استحقاقات وأخطار وتحولات كبرى أسست لطي صفحة أزمة قطر

البيت الخليجي: قصة الوفاق!

محمد قواص (*)

كانت قمة الخليج في 10 ديسمبر الماضي فاتحة لصفحة جديدة في تاريخ العلاقات البينية داخل البيت الخليجي. جاء الأمر وفق التقاليد الخليجية القديمة التي تتمسك بمبدأ  »استعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان«. لكن أمر طي أزمة قطر لم يكن ليحصل لولا مجموعة من الاستحقاقات القاسية التي مرت بها كل المنطقة، ولولا تضافر جهود وتوفر ظروف مرت بها كافة دول المنطقة، لا سيما الدول الخمس المتنازعة (السعودية ومصر والإمارات والبحرين من جهة قطر من جهة أخرى). ومع ذلك فإن مجلس التعاون الخليجي انتقل خلال سنوات الخلاف من طور إلى طور، وأن البيت الخليجي لم يعد كما كان، وأن قواعد وأمثولات جديدة صارت تتحكم بيوميات البيت الخليجي في راهنه كما مستقبله.

وقد احتشدت مؤشرات كثيرة كانت تستشرف عشية القمة دخول مجلس التعاون الخليجي مرحلة جديدة تنتهي بها الأزمة مع قطر. من تلك المؤشرات ذلك الغموض البناء الذي واكب الحراك الدبلوماسي في هذا الصدد، كما غياب أية مواقف من كل الأطراف اشتُم منها تعطيلا أو معاندة أو عرقلة للسياق المعمول به لطي هذه الصفحة. والظاهر أن كل دول مجلس التعاون الخليجي، بما فيها الأطراف المتنازعة مباشرة، باتت ناضجة لإنتاج تسوية تنهي خلافا تشعبت مستوياته إلى درجة يعصى أي حل معها.

كيف جرى طي صفحة الأزمة

لم تكن زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الأخيرة إلى قطر وما نتج عنها من اتفاقات وما صدر عن هوامشها من تصريحات، إلا تأكيدا آخر على جدية أدركتها أنقرة للمساعي المبذولة بصمت للخروج من أزمة الانقسام في الخليج. تقصّد أردوغان إكثار الضجيج عن أفضال بلاده في حماية قطر (من جيرانها)، كما التذكير بالحضور العسكري التركي الحالي والمقبل داخلها. بيد أن كل هذه الوقائع جاءت لتؤكد هرولة الرئيس التركي للتموضع سياسيا وعسكريا داخل التسوية المقبلة التي يستعيد مجلس التعاون الخليجي دينامياته على أساسها.

على أن الورشة الخليجية سارت وفق خارطة طريق واضحة. قيل إن الإمارات ناقشت مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في زيارته الأخيرة لأبوظبي (وربما أتت استطلاعاً للسياق التوافقي)، أمر المساعي المبذولة لرأب الصدع داخل المنظومة الخليجية.

وقيل إن  »دبلوماسية الرياضة«، من خلال مشاركة منتخبات السعودية والإمارات والبحرين في دورة  »خليجي 24« لكرة القدم في قطر، كانت مقدمة لـ  »دبلوماسية السياسة« التي تجري خارج ملاعب الإعلام.

وقيل أيضا إن زيارة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان أواخر نوفمبر إلى أبوظبي ناقشت ملفات تتعلق بالأمر عشية القمة الـ 40 لمجلس التعاون الخليجي التي عقدت في الرياض.

على أن اللافت هو ما نشرته صحيفة  »ذا وول ستريت جورنال« الأميركية عن زيارة سرية قام بها وزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني في أكتوبر الماضي إلى السعودية لمناقشة أمر إنهاء الخلاف مع قطر.

نقل تقرير الصحيفة عن  »مسؤول عربي« لم تسمه، أن الوزير القطري قدم عرضا وصفته بـ »المفاجئ« لإنهاء الأزمة الخليجية، تعرب من خلاله بلاده عن استعداد لقطع علاقاتها مع جماعة الإخوان المسلمين.

واللافت ليس الزيارة، ولا سريتها، ولا ما تسرّب منها، على أهميته. اللافت أن الأمر سربته صحيفة أميركية، وأن تشددا سعوديا قطريا في كتم الأنباء عن الزيارة عكس جدية تعويل الطرفين على آليات الحل.

واللافت أكثر أنه بعد كشف الصحيفة الأميركية، لم تصدر أي معلومة أو رد فعل عن الرياض والدوحة، ولم يصدر أي موقف عن جماعة الإخوان المسلمين ينفي الأمر أو حتى يهاجم احتماله.

الأمر يعني أن مصالح الدول المعنية التقت في لحظة استراتيجية استثنائية لاستعادة منطق الدول وأجنداتها على حساب الجماعات والتيارات وأي أحزاب سياسية هنا وهناك.

والأمر يعني أن العواصم الكبرى، وفي مقدمتها واشنطن، باتت تعتبر مع دول المنطقة أن إنهاء الخلاف وإعادة اللحمة الخليجية، حتى وفق قواعد وشروط ومسلمات جديدة، بات أمرا مطلوبا، خصوصا، وللمفارقة، أن التحالف الغربي، الأوروبي الأميركي، كما روسيا والصين ودول العالم الأخرى حاولت، أو ادعت، بذلها جهودا لإنهاء الخلاف.

في المعلومات القليلة أن الأمر أتى وفق استنتاج خليجي بعدمية التعويل على الولايات المتحدة، لا سيما تحت إدارة دونالد ترامب، لتوفير الأمن الاستراتيجي العام، ما أعاد الاعتبار إلى الفكرة الأصلية لقيام مجلس التعاون الخليجي، وهي البحث عن الأمن من خلال وحدة البيت الخليجي ورصّ صفوف أعضائه.

وفي المعلومات القليلة أيضا أن المزاج الخليجي التوافقي لا يعاند مزاج الإدارة في واشنطن بل أن الزيارات الأخيرة لوزير الخارجية القطري ووزير الشؤون الخارجية العماني يوسف بن علي ونائب وزير الدفاع السعودي الأمير خالد بن سلمان في أوقات مختلفة إلى العاصمة الأميركية في الأسابيع الأخيرة، أسست لتوافق داخل الإدارة الأميركية، لا سيما بين البيت الأبيض والبنتاغون ووزارة الخارجية، لدعم المقاربة الخليجية الجديدة في التعامل مع ملفات عديدة: اليمن، قطر، إيران.

وفق تلك الرؤية تجري فكفكة عُقَد المنطقة بشكل مترابط أو مستقل داخل سياق واحد. بات واضحا أن سلطنة عُمان تلعب دورا هاما في تقريب وجهات النظر داخل ملف قطر كما ملف إيران. وأن حركة بن علوي صوب واشنطن كما صوب طهران، ترسم ملامح لضخ حرارة داخل أوردة الحوار بين إيران ودول المنطقة. تأتي الجهود العمانية غير بعيدة عن نهج الإدارة الأميركية في المطالبة بمفاوضات مع إيران لإنتاج اتفاق جديد بشأن البرنامج النووي وبحث ملفات أخرى، لا سيما برنامج إيران للصواريخ الباليستية والسلوك الإيراني المزعزع للاستقرار في

وزير الخارجية العماني يوسف بن علوي: الدور الغامض

المنطقة. والظاهر أن جدية ملف التفاوض هو الذي يربك طهران ويجعل أداءها ركيكا، خصوصا بعد الضغوط غير المسبوقة التي يتعرض له نفوذها في العراق ولبنان، كما الأخطار التي تحيط باستقرار نظامها جراء الاحتجاجات الداخلية التي عرفتها إيران، والتي وصلت ضراوتها وخطورتها إلى درجة قطع شبكة الإنترنت في إيران وعزل البلاد عن العالم.

لم يصدر عن السعودية قبل القمة الخليجية ما يوحي رسميا بأن إنهاء الخلاف مع قطر بات واردا إلا ذلك الذي تسرّب من بيان مجلس الوزراء السعودي برئاسة الملك سلمان بن عبد العزيز، قبل اسبوعين من موعد عقد القمة، الذي  »رحب بقادة دول مجلس التعاون الخليجي لعقد اجتماع الدورة الأربعين للمجلس الأعلى لمجلس التعاون الخليجي«، في الرياض، والحديث عن أن القمة ستبحث  »الموضوعات المهمة لتعزيز مسيرة التعاون والتكامل بين الدول الأعضاء في مختلف المجالات، وكذلك تدارس التطورات السياسية الإقليمية والدولية، والأوضاع الأمنية في المنطقة«. والواضح أن الحذر ما زال مخيما في صياغة البيان، إما تجنبا لما ما زال قيد البحث، أو حماية لإنجازات تم تحقيقها حتى الآن.

على أن ما صدر عن الرئيس الإيراني حسن روحاني، إثر استقباله وزير الشؤون الخارجية العماني، الثلاثاء، من أنه لا مانع لدى طهران من استئناف العلاقات مع السعودية، في إطار حفظ الأمن والاستقرار في المنطقة، يميط اللثام عن مضمون المداولات التي يجريها بن علوي، وملاقاة إيران ورئيسها لجهوده. واللافت أن مقاربة بن علوي أتت بعد زيارة قام بها إلى واشنطن واجتماعه مع وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، وأن طهران وجدت مخرجا لأهداف الوزير العماني بوضعها في إطار  »بحث مبادرة هرمز للسلام المطروحة من قبل إيران لتهدئة الأوضاع في المنطقة، وفق وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية  »إرنا«.

على هذا تبلغت تركيا وإيران، المفترض أنهما حليفتين لقطر، أن الأجواء الخليجية-الدولية ذاهبة باتجاه طي الخلاف مع قطر. لن تبقى الأزمة مناسبة مفتوحة لتسلل إيراني تركي إلى قلب البيت الخليجي، فإذا ما بقي الخلاف الخليجي مع إيران فإن ذلك سيكون وفق المعطى التوافقي الجديد، وإذا ما استمرت تركيا في ممارسة سياساتها المتوترة مع الرياض وأبوظبي، فذلك أيضا سيكون وفق المعطى الجديد.

قبل القمة الخليجية بأسابيع راقب المهتمون بشؤون الخليج أعراض عبور دول المنطقة إلى عهد خليجي آخر. تعددت الإشارات التي أعطت هذا الانطباع دون أن يُرفد هذا الأمر بأي مواقف رسمية واضحة. كثيرون اعتبروا أن مشاركة السعودية والإمارات والبحرين في بطولة كأس الخليج لكرة القدم والمعروفة بـ  »خليجي 24« (بدأت في 26 من نوفمبر الماضي في قطر)، مؤشر لا يمكن إلا التمعن بأبعاده. ومع ذلك كان يجب التمعن بتفاصيل أخرى.

لم ينف نائب وزير الخارجية الكويتي، خالد الجار الله، أن في الأمر علامة من علامات الوفاق وأنه  »مؤشر إيجابي« نحو حل الأزمة الخليجية. لم يصدر الموقف صدفة، ذلك أن الكويت هي البلد الذي تولى رسميا، من قبل الخليجيين كما من قبل العواصم الكبرى المعنية بشؤون المنطقة، مهام الوساطة بين قطر والدول العربية الأربع (السعودية، مصر، الإمارات، البحرين) التي أعلنت قرار المقاطعة في 5 يونيو 2017.

قبل ذلك، ونهاية شهر أكتوبر الماضي، قال أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح في خطاب في مجلس الأمة إنه  »لم عد مقبولا ولا محتملا استمرار خلاف نشب بين أشقائنا في دول مجلس التعاون«. ذهب الأمير إلى اعتبار أن الخلاف الذي اندلع قبل نحو عامين ونصف  »أوهن قدراتنا وهدّد إنجازاتنا، الأمر الذي ستوجب على الفور السمو فوق خلافاتنا وتعزيز وحدتنا وصلابة موقفنا«.

لكن كل ذلك لا يعتبر كافيا للحديث عن مسار لإنهاء الخلاف. سبق للكويت، أميرا ومسؤولين، أن كررت الدعوة إلى الصلح وإنهاء النزاع على نحو متسق مع مهمة الوساطة. وسبق للخليجيين المتنازعين أن تشاركوا في حضور فعاليات دولية، ومنها خليجية، لا سيما اجتماعات مجلس

أمير قطر تميم بن حمد: هل زال الخلاف؟

التعاون الخليجي، دون أن يكون لتلك الظواهر أي انعكاس أو مرونة في حيثيات الخلاف وعناوينه.

ومع ذلك أوحت أجواء الكويت أن أعراضا ما تعيد تفعيل وساطتها. الجار الله، نفسه، ووفق وكالة الأنباء الكويتية الرسمية، كشف أن  »هناك خطوات أخرى«، و »أننا نسير في الاتجاه الصحيح للوصول إلى النتائج الإيجابية«، فيما وسائل إعلام قريبة من الدوحة تحدثت بدورها عن علامات أخرى توحي بتبدل ما.

أشارت هذه المنابر إلى أن أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني وجه برقية تعزية لرئيس الإمارات الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، بوفاة الشيخ سلطان بن زايد. روت أيضاً أن الأمير القطري وقف لعزف النشيد الوطني البحريني خلال مباراة كرة يد جرت بالدوحة في أكتوبر الماضي، وزادت منابر الإعلام تلك أن الخطوة قوبلت بإشادة واسعة من قبل مغردين بحرينيين وسعوديين أيضا. نشرت المنابر أنه بعدها بأيام، استقبلت جماهير السد القطري، لاعبي الهلال السعودي بالورود، أمام أنظار أمير قطر، في ذهاب نصف نهائي دوري أبطال آسيا.

المراقبون لم يثقوا بكل ما فاضت به صحافة رحبت وصحافة شككت. لكنهم هذه المرة سمعوا ضجيجا خليجيا يعتبر أن ما هو مهم هو أن ما يناقش وراء الكواليس لدى دول الخليج الست الأعضاء بمجلس التعاون الخليجي ويكشف عن إدراك لتحولات المشهد الإقليمي، كما التحولات الدولية الكبرى. بدا أن شيئا ما يفرض على دول المنطقة إعادة التموضع وفق قواعد جديدة قد تكون قد اختلفت عما كانت عليه قبل سنوات.

عُدَّ  »اتفاق الرياض« بين الحكومة الشرعية في اليمن والمجلس الانتقالي نموذجا جديدا للكيفية التي تقارب بها السعودية والإمارات مسائل الأمن في المنطقة. شكّل الاتفاق أرضية اعتراف بالمعضلات وقاعدة لعلاجها. وفي ما صدر بعد ذلك عن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان من أن الاتفاق سيفتح الطريق أمام تفاهمات أوسع تنهي الأزمة اليمني ويمثل خطوة نحو الحل السياسي وإنهاء الحرب في اليمن، ما لفت المراقبين إلى تحولات في العقيدة التي باتت معتمدة لحل الأزمات الإقليمية الكبرى.

بدا أيضا أن توجه نائب وزير الدفاع السعودي الأمير خالد بن سلمان إلى سلطنة عمان ولقائه السلطان قابوس في مسقط، مؤشر على مقاربة جديدة قد تكون مسقط طرفا فيها في ملفات متعددة، منها اليمن وإيران، وطبعا قطر. وبدا أيضا أن حديث صحافة الكويت عن أن زيارة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي قبل أيام للإمارات قد تناولت مسألة إنهاء الخلاف مع قطر تحمل في طياته تسريب من الكويت قد يعتد به لرفد الحدث ببعد إضافي آخر.

على أن فكرة مجلس التعاون الخليجي تاريخيا قامت على ضرورة تفرضها الحاجة إلى الأمن الجماعي ضد الأخطار المشتركة. يشعر الخليجيون هذه الأيام بأنهم يواجهون هذه الأخطار، وهي تخصهم جميعا، ليس بالضرورة بأشكاله الواضحة المباشرة، بل أن في تقلبات المشهدين الإقليمي والدولي ما يدفع بهم إلى إعادة قراءة المواقف الاستراتيجية وفق أبجدية أخرى.

جرى أن الأزمة بين واشنطن وطهران قد تأخذ أشكالا، سواء في جانبها الدراماتيكي أو في ذلك التسووي، قد تكون خاسرة لكل دول الخليج. وجرى أن لغة الحوار بين إيران ودول الخليج بدأت تروج لدى طهران كما لدى عواصم المنطقة. وجرى أيضا أنه إذا كانت طهران تعتبر أن مفتاح الصلح الخليجي الإيراني يكمن في اليمن، فإن الخليجيين، جميعا، يعملون على تسوية تنهي الصراع في هذا البلد بما ينزع من إيران ورقة ضغط تمارسها على أي طاولة مفاوضات محتملة بين إيران والخليج.

تعود دول الخليج لإيمانها الأول بأن أمنها جماعي، وأن هناك حاجة لإعادة رصّ الصفوف ووضع حاجز أمام أجندات خارجية تخترق الجدار الخليجي. أدرك الجميع أنه لا يمكن التعويل دوما على الغرب والولايات المتحدة لتوفير أمن المنطقة، وأنه لا يمكن بالضرورة التعويل على السلوك الميكافيلي لدونالد ترامب، بالذات، في مقاربته السوقية لشؤون الدول الست.

وفي الصراع المتصاعد بين الصين وروسيا والولايات المتحدة تبدو منطقة الخليج ميدان التناتش المقبل. تبقى المنطقة، على الرغم مما يحكى عن انكفاء أميركي، هي الأهم في العالم في شؤون الطاقة والجغرافيا السياسية. ومن يقبض على الخليج يقبض على العالم. وفق تلك النبوءة يفرض الأمر على أهل المنطقة مزيدا من المناعة والحصانة والوحدة.

بدت اللحظة مواتية للعبور نحو إنهاء الخلاف. مر أمر ذلك بجدل كبير، وربما مباشر، لإعادة بناء البيت الخليجي وفق قواعد أخرى لا تسمح بتساهل أو تسيب أو تجاوزات قادت إلى هذه القطيعة. وتبدو المرحلة الماضية مليئة بالدروس التي تفرض على الجميع إعادة قراءة ما تغير في هذا العالم وما طرأ على مزاج أهل الخليج أنفسهم.

سيكون على دول الخليج أن تمر بمخاض جديد للانتقال من عصر الحرد والخلاف والقطيعة والشلل إلى عصر جديد. وسيكون على الخليجيون جميعا أن يمروا بامتحان صعب للخروج من لغة الصراع والانخراط في لغة الوفاق. وربما بات أن يكون الخلاف والوفاق مستند على قواعد مصالح الدول على قاعدة المزاجية وطباع أهل السياسة هنا وهناك

العاهل السعودي سلمان بن عبد العزيز: رعاية البيت الخليجي

تجري فكفكة عُقَد المنطقة بشكل مترابط أو مستقل داخل سياق واحد. بات واضحا أن سلطنة عُمان تلعب دورا هاما في تقريب وجهات النظر داخل ملف قطر كما ملف إيران. وأن حركة بن علوي صوب واشنطن كما صوب طهران، ترسم ملامح لضخ حرارة داخل أوردة الحوار بين إيران ودول المنطقة.

على هذا تبلغت تركيا وإيران، المفترض أنهما حليفتين لقطر، أن الأجواء الخليجية-الدولية ذاهبة باتجاه طي الخلاف مع قطر. لن تبقى الأزمة مناسبة مفتوحة لتسلل إيراني تركي إلى قلب البيت الخليجي، فإذا ما بقي الخلاف الخليجي مع إيران فإن ذلك سيكون وفق المعطى التوافقي الجديد، وإذا ما استمرت تركيا في ممارسة سياساتها المتوترة مع الرياض وأبوظبي، فذلك أيضا سيكون وفق المعطى الجديد.

بدا أيضا أن توجه نائب وزير الدفاع السعودي الأمير خالد بن سلمان إلى سلطنة عمان ولقائه السلطان قابوس في مسقط، مؤشر على مقاربة جديدة قد تكون مسقط طرفا فيها في ملفات متعددة، منها اليمن وإيران، وطبعا قطر. وبدا أيضا أن حديث صحافة الكويت عن أن زيارة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي قبل أيام للإمارات قد تناولت مسألة إنهاء الخلاف مع قطر تحمل في طياته تسريب من الكويت قد يعتد به لرفد الحدث ببعد إضافي آخر.

وفي الصراع المتصاعد بين الصين وروسيا والولايات المتحدة تبدو منطقة الخليج ميدان التناتش المقبل. تبقى المنطقة، على الرغم مما يحكى عن انكفاء أميركي، هي الأهم في العالم في شؤون الطاقة والجغرافيا السياسية. ومن يقبض على الخليج يقبض على العالم. وفق تلك النبوءة يفرض الأمر على أهل المنطقة مزيدا من المناعة والحصانة والوحدة.

قصة الخلاف مع قطر

وصلت حدة التوتر بين قطر وجيرانها السعودية والإمارات والبحرين، فضلا عن مصر، إلى مستويات غير مسبوقة، إذ تدهورت علاقاتها مع هذه البلدان لتصل إلى حد قطع العلاقات الدبلوماسية معها.

وفي خطوة تهدف إلى الضغط على الدوحة، أغلقت دول الخليج المجاورة حدودها معها، كما أغلقت مصر مجالها الجوي وموانئها أمام جميع وسائل النقل القطرية.

وقطعت الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا والحكومة الموجودة في شرقي ليبيا علاقاتها مع الدوحة.

دعمت قطر وجيرانها من دول مجلس التعاون الخليجي أطرافا مختلفة خلال التغيرات السياسية التي أعقبت ما يعرف بـ “الربيع العربي«.

-جماعة الإخوان المسلمين

أتاحت قطر الحماية لكثير من أعضاء جماعة الاخوان المسلمين بعد عزل الرئيس السابق محمد مرسي، أحد قادة الجماعة المحظورة حاليا من قبل الحكومة المصرية، والمصنفة بأنها  »إرهابية« من طرف الإمارات والسعودية.

وقد اتُهمت قطر، في بيان نشرته وكالة الأنباء السعودية الرسمية، بأنها  »تتبنى مختلف الجماعات الإرهابية والطائفية التي تهدف إلى زعزعة الاستقرار في المنطقة بما في ذلك جماعة الإخوان المسلمين وداعش والقاعدة«.

بيد أن وزارة الخارجية القطرية قالت في بيان لها إن الإجراءات التى اتخذتها الرياض وأبوظبي والمنامة  »غير مبررة وتستند الى ادعاءات لا أساس لها«.

وأكد البيان أن قطر  »ملتزمة« بميثاق مجلس التعاون الخليجي و »تضطلع بواجباتها في مكافحة الارهاب والتطرف«.

الموقف من إيران

اندلعت الأزمة بناء على نقل تصريحات عن أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني انتقد فيها  »العداء« الأميركي تجاه إيران.

وقالت قطر إن قراصنة وراء نشر هذه التصريحات على وكالة الأنباء الرسمية للدولة.

وقد أعربت السعودية، غير مرة عن مخاوفها بشأن طموحات طهران الإقليمية.

واتهم البيان السعودي الدوحة  »بدعم نشاطات الجماعات الإرهابية المدعومة من إيران في محافظة القطيف« وهي منطقة ذات غالبية شيعية تقع شرقي السعودية. كما اتُهمت قطر بدعم المتمردين الحوثيين في اليمن.

وشددت الدوحة التي شاركت في التحالف الذي تقوده السعودية في اليمن على أنها  »تحترم سيادة الدول الأخرى ولا تتدخل في شؤونها الداخلية«.

-الصراع في ليبيا

تعاني ليبيا من حالة فوضى منذ الإطاحة بالزعيم السابق معمر القذافي وقتله في عام 2011.

واتهم خليفة حفتر، القائد العسكري الليبي الذي تدعمه مصر والإمارات، قطر بدعم  »الجماعات الإرهابية«.

بينما تحالف حفتر مع الحكومة التي تتخذ من مدينة طبرق الشرقية مقرا لها، تدعم قطر حكومة منافسة تتخذ من طرابلس مقرا لها.

-حرب إعلامية

بمجرد أن نشرت التصريحات المفترضة لأمير قطر في 23 مايو 2017، سارعت وسائل الإعلام في الإمارات والسعودية والبحرين ومصر إلى توجيه انتقادات لاذعة إلى قطر.

وعلى الرغم من أن قطر لديها ترسانة إعلامية، من بينها شبكة الجزيرة، بدا أن تطورات الأحداث قد داهمتها.

وحاول القطريون الرد بتغطية موسعة لتسريبات قيل إن قراصنة حصلوا عليها من البريد الالكتروني لسفير الإمارات في الولايات المتحدة.

لكن إجراءات جيرانها كانت أسرع وتيرة.

وأشارت السعودية في بيانها إلى استخدام قطر وسائل الإعلام واتهمتها بأنها  »تستخدمها في إثارة الفتنة« ولا سيما أن وسائل الإعلام القطرية قد وفرت منبرا لأعضاء جماعة الإخوان المسلمين.

وفي المقابل، شكا القطريون من  »حملة تحريض تستند إلى ادعاءات ترقى إلى حد التلفيق المطلق«.

(*) كاتب سياسي لبناني

العدد 100 –كانون الثاني 2020