لبنان ينتفض وفنانوه يثورون

من بيروت  رنا صادق

الرسالة الفنّية رسالة واقع لا خيال، الرسالة الفنّية إنسانية بالدرجة الأولى، تنبثق من رحم البيئة الاجتماعية والأحوال المعيشية والنفسيّة للأشخاص، وكل فنان يمتصّ تلك الأحوال ويترجمها كحالة فريدة بطريقته أو موهبته الخاصة بحيث يصوّرها على أنها كمال في العمل الإبداعي… وتتفوق في التقييم. لذا، يستحيل على الفنان أن ينشلخ عن بيئته الواقعية، مجتمعه وأحوال وطنه العامة لأنه بالدرجة الأولى مواطن كسائر الشعب،  لكن يقع الفنان على عاتقه دوراً أساسياً في التوجيه العام للرأي، لجهة أنه قادرٌ على التقاط الموجة وفكفكة رموزها بسلاسة وإقناع.

اللبنانيون احتجّوا، تظاهروا من أجلهم، من أجل مستقبلهم ومستقبل أولادهم، الحاجة إلى العيش حياة كريمة دفعتهم، القوت اليومي حرّكهم على الانتفاض، وأحلامهم التي كادت أن تنهار على مشارف حدود الوطن حسّتهم، وهذا المشهد لم يخلو من المشاركات الفنية الداعمة، فكلّ احتج ّ

الفنان القدير صلاح تيزاني

على طريقته، منهم من كتب تغريدات مؤيدة للحراك، ومنهم رسم، غنّى وعبّر عن استيائه.

بحرقة قلب وصرخة واحدة هتف اللبنانيون ضدّ الظلم والقمع والفساد، وتوحّدت كلمتهم بوجه السلطة الطاغية للمرة الأولى، ورفرف العلم اللبناني فوق رؤوسهم، مشهدٌ كان ليكون حلماً… قبل 17 تشرين الثاني 2017.

باختلاف طوائفهم وانتمائتهم شارك الفنانون في تحركات الشارع، وتركوا فعلاً أعطى للحراك ثقة ومتانة، بما يمثّلوه من أركان حركة نهضة اجتماعية وإنسانية.  »الحصاد« كان لها عدّة لقاءات مع بعض الفنانين الذين شاركوا وشجّعوا حراك الشارع، ووجّهوا رسائل وطنية.

صلاح تيزاني: صندوق التعاضد مطلبنا الأساسي وهذا حقّنا كفنانين

في حديث لـ »الحصاد« مع الفنان القدير صلاح تيزاني قال عن الحراك الشعبي: مطالب الشعب محقّة، في كافة دول العالم الإنسان يُحترم وتُحترم حقوقه، فمن يعلم الأساسيات البنيوية للوطن يعلم أن التوافق بين الشعب والسلطة هو أهم أساس هذه الركيزة. من خلال احترام حقوق الناس ومطالبهم. أما في لبنان، فالسلطة في مكان والشعب في مكانٍ آخر، النائب والوزير لا يعملان لمصلحة هذا الشعب، بل لمصالحهما الخاصة.

وأضاف: من الطبيعي أن تصل الأمور إلى هنا بعد كمّ التعب والظلم والاستبداد وهدر الحقوق، تحمّل اللبنانيون على مرّ السنوات مرارة الطائفية والمناطقية والعنصرية، ويقول المثال:  »كتر النقّ يولّد النقار«. والتجربة خير دليل، المرشح خلال الانتخابات يكون منقذاً وبطلاً، وحين يتسلّم النيابة يصيبه الصمّ والبكم. هذه الانتفاضة جاءت في الوقت المناسب، لأن الشعب لم يعد يتحمّل، فلبنان لا إيرادات فيه أو سياحة بل يعتمد على أموال مغتربيه بأكثر الأحوال.

ويتابع: أؤيد هذه الاحتجاجات والتظاهرات، لكنني ضدّ حرق الدواليب التي تعود بالأضرار الصحية على الناس، إلى أنه توجد مئات الطرائق للتعبير عن الغضب وقطع الطرقات من خلال السواتر الحديدية أو الدروع البشرية أو السواتر الترابية كما تفعل كل شعوب العالم. هذا الدخان يضرّ الناس ويعرّض صحتهم للخطر، ولا تنقصنا أمراض وسرطانات. وأضاف: كفنانين، لدينا جملة مطالب تحقّق بعض منها، لكنها حتى اليوم لم يتم العمل بها، وخصيصاً صندوق التعاضد الاجتماعي للفنانين بنسبة 10 في المئة، فبعض من متعهدي الحفلات يستكثرون على الفنانين

الفنانة تانيا قسيس اصدرت اغنيتها درب المجد تزامناً مع احتجاجات الشارع

بعد انتهاء خدمتهم من تأمين حياتهم حتى لا يصبحوا عالاً على عائلاتهم، من حقّ الفنان أن يؤمّن حياته حين يكبر بتأمين احتياجاته التقاعدية، بعد توقفه عن العمل.

 

وختم صلاح تيزاني: الفنان يجب أن يُحترم حين يكبر وأن لا يُهمل بعد أن قدّم إنتاجات فنية على مرّ السنوات للبنان والجمهور، من حقّه أن يتمتع بأدنى الحقوق كإنسان. أتمنى العمل على مطالب اللبنانيين وتأتي هذه الانتفاضة بالخير على لبنان وشعبه، وأن ترتقي مجالات الثقافة والفنّ والرياضة إلى أوضاع أفضل في المستقبل القريب.

تانيا قسيس: اللبنانيون صوروا وجه لبنان الحضاري والسلمي

الفنانة تانيا قسيس خلال حديثها مع  »الحصاد« أشارت إلى أنها سعيدة بالمشهد الذي جمع اللبنانيين جبناً إلى جنب، حيث قالت: استطاع اللبنانيون من خلال وحدتهم الوصول إلى ما كانوا يسعون إليه وهو أقل حقوقهم، وأثبتت هذه المشهدية الوطنية أنها حقيقة ما هم عليه، متحررين من

الطوائف والمناطقية وحكم الظالم.

وأضافت: لم يكن هذا المشهد بمفاجئ بالنسبة إلي، فأنا أنادي بالوحدة منذ عام 2013 حين أنشأت جمعية  »one Lebanon« جمعت فيها أكثر من ثلاثين فناناً، حاولنا خلال عمل الجمعية القائم على الحفلات الموسيقيّة الغنائية، التأثير على الشباب في أهمية توحدهم يداً بيد، وأهمية العمل كمواطنين جمعتهم صرخة واحدة، ضد الظلم والجوع والفقر والفساد، وضرورة المثابرة على المطالب المحقة جنباً إلى جنب. صوت شعب وصل، وقد برهن اللبنانيون أنهم شعب واحد غير منقسم.

وتابعت الفنانة تانيا قسيس: رغم الحالة التي يعيشها اللبنانيون خلقوا إبداعاً جميلاً في الثورة، إن كان من خلال الرقص والغناء، الغرافيكس، الأداء الخلّاق والتوافق في الكلمة، ما أعطى هذه الثورة قوة وصدى. الجيل الجديد أرانا الوجه الحضاري  والسلمي للبنان في إيصال صوته.

وتجدر الإشارة، إلى أن الفنانة تانيا قسيس قد طرحت أغنيتها الجديدة  »درب المجد« تزامناً مع حراك الشارع. الأغنية كلمات الشاعر نزار فرنسيس، ألحان وتوزيع ميشال فاضل.

حسين شكرون: من واجب الفنان أن يدعم صرخة الجوع بألحان الحرية

أما الممثل المسرحي حسين شكرون فقال: لو أردنا تعريف الفنّ لوجدنا أنفسنا أمام العديد من العناونين التي تحدثت عنه. الفنّ بشكل عام هو عصارة الفكر البشري وتدعو المجتمع إلى التقدم والتطور الحضاري. ولأنه متعدد الأوجه لا أسمح لنفسي الحديث إلا عن المسرح الذي يشكل

الممثل المسرحي حسين شكرون

لي الباب الأوسع حيث يطال جميع أنواع الفنّ كالقصة والسيناريو والديكور والأغنية والشعر، وهو الذي قال عنه البعض أعطيني خبزاً ومسرحاً أعطيك شعباً مثقفاً، حيث يقوم بتمثيل الواقع وينقل كل ما يحصل فيه من القضايا الاجتماعية بصورة واضحة ويعالجها، ويساعد المفكرين وأصحاب الأنظمة المتحررة على نشر أفكارهم بين خاصة من الناحية السياسية. فالفنان يرى التاريخ والحاضر والمستقبل بمنظار شديد الخصوصية، كما أن مساحة الخيال ذات أفق أكبر ويحمل قضايا الناس، لذلك تعمد السلطات على محاربته وتراقب نصوصه وتحرمه من أبرز حقوقه الاجتماعية من الوظيفة والطبابة.

وتابع المسرحي حسين شكرون: الفنان مواطن يعاني ما يعاني منه الشعب، وبالأخص المسرحي لديه العديد من الحقوق التي حُرم منها، منها عدم توفر مسرح وطني في الأقضية والمدن الصغيرة. لذا وقف الفنان مع الشعب اللبناني وصرخ صرختهم، فقضيتهم قضيته، ومطالبهم مطلبه. فصرخة الجوع أصبحت أقوى من وسائل الإعلام السياسيين، والجوع بات النشيد الحقيقي للوطن وما على الوطن إلا أن يدعم هذه الصرخة بألحان الحرية.

كما دعم العديد من الفنانين الثورة اللبنانية من خلال كلمات ورسائل معبرة موجّهة إلى الشعب، فكانت الفنانة نادين نجيم أول المشاركين في التظاهرات الشعبية ونشرت عبر حسابها على انستغرام صورة لها من المظاهرات وعلقت قائلة:  »فلنملأ الساحات بمظاهرة مليونية.. لبنان ينتفض«. الفنانة مايا دياب، قرّرت النزول إلى الشارع حيث شاركت في التظاهرات في منطقة جل الديب، وألقت كلمة داعمة للمتظاهرت توجّهت فيها إلى المسؤولين في لبنان قائلةً:  »هيهات منّا الذلّة«.

الفنان وسام حنّا من أشد الداعمين للثورة اللبنانيين فشارك مع مجموعة منهم في التظاهرات اليومية، ووجّه عدّة رسائل للسلطة والشعب حول المطالب المحقّة.

 

 

العدد 99 –كانون الاول 2019