من الاعتقال السياسي الى الأغتيال المعنوي

معن بشور

لم يؤلمني خبر اعتقال المجاهد الكبير الرائد لخضر بورقعة بقدر ما ألمتني حملة التشهير المنظمة التي شنها البعض ضده الى درجة ان منظمة مجاهدي حرب التحرير أصدرت بياناً أعلنت فيه استعدادها لمقاضاة كل من أنخرط في هذه الحملة واطلق اشاعات  ظالمة واتهامات باطلة بحق الرجل النبيل والشهم والشجاع والنظيف…

وإزداد ألمي أن يتهم الرجل بعكس ما هو عليه وأن تلصق به اتهامات هو أبعد ما يكون عنها، وقد رأيت بعيني، كما رأى غيري مدى محبة الجزائريين، شيبا وشباباً، رجالاً ونساءً، للمجاهد بورقعة حيثما كان يتجول في شوارع عاصمتها وأماكن تجمعات أبنائها….

فالرجل هو أبن مدرسة الشيخ عبد الحميد باديس الامازيغي الذي قال  »شعب الجزائر مسلم والى العروبة ينتسب«، ولم يترجم الرجل ايمانه بالاسلام والتزامه بالعروبة، خلال السنوات التي أمضاها ثائراً في جبال الجزائر ضد المستعمر الفرنسي فحسب، بل ترجمها في كل محطات عمره وقد شارف على السابعة والثمانين من سنينه…

في حرب 1967، كان من أوائل المتطوعين الذين قدموا من الجزائر الى سورية ليرد بعض جميل لأشقائه السوريين الذين تطوعوا في ثورة الجزائر في خمسينات القرن الماضي، وقد أطلق على بناته اسمي  »سيناء« و »جولان« تعبيراً عن تعلقه بكل شبر من أرض العروبة…

وعشية الحرب العدوانية على العراق، كان على رأس وفد جزائري زار بغداد متضامناً مع شعبها الذي ما بخل يوماً على ثورة الجزائر، ولا على اي حركة تحرر عربية أخرى…

ويوم الحصار على غزة، كان لخضر بورقعة في طليعة العاملين على رفع المعاناة عن الشعب المحاصر، وشارك مع ابنه الروحي كريم رزقي وأحرار الجزائر في تسيير قوافل الاغاثة البرية والبحرية وجمع التبرعات للشعب المحروم من الحد الأدنى من مقومات الحياة…

الرائد لخضر بورقعة

وحين كان العدوان الصهيوني على غزة عام 2009، نجح مع ثلة من المجاهدين الكبار كجميلة بوحيرد والراحل عبد الحميد مهري وآخرين في قيادة تظاهرة في قلب العاصمة الجزائرية تضامناً مع فلسطين التي لم تغب لحظة واحدة عن بال الجزائريين ووجدانهم….

وحين قام الصهاينة بعدوانهم على لبنان عام 2006 كان صوت بورقعة من الاصوات العالية في الجزائر تضامناً مع لبنان ومقاومته وشعبه وجيشه ،معلنا ان انتصار لبنان المحتل حتمي كما كان انتصار الجزائر حتمياً على الاستعمار الفرنسي…

وحين انفجرت الحرب الكونية على سورية، كان الرجل في طليعة من أدرك الاهداف المشبوهة لتلك الحرب التي استخدمت مطالب مشروعة للشعب السوري لتنفيذ اجندات خطيرة ما زالت سورية العروبة تدفع ثمنها حتى اليوم، والكل يذكر كلمته لوفد معارضة الخارج جاء زائراً الى الجزائر يبرر لتدخل خارجي لنصرة  »الثورة السورية« حين قال:  »انا ابن ثورة، وقرأت عن كل ثورات العالم، التي كانت تقوم بطرد الاجنبي من بلادها وها أنا اليوم أرى للمرة الأولى في حياتي ثورة تستدعي الاجنبي الى بلادها….«

وانا أشهد ان الرجل ما دعي مرة لعمل او مؤتمر او منتدى او ملتقى من أجل فلسطين أو اي قضية عربية عادلة، بل  أي قضية انسانية محقة….إلا وكان في طليعة من لبى النداء.

هذا الرجل يستحق التكريم، كما فعلنا في  المنتدى القومي العربي في لبنان قبل سنوات، ولا يستحق السجن على كلمة القاها، قد لا نشاركه في بعض ارائه، ولكننا لا نقبل ان تكون كلمة سبباً في سجن من كان له تاريخه، ومن بات في هذا العمر المتقدم…

حين سجن الرئيس الراحل هواري بومدين الرئيس الجزائري الاسبق احمد بن بله عام 1965، دافعنا عن أول رئيس للجمهورية الجزائرية المستقلة، دون ان يعني ذلك موقفاً معادياً لمن سجنه و هو الرئيس الذي ندرك ايجابيات عهده اكثر عاماً بعد عام…

واليوم حين ندافع عن قامة وقيمة مثل لخضر بورقعة، لايعني ذلك انتقاصاً من دور الجيش الوطني الشعبي الذي شكل على مدى عقود طويلة العمود الفقري لوحدة الجزائر وأمنها واستقرارها، كما شكل سلفه جيش التحرير الوطني الجزائري،وقد كان بورقعة أحد قادته الميدانيين، قاعدة الكفاح المظفر ضد الاستعمار الفرنسي….

كلمة واحدة نقولها اليوم

افرجوا عن لخضر بورقعة

واوقفوا مسلسل الاغتيال المعنوي لمجاهد تعرف كل اجيال الجزائر وجباله فضله ودوره…

العدد 95 – اب 2019