متى نقبل الإعاقة

جريس خوري في الامم المتحدة

يختبر الاشخاص ذوو الاعاقة حالة متعددة الوجوه من عدم المساواة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، تتفاقم لدى تقاطع الاعاقة مع اشكال اضافية من التمييز إن على اساس الجنس او السن او الانتماء الاثني وغيرها من العوامل الفاصلة بين الانسان العادي وذلك المصاب باعاقة جسدية او نفسية. يعيش هؤلاء في اعداد ونُسب أكبر وسط المجتمعات الفقيرة التي يكثر فيها التخلف عن الانخراط المجدي في الحياة الاجتماعية. إلا أن ذوي الإعاقة عموماً يشكون من الحدود الفاصلة بينهم وبين بقية أفراد المجتمع مما يعيق بشكل واضح اهداف مشروع التنمية المستدامة الذي وافقت عليه كل دول العالم بما فيها الدول العربية سنة 2004 والذي وضع هدفاً لاستكمال عناصره يمتد حتى سنة 2030.

في الدورة الاخيرة لمشروع التنمية المستدامة اختارت الامم المتحدة المترجم اللبناني العالمي جريس الخوري لالقاء كلمة عن حال التقدم والثغرات والعقبات التي تعترض المشروع تحت علامة تساؤل مفادها: هل نحن في الطريق الصحيح كي لا نترك احداً خارج المسيرة؟ في الثامن من تموز المنصرم ألقى جريس كلمته من القاعة الرابعة في مبنى الأمم المتحدة على ما لا يقل عن ثلاثمئة ممثل للدول المشاركة، قال:

 »يستدعي اصلاح حالات عدم المساواة الكثيرة رصد الموارد المكرسة لمعالجة الموضوع. الا ان الشواهد والدلائل المتاحة توحي بأن الموارد المذكورة نادراً ما تتوافر عملياً، على الرغم من وجود تقدم ملموس هنا وهناك. لكن تبرز الفجوات في النواحي الحساسة الحرجة بما فيها التعليم الدامج للاطفال ذوي الاعاقة، تعزيز لغة الاشارة للصم الذين ينشدون ارتياد المنشآت والمرافق الصحية وخدمات الدعم الحيوية التي يفترض بها ان تمكن الاشخاص ذوي الاعاقة من العيش باستقلالية وكرامة«.

ثم تطرق جريس الى النواحي الحقوقية فقال:  »بصرف النظر عن القيود التي تواجهها الحكومات نتيجة حالات عدم المساواة لا يزال من واجبها مواكبة سياساتها المالية الجبائية مع التزاماتها الخاصة بحقوق الانسان وكذلك اعارة انتباهها الى حقوق الجماعات المهمشة. فحتى يتم

جريس خوري في الامم المتحدة

اشراكنا، نحن ذوو الاعاقة، لا بد للدول الاعضاء من القيام بخطوات هادفة موجهة نحو تشغيلنا ترتبط بالتزامات واضحة لدى الوزارات والحكومات والادارات المركزية والمحلية تحقيقاً للدمج والمشاركة المطلوبين«.

وفي توصياته طالب جريس الخوري بتدابير ملموسة لبلوغ اشد الناس تخلفاً وتأخراً عن الركب بمن في ذلك الاشد تهميشاً بين جماعة الاعاقة، مما يستدعي جمع البيانات وتفصيلها حسب الاعاقة لاعلام صانعي السياسة بالفجوات والثغرات والتحديات والعقبات الواجب معالجتها. وركز جريس على ضرورة تخصيص الموارد اللازمة للمنظومة كلها مع الالتزام بتعهدات الانفاق وتأمين إمكانية توفر المبالغ المطلوبة باعتبارها من الشروط المسبقة لتمكين ذوي الاعاقة من المشاركة بفاعلية ونشاط على قدم المساواة مع الآخرين. وختم قائلاً:  »علينا نحن ذوو الاعاقة عدم ترك احد يتخلف عن الركب ويفترض بنا ان نتوقع من الآخرين ان يفعلوا ذلك ايضاً كما يجدر بنا ان نسأل، أليس افضل لنا نحن الاشخاص ذوو الاعاقة ان نتعاون مع الدول الاعضاء بالشروع باتخاذ خطوات نحو الهدف المرسوم عبر تجسيد روح الاجندة الدولية كي نكون مناصرين للتغيير التحولي، فنحن جميعاً نعلم ان الدمج عملية ثنائية المسار ويجدر بنا جميعاً ان نطبق المبادئ التي ندافع عنها ونؤيدها«.

جرى تركيز المؤتمر على ضمان التعليم الجيد المنصف والشامل للجميع، وتعزيز فرص التعلّم مدى الحياة للجميع، وتعزيز النمو الاقتصادي المطرد والشامل والمستدام والعمالة الكاملة والمنتجة، والحد من انعدام المساواة داخل البلدان وفي ما بينها، واتخاذ اجراءات عاجلة للتصدي للتغير المناخ وآثاره، والتشجيع على اقامة مجتمعات مسالمة لا يهمش فيها احد، من اجل تحقيق التنمية المستدامة واتاحة امكانية وصول الجميع الى العدالة، وبناء مؤسسات فعالة وخاضعة للمساءلة وشاملة للجميع على كل المستويات، اضافة الى ذلك، تعزيز وسائل التنفيذ وتنشيط الشراكة العالمية لتحقيق التنمية المستدامة. العنوان العريض لمجمل اعمال المؤتمر الذي دام ثمانية أيام هو: تمكين الناس وضمان الشمول والمساواة. انقسمت الجلسة الاولى الى جزءين يندرجان في نطاق تعزيز النمو الاقتصادي المطرد والشامل . وقد تركز النقاش والبحث على عرض الابعاد والاوضاع الدولية والاقليمية في الدول التي تسجل مستويات نمو متفاوتة كالجزر والدول الصغيرة النامية وتلك الاقل نمواً والدول النائية والبلدان الافريقية، والتحديات المحددة والخاصة التي تجابه بلداناً متوسطة الدخل، متميزة بسمات متنوعة او بحالات ضعف وانكشاف. وتضمنت المداخلات شريحة الاشخاص ذوي الاعاقة على اختلاف اوضاعهم.

بعد المؤتمر التقينا بجريس في مقر الامم المتحدة وسألناه: ما هي برأيك المشكلة الاساسية في قضية دمج ذوي الاعاقة في الحياة الاجتماعية والمهنية؟

– هناك توجه شمولي يصعب اختراقه، خصوصاً في بلدان العالم الثالث والبلدان العربية والشرقية. عموماً ترى هذه المجتمعات في الشخص المعاق حالة مرضية، او طبية في افضل الاحوال، ولا يخطر في بالها ان تكون لذوي الاعاقة حقوق في العمل والعيش والمشاركة العامة. وهكذا يقيم المجتمع حاجزاً نفسياً يمنع المعاق من بلوغ العيش الكريم كعضو فاعل. طبعاً هناك جانب الاهتمام الرعائي الذي تمارسه الجمعيات الخيرية او ذات الطابع الديني، إلا أن الفكرة الطبية ما زالت تهيمن على ضرورة تعزيز الحقوق، وبلورة قوانين جديدة بهدف دمج المعاقين في مجتمعاتهم دمجاً حقيقياً، ثابتاً، ومنتجاً.

* انت على تواصل دائم مع حركة تمكين المعاقين، هل ترى ما يشير الى تحسن ملموس في التعاطي مع قضية الاعاقة في العالم العربي؟

– سنة 2012 دعتني قناة  »الاخبارية« السعودية الى التعليق على زفاف نظمته يضم 70 زوجاً من ذوي الاعاقة. لا شك ان الزواج بحد ذاته فرصة مهمة لاشراك المعاقين في المجتمع، لكن ما هي تبعات ذلك ونتائجه؟ كان همّ  »الاخبارية« أن نفرح ونصفق للمناسبة بصرف النظر عن نتائجها: أي ظروف تنتظر الزوجين المعاقين؟ ماذا لو انجبا طفلاً معاقاً ايضاً؟ من يدربهما على تربية اطفالهما وتأهيلهم؟ وماذا لو فشل زواجهما فأين يتطلقان وكيف… نعم هناك حركة ناشطة ومطلبية وهدفها الاساسي الحصول على حقوق معترف بها، وثمة دول مهتمة عبر وزارات الشؤون الاجتماعية تمنح ذوي الاعاقة بطاقات تسمح لهم بالطبابة شبه المجانية. لكننا بعيدون عن التأثير الفعال في مسألة دخول الاطفال والتلاميذ المعاقين الى المدارس العادية، وليس في مدارسنا تسهيلات عملية لاستيعاب ذوي الكراسي المدولبة على سبيل المثال لا الحصر. لدينا في لبنان قبل 3 في المئة من المؤسسات بتوظيف معاقين قبلت نظرياًـــ من دون تنفيذ بسبب صعوبة اقناع بقية الموظفين بجدارة المعاق في اتمام عمله على اكمل وجه. برأيي اذا تنكر المجتمع لإفراده اصبحوا عالة عليه.

 

العدد 96 – ايلول 2019