كتاب »فرسان القلم« إسكندر داغر

نسرين الرجب ـ لبنان

انطباعات شخصيّة واقتباسات من حوارات سابقة  وذكريات مختلفة..

ينطلق الكتاب من الميدان، »إسكندر داغر« الكاتب والشاعر والصحفيّ اللامع، عاصر حيوات أهم أدباء ومفكريّ لبنان، في الستينيات وما بعد من القرن العشرين، له صداقات تجمعه بالكثير منهم، بحكم مهنته واهتماماته الثقافيّة كان له حق الحوار واللقاء بشخصيات لها ذكرها وتاريخها المشرِّف، يتناول الكتاب ثماني وعشرين شخصية، في معظمهم كتّاب رجال ما عدا شخصية نسائية واحدة هي  الأديبة إملي نصرالله، تتنوع مجالات اختصاصهم من التاريخ والبحوث الأدبية إلى الشعر والرواية والقصص لقصيرة والعمل الصحفي والاعلامي،  يتحدث الكاتب عن تجربته ولقائه بالشخصيات المذكورة، الأمر الذي أغناه عن الاستعانة بمصادر  »وسائر الكتب التوثيقية التي اصفرّت أوراقها وشاخت كلماتها«  -حسب تعبيره-،  متحدثا عن عمله الميداني وأدواته البسيطة (قلم وبعض الأوراق البيضاء) متنقلا بين الأماكن حيث بيروت المدينة التي كان لها مجدها في ذلك الحين قبل أن تداهمها الحروب وتسلبها طمأنينتها.

يتألف الكتاب من 254 صفحة،  لوحة الغلاف خاصة للفنان اللبنانيّ  »حسن جوني«، تطغى عليها ألوان العلم اللبناني وتتماهى كثيرا مع ما يوحي به العنوان.

 في الكتاب مواقف جمعت المؤلّف بقاماتٍ عريقة، لها نتاجها المقروء والمسموع،أيضا،  وردت أسماء الكتّاب  فيه حسب الحروف الأبجديّة، ومن هذه الشخصيات والتي لا يتسع المقال لذكرها جميعا:

 سهيل ادريس  »دخلت الحياة الأدبية من باب الصحافة«، يبدأ من اشكالية السيرة الذاتية، ويستطرد حديثا عن لاوقعية وإجحاف  توفيق يوسف عواد في كتابه حصاد العمر، ولا أدري لما استحضره دون سواه ليبين وفاء وجرأة سهيل إدريس، يتحدث عن أصل العائلة المغربي كما جاء في المذكرات،  »ذكريات الأدب والحب«،  عن دخوله ميدان الصحافة، والمجلات التي كتب فيها، عن خطواته الأولى في هذا الميدان وتأثيرها على نتاجه الأدبي، عو وفائه لأنور المعداوي وعدم نكرانه لجميل صديقه الناقد الأدبي الذي كان له دور الإرشاد والتوجيه في مشروعه الكتابي، وأيضا، يصر المؤلف على لمز توفيق يوسف عواد، في حديثه عن اجحافه بالحديث عن الصحافي عبدالله حشيمة  الذي كان له دورا مساعدا في مشروعه الأدبي ؟؟  يعود إلى سهيل ادريس يتحدث عن إنشاء مجلة ودار الآداب، عن إصداراته في عالم الرواية والقصة والفكر،

كتاب »فرسان القلم«، إسكندر داغر

  وترجماته، عن انكفائه عن الانتاج الأدبي إلى وضع المعاجم وارتباط ذلك بهزيمة 1967.

أمّا  الأديبة  »إملي نصرالله« فهو يصرّح أنه قبل أن يرسل كتابه هذا الى المطبعة وصله خبر رحيل الكاتبة، فأحدث إضافة أنثوية على كتابه أول ما يذكره عنها هو تحقيقها عن الأدب النسائي والانساني في مجلة الصياد،  كان موقف املي نصرالله معارض وذام بصاحبات هذ الأدب الشاذ كما جيئ في الوصف، أثنى  اسكندر داغر حينها في مقاله  »الأدب الوقح«  على ما كتبته  »إملي نصرالله«، وتحدث عن دورها في كشف فضائح ما يحدث وراء الكواليس.  وفي مبحث آخر تحدّث عن فوز روايتها  »طيور ايلول« بجائزة سعيد عقل، فالمؤلف أثنى على الرواية ولكنه بخّس من الجائزة  وتحدث عن ما سماه  »فذلكات« والتي عنى بها أسباب منحها هذه الجائزة بحسب أراء اللجنة، ثم يمضي ليتحدث عن أن الجائزة كانت في البدء تتميز بالمصداقية وأنّها كرّمت أشخاص يستحقون ومنهم الكاتبة المذكورة ولكن بعد ذلك تحولت إلى أضحوكة كما عبر  واختلط فيها الحابل بالنابل، ويضيف أنه يفضّل التوقف عن الكلام حول هذا الموضوع مما يوحي بأن لديه الكثير ليقوله.

تحدث عن مميزات الرواية وعن القرية التي افتقدت نعيمها، عن مقتطفات من سيرة املي، حيث ولدت وتعلمت وتخرجت  وعملت، عن انجازاتها المتنوعة من قصة ورواية  وسير نساء رائدات..

ومن الشخصيات المهمة والكثيرة   »عبد اللطيف شرارة/ أحب أدب السيرة وبرع فيه«،  يذكر أهمية هذا المؤلف في الأوساط الأدبية وما حقّقه في زمانه، حيث كان أحد أركان دار الكتب الوطنية، منطلقا من تجربة جمعته مع هذه الشخصية، يتحدث عن لقاء جمعه به في العام 1961، عن كتبه المهمة ومنها كتاب  »برنارد شو.. العقل الساخر« الذي يندرج ضمن أدب السيرة،  عن شخصيّة هذا المفكر والأديب الذي يعترف بفضل الذين وجهوا خطواته نحو أدب السيرة  ويذكر منهم  »مارون عبود«، عن  »أبو العتاهية«، الذي أخذ حيّزا من محادثة أظهرت شغف الباحث بنتاجه الأدبيّ واهتمامه بمن يكتب عنهم، وفي سؤال عن أسباب تكريسه جهده لكتابة السيرة الذاتية، كان من جملة اجابته   »القارئ العربي بحاجة ماسة إلى فهم الأشخاص«.

ولكم نحن بحاجة إلى فهم الأشخاص  واستعادة مآثرهم الخالدة..

جورج جرداق- لقاء على رصيف بيروت!

يستعيد ذكرى اللقاء العفوي في بيروت،  ويستحضر ما دار بينهما في العام 1963، يقترح عليه اجراء حوار صحافي، يوافق،  ويصر جرداق أن يكون اللقاء في مقهى بار روكسي، يسأله عن كتبه  »فاغنر والمرأة«، عن مؤلّفه الموسوعيّ   »الإمام علي.. صوت العدالة الانسانية«،  المؤلّف من خمسة أجزاء، ولا يذهب عن داغر أن يخبرنا عن الشكوك والهواجس التي كانت حاضرة في ذلك الوقت والتي تحسب أن من كتب هذه الأجزاء هو  »فؤاد جرداق« أخاه، ويرجع هذه الشكوك لأسباب منها انكباب الأخير على كتابة البحوث، نظمه للقصائد، يخصص داغر فقرتين كاملتين ليتحدّث فيهما عن فؤاد جرداق، ثم يتوجه في كلامه عن جورج جرداق  والتي لم تكن اجاباته شافية لفضول اسئلة داغر حينها،  بل هي تدور حول الفكرة ولا تصرح برأي ثابت، وهو ما يبين فضفاضيّة آرائه واتّساعها، عن مؤلّفاته المتنوّعة، وفي سؤال عن علاقة الأدب بالحياة  وصفها بأنها كعلاقة الصورة بالكائن،.. لا يصرّح بمن تأثر ولا بالكتب التي كان لها وقع طيب في نفسه والتي اعتبرها كثيرة، وفي حديث عن الكتب السيئة يقول:  »95 بالمئة من الكتب التي تصدر في العالم العربي ولا سيما لبنان.. وأسخفها…دواوين الشعر..وغاية السخف… ما يدعونه شعرا حديثا« ومن الجمل الاشكالية قوله ليست المرأة وراء كل شيء عظيم،  وان هذا القول أسطورة فمعظم الكتّاب العظام لم يكن  من أثر للمرأة  في نتاجهم، ويصفها بأحد الكائنات التي يستلهمها أهل الفن، تحمل مفردة كائنات الكثير من التساؤل؟ فهو يعطي الامكانية  بالتأثير وينفي الوجوب، وداغر لا ينسى أن يسأل جرداق عن الحركة النسائية في الأدب فيكون من جملة قوله:  »في لبنان حركة نسائية، لا علاقة لها بالأدب«! وفي أخير حديثه عن جرداق يذكر أن أحب الأصوات إليه إضافة إلى الطبيعة والبحر.. النساء الجميلات؟؟؟! فهل المرأة هي صوت؟؟

الحديث عن جرداق هنا يوحي بشخصية متأففة، ويعكس عن وجود علاقة مضطربة بالمرأة،  أما الكلام عن الحركة النسائية الأدبية فهو يطرح الكثير من التساؤل فالحوار كما ظهر من المكتوب هو في الستينيات، وكان يوجد كاتبات وأديبات مهمّات، والحديث عن حركة نسائية غير مشرّفة كما يشير الكاتب في أكثر من مكان يحمل تساؤلات، وكنا نتأمل لو تمكن الكاتب من أن يشير لنا ولو لمزا عن المقصود من مفهوم الحركة النسائية الأدبية، إذ يخيل إلينا أن هناك متفلتات يروين الأدب الماجن، على العلم من أن الاباحية في الأدب هي وليدة أزمنة بعيدة، ولا يخفى على قارئي الأدب ذلك، يطرح هذا الموضوع إشكالية تستحق البحث!

ومن الشخصيات التي يذكرها في كتابه، فاروق سعد، الرجل الموسوعي، والذي خلف مؤلفات قيّمة في السياسة والاقتصاد، الأدب والتاريخ، وقدم للكثير من الشخصيات في كتب التراث العربي وفي التاريخ،أيضا،  كالجاحظ والأوزاعي…وله،أيضا، مؤلفات في الشريعة والقانون والعلوم السياسية والاقتصادية.

إضافة إلى  الكثير من الشخصيات التي كان لها أثرها المهم والذي لمّا يزال شاهدا على عظمة أصحابها أمثال:  »أمين الريحاني، الشيخ عبدالله العلايلي، فرج الله حايك، نظير عبود، الاعلامي الشهير  نجيب حنكش، لحد خاطر…« وغيرهم الكثير، تلك القامات الفكريّة والأدبيّة التي كان لها حضورها ووجودها العريق، حيث لم يكن لمدعيّ الثقافة أن يتسلقوا أو يتواجدون في ميدان ليس ميدانهم، الملفت أن النقد هو ذاته، كـمقولات: الأدب لا يطعم خبزا  مثل قول رئيف خوري  »فإذا لم يطعم الأدب خبزا فذلك لأنه لم يوجد لهذه الغاية..«  عن الخطر على اللغة  الذي يأتي من أبنائها لا من الأجانب، حسب  »متري نعمان«، عن الهفوات والأخطاء عن المفردات الشائعة والتي تخالف أصلها الفصيح،  عن الحركة النسائية في الأدب وما اصطُُلح اليوم على تسميته بـ  »الأدب النسوي«، عن إشكاليَة الشعر الحديث..وهل هو شعر أم لا يمت للشعر بصلةٍ!!

يتميّز أسلوب الكتاب بسلاسته وبياَن لُغته، وترابط بنية الأفكار فيه حتى في استطرادته، وهو ما يفرضه الأسلوب الصحفي المتنقل بين موضوع وآخر، ولكن المؤلف بحكمته استطاع جمعها وتنسيقها وربط ما يعرف عن الشخصيّة وما قالته هي نفسها في حوار أو آراء معروفة،  خصّص المؤلف تقريبا عشرُ صفحات لكلّ شخصية، يزيد عدد الصفحات أو ينقص بقليل من شخصية إلى أخرى، وعناوين ترصد السِمات الظاهرة من حياة هؤلاء، أو الموضوع الذي دار حديثه بين المؤلّف والشخصيّة، إضافة إلى صور قديمة تجمع بين المؤلّف والشخصية، إنّ كتابا من هذا النوع هو بادِرة خيّرة لحفظ تراثنا الأدبي، وهو إضافة مميّزة ومفيدة للمكتبة العربيّة،  حيث يجب أن تستذكر العربيَة فرسانها الذين ساهموا في حفظها وتطوير أساليب القول والبحث فيها، هؤلاء العظام الذين من الواجب الوطني أن لا تغيب ذكراهم عن بال العرب واللبنانيين، وللمؤلف ألفُ تحيّة على ما أنتج.

العدد 95 – اب 2019