إيران تخوض حرب النفط… خطف ناقلات وتهريب في مواجهة العقوبات

بيروت – هيثم محمود

في ثمانينيات القرن الماضي، وتحديداً بين العامين 1980 و1988 هاجمت إيران ناقلات النفط العابرة في الخليج وشملت هجماتها في حينه نحو 550 سفينة تجارية نحو نصفها من ناقلات النفط والمشتقات النفطية وأودت تلك الهجمات بحياة ما يزيد على 400 بحّار. ما أشبه اليوم بذاك الزمان، فالصورة تتكرر وإن على نطاق أضيق وبمعايير ومحاذير مختلفة، إلا أن اللاعب الإيراني هو ذاته يلجأ للخطة ذاتها مرة جديدة… القصد من وراء ذلك أن تقول إيران للعالم أن أمن النفط العابر من هذا الممر المائي مرتبط بشكل مباشر بصادراتها النفطية وبدورها الإقليمي.

 »نصدّر فتصدّرون… ونتاجر فتتاجرون«، معغادلة تسعى إيران إلى إرسائها في مواجهة العقوبات الامريكية التي دفعت صادرات النفط الإيراني للانخفاض في يوليو/ تموز بمقدار 130 ألف برميل يومياً إلى 400 ألف برميل يومياً، وهو أدنى مستوى منذ الثمانينيات. غير أن تقديرات أخرى تشير الى أن إيران ربما تصدر حاليا على أقصى تقدير بين 225 و350 ألف برميل يوميا، انخفاضا من 400 ألف برميل يوميا قدرتها لشحنات إيران في يونيو/ حزيران.

وهذه المعادلة، التي تسعى طهران الى فرضها بقوة المواجهة، قد لا تؤتي ثمارها المطلوبة لأنها اصطدمت بتحالف دولي لحماية أمن الملاحة في مياه الخليج، وبالتالي فإن اللعبة الإيرانية باتت أخطر لأنها لن تبقي المواجهة محصورة بين ضفتي الخليج أو بين دول المنطقة بل لأن

الناقلة البريطانية التي تحتجرها ايران

العالم بدأ يتلمس الخطر الإيراني المحيط بالتجارة العالمية وبسلامة تجارة النفط ما ينعكس مباشرة على أداء اقتصاد العالم.

هذه المواجهة بدأت عندما تعرضت أربع ناقلات للنفط الى اعتداء مجهول المصدر مقابل ميناء الفجيرة النفطي في دولة الامارات العربية المتحدة ما لبث أن اعقبه هجوم نفذته ميليشيا الحوثي ععلى محطتي ضخ للنفط في المملكة العربية السعودية. ولما أحتجزت سلطات جبل طارق في 4 يوليو/ تموز بمساعدة البحرية البريطانية السفينة  »غريس 1« للاشتباه بنقلها حمولة نفطية إلى سوريا  بشكّل ينتهك عقوبات الاتحاد الأوروبي. من ناحيتها، وصفت إيران عملية احتجاز السفينة بـ »القرصنة« وتوعّدت بالرد. وبالفعل، احتجز الحرس الثوري الإيراني في 19 يوليو/ تموز ناقلة النفط  »ستينا إمبيرو« التي ترفع علم بريطانيا في اثناء عبورها مضيق هرمز بتهمة خرق  »القانون الدولي للبحار«.

وفي سياق المد والجزر بين طهران ولندن، أعلن مساعد مدير مؤسسة الموانئ والملاحة البحرية في إيران أنّ طهران تواصلت مع السلطات البريطانية في إطار الجهود المبذولة للإفراج عن ناقلة النفط التي احتُجزت قبالة سواحل جبل طارق، قبل أن تنفي جبل طارق ذلك.  ونقلت وكالة  »إرنا« عن مساعد مدير مؤسسة الموانئ والملاحة البحرية في إيران، جليل إسلامي، قوله إنّ  »بريطانيا أبدت اهتماما ايضا لحل المشكلة، وتم تبادل الوثائق للمساعدة في حل المشكلة«، وأضاف إسلامي إن  »السلطات الإيرانية ومؤسسة الموانئ بذلت جهودا لإطلاق سراح السفينة«.

وأثارت عمليات احتجاز ناقلات النفط أزمة وتصعيداً عسكرياً في المنطقة، مع عزم واشنطن إنشاء تحالف دولي لحماية السفن في مضيق هرمز. غير أن هذا التحالف لم يرَ النور بعد. وتقوم فكرة واشنطن على أن تتولى كل دولة مواكبة سفنها التجارية مع دعم من الجيش الأمريكي، الذي يؤمّن المراقبة الجوية وقيادة العمليات.

وأدى إنخفاض الإنتاج النفطي الإيراني الى تضييق الخناق الاقتصادي على طهران وإن كانت أسواق النفط لم تتاثر بذلك نتيجة وجود قوة تعويض. فبعد انخفاض واردات الصين من النفط الإيراني إلى أدنى مستوياتها منذ العام 2010، عوضت السعودية هذا النقص في الإمداد، واستوردت بكين 20 في المئة احتياجاتها من النفط الخارجي من الرياض في شهر يونيو/ حزيران الماضي وفقا لبيانات الإدارة العامة للجمارك الصينية. فالصين، أكبر مشتر للنفط الخام في آسيا، استوردت ما يعادل 1.89 مليون برميل من النفط السعودي يومياً. وارتفعت الواردات النفطية الصينية من السعودية بنسبة 64 في شهر واحد فقط في شهر يونيو الماضي. في حين انخفضت ورادات الصين النفطية من إيران إلى أدنى مستوياتها منذ العام 2010. كما عززت كل من روسيا وأنغولا صادراتهما من النفط إلى الصين لسد احتياجات الأخيرة بعد انخفاض صادرات النفط الإيرانية بشكل كبير.

وبلغت واردات الصين خلال شهر يونيو/ حزيران الماضي نحو 210 آلاف برميل يوميا، وتعد الأقل خلال 10 أعوام تقريبا وتقل 60 في المئة على المستوى ذاته من العام الماضي وفقا لبيانات من الجمارك حيث عزفت بعض المصافي الصينية عن التعامل مع إيران خشية

جانب من عمليات تخزين النفط الإيراني في الموانئ الصينية

العقوبات.

وكشفت البايانات أن الصين استوردت النفط الخام من إيران في يوليو/ تموز لثاني شهر بعد إنهاء الولايات المتحدة استثناءات كانت منحتها لبعض الدول من العقوبات المفروضة على طهران. ووفقا لتقديرات أمريكية يتدفق ما بين 50 و70 في المئة من صادرات النفط الإيرانية إلى الصين بينما تذهب نسبة تبلغ نحو 30 تقريبا إلى سوريا.

في هذا السياق، نشر موقع  »تانكرز تراكرز« المتخصص بالتتبع الدولي لناقلات النفط تقريراً، أشار إلى أن  »السجلات التجارية اللبنانية وبيانات التتبع للسفن، أظهرت أن شركتين تعملان بالخفاء، تملكان وتديران ناقلات نفط تنقل النفط الخام الإيراني سراً في البحر المتوسط إلى سوريا«. وكشف أن الناقلتين  »ساندرو« و »ياسمين« أوقفتا بث إشارات مواقعهما شرق البحر المتوسط، وتقومان بنقل النفط الإيراني من أو إلى سفن أخرى قبالة الساحل السوري، وهو الأسلوب الذي تستخدمه إيران للتهرب من العقوبات الأمريكية.

وبحسب التقرير فإن الناقلة  »ساندرو« أوقفت أجهزتها للبث لكن صور الأقمار الصناعية التابعة لوكالة  »تانكر تراكرز« رصدتها. وفق التقرير نقلت  »سيلفيا 1« التابعة لشركة  »سويس ماكس« الإيرانية، في 25 يوليو/ تموز الماضي نحو 500 ألف برميل من النفط الخام إلى  »ساندرو« قبالة الساحل السوري.

وجاء في التقرير:  »في واقعة مماثلة، اختفى موقع الناقلة ياسمين عن أجهزة الرادارات أثناء وجودها في مياه البحر المتوسط، وهذه الناقلة مدرجة على قائمة الولايات المتحدة لرصد النشاطات غير المشروعة«.

وكانت وزارة الخزانة الأمريكية أعلنت أن شركة  »سينيرجي إس إل« شحنت عشرات الآلاف من الأطنان من النفط الإيراني إلى سوريا في العام الماضي عن طريق البحر، وفرضت عقوبات على سامر فوز في يونيو/ حزيران، واتهمته بالاستفادة بشكل كبير من جهود إعادة الإعمار في سوريا.

وليس خافياً أن الصين والولايات المتحدة تخوضان حرباً تجارية تبادلتا خلالها فرض رسوم جمركية، بدأت في مارس/ آذار 2018 بفرض الرئيس الأمريكي دونالد ترامب رسوماً بنسبة 25 في المئة على واردات الصلب و10 في المئة على الألومنيوم، لتقليص العجز التجاري الأمريكي. ردت بكين في مارس/ آذار 2018 بالكشف عن قائمة تضم 128 منتجا أمريكياً ستفرض عليها ضرائب تتفاوت بين 15 و25 في المئة.

وقالت الشركات التي ترصد حركات الناقلات إن ما بين 4.4 و11 مليون برميل من النفط الخام الإيراني جرى تفريغها في الصين في الشهر الماضي أو ما بين 142 و360 ألف برميل يوميا. ويعني الحد الأعلى لهذا النطاق أن واردات يوليو/تموز لا تزال تقترب من نصف معدلها قبل عام على الرغم من العقوبات. ووفقاً لبيانات رفينيتيف فإن يوليو/ تموز الماضي شهد تفريغ 5 ناقلات تديرها شركة النفط الوطنية الإيرانية لكمية قدرها 958 ألف طن من الخام الإيراني في موانئ جينتشو في شمال شرق الصين وهويتشو في الجنوب وتيانجين في الشمال.

صناعة النفط الإيرانية تعاني آثار العقوبات

وبهدف خفض مبيعات إيران النفطية إلى الصفر، أنهت واشنطن في مايو/ أيار إعفاءات من العقوبات كانت تمنحها لمستوردين للخام الإيراني.

فقد انحسر نموّ الطلب العالمي على النفط هذا العام إلى أبطأ وتيرة منذ الأزمة المالية عام 2008 في وقت يُتوقع زيادة تخفيضات إنتاج  »منظمة الدول المصدرة للنفط« (أوبك). وقالت  »وكالة الطاقة الدولية« في تقرير نشرته أخيراً إن الدلائل المتزايدة على وجود تباطؤ اقتصادي وتصاعد الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين، تسببا في تباطؤ نموّ الطلب العالمي على النفط. وقالت الوكالة في تقريرها الشهري:  »الوضع يزداد ضبابية… نموّ الطلب العالمي على النفط كان بطيئاً للغاية في النصف الأول من 2019«.

وبالمقارنة مع الشهر ذاته من 2018، يكون الطلب العالمي قد انخفض 160 ألف برميل يومياً في مايو/ أيار. وفي الفترة من يناير/ كانون الثاني إلى مايو/ أيار، ارتفع الطلب على النفط 520 ألف برميل يومياً مسجلاً أقل زيادة للفترة ذاتها منذ 2008.

وخفضت الوكالة توقعاتها لنموّ الطلب العالمي لعامي 2019 و2020 إلى  1.1 مليون برميل يومياً و1.3 مليون برميل يومياً على التوالي. وأشارت إلى أن الصين هي المصدّر الوحيد الكبير للنموّ بمقدار 500 ألف برميل يومياً في النصف الأول من العام الجاري.

 

 

العدد 96 – ايلول 2019