جدل ضد الأحزاب الدينية تقدم للأحزاب العربية وبروز الوسط، الانتخابات الإسرائيلية: ما الذي تغير؟

محمد قواص (*)

كثير من التحليلات صدرت لفهم النتائج التي انتهت إليها الانتخابات التشريعية الإسرائيلية الأخيرة. الأمر لم يشكل مفاجأة كبرى لجهة غياب الحسم، إلا أنه رسم ملامح جديدة لنقاس داخل إسرائيل وجب عدم إهماله من قبل المراقبين العرب.

لا يمكن إلا أن نهتم كعرب لما يجري في إسرائيل. فثلاث دول غير عربية تلعب أدوارا أساسية، شئنا أو أبينا، في تحديد مصير ومسار منطقتنا.

إيران تركيا وإسرائيل. واهتمامنا بدواخلِ هذه الدول الثلاث هو تمرين يصبُّ في قلب اهتمامنا براهن ومستقبل عالمنا من مشرقه إلى مغربه من محيطه إلى خليجه.

إسرائيلُ تحتلُ أراضٍ عربية. ولئن تراجعت قضيةُ فلسطين في أولايات الهمِّ العربي العام، وتفاقم هذا التراجع منذ ما قيل إنه ربيع عربي، فإن أولوية إسرائيل بالمقابل، وللمفارقة، هي هذا المحيط العربي العام.

بنيامين نتنياهو.. النكسة!

العملياتُ العسكريةُ الإسرائيلية طالت في الآونة الأخيرة العراق وسوريا ووصل توترُ سلوكِها إلى حدود الحربِ الكبرى ضد لبنان.

حُكي سابقاً عن علاقات نسجتها إسرائيل مع كردستان العراق ومع جنوب السودان ودول القرن الأفريقي، وأنها تخترقُ القارةَ الأفريقية وتهددُ في استراتيجياتها المتصاعدة ضد إيران أمن المنطقة برمتها، ناهيك أن علاقاتِها مع دول المنطقة تترنح منذ اتفاقي كامب ديفيد مع مصر ووادي عربة مع الأردن، فيما اختراقاتها للدول العربية بقيت تجريبية محدودة على الرغم من ضجيج عن تطبيع مزعوم.

إسرائيل تحظى برعايةٍ غير مشروطة من قبل واشنطن أياً كانت هوية إدارتها. تحظى بدعم واضح من روسيا وأوروبا والصين، وبالتالي شئنا أو أبينا إسرائيل منذ نشوئها هي جزءٌ من يوميات المنطقة برمتها، واهتمامنا بالانتخابات التي جرت في أيلول/سبتمبر الماضي، هي من ضمنِ منطقِ معرِفتنا الضرورية بتطور سيتداعى على منطقتنا.

وجب تسليطُ المجهر على النقاش الدائر في إسرائيل بين مكونات هذا البلد السياسية بمناسبة هذه الانتخابات، وعلى أسئلة حول مصير نتنياهو وتيارِ اليمين الذي يدعمُه، وعلى حيويةِ وسطٍ يطرحُ نصوصاً جديدة داخلَ الجدلِ الجواني الإسرائيلي. كما تسليط المجهر على أسئلة حول ذلك اليسار الإسرائيلي الذي يستفيقُ بصعوبةٍ من غيبوبته، وأسئلة حول قوة العرب في فلسطين 48 في إقدامهم او تحفظِّهم على أو عزوفهم عن المشاركة في هذه الانتخابات التي تعنيهم أيضا أو قد لا تعنيهم أبدا.

وقد سهل على المتابع للجلبة المرتبطة بالانتخابات التشريعية الإسرائيلية أن يستنتج الترف الذي باتت إسرائيل تعيش فيه، بحيث لم تعد خطط السلام أو مستقبل التسوية مع الفلسطينيين همّا انتخابيا تتمحور حولها الحملات الانتخابية. وتكاد لغة القوة والتفوق العسكري تسود لغة المرشحين، من عتاة اليمين إلى مغامري اليسار، مرورا بالوسط الصاعد. ويكاد الحسّ الوجودي الذي لطالما طبع انتخابات العقود السابقة يغيب عن برامج الأحزاب والتحالفات الإسرائيلية، ذلك أن هذا التفوق الاستراتيجي ينعطف على تصدّع الجبهات الإقليمية المضادة وتضاف إليه حالة التفكك وتضخم الأورام داخل المنطقة العربية.

لم يعد أي تيار سياسي في إسرائيل يجازف بالحديث عن مشروع سلام أو تعاط مع المبادرة العربية (مارس 2002) أو إعادة تنشيط اتفاقيات أوسلو (سبتمبر 1993) أو تخصيب تلك التي أبرمت في كامب ديفيد مع مصر (سبتمبر 1978) أو في وادي عربة مع الأردن (أكتوبر 1994). فذلك شأن لم يعد جاذبا للناخبين، ووعي بات مفقودا لدى العامة. وفيما ينغمس الإسرائيليون داخل مؤتمرات الأمن في هرتسليا على تسليط المجهر على الأخطار التي تهدد إسرائيل، وفيما يخطّ الخبراء دراسات مقلقة عن القنبلة الديموغرافية العربية داخل فلسطين التاريخية، أو ما تشكّله إيران وبرامجها التسليحية (النووية خصوصا) من  »أخطار على أمن اليهود«، فإن منابر المرشحين تتقدم متنافسة في الوعد بممارسة المزيد من القوة المدمرة ضد الأعداء، مندفعة في تبادل المزايدات التي تخلص إلى عدم الاعتراف بدولة فلسطينية ما، في يوم ما،

بني غانتس.. جنرال يبحث عن دور آخر في إسرائيل

والوعد بإزالة أيّ أخطار بقوة الترف الكبير الذي تعيشه إسرائيل في هذا العالم.

نكاد لا نلحظ فروقات كبرى في النصوص السياسية لليكود عن تلك لتحالف أزرق أبيض (شكّله رئيس أركان الجيش الإسرائيلي السابق، بني غانتس، مع رئيسين سابقين للأركان، موشيه يعلون وغابي أشكينازي، ويائير لبيد، زعيم الحزب الوسطي “يش آتيد”)، أو تكتلات اليسار (التي أحيت إيهود باراك مجددا والذي يتحدث وحيدا عن تسوية إقليمية شاملة). وعلى هذا كانت تنعدم قبل الانتخابات ترجيحات الفوز الكبير للسيطرة على أغلبية مقاعد الكنيست الـ 120، وتحضر مجددا فرضية أن يأتي الناخبون ببرلمان فسيفسائي لا غلبة داخله (وهذا ما حصل) تسمح بتشكيل حكومة. حدث أمر ذلك بعد الانتخابات المسبقة الأخيرة قبل أشهر (أبريل الماضي).

تتعامل إسرائيل مع الأخطار المحدقة بها تعاملا تقنيا لا حاجة لمواكبته بمشروع سياسي يستشرف تسوية سلمية في الشرق الأوسط. تحظى إسرائيل بدعم غير مسبوق من قبل الولايات المتحدة، ونالت خلال إدارة الرئيس دونالد ترامب ما لم تنله من إدارات سابقة، ولاسيما لجهة الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل أو الاعتراف بالجولان جزءا من تلك الدولة. لكن ما قد لا يُلحظ هو أن هذا “الدلال” الذي تمنحه واشنطن لحليفتها لا يقابل بأي عناد من قبل العالم، لا في أوروبا ولا في روسيا ولا في الصين. وفيما قد تختلف موسكو وواشنطن داخل ملفات كثيرة، بما في ذلك داخل الملف السوري، إلا أنهما متوافقتان متضامنتان متواطئتان في الاعتراف بـ  »حق إسرائيل في الدفاع عن أمنها«، ترعيان حراكها العسكري الحيوي، غير المسبوق، الذي توسع باتجاه العراق مدمرا أيّ آمال كانت تعقدها إيران لشقّ ممرها الاستراتيجي المتوخى باتجاه البحر المتوسط مرورا بالعراق ولبنان.

لم تُخض الانتخابات الإسرائيلية من أجل تموضع إسرائيل بشكل أفضل ضد خصوم الخارج. دارت تلك الانتخابات على قضية واحدة هي مصير بنيامين نتنياهو.

سبق لزعيم  »إسرائيل بيتنا« أفيغدور ليبرمان أن حرم نتنياهو، قبل أشهر (في نيسان/أبريل الماضي)، من هذا المنصب برفضه انضمام حزبه إلى حكومة يرأسها نتنياهو. في المقابل فإن ائتلاف أزرق أبيض لم يمانع في تشكيل حكومة مع الليكود شرط ألّا يرأسها نتنياهو. وعلى هذا فإن سلاح نتنياهو كان يكمن في الذهاب بعيدا إلى الضفاف الأكثر يمينية بالتحالف مع الأحزاب الدينية (الحريديم)، واعدا إياها بالمزيد من الامتيازات في الفضاء الاجتماعي، مقابل أن تطلق يده في الفضاء السياسي.

الرهان يكمن هنا والجدل في ثناياه مرتبط بهوية من يمكنه أن يصنع رئيسا للحكومة ببضعة مقاعد. هذا رهان ليبرمان الذي يتقدم بخطاب علماني ضد الأحزاب الدينية، معوّلا على اجتذاب الكتل الناخبة المدنية والمدينية، ولا ينافسه في ذلك إلا توقف بني غانتس عن التودد للأحزاب الدينية وانتهاجه خطابا علمانيا مدنيا ينهل من خزان ليبرمان وحقوله.

لا تهم تصريحات نتنياهو عن ضم غور الأردن. فهو يبحث عن رد فعل شاجب ناله بسهولة.

وفيما يتوسل المتنافسون حظوظهم من الداخل، وحده نتنياهو كان يستورد دعما خارجيا يتسرب من علاقاته مع ترامب والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وكان يعمل على الإيحاء للناخبين بأن وجوده في السلطة هو جزء من المشهد الدولي ويحظى برعايته.

الجلبة مسلية للإسرائيليين، مُملّة للعرب. ولم تكسر هذا الملل إلا صواريخ أسدود التي أطلقت حين كان نتنياهو في المنطقة يخاطب ناخبيه. وأيا كانت أجندات إطلاقها فهي تشوّش على  »نهاية التاريخ« التي يصدح بها ترف الساسة وناخبيهم في إسرائيل.

ل بإمكان العرب أن يكونوا رقما صعبا في البرلمان

لكن أيا كانت مآلات تلك الانتخابات التي سبقت صدور عدد الشهر الحالي، فإن بنيامين نتانياهو ومنافسه الرئيسي بيني غانتس وجدا نفسيهما غداة الانتخابات العامة في طريق مسدود، بعد أن ظهر أنهما تعادلا في المقاعد التي حصدها كل من تحالفيهما، ما يعقد مسألة تشكيل حكومة جديدة.

أمر الانتخابات مثل نكسة لنتانياهو الذي كان يأمل أن يشكل ائتلافاً يمينياً مماثلاً لائتلافه الحالي لأنه يواجه احتمال اتهامات بالفساد في الأسابيع المقبلة.

وإلى جانب نتائج الحزبين، كان لنتائج الحلفاء المحتملين لكل منهما حاسمة لأن الأمر يتعلق بمعرفة أي من المعسكرين سيحصل عبر تحالفات تخوله الحصول على الأغلبية المحددة بـ 61 نائبا في البرلمان. جسارة الأمر دفعت نتنياهو إلى إلغاء مشاركته في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة التي عقدت الشهر الماضي.

السؤال الكبير هل تغيرت إسرائيل بعد هذه الانتخابات. وهل يتبدل شيء إذا ما تبدل رأس الحكومة. وهل تشكل كنيست جديد بإمكان إنهاء هذا الانسداد الذي سببه وجود نتنياهو على رأس الحكومة في إسرائيل وتلك القطيعة مع السلطة الفلسطينية في رام الله.

نتانياهو أيضا عن مفاوضات لتشكيل حكومة صهيونية قوية. قال أيضاً إنه  »لن يكون هناك ولا يمكن أن يكون هناك حكومة تعتمد على أحزاب عربية معادية للصهيونية، أحزاب تنكر وجود اسرائيل كدولة يهودية وديموقراطية«.

لا يبدو أن أمر هذه الانتخابات بإمكانها أن تقلب أمر إسرائيل وتعيد تصويت تموضعها داخل الشرق الأوسط. أيا كانت الأصوات التي شاركت في هذه الانتخابات، فإنها لا تمثل معسكر سلام بالمعنى المتعارف عليه، ولم تخفف من خطابها المبشر باستخدام العنف ضد كافة الخصوم.

قد يكون مفهوما أن خطاب الحملات الانتخابية يحتاج إلى الذهاب إلى الحدود القصوى في الشعبوية أملا في حصد الأصوات والمزايدة على خطاب ما برح يحتكره نتنياهو ودوائره. وقد يكون مفيدا تأمل الجدل الداخلي الإسرائيلي الذي صوت هذه المرة لإعطاء مناخات جديدة بديلة أو متعايشة ومتواكبة مع أحزاب اليمين المتطرف. وقد يكون مفيدا أيضا تأمل مآلات الأحزاب الدينية التي بدا واضحا أن كتلة كبيرة من أحزاب اليسار والوسط بنت حملاتها الانتخابية ضد هذا  »الإسلام السياسي« اليهودي الذي يفرض شروطه على أي حكومة قادها نتنياهو.

كان لافتا أيضا المسافة التي أظهرها الرئيس الأميركي دونالد من نتنياهو الذي جمعتهما علاقة لطالما اعتبرت حميمية تختلط بين الصداقة الشخصية والحلف الكبير. قال سيد البيت الأبيض أنه لم يتواصل مع نتنياهو في فترة الانتخابات، مؤكدا أنه حليف لإسرائيل. فهم من هذا الكلام أن واشنطن لم تعد معنية بتوفير الغطاء الأميركي لمن كان رجل إسرائيل القوي، وأن المرحلة التي كان بها أعضاء الكونغرس الأميركي يقفون مصفقين مرارا لنتنياهو في وقت اشتدت فيها خلافاته مه الرئيس السابق باراك أوباما، قد ولت باتجاه زمن آخر.

كافة المرشحين وعدوا غزة بحرب جديدة

على أية حال الانتخابات الإسرائيلية وأي تغييرات قد تطرأ على الطاقم الحكومي والسلوك السياسي الإسرائيلي العام هي مسائل أساسية تتداعى على المسارات الجارية في المنطقة. وفق المشهد الإسرائيلي الجديد قد تتحدد الخرائط المتعلقة بالمنطقة لا سيما تلك التي تقارب البراكين في سوريا وإيران واليمن وليبيا.

وجب تسليطُ المجهر على النقاش الدائر في إسرائيل بين مكونات هذا البلد السياسية بمناسبة هذه الانتخابات، وعلى أسئلة حول مصير نتنياهو وتيارِ اليمين الذي يدعمُه، وعلى حيويةِ وسطٍ يطرحُ نصوصاً جديدة داخلَ الجدلِ الجواني الإسرائيلي. كما تسليط المجهر على أسئلة حول ذلك اليسار الإسرائيلي الذي يستفيقُ بصعوبةٍ من غيبوبته، وأسئلة حول قوة العرب في فلسطين 48 في إقدامهم او تحفظِّهم على أو عزوفهم عن المشاركة في هذه الانتخابات التي تعنيهم أيضا أو قد لا تعنيهم أبدا.

تتعامل إسرائيل مع الأخطار المحدقة بها تعاملا تقنيا لا حاجة لمواكبته بمشروع سياسي يستشرف تسوية سلمية في الشرق الأوسط. تحظى إسرائيل بدعم غير مسبوق من قبل الولايات المتحدة، ونالت خلال إدارة الرئيس دونالد ترامب ما لم تنله من إدارات سابقة، ولاسيما لجهة الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل أو الاعتراف بالجولان جزءا من تلك الدولة.

“الدلال” الذي تمنحه واشنطن لحليفتها لا يقابل بأي عناد من قبل العالم، لا في أوروبا ولا في روسيا ولا في الصين. وفيما قد تختلف موسكو وواشنطن داخل ملفات كثيرة، بما في ذلك داخل الملف السوري، إلا أنهما متوافقتان متضامنتان متواطئتان في الاعتراف بـ  »حق إسرائيل في الدفاع عن أمنها«، ترعيان حراكها العسكري الحيوي، غير المسبوق، الذي توسع باتجاه العراق مدمرا أيّ آمال كانت تعقدها إيران لشقّ ممرها الاستراتيجي المتوخى باتجاه البحر المتوسط مرورا بالعراق ولبنان.

لا تهم تصريحات نتنياهو عن ضم غور الأردن. فهو يبحث عن رد فعل شاجب ناله بسهولة.

وفيما يتوسل المتنافسون حظوظهم من الداخل، وحده نتنياهو كان يستورد دعما خارجيا يتسرب من علاقاته مع ترامب والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وكان يعمل على الإيحاء للناخبين بأن وجوده في السلطة هو جزء من المشهد الدولي ويحظى برعايته.

أي جدل ينتظر الكنيست الجديد؟

ليبرمان المثير للجدل

يفرض أفيغدور ليبرمان، حارس الملهى الليلي السابق الذي تحول إلى السياسة وصاحب المواقف السياسية العدائية، نفسه كـ  »صانع ملوك« في تشكيل الحكومة الإسرائيلية المقبلة.

ويعرف وزير الدفاع السابق الذي كان بمثابة اليد اليمنى لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو نزعته الشعبوية.

ولد ليبرمان (61 عاما) ذو اللحية البيضاء المختلطة ببعض السواد، في جمهورية مولدافيا السوفياتية آنذاك، وهاجر إلى إسرائيل عام 1978 حيث عمل لفترة كحارس ملهى ليلي أثناء دراسته.

وتطلق عليه وسائل الإعلام ألقاب  »القيصر« و »راسبوتين« و »كي جي بي«، في إشارة إلى سلوكه المتسلط وأصوله، خصوصا اللكنة الثقيلة في لفظه اللغة العبرية.

بجعبة ليبرمان شهادة جامعية في العلاقات الدولية، وأدى الخدمة العسكرية في إسرائيل بعد الهجرة. لكن معسكر نتانياهو يأخذ عليه أنه لم يشارك في أي حرب.

تتلمذ ليبرمان وفهم السياسة على يد معلمه  »بيبي« وهو لقب بنيامين نتانياهو الذي ساهم في تشكيل مسيرته السياسية.

تولى زعيم إسرائيل بيتنا إدارة مكتب نتانياهو خلال فترة رئاسته الاولى للوزراء ما بين 1996 و1999.

في عام 1999، أنشأ حزبه الخاص من أقصى اليمين  »يسرائيل بيتينو«، مستندا الى أصوات مليون إسرائيلي هاجروا من الاتحاد السوفياتي السابق، وهي قاعدة انتخابية يعمل على توسيعها.

وشغل لاحقا حقيبة الشؤون الخارجية في حكومات نتانياهو (2009-2012 و2013-2015).

وفي أيار/مايو 2016، طلب منه نتانياهو أن يتسلم وزارة الدفاع، وكان نتانياهو يسعى إلى توسيع غالبيته الحكومية.

و لطالما كان أفيغدور ليبرمان شخصية مثيرة للجدل.

وتلطخت سمعته بقضايا فساد أجبرته على التخلي عن حقيبته بين عامي 2012 و2013، غير أن المحكمة برأته عام 2013.

اتهم ليبرمان الاتحاد الأوروبي بتبني سياسات داعمة للفلسطينيين على حساب اليهود.

في تشرين الثاني/نوفمبر 2018، استقال ليبرمان من منصبه كوزير للدفاع في أعقاب اتفاق وقف إطلاق النار الذي أنهى الأعمال القتالية مع حركة حماس في قطاع غزة والذي وصفه بأنه  »استسلام للإرهاب«.

تسببت استقالته في تفكك الائتلاف الحكومي وإجراء انتخابات مبكرة جرت في نيسان/أبريل، فحصل على خمسة مقاعد. لكن نتانياهو فشل بتشكيل حكومة ائتلاف بسبب إصرار ليبرمان على إقرار تجنيد طلاب المدارس الدينية المعفيين من الخدمة العسكرية.

وصف ليبرمان رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس عام 2014 بأنه  »إرهابي دبلوماسي«. أما بالنسبة لعرب إسرائيل غير الموالين للدولة، فقال إنهم  »يستحقون قطع رؤوسهم بالفأس«.

في العام نفسه، قال إنه لو كان مكان رئيس الوزراء – الذي نعته فيما بعد بـ »الوغد« -، لقال لرئيس حركة حماس إسماعيل هنية  »إذا لم تعد خلال 48 ساعة جثامين الجنود (إسرائيليون قتلوا خلال حرب عام 2014)، فسنقضي عليك مع قيادة حماس بأكملها«.

دافع ليبرمان عن فكرة تبادل أراض مع الفلسطينيين من شأنه أن يمنح السلطة الفلسطينية قرى تعيش فيها الأقلية العربية في إسرائيل مقابل مستوطنات في الضفة الغربية، وهي فكرة غير مقبولة بالنسبة للفلسطينيين.

وليبرمان ليس من مؤيدي  »إسرائيل الكبرى« التي يدافع عنها المستوطنون، لكنه يعيش في مستوطنة نوكديم اليهودية قرب بيت لحم.

وقال إنه مستعد للانتقال في حال التوصل الى سلام مع الفلسطينيين. ولو أنه يعتقد أن هذا السلام غير واقعي.

انتكاسة نتنياهو

تعبر نتائج انتخابات الكنيست الإسرائيلي عن انتكاسة لبنيامين نتنياهو الذي تفرد على مدار 13 عاما بالمشهد السياسي ورئاسة الوزراء دون أي منافس، وتعكس تراجع قوة ونفوذ معسكر اليمين بالمشهد السياسي مع تعزيز قوة الأحزاب الدينية والحريديم.

وسط التقارب والتعادل بالقوة الانتخابية لمعسكري اليمين والوسط واستحالة حصول كل معسكر على ثقة 61 نائبا لتشكيل حكومة، طفا على السطح شرخ داخلي بين الأحزاب اليهودية بشأن هوية إسرائيل كدولة يهودية ديمقراطية علمانية أو دولة دينية.

وتوقفت نسبة المشاركة العامة بانتخابات الكنيست الـ 22 عند حاجز الـ 70 بالمئة، في حين تخطت نسبة مشاركة العرب 60 بالمئة، بعد أن كانت بانتخابات أبريل/نيسان 49 بالمئة فقط، وأظهرت النتائج حصول قائمة  »أزرق أبيض« على 33 مقعدا، مقابل حصول حزب الليكود على 32 مقعدا.

وحصلت القائمة العربية المشتركة على 12 مقعدا، مقابل 9 مقاعد لحزب  »شاس« و8 مقاعد لكل من  »إسرائيل بيتنا« و »يهدوت هتوراه«، بينما حصل تحالف  »إلى اليمين« على 7 مقاعد، وتحالف  »حزب العمل-غيشر« 6 مقاعد، و »المعسكر الديمقراطي وميرتس« 5 مقاعد.

وكون النتائج متقاربة ومع إصرار حزب  »إسرائيل بيتنا«، برئاسة أفيغدور ليبرمان، على تشكيل حكومة وحدة، استبق نتنياهو إعلان لجنة الانتخابات المركزية عن النتائج الرسمية، يوم الخميس، وعقد جلسة مساء الأربعاء مع قيادات أحزاب اليمين والأحزاب الدينية.

ولتعميق التعقيدات في المشهد السياسي وسعيا من نتنياهو لتحصين ذاته من جلسة الاستماع بملفات الفساد، أعلن تشكيل هذه الكتلة التي تضم 56 عضو كنيست، وذلك لعرقلة تشكيل غريمه زعيم حزب  »أزرق أبيض« بيني غانتس كتلة تضم النواب العرب.

نتنياهو والعرب

يرى مراقبون إسرائيليون أن المتحول الجديد في الخريطة السياسية الإسرائيلية بحسب نتائج الانتخابات هو حصول القائمة المشتركة على 12 مقعدا، لتتحول إلى قوة ثالثة بالكنيست، مما يعني أنه سيكون لها أهميتها، حتى إن تشكلت حكومة وحدة.

حرض نتنياهو على المواطنين العرب منذ عقد من الزمان. غير أن اتصال وحديث رئيس حزب  »أزرق أبيض« بني غانتس مع رئيس القائمة المشتركة أيمن عودة، اعتبر خطوة في بالغ الأهمية.

ورغم التقارب والاتصالات بين غانتس وعودة، فإن ذلك لم يعن إمكانية ضم القائمة المشتركة لحكومة برئاسة غانتس

وتطرح الانتخابات أسئلة حول كيفية التعامل مع الملفات المؤجلة مثل الصراع مع الفلسطينيين و »صفقة القرن« وتطبيع العلاقات مع الدول العربية، والقضايا الإسرائيلية الداخلية، مثل  »الإكراه الديني وعلمانية الدولة ومن ضمنها التشريعات العنصرية والتحريض الممنهج ضد المواطنين العرب من قبل حكومة نتنياهو«.

من جانبه، قال رئيس القائمة المشتركة، أيمن عودة، موجها حديثه لنتنياهو  »هناك ثمن للتحريض«، لافتا إلى أن المتغير هو ارتفاع نسبة التصويت في المجتمع العربي، وهذا ما عزز وزاد التمثيل العربي في الكنيست والأهم منع نتنياهو من تشكيل حكومة يمينية متطرفة سعت لنزع الشرعية من الجماهير العربية وتصفية القضية الفلسطينية.

وعن إمكانية أن تكون المشتركة كتلة داعمة لحكومة غانتس، أكد عودة أن المشتركة تريد استبدال نتنياهو،  »لكن الأحزاب العربية ليست بجيب أحد«، مشيرا إلى رغبته في أن يكون رئيسا للمعارضة.

وقال عودة إن  »هذا دور مثير للاهتمام، المعارضة الحقيقية بالكنيست هي نحن الأحزاب العربية ممثلة بالمشتركة، لذلك نحن بالتأكيد نستحقها. الأهم من ذلك، أن هذه مرحلة مهمة للغاية، سواء للتحدث مع رئيس الوزراء أو إلى رؤساء وزعماء العالم«.

ويجزم رئيس القائمة المشتركة أنه رغم الاتصالات والجلسات التي جمعته برئيس  »أزرق أبيض«، فإن القائمة المشتركة ستكون في المعارضة، كون الظروف السياسية والحزبية تحتم على الأحزاب الإسرائيلية الدخول بائتلاف ضمن حكومة وحدة وطنية، وهو توجه بالأساس لغانتس الذي أضحى رئيس أكبر حزب بالكنيست.

إسرائيل نحو الانغلاق

يعتقد المحلل السياسي الإسرائيلي رفيف دروكر أن نتائج الانتخابات تعزز الانغلاق بالحكم الذي وصلت إليه إسرائيل، وخلافا لجولات سابقة بالعقد الأخير حين كان نتنياهو يهيمن على المشهد السياسي ويتفرد برئاسة الوزراء، فإنه بانتخابات سبتمبر/أيلول 2019 خسر هذه المكانة وإن بقي معسكر اليمين محافظا على قوته، ولن ينجح بتشكيل حكومة تعتمد حتى على 61 عضو بالكنيست من اليمين.

وعن نتائج الانتخابات والاصطفاف بين المعسكرات، يقول دروكر  »النتائج تشير إلى رغبة الناخب الإسرائيلي في تشكيل حكومة وحدة تعتمد على حزبين كبيرين الليكود وأزرق أبيض، وذلك بعيدا عن ابتزازات الأحزاب الصغيرة وأحزاب الحريديم، وهي السياسة التي كرسها نتنياهو بالعقد الأخير«.

لكن المحلل السياسي يرجح أنه إلى حين تشكيل حكومة وحدة لتفادي إمكانية التوجه لانتخابات ثالثة، ستشهد الساحة السياسية والحزبية محاولات إعادة تشكيل تحالفات بين أحزاب أو حتى محاولات لتفكيك وانقسام بعض الأحزاب، فنتنياهو الذي يحاول الإبقاء على وحدة أحزاب معسكر اليمين سيسعى لتفكيك حزب  »أزرق أبيض« واستمالة كتلة منشقة لحكومته.

وفي المقابل، سيحاول غانتس ممارسة ضغوط على قيادات بحزب الليكود للتخلص من نتنياهو الذي يواجه جلسة استماع بملفات فساد في مطلع أكتوبر/تشرين الأول المقبل، كما أنه سيلوح بورقة القائمة المشتركة وسيهدد بالتوجه إليها وضمها لحكومته ككتلة داعمة، بغرض الضغط على الليكود لقبول وطلباته وشروط حزب الجنرالات لحكومة وحدة وطنية.

(*) صحافي وكاتب سياسي لبناني

العدد 97 – تشرين 2019