الرّحيل إلى القنطرة البعيدة

القصيدة للدكتورة نوال الحوار

الشاعرة الدكتورة نوال الحوار

الرّحيل إلى القنطرة البعيدة

ـــــــــــــــــــــــــــــــ

مِنْ قَبْلُ كَانَ لَهِيبُ البُعْدِ يَكْوِينِي

وَجَمْرَةُ الشَّوْقِ تَغْلِي فِي شَرَايِينِي

حَمَلْتُ حُبَّكِ عُمْرًا لا أَضِيقُ بِهِ

كَأَنَّهُ فِي دَمِي مِنْ يَوْمِ تَكْوِينِي

غُنْجُ التَّبَغْدُدِ لَوْ تَدْرِينَ يُفْرِحُنِي

والنَّايُ مِنْ قَصَبِ الأَهْوَارِ يُبْكِينِي

وَكُنْتِ فِي حُلُمي نَهْرًا وأُغْنِيَةً

وَخَمْسَةً بِيَدِ العَبَّاسِ تَحْمِينِي

وَهَا أَنَا فِي ثَرَاكِ البِكْرِ هَاتِفَةٌ:

(حَيَّيْتُ سَفْحَكِ عَنْ  » قُرْبٍ« فَحَيِّينِي)

مَرْحَبًا يَا عِرَاقُ وَتَهْمِسُ دِجْلَةُ لِي:

هَلْ حَمَلْتِ لِبَلقيسَ أُغْنِيَةً مِنْ نِزَارْ؟

خَبِّرِينِي عنِ الشَّامِ؟ قَلْبِي عَلَيْهَا

وَقَلْبُ الشَّــآمِ عَلَى بَرَدَى .. هِيَ أُمٌّ تَمُدُّ يَدَا

لِغَدٍ لَا يُبَالِي بِمَا قَدْ جَنَاهُ الكِبَارْ

قُلْتُ: يَا دِجْلَةَ الخَيْرِ ضَاقَتْ بِنَا الأَرْضُ

نَحْمِلُ أَوْطَانَنَا فِي الحَقِيبَةِ ذِكْرِى

نُسَافِرُ خَوْفًا عَلَيْهَا وَنَفْقِدُهَا فِي المَطَارْ

حَالُنَا وَاحِدٌ: فَالعِرَاقُ الَّذِي فِي حَنِينِي اِمَّحَى

صِحْتُ: (مَرِّينَه بِيكُمْ حَمَدْ)

صِرْتَ يَا حَمَدٌ شَبَحَا

والصَّدَى فِي ضُلُوعِي يُرَدِّدُ: أَيْنَ القِطَارْ؟

فَلَمْ يَبْقَ مِنْ لَهْفَةِ البَدَوِيَّةِ

غَيْرُ مَحابسِ شَذْرٍ وخَزَّامَةٍ وَقَطَا

عَافَ ظِلَّ السَّنابلِ مِنْ بَعْدِ مَا خَذَلَتْهُ الحُقُولُ

وَأَرْهَقَهُ الاِنْتِظَارْ!!

مَا بَالُ  »سَعْدُونَ« أَغْضَى عَنْ مُغَازَلَتِي

وَلَمْ يَقُلْ لِي: (خيُّو يَا اِبْنَةَ الدِّيرَة)؟

كَمْ لَيْلَةٍ بِتُّهَا والشّوقُ يَحْمِلُنِي

عَلَى جَنَاحَيْنِ: مِنْ خَوْفٍ وَمِنْ حِيرَة

وَكَانَ عِشْقِي عِرَاقِيًّا فَلَوْ نَظَرَتْ

إِلَيْهِ غَيْرِي لَشَبَّتْ فِي دَمِي غِيرَة

الجَارُ أَوْلَى بِقَلْبِي مِنْ طُفُولَتِنَا

مَا حِيلَتُي؟ وَفُؤَادِي مَالَ للجِيرَة

مَنْ رَاوَدَ القَلْبَ عَنْ جَارِي أَقُولُ لَهُ:

( (آنَه ارْدْ ألُوك لْحَمَدْ ما لُوكنْ لْغِيرَه

يَا عُيُونَ المَهَا تَتهادَى عَلَى الجِسْرِ

قُرْبَ الرُّصَافَة

كَمْ تَغَنَّى بِكِ العَاشِقُونَ وَمَا عَرَفُوا

أَنْتِ أَنْتِ الحَقِيقَةُ

كُلُّ العُيُونِ الَّتِي لَمْ تَعِشْ لَيْلَ بَغْدَادَ مَحْضُ خُرَافَة

مَا لِقَيْسٍ وَلَيْلَى المَرِيضَةِ مِنْ أَمَلٍ فِي التَّلاقْ

فَلِذَلِكَ يَبْكِي العِرَاقِيُّ حُبَّهُمَا

حَالِمًا أَنْ تَصِيرَ المَدَامِعُ نَهْرًا يَضُمُّهُمَا

وَيَخِيطُ جِرَاحَ المَسَافَة

مَا أَمَرَّ الفِرَاقْ.!!

مَا أَحَرَّ الدُّمُوعَ الَّتِي شَرِبَتْهَا الرِّمَالُ وَمَا اِعْتَرَفَتْ

فَمَتَى كَانَ يُهْدِي الهَجِيرُ إِلَى السُّحُبِ المُمْطِرَاتِ اِعْتِرَافَهْ

وَمَتَى غِبْتَ عَنْ خَاطِرِي وَأَنَا البَدَوِيَّةُ

هَلْ يَمْلِكُ البَدْوُ غَيْرَ التَّذَكُّرِ

يُمْزَجُ بِالهِيلِ فِي قَهْوَةِ الاِشْتِيَاقْ

وَمَتَى لَمْ تَكُنْ فِي دَمِي

وَعَلَى صَفْحَةِ القَلْبِ رَسْمَانِ:

سُورِيَةٌ وَالعِرَاقْ

شَوْقِي إِلَى بَصرةِ السَّيابِ أَتْعَبَنِي

وَلَنْ يُذِيبَ لِقَائِي (الشُّوكْ لِلبَصْرَه)

أَحِنُّ للنَّخلِ فِي جَيْكورَ مُؤْتَلِقًا

فَهَلْ لِنَخْلِكِ يَا جَيْكورُ مِنْ نَظْرَة؟

أَمَا يُبَالِي  » بُوَيْبٌ  » أَنَّ بِي عَطَشٌ

مِنْ عَهْدِ  » بَدْرٍ« ؟ فَهَلْ مِنْ مِائِهِ قَطْرَة؟

رَأَى الغَرِيبُ  »شَناشيلَ اِبْنَةِ الچلَبي«

فَمَاتَ فِي قَلْبِهِ مِنْ وَصْلِهَا حَسْرَة

مَا لِلعِرَاقِ سِوَى  » بَدْرٍ« يُنَوِّرُهُ

فَكَيْفَ ضَيَّعَ فِي عَتْمِ الدُّجَى بَدْرَه

مُنْذُ كُنْتُ .. وَبَوْصَلَةُ الرُّوحِ وِجْهَتُهَا لِلْجَنُوبْ

حِينَ يَغْفُو عَلَى شَطِّهِ  »بَلَمٌ«  فِي الأَصِيلْ

وَتَرَى الشَّمْسَ تَحْنُو عَلَى كَتْفِ النَّهْرِ

ذَاتَ الشُّرُوقِ وَذَاتَ الغُرُوبْ

وَتَأْخُذُ قَيْلُولَةً فِي ظِلَالِ النَّخِيلْ

وَ »فُؤَادٌ« يُوَشْوِشُ فِي أُذْنِهَا:  »مُو بِدِينَه«

أَشُدُّ عَلَى القَلْبِ خَائِفَةً أَنْ يَذُوبْ

وَأُبْصِرُ خَلْفَ الضَّبَابِ الكَثِيفِ سَفِينَة

وَصَوْتًا لِبدْرٍ يُلامِسُ أُذْنِي بِرَغْمِ الضَّجِيجْ

عَلَى ضِفَّةٍ لِلخَلِيجْ

يَصِيحُ: غَرِيبٌ غَرِيبْ

وَلَكِنْ مَتَى أَنْصَتَتْ لِلغَرِيبِ (لَيَالِي الشِّمَالِ الحَزِينَة)

مُنْذُ كُنْتُ .. وَأُبْصِرُ فِي الحُلْمِ عُرْسًا

مَعازيمُهُ مِنْ حُدُودِ المُحِيطِ لِرَمْلِ الخَلِيجْ

وَالمَقَامُ العِرَاقِيُّ يُوقِظُ مَا نَامَ فِي القَلْبِ مِنْ ذِكْرَيَاتْ

وَ«رِيَاضٌ« يُغَرِّدُ (باللهِ سَلِّمْ سَلامْ)

وَالعَرِيسَانِ لَيْسَا سَوِى دِجْلَةٍ وَالْفُراتْ

فَإِذَا صَدَقَ الحُلْمُ أَطْوِي الضُّلُوعَ عَلَى فَرَحِي

وَالسَّلامْ!!

إِنَّي هُنَا وَلِقَاءُ الحُبِّ يَطْلُبُنِي

أَيُخْلِفُ الشَّوْقُ فِي قَلْبِي مَوَاعِيدَه؟

لَوْ غَيْرُ مِرْبَدِ أَحْلامِي يُوَاعِدُنِي

لَتَمْتَمَتْ نَبَضَاتُ القَلْبِ: (مَا رِيدَه)

حَتَّى لِسَانِي إِذَا أَفْصَحْتُ يَخْذُلُنِي

فلَوْ تَلَعثَمَ إِنْ ناجاكَ (مُو بِيدَه)

لَمْ تُبْقِ لِي نَكَبَاتُ الشَّامِ فِي كَبِدِي

سِوَى حنينٍ إِلَى المَاضِي وَتَنْهِيدَة

خَوْفِي إِذَا عُدْتُ مِنْ لَقِيَاكَ قَائِلَةً:

(أَمْشِي وأكولْ وْصَلِتْ والكنْطَرَه بْعِيدَه)