لولا دا سيلفا ومخاوف العم سام

جاد الحاج

في ثمانينات القرن الفائت كادت الازمة الاقتصادية في البرازيل ان تؤدي في اقل تعديل الى حرب اهلية، لان البرازيل قررت يومئذ الاقتراض من صندوق النقد الدولي على اساس انه سيحل ازمتها. وهي لم تتأخر في تطبيق حزمة الشروط القاسية التي فرضها البنك. جرى تسريح ملايين العمال وخفض اجور الباقين، والغاء الدعم الحكومي للفقراء والمعوزين والمرضى. وفي النتيجة انهار الاقتصاد البرازيلي الى حالة الانكشاف الكامل امام السياسات الخارجية. مرة اخرى فرض البنك الدولي على الدولة البرازيلية ان تضيف الى دستورها مجموعة بنود تسببت باشتعال الوضع السياسي الداخلي. نعم استجابت البرازيل للشروط ولكن الازمة لم تنحل، بل تفاقمت واصبح واحد في المئة فقط من البرازيليين يملكون نصف الدخل القومي. ملايين المواطنين باتوا تحت خط الفقر ما دفع بالدولة الى الاقتراض لعلها تجد حلاً للخروج من الازمة. وتدهورت الاوضاع. واصبحت البرازيل اكثر الدول فساداً وطرداً للمهاجرين، وارتفع معدل الجريمة فيها بشكل مخيف، كما تفشى تعاطي المخدرات وتفاقمت الديون بنسبة 9 أضعاف في 12 سنة… صندوق النقد الدولي هدد البرازيل بالافلاس ان لم تسدد فوائد القروض ورفض اقراضها مبلغاً اضافياً في نهاية سنة 2002 فانهارت عملتها وبدأت الدولة بكامل اجهزتها تحتضر.

سنة 2003 انتخب البرازيليون لولا دا سيلفا رئيساً للجمهورية. ماسح احذية سابق. عرف الجوع والظلم من صغره وعاش حياة الشعب كواحد منه. اول ما امسك لولا الحكم خافه رجال الاعمال وقالوا سوف يأخذ اموالنا ويؤممنا، وتوجس منه الفقراء لعله سيسطو على الدولة ليعوض حرمانه وفقره. قال دا سيلفا ان التقشف لا يعني افقار الجميع بل ان تستغني الدولة عن الكثير من الرفاهيات الجوفاء لدعم الفقراء، وأضاف: لم ينجح صندوق النقد الدولي الا في تدمير البلدان التي تعتمد عليه. تعالوا نعتمد على انفسنا. ووضع في الموازنة العامة بنداً يقضي بتوزيع الاعانات الاجتماعية المباشرة من ناتج الدخل القومي بنسبة 0.5 في المئة تُصرف كرواتب مالية للأسر الفقيرة. وقد افاد من هذا التدبير ما لا يقل عن 11 مليون اسرة تشمل 64 مليون برازيلي بمبلغ 735 دولاراً في الشهر لكل اسرة.

نعم رفع دا سيلفا الضرائب بشكل مدروس اعفى ذوي الدخل المحدود والفقراء وتعامل مع الفئات الغنية بصورة تصاعدية. لكنه لم يكتف بذلك بل منح الشركات الاستثمارية تسهيلات كبيرة وسهل مسار اعمالها واعطاها اراض مجانية بتراخيص معقولة جداً وقروض بفوائد متواضعة كي تفتح اسواقاً جديدة، ما ادى الى تنشيط الاقتصاد وتشغيل العاطلين عن العمل، وفي غضون ثلاث سنوات فقط عاد مليوني مهاجر برازيلي الى بلادهم كما جاء مليون ونصف المليون من الاجانب للاستثمار والعيش في البرازيل وخلال اربع سنوات سددت الدولة البرازيلية كل مديونيتها لصندوق النقد الدولي وأقرضته 14 مليار دولار اثناء الازمة العالمية سنة 2008!

ركز دا سيلفا على الصناعة والتعدين والزراعة والتعليم فوصلت البرازيل الى سادس اغنى دولة في العالم، تصنع الطائرات والغواصات بمشاركة روسيا والصين وبريطانيا وفرنسا… الا أن ذلك النجاح الباهر لم لم يلق إعجاب العم سام خوف ان تحذو دول اميركا اللاتينية حذو البرازيل متفلتة من قبضة البيت الابيض… وهكذا تفبركت ضد لولا تهم بتبييض الاموال وقبول رشاوى فأودعوه السجن، وكان اول ما فعله الرئيس الجديد اعادة العمل المكثف على صحرنة غابات الامازون وارسال خشبها الى الولايات المتحدة!