رُفعت الستارة تاريخ معاصر لفترة اساسية من مسيرة المسرح في لبنان

بيروت جاد الحاج

كيف لكتاب اقرب الى السيرة الذاتية ان يكون ايضا مرجعا تاريخيا لحركة مسرحية في بلد فوضوي دائم الاضطراب مثل لبنان؟ لا أعرف من اي نقطة بدأ رفعت طربيه تدوين  »رُفعت الستارة« الصادر اخيرا عن دار صادر في بيروت. لكنه استطاع مع مرور الوقت ترتيب صفحاته في صورة جذابة للمطالعة، إن بهدف المعرفة العامة او لمتابعة مسيرة الخشبة اللبنانية من ماضيها النقال بين لبنان ومصر الى حاضرها المهني فدخولها الصرح الاكاديمي في الجامعة اللبنانية، ثم الجامعات والمعاهد والفرق الاخرى.

من الخصائص المميزة لهذا الكتاب (400 صفحة) عدم انصياعه للمتوقع والمعهود. والا ما مسوّغ اصداره فرمانات مشيخية بين الحين والآخر، ناهيك عن شجرة عائلته، وهبات شويعرية، ليس لك ان تبحث لها عن سبب موجب سوى انها بنات افكار الشيخ رفعت حفظه المولى.

من أبرز شخصيات  »رُفعت الستارة« الراهب الانطوني الأب مارون عطالله الذي اشتهر خلال الحرب الأهلية وبعدها بجمع شمل اللبنانيين من مختلف طوائفهم وأطيافهم تحت سقف نادي انطلياس الثقافي وكنيسة مار الياس المحاذية له. نرى للأب مارون امتدادات متفرعة ومتنوعة في أمكنة عدة من كتاب الممثل رفعت طربيه ولعل أطرف السطور المتعلقة به تعود الى مناسبة تطويب القديس شربل في روما عندما سافر رفعت طربيه مع فرقة مسرحية  »شربل« لتقديمها على خشبة كنيسة الفاتيكان، سيستينا، من إخراج ريمون جبارة. تدفق اللبنانيون من أوروبا والاميركيتين الى روما لحضور المناسبة التاريخية وفي المؤتمر الصحفي الذي سبق العرض صرح الاب مارون بأن العاملين في المسرحية لبنانيون ينتسبون الى كل الطوائف، وقال:  »مثلا، رفعت طربيه الذي يقوم بدور القديس شربل هو من اخواننا الموحدين الدروز«. بعد المؤتمر سأله رفعت:  »كيف قلت هيك يا ابونا؟«. أجاب الاب مارون:  »يا رفعت لبنان اهم من طوائفه. انك هلق تكون درزي أهم من انك تكون ماروني، بعدين شوف اسمك شو ظريف رفعت طربيه حفر وتنزيل«. ووعد الاب مارون الممثل القائم بدور شربل انه سيقول فعل الندامة ويصلي خمسة ابانا وخمسة السلام وكان على يقين بأن القديس شربل سيغفر له تلك الزلة.

وتحت عنوان  »الشيطان بيصير ملاك« اضاف رفعت طربيه:  »يوم افتتاح مسرحية شربل في كازينو لبنان كان فخامة الرئيس كميل شمعون حاضرا. وفي الكوكتيل الذي اقيم في البهو الكبير امام المسرح، طُلب من الزميل انطوان كرباج، وكان يؤدي دور الشيطان، ان تلتقط له صورة تذكارية مع فخامته«.

– الرئيس شمعون: هلق بدي اتصور مع الشيطان!

– انطوان كرباج: الشيطان بحضورك بيصير ملاك فخامة الرئيس!

– الرئيس شمعون: يعني انا هلق صرت شيطان؟

– انطوان كرباج: بالروح بالدم نفديك فخامة الرئيس، اذا بدك تاخد دوري بتنازل عنه. ولكن انا بقصد انو فخامتك بتروض الشياطين.

كثيرة شخصيات هذا الكتاب وأكثر منها حوادث وأحداث وأحاديث دارت في مناسبات متفرقة لكنها دائما معقودة على الحركة المسرحية قبل الحرب، خلالها، وبعدها. لكن ثمة محطات جديرة بالتأمل منها وصف رفعت لسرعة البديهة التي اشتهر بها الرسام بول غيراغوسيان. بعد موت المخرج السينمائي أندريه جدعون أرادت الحركة الثقافة في انطلياس ان تكرمه باصدار كتيب عنه وبطلب من الأب مارون اتصل رفعت ببول غيراغوسيان فوافق على الفور. جهز رفعت ما لديه من صور لأندريه وتواعد الاثنين على اللقاء في مسكن غيراغوسيان حيث أعطى رفعت للرسام الشهير صورة لأندريه ومغلفا يحتوي على مزيد من الصور لكن بول لم يفض المغلف وبالكاد نظر الى الصورة وقال:  »ضيعان اندريه كان فنانا مهما لكن الظروف عاكسته فمات قبل ان ينجز اعمالا تليق به«. وفي النتيجة ومن دون ان ينظر بول الى الصور وفي خلال 15 ثانية لا اكثر رسم بول وجه اندريه بريشة مغمسة بالحبر… فكادت الصورة ان تتكلم.

رحلة المسرح اللبناني ورحلة ممثل مميز من افضل ممثليه منثورة في هذا الكتاب بكثير من الفكاهة وبفيض من المعلومات الثمينة التي لا يعرفها سوى اهل البيت. وعلى رغم غياب التنسيق المنطقي وتداخل النزق الشخصي في الاحداث والمجريات يمكننا اعتبار  »رُفعت الستارة« وثيقة مرجعية لكل باحث عن مسيرة الخشبة الدرامية في لبنان خصوصا ان الكتب والمراجع الوثائقية المرتبطة بهذا الموضوع قليلة جدا، ولعل اهمها كتاب خالدة السعيد الذي توقفت موضوعاته قبل الحرب الاهلية سنة 1975 يضاف اليه كتاب  »الكتابة وآلية التحليل« للمسرح

من اليسار الاب مارون عطالله جوليا قصار الياس كساب طلال حيدر ورفعت طربيه في ندوة حول كتابه

والسينما والتلفزيون من تأليف شكيب خوري وهو كتاب اكاديمي تمتد نصوصه من الزمن اليوناني الاغريقي حتى يومنا هذا.

يعرفنا، ويعرف القارئ على ميراي معلوف التي انطلقت من مدرسة المسرح الحديث بقيادة منير أو دبس بعد مسرحية  »الطوفان« سنة 1972 الى لندن حيث اكتشفت وجهتها التالية لدى مشاهدتها فيلم  »الملك لير« للمخرج بيتر بروك وإذذاك هتفت: ها هو، هذا من افتش عنه. وهكذا حصل والتحقت ميراي معلوف بمسرح بيتر بروك سنة 1974. كذلك نتعرف الى الرسام والنحات المبدع ألفونس فيليبس الذي عاش في الفريكة ورافق الحركة الثقافية المستجدة مع الشارع فؤاد رفقة والرائد يوسف الخال. وقد أضاف ألفونس ابداعات مميزة على الحركة المسرحية لجهة الديكور والأعمال النحتية والتشكيلية يصنعها من كل شيء ولا شيء. إلا أن مواكبة رفعت طربيه للحركة الدينامية المتشعبة التي عاشتها الفرق المسرحية في لبنان منذ الستينات حتى منتصف السبعينات مرجع وثائقي مهم يكشف عن التلاقي في سبيل المسرح بصورة عامة وبالتالي عن التباعد للسبب نفسه حين يكتشف كل فريق وجهته المفضلة وينصرف الى تحقيق اهدافه كما حصل مع منير أبو دبس وانطوان ملتقى وشكيب خوري وجلال خوري وروجيه عساف وأيضا شوشو في النهاية.

 »رُفعت الستارة« كتاب وضعه مشخصاتي يجمع اللهو الى الجد والحكاية الى الواقعة المعيشة لكنه ايضا مسرح مشرع على الجهات الأربع أو كما يختم كاتبه: يا سادة يا كرام… إسمعوا وعوا انه المسرح صانع احلامنا هو الفتي دائما نداعبه يداعبنا نصارعه يصارعنا وينتصر ولا ابوة له فالخالق لا يُخلق واهب الروح يبقى واهبها هو ما نصبو اليه وليس ما نقدم هو رفضنا لأعمالنا وتخطينا لذاتنا هو اشراقة بل شرارة تخطر بالبال.

العدد 97 – تشرين 2019