تحويل النفايات الى طاقه

الدكتور هيثم الشيباني-خبير في البيئه

المقدمه :

ان دفن النفايات من أول الطرق التي عرفها الإنسان من الدرس الذي ذكره القران الكريم ، حيث تعلم من الغراب كيف يواري قابيل جثة أخيه هابيل تحت التراب على أثر جريمة قتله.

يعتقد الكثير من البشر أن عملية دفن النفايات واحدة من أكثر الحلول الحيوية المقبولة لغرض التخلص من هذا الخطر الذي يهدد البيئة.

 يتم الدفن بواسطة حفر حفرة عميقة في الأرض بعيدة عن السكان والعمران، وفي هذه الحفره يتم وضع النفايات ثم تردم مجددا.

انواع مختلفه من النفايات

يعتبر دفن النفايات حلا مقبولا وقتيا لأن العملية تعتبر قليلة الكلفه، كما أن المساحات لعملية الدفن تكون متوفرة على الغالب. ومن الممكن أن يؤدي الى افراز غاز قابل للتطوير إلى غاز طبيعي .

 ثم تطور مفهوم التعامل مع النفايات الى ضرورة الاستفادة منها، فظهرت فكرة تحويلها إلى مصادر للطاقة، حيث كان الآباء والأجداد يستخدمون مخلفات الحيوانات للتدفئة والتسخين وذلك بالحرق المباشر. ثم إن بعض الأمم مثل الهند اكتشفت مبكرا احتواء مخلفات الأبقار على كميات كبيرة من الغازات فبدأت بسحب هذه الغازات الحيوية، ومن ثم جمع الغاز المتكون وتخزينه واستخدامه في إنتاج الحرارة والطهي، رغم مخاطر الانفجار والاختناق.

ان النفايات مصاحبة لنشاط الانسان وفعالياته، وسوف تبقى طيلة بقاء الانسان على وجه الأرض وعليه لا بد من استغلال هذه النفايات وتحويلها الى نواتج مفيدة، وأفضل الفوائد هي الطاقه.

تتكون النفايات عادة من المصادر الرئيسية التاليه:

 34 من بقايا الطعام و20 من الورق و18 من منتجات البلاستيك و11 من الزجاج و11 من المعادن و6 من مخلفات الأشجار والبستنة، والمخلفات العضوية للكائنات الحية .

إن 60 من تلك المخلفات يمكن إعادة استخدامها أو تدويرها (كالورق والزجاج والبلاستيك والمعادن) كما أن 44 من (البلاستيك والورق وبقايا النباتات) يمكن أن تكون مصدرا للوقود والطاقة بالحرق المباشر.

 تعد النفايات ثالث مصدر من مصادر الطاقة المتجددة نموا عبر العالم بعد طاقتي الشمس

والرياح كما تسهم مع طاقة الكتلة الحيوية بأكثر من نصف الطاقة المتجددة المستخدمة عالميا. كل ذلك جعل عددا من دول العالم تجتهد في البحث والتطوير والتخطيط على مستوى واسع لفصل القمامة وتدويرها أو تحويلها إلى سماد كأضعف الإيمان. أما الآن وبسبب التطور الهائل في علم إدارة النفايات الصلبة وكثرة المتخصصين فيها فإن ما يزيد على نصف القمامة يتم حرقه ويحول إلى وقود سائل أو وقود غازي.

من أجل ذلك أصبحت القمامه سلعة يمكن أن تشترى من قبل الدول المتقدمه في صناعة تحويل النفايات.

إن استخلاص الطاقة من القمامة الصلبه هو خيار مشجِع للمدن الكبيرة وذلك لقلة المساحات المخصصة للردم والكلفة العالية المادية والبيئية لنقل القمامة.

يتم توليد الطاقة من النفايات بمعالجة المخلفات الصلبة كيميائيا لإنتاج طاقة كهربائية أو حرارية. وعلى الرغم من وجود سوق واعدة لهذا التوجه فإن الكلفة العالية لتقنيات معالجة النفايات الصلبة والمردود المحدود من الطاقة الناتج عنها تشكل عوائق تحد من انتشار هذه التقنيات في البلدان النامية.

تمثِّل الزيادة المطردة لمعدلات إنتاج النفايات، مشاكل بيئية خطرة وخاصة على المدن الكبرى حيث يصعب التوسع بزيادة مساحة المكبات، ولا تكاد تتسع لأطنان النفايات اليوميه بفعل الحضارة الاستهلاكية.

عندما نلقي بشيء في حاوية المهملات فإننا لا نتخلص منه بل نكتفي بإبعاده عن أعيننا، ونجعل منه مشكلة الغير. لأن كل فرد على هذا الكوكب، ينتج كيلوغرامين من النفايات يوميا كمعدل.

 إذ تنتج الولايات المتحدة مليون طن من النفايات الصلبة سنويا تقريبا وتشمل منتجات المعادن والبلاستيك والخشب والزجاج ونواتج البستنة والورقيات ومخلفات الأطعمة اضافة الى النفايات العضوية من مخلفات بشرية وحيوانية.

مميزات استخلاص الوقود من النفايات :

إن تراكم النفايات يضيف الى الروائح المزعجة والمناظر القبيحه، تسرب السموم وتكوين بيئات ملائمه لانتشار الكثير من الأمراض والأوبئة بالإضافة إلى زيادة انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون من خلال حرق الوقود الأحفوري أثناء عمليات إتلاف النفايات أو انبعاثات غاز الميثان والأمونيا وثاني أكسيد الكبريت من النفايات مباشــرة مما يعمق ظاهرة الاحتباس الحراري.

ولذا فان ادارة النفايات المتراكمه مهمة للغايه حيث يتم القرار على تدوير هذه النفايات أو تحويلها الى طاقه.

إن استخلاص الطاقة من القمامة الصلبة هو خيار مشجع للمدن الكبيرة وذلك لقلة المساحات المخصصة للردم، والكلفة العالية المادية والبيئية لنقل القمامة . لقد جربت تقنية حرق النفايات الصلبة وفحصت في كل من أوروبا واليابان، كما جهزت شبكات واسعة لجمع القمامة ونقلها في

اين ينتهي المطاف بالنفايات في كوكبنا

معظم المدن الكبيرة لضمان تغذية مستمرة لمحارق الفضلات إذ يوجد حوالي 350 محرقة تعمل باستمرار في الوقت الحاضر في مختلف أنحاء العالم. أما في سويسرا واليابان فإن 8 من النفايات الصلبة تعامل بهذه الطريقة. وهنالك عدد من الدول الصناعية يعد حرق الفضلات أحد مصادر الحرارة اللازمة للتدفئة وتوليد الطاقة الكهربائية. أما الرماد الناتج فيمكن أن يستخدم في التشييد والبناء، ولا بد من مراقبة انبعاث الغبار والحوامض والمعادن والمواد العضوية من المحارق القديمة والحديثة بشكل جيد.

إن الوقود الناتج من المخلفات سيساعد على الحد من تخزين المخلفات الصناعية ثم التخلص منها مستقبلا وتلافي المخاطر البيئية التي يمكن تراكمها في المكبات. أما النفايات الصلبة (34) المتبقية فهي تمثل بقايا الطعام، فيمكن أن تكون مصدرا للطاقة من خلال معالجة خاصة لإنتاج الغاز الحيوي (الميثان).

تقنيات متعددة لاستخلاص الطاقة من النفايات:

هناك طرق أخرى لاستخلاص الطاقة من المخلفات ومن أهمها الترميد وهي حرق المواد العضوية كالنفايات مع استرجاع الطاقة، بمعنى أن الطاقة التي صرفت في البداية في عملية الحرق والترميد تسترجع من خلال الحرارة الناتجة من عملية استكمال حرق المادة العضوية لتستخدم لاحقا في إنتاج الكهرباء. ان هذا التطبيق شائع جدا مما يستلزم اتباع معايير صارمة لمراقبة الانبعاثات تتضن قياس أكسيد النيتروجين وثاني أكسيد الكبريت والمعادن الثقيلة اضافة الى الديوكسينات وهي مجموعة من المواد الكيميائية الخطرة. وهي سامة جدا إذا تسربت إلى البيئة.

 ان المحارق الحديثة تقلل حجم النفايات الأصلي بنسبة تصل إلى 96.

 وتمتلك هذه المحارق كفاءة كهربائية في حدود 14 إلى 28 بالمئة. أما بقية الطاقة فيمكن الاستفادة منها في التسخين، لكن الكمية المتبقية تعد حرارة ضائعه.

ان طريقة استخدام الترميد لتحويل النفايات المحلية الصلبة إلى طاقة هي طريقة إنتاج قديمة نسبيا، وهناك مشكلةٌ النفايات المحلية الصلبة بعد تحويلها إلى رماد، وهي كمية الملوثات التي تنبعث في الهواء من خلال مدخنة المسخن. لكن معامل الترميد الحديثة أصبحت نظيفة لدرجة أن مادة الديوكسين التي تنتجها باتت أقل من تلك الصادرة عن مدافئ المنازل وعمليات الشواء.

هناك طريقة تحويل النفايات إلى طاقة بواسطة تغويز البلازما. والتغويز مصطلح يعني تحويل المادة من الحالة السائلة أو الصلبة إلى الحالة الغازيه.

 ومن أهم ميزات التغويز أنه لا ينتج الرماد الذي يعد مشكلة أساسية في المحارق التقليدية كما أن مردود الطاقة من هذه العملية عال مقارنة بتقنية الحرق المباشر وهو مستخدم في القوات الجوية .

ومن الطرق الأخرى إنتاج الغاز الحيوي من النفايات العضوية فمن المعروف أن إنتاج الغاز الحيوي يتم حاليا من مكبات الصرف الصحي. ولكن عملية الإنتاج تستغرق وقتا قد يزيد على عشرين سنة تتراكم خلالها أطنان من النفايات العضوية. ولتسريع عمليات التحلل اللاهوائي التي تنتج الغاز الحيوي فقد تم تصميم معامل تعتمد على استعمال حرارة مرتفعة نسبيا لتحفيز الكائنات الدقيقة المسؤولـة عن التحلل. وبذلك فإن العمليــة التي تحتاج إلى سنــوات قد تتم في أيام قليلة وهذا ما يزيد من مردود الطاقة ويقلل الحاجة إلى مساحات واسعة من الأراضي لإنشاء مكبات جديدة.

يعد حرق هذه النفايات لإنتاج الطاقة مشروعا ناجحا اقتصاديا وبيئيا، لأنه يحقِق حل مشكلة النفايات ويقلِل من كلفة الطاقة المستوردة في البلدان غير المنتجة للنفط ويوفِّر فرص عمل ويرفع مستوى النظافه ويحسن من مستوى الصحة العامة.

وتعد تقنيات تحويل النفايات البلدية الناتجة عن المدن والمزارع وصناعات الأغذية إلى طاقة أفضل وسيلة لتقليل حجم النفايات. حيث تحتاج النفايات إلى أكثر من 25 سنة لتتحلَل في المكبات الصحية بينما يمكن أن تتحول إلى رماد بحجم أقل بكثير خلال ساعات أو إلى سوائل وغازات ومواد صلبة تستعمل كوقود نظيف وهذا بديل عن الكم الهائل من المكبات العشوائية التي تنتشر في كثير من الدول النامية ومنها الدول العربية التي غالبا ما تحرق النفايات في الهواء الطلق أو تنتشر فيها النفايات البلاستيكية فوق الأراضي الزراعية فتدمر بنيتها وتقضي على خصوبتها.

تحويل النفايات الى وقود في العالم:

تتصدر اليابان حاليا دول العالم في نسبة النفايات التي تحولها إلى طاقة من مجموع النفايات الصادرة عن مدنها، كما أن حرق النفايات الصلبة في عدة مناطق بالمملكة المتحدة يستغل لغرض إنتاج طاقة حرارية لأبنية متعددة الطوابق وبعض الأبنية العامة بما في ذلك المخازن التي يمتلكها أناس عاديون. وهناك مشاريع ريادية في كثير من الدول الأوروبية والصين والبرازيل في محاولة لتخفيف الضغط عن مكبات النفايات الصحية ولتوفير جزء من الطاقة اللازمة لتلك الدول. وعلى المستوى العالمي واستنادا إلى الاتحاد الدولي للنفايات الصلبة يوجد أكثر من 100 معمل لتحويل النفايات إلى طاقة في الولايات المتحدة وأكثر من 500 في أوروبا وأكثر من 400 في اليابان. تخطط كل هذه الدول حاليا لتطوير اعتمادها على طاقة النفايات كما ونوعا، وهو ما يجعل هذا المصدر المتجدد للطاقة ثالث أنواع الطاقة المتجددة من حيث النمو والإسهام في إنتاج الطاقة.

تحويل النفايات الى وقود في الوطن العربي:

وعلى مستوى الدول العربية، هناك مشاريع تجريبية ومعلنة في كل من المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة وجمهورية مصر العربيه والمملكه الأردنيه الهاشميه، لكن ما زالت مشاريع تحويل النفايات إلى طاقة في طور التجريب والإنشاء، وتعاني كثير من الدول العربية من ظاهرة المكبات العشوائية وتستخدم المحارق الصحية حاليا في غالبية هذه الدول لحرق النفايات الطبية فقط. وفي ظل فقر الطاقة الذي تعاني منه الدول غير المنتجة للنفط فإن من الضروري التفكير بمشاريع مستقبلية لتحويل ذلك الكم الهائل من النفايات إلى طاقة بدلا من بقائها عامل ضغط وإرهاق للأنظمة البيئية المختلفة.

الجديد هو تطبيق ما يسمى بالهضم التشاركي بين الحمأة (المواد الناتجة عن معالجة مياه الصرف الصحي) وبقايا الطعام في مفاعلات حيوية لاهوائية لإنتاج غاز الميثان وان هذه التجربة يجري تنفيذها الآن في الأردن. وتكشف الدراسات الحديثة أن الأردن يواجه آثار تغير المناخ السيئة من حيث انخفاض معدل هطول الأمطار والجفاف والتصحر. وبهدف البحث عن حل مناسب لمشكلة الحمأة، يطبق الأردن مشروع تجريبي للإدارة اللامركزية للحمأة (الحمأة هي عبارة عن المواد المترسبة في محطات معالجة مياه الصرف الصحي).

 ومن أجل ذلك قام مركز الأمير فيصل في جامعة مؤتة بالجانب الفني والبحثي من خلال تصميم وتركيب وتشغيل تجريبي للمفاعل الحيوي للهضم التشاركي بين الحمأة وبقايا الطعام. ويعتبر الهضم المشترك للحمأة عن طريق معالجتها بالمخلفات العضوية خيارا جذابا لتحسين العملية وزيادة غلة الغاز معا، حبث يمكن استخدام كميات كبيرة من بقايا الطعام الناجمة عن النفايات البلدية.

وأظهرت النتائج الأوليه، التخلص من كميات الحمأة وتقليل كميات النفايات الصلبة بنسبة تصل إلى 40 من خلال استخدام بقايا الطعام الناتج من المطاعم والمنازل والتخلص من كميات الحمأة، وتقليل نسبة ثاني أكسيد الكربون المنبعثة من تحلل تراكم الحمأة وبقايا الطعام، وتقليل كميات الوقود الأحفوري المستهلكة اللازم لنقل بقايا الطعام تقليل استهلاك الوقود الاحفوري اللازم للكهرباء لتشغيل محطة التنقية.

العدد 97 – تشرين 2019