موت بيكاسو اللبناني في نيويورك

سليم نصار

غيب الموت في نيويورك الرسام التشكيلي اللبناني نبيل قانصو الذي صنفته دائرة معارف الفنون من أهم رواد هذا الجيل وأكثرهم عطاء وانتاجا.

ولد نبيل في بلدة المختارة وسط عائلة محبة كان يرعاها الوالد ملحم قانصو والوالدة منيرة صعب.

وكغيره من شبان لبنان، كان نبيل يرى في الهجرة أفقا للتطور بدأه في بريطانيا سنة 1961 عندما التحق بجامعة لندن للبوليتكنيك. وبعد تخرجه، انتقل الى مدينة نيويورك لينضم إلى جامعتها المركزية ويحصل على ماجيستير في التاريخ والفلسفة.

ويعترف نبيل أنه تعرض لاغراءات الميل نحو اختيار الأدب مهنته الدائمة، خصوصا بعد حصوله على أول دفعة مالية لقاء ترجمة الدستور اللبناني إلى اللغة الانكليزية. وكان ذلك سنة 1972، عندما قررت  »مؤسسة أوسيانا« للنشر، ترجمة بعض دساتير الدول وضمها إلى مكتبة الأمم المتحدة. وهكذا عهد إلى نبيل القيام بتلك المهمة.

بعد مرور سنة تقريبا، سرعان ما تحولت شقة نبيل في نيويورك إلى ملتقى هو أشبه بالأندية الخاصة، وبما أن غالبية الأصدقاء كانت من رواد الفنون الجميلة، لذلك تأثر بمعاشرتهم وقرر الاقتداء بهم. ولقد أطل على الجمهور في معرض مشترك، وإنما بعشر لوحات تميزت بالضخامة والفخامة.

وصدف أن زار ذلك المعرض صاحب فندق  »بيــار« في مانهاتن، فإذا به يطلب من نبيل تزيين القاعة الرئيسية في فندقه بخمس عشرة لوحة من المقاس الضخم. وفي يوم الافتتاح، كانت سعادة الشاب القادم من المختارة لا توصف ذلك أنه دخل إلى عالم الفنون الجميلة من بابه الواسع.

التحول الكبير الذي أثر على النهج الفني لنبيل، وبدل في طبيعة الألوان التي كان يستعملها حدث بعد زيارته للبنان مطلع 1975، ورأى أثناء تجواله بين الجبل وبيروت استعدادات المقاتلين، وكيف يستغلون الطائفية للتعبير عن العنف الذي مارسوه.

ولما عاد إلى الولايات المتحدة، قرر الانتقال من نيويورك إلى أتلانتا حيث طاب السكن له ولأفراد عائلته.

ولما اشتدت وطأة الحرب اللبنانية، رسم نبيل عدة لوحات تحت عنوان:  »الفن في خدمة السلام«. وكانت أهمها جدارية تحمل عنوانا غريبا هو:  »العقاب الإلهي«.

ومنذ تلك الزيارة ولون الدم يطغى على كل لوحاته، خصوصا منها المرتبطة بأحداث واقعية بينها لوحة سماها  »دقيقة فوق هيروشيما وناغازاكي«.

ويتذكر نبيل سلسلة أسئلة طرحها عليه المغتربون في فينزويلا والمكسيك واليابان، مستوضحة عن حجم النكبة التي أثرت على فنه.

وكان يجيب بهدوءه المعتاد:  »أنه لأمر محزن أن ترى وطنك ينحدر إلى قاع الهاوية، ومع هذا الانحدار تشعر بأنك دفنت معه ذكرياتك وطموحاتك. إن ما رأيته في لبنان يشبه كوابيس الأحلام المزعجة، وربما تخيلت معها مجازر الحرب الإسبانية (1937) التي عبر عنها الرسام بيكاسو في لوحاته التشكيلية. وأنا بدوري أحاول رسم مزاج بلادي في حالات حروبها المتواصلة«.

العدد 100 –كانون الثاني 2020