهواز

وفي مهرجانات الجزائر الرسمية ضمن فعاليات معرض الكتاب الدولي ووقعت فيه ديوانا مشتركا مع شاعرات عربيات، وفي مهرجان الشعر الثالث في مصر وفي فعاليات مهرجان القصة القصيرة في المغرب وفي  المربد والنجف العراقيين كما شاركت مؤخرا في مهرجان الرمثا الشعري في إربد الأردنية. أما في لبنان فلها مشاركات دائمة في المهرجانات والمنتديات ولها مقابلات تلفزيونية ومقالات في ما يشبه النقد الانطباعي حول بعض  التجارب الشعرية الشابة.

نشرت في الاهرام المصرية والاخبار اللبنانية وفي مجلات فرنسية متخصصة بالنشر باللغة العربية. لها ديوان بعنوان  »لو« وآخر تحت الطبع بعنوان  »ولا الضالين«.

تقول حنان في قصيدة  »على حبه..مسكينا«:

من جملة القول، كانوا في الغِوى فقرا

فكيف مسّوا شغاف القلب فانفطرا؟!

وسرّبوا الليلَ  من أكمام ضحكتهم

ويبسوا الحزن في مجراه فانكسرا

كانوا إذا ارتجفت في البال حنطتُهم

غطوا  الرغيفَ بملح الدمع…فاستعرا

وأرجحوا في مرايا العيد طفلتَهم

كي يعبرَ القمحُ في العينين معتذرا !!

الحصاد التقت الشاعرة حنان فرفور في بيروت وكان لها معها الحوار الآتي:

1- إنّ من يقرأ شعرك، ينتبه إلى  التّصوير الذي يمسّ الإحساس ويدخل القارئ في حالة استثنائيّة. إلام تعود أسباب هذه الحالة؟

بداية لا بد من الإشارة إلى أهمية التصوير في أي عمل فني إبداعي، فكيف إذا كان الشعر  قائما في الأصل  على فن التخييل والتصوير، كما أكد الجاحظ وعبد القادر الجرجاني في النقد القديم، أو كما أسلف النقاد الحداثويون منذ انطلاق مصطلح الصورة الشعرية بمفهومها الحديث، أما لماذا أُعنى بشكل جدي بصوري الشعرية فأعتقد أنه أمر غير مقصود يعود لذائقة الشاعر نفسه وخلفياته الثقافية والفكرية، فالصورة الشعرية بعيدا من دورها الجمالي والتحفيزي والاستفزازي، وسيلة للبحث في ذات الشاعر الذي يجدّ في طلب  التعبير اللامألوف واللغة البكر والصياغة البعيدة عن المكرور والذي  غالبا ما يقع من خلالها على ذاته،  سابرا أعماقه، وهذا ما يعرفه القارئ الفطن الذي لا يكتفي بظاهر الصورة الإبداعية بل يسر باللقيا التي حظي بها!

وبطريقة أوضح القارئ ميال للامألوف ويجد ضالته في الصورة الشعرية التي تساعده على اكتشاف النص وكاتبه..وهذا ما يرعى عملية التأثر والتأثير فالصورة جسر من وإلى المعنى..

2- إذا اعتبرنا أنّ الكتابة اختيار جماليّ يحمل عنفا وقوّة في لذّته وتعبيره عن مكنونات الذات الشاعرة. السؤال هنا، ماذا تعني الكتابة بالنسبة إليك؟ وإلى أيّ مدى تسعف اللغة الشاعر في التعبير عن المضمر في تجربته الشعريّة الواعية؟

الشعر العصي على التعريف والقبض، في جانب مهم من جوانبه كشف جمالي عن العالم، ولا يتجلى هذا الكشف الا باللغة ابتداء من الصوت مرورا بالمفردة وليس انتهاء بالتركيب لذلك فإن كان الشعر معجزة فإن اللغة عصاه وأن كان تعبيرا عن تجربة فاللغة تجسيدها وتجليها..بالعموم اللغة الشعرية ملأى بالإنزياحات والخروقات والفتوحات وتختلف عن لغة الاعتيادي او لغة النثر اليومي التي قالت عنها جوين كوين  »لغة الصفر في الكتابة«، أما عن الكتابة بالنسبة إلي فهي فعل خلق وحياة، تدمير ونفي لكون قائم والتأسيس لآخر سيقوم، الكتابة وسيلتي لأقولني واعرفني وبالتالي جسري المفخخ لأفهم هذا العالم ولو قليلا.. الكتابة محرض دائم على القلق تستفز الأسئلة الوجودية ولا تلامس الجواب، فمهمتها خلخلة البنيان لا رصفه.

في الشعر يا عزيزتي نكون ذواتنا ونخرج منها، إنها فخ مؤلم ولذيذ وانا شخصيا أدمنت لعق جراحاتي لانك فيها تتحررين من الألم وترتفعين به عن كل القيود.

3-هل تكتب حنان فرفور الشّعر انطلاقا من المشاهد والأفكار في الوجود أو وفق حالة يفرضها مزاج الشعراء؟

لا اعرف صدقا، اعتقد ان تشكل القصيدة فعل تراكمي يعود احيانا لمشاهدات وقراءات واحاديث وأوجاع وأفراح ومشاعر متناقضة موغلة في الماضي، تقفز في لحظة استفزاز أو امتلاء لتستشرف غدا تحاوله برؤى واسئلة تعيينا وتربكنا وتتركنا أسارى الخواء..لحظة الكتابة نهاية وبداية… ومسرحها الأول هو الإنسان بكله وكليته.. ربما لهذا وله وحده كانت الجملة الشعرية أقصى طموح التعبير الفلسفي، لانها تلامس العمق بخفة  وتمارس الكشف ببراعة فريدة كل ذلك دون تخصص وتعمد..

4-إلام يحتاج الشعر اليوم؟ وكيف تعيش حنان فرفور القصيدة في حياتها اليوميّة؟

يحتاج الشعر اليوم إلى جمهور حقيقي، يحتاج أن يُقرأ ويَقرأ

ثمة غربة حقيقية للشعر، لم يعد ديوان العرب، في زمن التسطيح والتشييء، تحديات جمة تعيق وظيفته التحريضية والجمالية ليس آخرها استلاب المثقفين وتبدل الذائقة الجماهيرية في زمن التغير السريع زمن المادة حيث الروح انهكتها الغربة والاهمال، يحتاج الشعر أن يتسلل بين الجماهير الغفيرة ليعلق في أفئدتهم ويصدح على شفاههم

الشعر ولد غريبا ويبقى.. أما أنا فحولني الشعر إلى قارئة نهمة للوجوه والشوارع،الى بصارة تحاول التسلل الى احلام الناس وهواجسهم…فصرت الصيادة والطريدة معا! وهذا لعمري داء لا شفاء منه.

5- إلى جانب الشعر تكتبين القصة القصيرة. كيف يمكن للشاعر أن يفصل في كتابته بين التدفق الشعوريّ والتصوير الذي يعيشه في الشعر، وبين القصة القصيرة، التي قد تعبّر عن مواقف وأفكار إنسانيّة، مع عدم الغوص في الرموز إلى حدّ جعل الصورة ضبابيّة؟

سؤال في مكانه وقد استغرق نقاشات طويلة وتحديدا إبان هجرة الشعراء او فتوحاتهم الروائية مؤخرا، حيث اتكأوا على لغتهم الشعرية بشكل واضح  يؤخذ عليهم او يحسب لهم حسب التورط الشعري في النص الروائي

أما القصة القصيرة فبما فيها من إيجاز وتكثيف واختزال واعتماد على اللامتوقع، والفانتازيا التعبيربة احيانا تتقاطع مع العمل الشعري فمهمة الشاعر القاص أسهل فكل ما سلف يجعلها ممكنا مع مراعاة ما تفضلت وذكرته، وأنت تعلمين أن السردية موجودة في الشعر القديم والحديث كما ان تقنية التصاعد والتوتر وصولا لذروة النص من مكونات الشعرية في القصيدة وهذا كله تقاطع نستطيع توظيفه في كتابة القصة القصيرة

6- سؤال أطرحه على الشعراء: هل أنت مطمئنّة إلى ما تكتبين؟ وما معنى أن يكون الشاعر قلقا؟

_ الاكتفاء والاطمئنان مصطلحان خارج القاموس الشعري، إن الارتواء الشديد يفسد الزرع، خاصة الصبار الذي يطمح ان يحيا طويلا، ولعل القلق هو الوالد الشرعي للشعر، ونحن لا نتنكر لآبائنا وإن كنا نقتلهم! القلق هو السعي، الطريق التي تكون غالبا أجمل واعمق من الوصول، أقول في نص، يمامة على شباك المعري

 »هذا حصانك، لا هذا حصارك أن تنسى الطريق، وترضى سكرة السبق«

7- سبق لك أن شاركت في مهرجانات ومؤتمرات في لبنان وخارجه. كيف أثّر هذا الانفتاح على الجغرافيّات المجاورة في قصيدك؟

المشاركات واللقاءات نوافذ تعلمك فرد الأحنحة، تفتق الأجفان لتحمل جغرافيا المكان وترتوي من سحره ومائه وثقافته وتجربة بنيه، لذا فنعم ينعكس على نصي إما في تأكيد الهوية الكونية والإنسانية الجامعة للرؤيا المتبناة او في تعلم وحرفة اشتقاق الروح لتتشظى آلافا من الحيوات التي اطمع ان احياها واحيا بها

8- ما هو جديد الشاعرة حنان فرفور؟

مشروعي الأقرب، إصدار ديواني الجديد  »ولا الضالين« في خريف 2019، والعمل على إصدار كتاب في النثر الفني الذي اعشق والتقدم في لائحتي التي وضعتها للقراءة

أشكر مجلتكم الكريمة وأسئلتك التي سمحت لي التلصص قليلا على نفسي علني أعرفها ويعرفها القارئ.

 

العدد 95 – اب 2019