اضطراب القلق… عائق على مستقبل الشباب وإنتاجيتهم

تزايده اليوم مرتبط بالتطور الإنساني والحياتي!

بيروت: رنا خير الدين

دكتور زاهر كريم

ضمن سلسلة الأحداث اليومية والحياة الاجتماعية والظرفية التي يتعرّض لها الإنسان من خلال شبكة العلاقات المتعددة، العائلة، الأصدقاء، المحيط العملي وسواها يسعى لإيجاد حالة من التوازن والرضا الذاتي والعاطفي، ناهيك عن الضغوط النفسية العامة العادية التي يختبرها الفرد جراء أدائه بواجباته الروتينية. ومع بروز شبكات العالم الافتراضي القائم على مجموعة تطبيقات ممنهجة للتواصل والتفاعل ونشر الصور، يقف الفرد اليوم أمام هاجز من نوع جديد، وهو حالة تقوم على الفعل وردّ الفعل الافتراضي، سعياً لتحقيق الرضا النفسي والاجتماعي.
هذه الظروف المؤاتية والجديدة إلى حدّ ما لعبت دوراً كبيراً في اختلال التوازن النفسي الطبيعي للإنسان خصيصاً الشباب، الذين يتابعون باستمرار نسبة المتابعين والمعجبين لديهم على التطبيقات الاجتماعية الافتراضية، وهذه الحالات النفسية عديدة منها القلق.
وكي لا نحدّد المشكلة في إطار واسع، نخصّص في هذا التقرير حالات القلق المرضية، وأسبابه، وكيفية الوقاية منه من خلال برامج نفسية وتوعوية تتضمن سلسلة من الجلسات والمتابعة مع الأخصائيين.
بدايةً القلق، هو شكل من أشكال التوتر والضغط النفسي. فهو يحتلّ المرتبة الأولى في الإنتشار بين الأمراض النفسية. ثمة فرق بين القلق الطبيعي المرغوب كالقلق أيام الإمتحانات مثلاً، وبين القلق المرضي الذي يحتاج إلى تدخل الأطباء. والسبب الأبرز للقلق هو الإجهاد والضغط العقلي.
يصعب على المصاب باضطراب القلق أن يتخطاه ويتجاوزه، بيحث يحتاج إلى مساعدة المعالج النفسي في ذلك.

هل القلق وراثيٌ؟
تتزايد اليوم حالات القلق جراء الوضع العام الذي يعيشه الناس، فمعظم الأمراض النفسية تظهر بين عمر 18 – 25 سنة حيث تتجانس الظروف المحيطة بالوضع النفسي على حدّ سواء. يرتبط القلق بالاستعداد الجيني البيولوجي لدى الفرد، ويظهر نتيجة ظروف ضاغطة ما أو صدمة عاطفية معينة. وتكون بذلك العوامل الاجتماعية والضغوط اليومية بمثابة محرّك للاستعداد الجيني للقلق بحسب المعالج النفسي الدكتور »زاهر كريّم«.

القلق اضطراب أم مرض؟
مع تطور المعالجة النفسية القائمة على استخدام والإدراك العقلي والعاطفي والنفسي يقيّم الأخصائيون القلق على أنه مرض نفسي، كالمرض الجسدي البيولوجي الذي يحتاج المعالجة. ففي هذه الحالة يسيطر القلق على اتخاذ بعض القرارات، ويؤثر بطريقة سلبية على التفكير في أسوأ الاحتمالات بالتالي اضطراب في ممارسة الحياة اليومية وهذا ما يسمّى اختلال بالنظام.

عوامل خطر الإصابة بالقلق
يشير الدكتور »زاهر كريّم« إلى أن أسباب القلق كما هو الحال في معظم الاضطرابات النفسية، من غير الواضح تماماً. فالأسباب والحالات كثيرة، ومعالجتها تختلف بين حالة وأخرى.
يعتقد الباحثون بأن مواد كيميائية طبيعية في الدماغ، تسمى الناقلات العصبية مثل سيروتونين ونورأبينِفرين تؤثر في حصول هذه الاضطرابات.
لكن رغم ذلك يمكن تحديد بعض العوامل التي يمكنها أن تزيد من خطر الإصابة باضطراب القلق، وهي تشمل:
1- الطفولة القاسية: الأطفال الذين عانوا من صعوبات أو ضائقة في طفولتهم، بما فيها كونهم شهوداً على أحداث صادمة، هم أكثر عرضة للإصابة بهذا الاضطراب.
2- الأمراض: الأشخاص الذين أصيبوا بأمراض خطيرة، كالسرطان مثلاً، قد يصابون بنوبة من القلق.
3- التوتر النفسي: إن تراكم التوتر النفسي، نتيجة لحالات موترة وضاغطة في الحياة قد يولّد شعوراً بالقلق الحادّ.
4- الشخصية: الأشخاص الذين يشعرون بعدم الأمان.
5- العوامل الوراثية: تشير بعض الدراسات إلى وجود مصدر وراثيّ لاضطراب القلق يجعله ينتقل وراثياً من جيل إلى آخر.
6- التعرض للخسارة أو الفشل.

ثورة الميديا والصحة النفسية للشباب
نتج اليوم عن ثورة الميديا بروز مفاهيم جديدة في تحقيق الذات وازدياد الثقة بالنفس، على أسس غير متوازنة علمياً أو نفسياً، وهذه المفاهيم يسعى الشباب إلى تحقيقها من خلال التأثّر والتأثير، للوصول إلى كادر شخصية معينة مختلف في بعض الأحيان عن طبيعتهم ما يسبّب عملية متفاوتة بين الإكتفاء النفسي والرضا الاجتماعي، وفي حين فشل هذه العلاقة أو تفاوتت يمكن للفرد أن يتأثر بشكل سلبي. حيث برزت شخصية Blogger أو influencer التي يتابعها مئات الأشخاص وتقوم بالترويج لمنتجات تتبع نظام حياتي قائم على المظاهر للقاء استحسان، بالتالي تلعب هذه الشخصية دوراً في التأثير على نمط حياة المتابعين الشباب الذين يسعون على الدوام إلى تقليد هذه الشخصية ولو على حساب أفكارهم وصفاتهم الشخصية الخاصة، ما يضعف سلوكهم العام النفسي، وتضع على كاهل »المتابع« ضغطاً سعياً إلى المثالية.
حيث يقول الدكتور »زاهر كريّم«: العالم والمفكّر الاجتماعي إريك فورم أشار إلى احتمالية بروز شخصية تسويقية في هذا المجتمع، حيث بات الإنسان يتمتع بشخصية تسويقية تعتمد على الخصائص الخارجية (الشكل، الوزن، الممتلكات المادية)، ما قد يؤدي إلى زعزعة الثقة بالنفس لأن هذه الخصائص الخارجية هي متغيرة لا ثابتة لأنه يعتمد على تسويق نفسه.

الشغف والثقة بالنفس
يؤكّد الدكتور »زاهر كريّم« أن أفضل طريقة في الـ »CBT« لتعزيز ثقة الشباب والمراهقين بأنفسهم هي تنمية القدرات والمواهب من خلال التوجيه والتركيز والتمرين. فاكتشاف الشخص للمواهب التي تساهم في إبراز نفسه، والتركيز عليها، والفخر بها، والقيام بعمل أشياءٍ تجعله يستمتع ويصقل المواهب كي تتوافق مع اهتماماته، وذلك من خلال الموسيقى، والفنّ، والرقص، والكتابة، إضافة إلى مجموعةٍ متنوعةٍ من الاهتمامات أو الهوايات، ستزيد من فرصة مقابلة أصدقاءٍ لديهم نفس الاهتمامات، كما وأنّ اتباع الشغف يؤدي إلى الشعور بالتميز والفرادة الذاتية، وبالتالي بناء الثقة بالنفس الأمر المرتبط مباشرة بالسعادة والصحة النفسيّة.

علاجات وبرامج نفسية
المعالجة من القلق تقوم على شقيّن، دوائي وبرامج نفسية.
الأول هو من خلال أدوية مضادة للقلق: البنزوديازيبينات (Benzodiazepines) هي مواد مهدئة تتمتع بأفضلية تتمثل في إنها تخفّف من حدّة الشعور بالقلق في غضون 30 – 90 دقيقة.
أما البرامج النفسيّة التي ينصح بها معظم المعالجين النفسيين، بحسب الدكتور »زاهر كريّم« هي:
– الاتصال بالطبيعة: أي الابتعاد عن المدينة، والتوجّه إلى الطبيعة وتجديد العلاقة معها. وهذا النوع من المعالجة مفيدة جداً للمصابين اضطراب القلق. حيث تتميز الطبيعة بسبل الراحة والهدوء التي يحتاجها من خلال عملية المدّ والجزر، صوت الهواء والبحر، صوت الحيوانات وغيرها.
– ممارسة الرياضة: تزيد الرياضة دقات القلب وتوسّع المجرى التنفسي بحيث تخفف من وطأة الضغوط النفسية. تعطي شعوراً بالطاقة والنشاط مما يخفف حدة التعب النفسي، ومن فوائدها أيضاً أنها تساعد على التركيز.
– التنفس العميق: الحديث عن تقنيات التنفس وممارسة تمارين تنفس معينة أو حتى قضاء بضع دقائق في التأمل، يمكن أن يكون بلا شكّ فعالاً إلى حدّ كبير في مكافحة القلق والاكتئاب وغيره من حالات الصحة العقلية.
– التأمّل: تلك الحالة من الاسترخاء التي يخلقها التأمّل لا تزول بانتهائه، فهو يجعل الفرد أكثر هدوءاً خلال اليوم بشكل عام، وعند جعله عادة يومية، يتحقق سلام داخلي يكون بمثابة حصن يحمي من تأثير ضغوطات الحياة المختلفة والقلق. ويوفّر المساحة اللازمة للتعامل مع تلك الضغوط بهدوء وتركيز، فالسر وراء القدرة على التعامل مع الضغوط وادارتها بشكل جيد هو الهدوء والشعور الداخلي بالسلام النفسي.
– النوم الكافي: النوم من العوامل الأساسية التي تساعد في عمل الجهاز العصبي، فإن النوم ما بين 7-8 ساعات يومياً يساعد على التركيز وتنشيط خلايا الدماغ.
– علاج »CBT«: الذي يساعد الناس على مواجهة القلق والتفكير بطريقة واقعية متوازنة.
يمكن معالجة القلق أن تستمر فترة 6- 8 أشهر.

المعالج النفسي الدكتور »زاهر كريّم« في أسطر
أخصائي في علم النفس العيادي في مستشفى القديس جاورجيوس الجامعي.
أستاذ الجامعي في جامعة البلمند.
عضو في مركز مايند »MIND« وجمعية إدراك »IDRAAC«.

 

العدد 101 –شباط 2020