أزواج مُعنّفون

سهير آل إبراهيم

في بداية انتقالي للعيش في بريطانيا، قبل سنوات طويلة، كنت ذات يوم مع ابنتي في مكان عام، وبينما كنا نتحدث باللغة العربية، اقترب منا رجل أعتقد انه كان في العقد الرابع من العمر. اجتذبه الحديث باللغة العربية وقال انه يفرح دوماً عندما يسمع حديثاً بلغته، فقد مضت عليه سنوات طويلة في المهجر، وان زوجته ليست عربية لذلك لا يتاح له التحدث معها بلغته التي كان على وشك أن ينساها، على حد قوله. استطرد ذلك الرجل بالحديث دون استئذان ولا اعتذار عن مقاطعته لحديثي مع ابنتي! قال انه على العموم قلما يتحدث مع اي انسان، سواء أكان الحديث باللغة العربية او الإنكليزية. حقيقة شعرنا بالأسى لحاله، فهو بلا شك انسان يعاني من الوحدة، وربما من مشاكل اخرى لا علم لنا بها.

لا أستطيع ان اجزم برجاحة واتزان ذهن ذلك الرجل وسلامة قواه العقلية، فقد كان حديثه غريبا وكذلك أسلوبه في الكلام وطريقة اقحام نفسه بيننا نحن الغرباء عنه. ولا أزال الى الآن اذكر ذلك الحديث، رغم مرور السنين! قال، من ضمن ما قال، انه يعيش الغربة حتى داخل منزله، فزوجته الغربية، والتي قال انها تعمل برتبة ضابط في الشرطة، تسكن في الطابق الأسفل من ذلك المنزل، وهو يسكن في الطابق العلوي. وانه لا يبادر ابدا في الحديث معها، بل ينتظر منها تلك المبادرة. فهو يخشاها ويحاول تلافي غضبها أو إغضابها! ولا يزال صدى عبارة قالها يتردد في ذاكرتي، فقد قال: »أخاف منها… تضربني«!

بدت عبارته تلك غريبة جداً، وخصوصاً بالنسبة لي آنذاك، حيث لم تكن قد مضت سوى فترة قصيرة على مغادرتي لمجتمعنا الشرقي الذي يتميز بسطوة الذكور فيه. فالذي كنت اعرفه آنذاك هو؛ إِنْ وُجد العنف في أي علاقة زوجية فالزوجة هي الضحية بلا شك. ولكن، وبمرور السنوات، بدأت أقرأ أخباراً ومواضيعاً في الصحف والمجلات البريطانية وغيرها، وأشاهد احيانا في التلفاز برامجاً تطرح مشكلة تعرض بعض الازواج الى المعاملة العنيفة والضرب من قبل زوجاتهم!

تذكر التقارير ان معظم الرجال الذين يتعرضون الى العنف من قبل الزوجة او شريكة العيش يكتمون معاناتهم ولا يستطيعون التحدث عنها او الشكوى مما يتعرضون له، فالسائد والمألوف هو تعرض النساء الى العنف وليس العكس!

كانت حياة پول ومينا شيفرز تبدو سعيدة، بل مثالية، بعيون اصدقائهم واهلهم ومن يحيط بهم من الناس في العمل او في الأوساط الاجتماعية الاخرى. كلاهما يعملان في مجال التعليم، ولهما نشاطات اجتماعية مشتركة كثيرة. ولكن خلف الابواب المغلقة كانت هنالك صورة أخرى؛ صورة قاتمة حزينة!

داخل منزله الجميل، عانى پول مختلف اشكال العنف والايذاء النفسي والجسدي على أيدي زوجته مينا. أدت تلك العلاقة الزوجية الى تحطيم ثقته بنفسه والى ابتعاده بالتدريج عن اهله واصدقائه، ولجوئه الى العزلة داخل منزله، أو ربما الأصح تسميته
مَحبَسِهِ!

استمرت معاناة ذلك الزوج تسع سنوات، تصاعد عنف الزوجة خلالها بشكل كبير، حتى جاء اليوم الذي ضربته فيه بمكواة كهربائية ساخنة مما ادى الى إصابته بجرح غائر في رأسه، استدعى ذهابه للمستشفى، وتطلب العديد من الغرزات الطبية لإيقاف نزيف الدم منه. تم اعتقال الزوجة بعد ذلك الحادث ومحاكمتها وحبسها لمدة سنة ونصف.

تبين الإحصائيات إنّ عنف الزوجات ضد الأزواج في تزايد مستمر، حيث تضاعف ستة أضعاف تقريباً خلال عقدٍ من الزمان. ففي عام 2005/2004 كان عدد حالات العنف ضد الازواج في بريطانيا 806 حالات. تضاعف ذلك العدد عدة مرات ليصبح 4866 حالة في عام 20015/20014! ذكرُ في تقرير صدر قبل أشهر قليلة في بريطانيا ان هناك رجل واحد بين كل ثلاثة من ضحايا العنف المنزلي، حيث تلجأ المرأة الى ضرب الرجل او ركله او حتى عضه بأسنانها او البصاق او رمي اشياء ثقيلة عليه او اتلاف وتدمير مقتنياته الشخصية، وفي الكثير من الحالات وبسبب الفرق في القوة الجسدية فان المرأة تهاجم الرجل اثناء نومه حيث تصعب عليه المقاومة فتتمكن من إيذائه بشكل اكبر. ومن غريب ما ذكر في تلك التقارير ان المرأة احيانا تلجأ الى ايذاء الحيوانات المنزلية أو الأطفال، أطفالها مع الرجل الذي تشعر بالرغبة في إيذائه!

تورد التقارير اسبابا عديدة تجعل الرجل الذي يتعرض الى العنف من قبل المرأة يتردد او يمتنع عن الحديث عن معاناته وما يتعرض له من اذى، من تلك الأسباب الشعور بالحرج وخشية عدم تصديقه، او خوفه من انتقام المرأة ان علمت بحديثه او شكواه. ويكون المعتقد الديني احيانا سببًا في بقاء الرجل في علاقة يسودها العنف، حيث يعتقد ان ما يتعرض له هو نصيبه المقسوم وان عليه الصبر والرضا بما قدر له.

تزايد حالات العنف ضد الازواج استدعى استحداث خط اتصال ساخن يستخدم لطلب المساعدة، ويقول المسؤول عن ذلك الخط ان معدل المكالمات الهاتفية الواردة حوالي 1500 مكالمة في السنة، بعضها تأتي من امهات أو أخوات قلقات على أبنائهن أو إخوانهن او نساء أخريات يهمهن امر الرجل الضحية. يتعرض للعنف من قبل المرأة رجال من مختلف الثقافات والانتماءات العرقية والأعمار والخلفيات التعليمية والمهنية وغير ذلك من العوامل التي تشكل التنوع والاختلاف بين البشر.

لا يقتصر العنف على الايذاء الجسدي، فللعنف العاطفي او اللفظي نفس التأثير المدمر، فقد يلجأ الفرد العنيف الى الكلام الجارح او الاستهزاء بالآخر والتقليل من شأنه امام الاهل او الاصدقاء او زملاء العمل او على صفحات التواصل الاجتماعي. ومن أشكال العنف ايضا الغيرة الشديدة والشك بعدم الوفاء والخيانة، وكذلك أساليب السيطرة والتحكم لتحديد حركة الشريك وحريته في الذهاب حيث يشاء او لقاء من يرغب من الناس كإخفاء مفتاح السيارة مثلا وحتى اخفاء الأدوية والتهديد المستمر بالترك والحرمان من الاطفال وغير ذلك من الأساليب التي تجبر الانسان على الخضوع لرغبة الطرف الاخر.

يعتقد المختصون أن من أسباب تزايد حالات العنف ضد الرجال هو عمل الزوجة واستقلالها المادي ومساواتها للرجل في الإنفاق على الاسرة. فقد ساهم ذلك في إحداث تغيير في الأدوار المألوفة للزوج والزوجة داخل الاسرة. ولا يهمل المختصون دور استهلاك الكحول المتزايد من قبل النساء، وتأثير ذلك على فقدان سيطرتهن على أنفسهن في حالة الغضب.

لا استبعد وجود حالات عنف ضد الازواج في مجتمعاتنا، حيث نسمع كثيراً عن خوف بعض الازواج من زوجاتهم، واثر ذلك الخوف على تردي علاقة الرجل مع أهله أو غيرهم ممن لا يتمتعون برضا الزوجة. يا ترى هل يتمكن الزوج المعنف في مجتمعاتنا من الإفصاح عن مشكلته والحديث عنها؟!

 

العدد 101 –شباط 2020