حكومة اللون الواحد في مواجهة التحديات

لبنان: الانتفاضة مصرّة على »وطن حقيقي« رغم القمع

بيروت ـ غسان الحبال

أخيرا، »نجح« الرئيس حسن دياب في تأليف الحكومة اللبنانية الجديدة ذات اللون السياسي الواحد، وولدت معها عشرات الأسئلة والتساؤلات التي تنتقل البلاد الى مرحلة جديدة من التحديات، أبرزها ثلاثة:

1- امتصاص نقمة الشارع المنتفض، علماً انّ جزءاً من هذا الشعب سيعطي الحكومة فرصة، لأنّ تأليفها أعاد لحظة الامل للناس. 2- ان تشكيل فريق عمل يضع الازمة المالية ـ الاقتصادية أولوية وحيدة وتأمين مبلغ 20 مليار دولار أميركي هي ديون العام 2020 بما يقطع الطريق على إعلان لبنان دولة مفلسة.
3- ترتيب العلاقة مع المانحين من عرب ومجتمع دولي.
ومع تأليف حكومة مواجهة التحديات وأخذ الصورة التذكارية، يبقى لبنان في مهب الريح التي تضاعفت قوتها مع اغتيال الولايات المتحدة الأميركية لقاسم سليماني قائد »فيلق القدس« في »الحرس الثوري« الإيراني، وأبو مهدي المهندس، نائب قائد »الحشد الشعبي« في العراق، في عملية أججت الصراع في المنطقة مع انعكاس تأثيراته الخطيرة على لبنان نتيجة بقاء القرار السياسي اللبناني مرتهنا لإيران وسوريا الذي تعد به الحكومة الجديدة عبر الحليفين اللذين يسيطران على هذا القرار: »التيار الوطني الحر« و »حزب الله«.

الحكومة اللبنانية الجديدة ذات اللون السياسي الواحد

تراجع ومحاولات اختراق فاشلة

وكان زخم الانتفاضة قد تراجع بشكل ملحوظ في الفترة التي سبقت نهاية العام 2019 الماضي، وبداية العام 2020 الجديد، على الرغم من تصاعد حدة المواجهات بين المنتفضين والقوى الأمنية التي استخدمت بشكل عشوائي مؤذ القنابل المسيلة للدموع والرصاص المطاطي بهدف انهاء الانتفاضة ومحاولات اقتحام المربع الامني المحيط بمجلس النواب.
وتقول شخصية معنية ببعض المجموعات المشاركة بفاعلية في الحراك، رفضت ذكر اسمها، ان »الانتفاضة اندلعت على وقع الأزمة الاقتصادية والمالية التي دخلت البلاد أتونها، وشكلّ الهم المعيشي الرابط الرئيس بين مختلف مكوناتها. ومع ذلك، تبقى أسبابها الكامنة سياسية بالدرجة الأولى، إنْ لجهة سوء إدارة البلاد ونظام المحاصصة الذي انسحب على المناصب السياسية كما على اقتسام المغانم الاقتصادية والمالية، أو لجهة عدم الإفراج عن المساعدات الدولية الموعودة لإنقاذ البلاد. فإذا كان السبب العلني وراء عدم تدفق هذه المساعدات من مصادرها الغربية أو العربية هو ضرورة أن تسبق هذه الخطوة إجراءات إصلاحية تبدأ بمكافحة الفساد وسوء الإدارة وصولاً إلى تحقيق الحوكمة الرشيدة، يبقى السبب الحقيقي سياسياً بامتياز ويتمحور بشكل رئيس حول الاتجاه الذي سلكه ويسلكه الحكم في لبنان بفعل هيمنة »حزب الله« وسطوته على صناعة القرار في البلاد«.
وتخلص هذه الشخصية إلى التأكيد على أن »الموقف الدولي من لبنان لن يتغير مع أي حكومة يبقى لـ »حزب الله« اليد الطولى فيها، ويبقى السؤال هو كيف للبنان والحال هذه الخروج من أزمته تلك وسط الأوضاع المستجدة.. وما هو الدور الذي تستطيع الانتفاضة بخاصة لعبه كما القوى السياسية الأخرى، هذا ما سوف تجيب عنه الأيام المقبلة بما سوف تحمله من متغيرات«.

باسيل بين الأقوال والافعال

ويؤكد مصدر مخوّل بالتعبير عن موقف العسكريين المتقاعدين الذين يشاركون بفعالية في الحراك الشعبي، في معرض تعليقه على مقابلة تلفزيونية أجريت مع رئيس التيار الوطني الحر وزير الخارجية في الحكومة المستقيلة جبران باسيل، فيقول: »قال معالي الوزير جبران باسيل (لا نريد للبنان أن يتأثر بالصراع الإقليمي، ولا نحتمل احتمالية الحرب فوق الأزمة المالية)«، هذا الكلام جميل جداً ولكن الأزمة ليست فقط مالية إنما الوزير باسيل والمنظومة الحاكمة هي الأزمة بعينها. المشكلة هي أن معاليه يتوجه إلى عقول اللبنانيين الذين تعلموا في المدارس والجامعات والذين ينتشرون في العالم حيث نجحوا ولمعوا، أي أن عقول اللبنانيين هي طبيعية لذلك هذا الكلام الجميل الذي تتحدث فيه عن تجنيب لبنان للصراع الإقليمي، كيف يمكن تصديقه عندما تكون معاليك وحزبك متحالفين مع ايران وحلفائها في السراء والضراء ولا تفوتون مناسبة إلا وتعبرون عن مواقفكم المصطفة خلف محور إيران؟«.
يضيف: »عقول اللبنانيين طبيعية معاليك! كيف نصدق كلامكم وحليفك حزب الله يقول عكسك بالأمس القريب؟ كيف نصدق كلامك وانتم مصرون على المحاصصة في تأليف الحكومة التي تتفننون لطلسها بالمواد التجميلية لتبدو مقبولة وهي في الواقع تحت سقف الثلاثي الحاكم اي التيار الوطني الحر وحركة امل وحزب الله وثلاثتكم في محور إيران؟«.

اليوم، تتعرض الانتفاضة لكل أنواع الضغوط الهادفة إلى احباطها، وإلى جانب الإجراءات التعسفية التي لجأت إليها المصارف لتهديد الناس بمصير ودائعهم ومدخراتهم، يأتي تراجع الخدمات المعيشية والطبية بشكل ملحوظ ليشدد الخناق على الناس، فيما تعمل السلطة في أكثر من اتجاه لإنهاء الحراك الشعبي عبر العديد من الوسائل، منها:

السلطة.. لمزيد من الضغط

1- قمع التحركات والمظاهرات في الشارع إلى درجة اللجوء إلى العنف أحيانا كما يحصل في أكثر من منطقة ولاسيما في بيروت والشمال.
2- التعتيم الإعلامي عبر الضغط على وسائل الإعلام لتقليص التغطية الاعلامية الى درجة كبيرة، وفي المقابل إعادة فتح الهواء أمام الطبقة السياسية التقليدية والإعلاميين الذين يدورون في فلك أصحاب هذه الطبقة، ما حمل المواطنين على التحول إلى مراسلين من خلال بثهم المباشر على حساباتهم وصفحاتهم الالكترونية ، او تسجيل فيديوهات لما يدور ونشرها على وسائل التواصل الاجتماعي التي أصبحت مصدرا للأخبار.
3- استنفار القضاء ومعه مكتب مكافحة جرائم المعلوماتية وحماية الملكية الفكرية، واستدعاء المتجرئين على رفع سقف خطابهم ضد الفاسدين.
وعلى الرغم من ذلك، تبقى الانتفاضة الشعبية لحظة تاريخية يفترض الإفادة منها في السعي، ليس للخروج من الأزمة الاقتصادية الاجتماعية الضاغطة فحسب، بل لاستعادة الدولة أولاً وإعادة بنائها ثانياً. وهنا لا بد من الاعتراف بأن مطالب الانتفاضة كافة من مكافحة الفساد إلى استعادة الأموال المنهوبة إلى انتخابات مبكرة، هي جميعها مطالب محقة ومشروعة، إنما تحقيقها يستدعي وجود دولة ذات سيادة، لأن الدولة مغيبة الآن بفعل اختطاف قرارها، ولن تتمكن الانتفاضة من ترجمة مطالبها إلى واقع إلا عبر الاعتراف أولاً بأن سبب مشكلات لبنان هو غياب الدولة، وثانياً عبر إطار سياسي يسمح بإعادة التوازن إلى الحياة السياسية ويكون على شكل جبهة سياسية متماسكة تواكب الانتفاضة دون أن تنخرط في صفوفها، مؤلفة من قيادات وقوى لا يجوز إلغاؤها دفعة واحدة واعتبارها فاسدة لمجرد أنها شاركت في الحكم. صحيح أن الساكت عن الحق شيطان أخرس، إنما الانتفاضة بحاجة إلى مثل هذه الجبهة للحد من عملية القضم والانقلاب الجارية، جبهة تشكل أداة ضغط وتتوجه إلى المجتمع الدولي والمجتمع العربي لتعلن أن في لبنان قوة وازنة لها رأي مختلف ولديها القوة والقدرة على منع طرف واحد، دون سائر الأطراف السياسية، من الاستئثار بصناعة القرار السياسي في لبنان.
ومن هذا المنطلق فإن بعض المجموعات الناشطة في الحراك الشعبي، ترى أهمية الانتقال الآن من المطالب والإعتراضات إلى العمل السياسي من داخل الإنتفاضة، آخذة بالمفاهيم والملاحظات الآتية:

الحراك.. ضرورة العمل السياسي

1- الفساد ليس فقط قبض الرشاوى وتبادل الموافقة على الصفقات بين أهل الحكم وتلقي الأموال من دول أجنبية أو عربية أو فارسية لقاء ولاء للخارج، إنما هو أيضاً الإستفادة من النفوذ في السلطة للحصول على عقود من القطاعين الخاص والعام خدمة لمصالح شخصية.
2- الفساد تسبح فيه السلطات كلها في لبنان، أي السلطة التنفيذية (الحكومة) والسلطة التشريعية (مجلس النواب) والسلطة القضائية، لذلك لن يتخلى جماعة السلطة عن هذه السلطة بسهولة فتخليهم عنها هو تخليهم عن باب رزقهم.
3- السلاح خارج الدولة مهما كانت تبريراته وأوصافه والمواد التجميلية التي توضع عليه، مرفوض وغير قانوني وغير دستوري وهو حاجز في وجه بناء دولة القانون والمؤسسات، وهو يورط لبنان في صراعات لا يريدها.
4- لبنان ينتمي إلى العالم العربي وهو عضو مؤسس في جامعة الدول العربية وهو يتبنى قضايا الإجماع العربي ولا سيما مقررات قمة بيروت العربية في العام 2002 التي تختصر بمبدأ الأرض مقابل السلام في حل القضية الفلسطينية.
5- لبنان ينتمي إلى العالم الحر وهو يلتزم القرارات الدولية المتعلقة بصراعه مع إسرائيل، ولا سيما القرارات 1559 و1701 وكافة القرارات ذات الصلة.
6- لبنان يلتزم باتفاقية الهدنة الموقعة في العام 1949 مع اسرائيل، وهو في وضع هدنة ووقف اعمال حربية مع اسرائيل برعاية دولية.
7- لبنان يجب أن يلتزم الحياد في صراعات المنطقة كما نص إعلان بعبدا الذي وافقت عليه كافة الأطراف في 12 حزيران 2012 ويجب أن يبتعد عن المحاور المتصارعة.
8- تطبيق الدستور والقوانين هو السبيل الوحيد للإصلاح، وليس الممارسات التي تتلطى بالدستور، ولا التوافق الظاهر الذي هو في الواقع محاصصة وتقاسم نفوذ.
9- التغيير في السلطة لا يقتصر على الحكومة، بل يجب على مجلس النواب الرحيل لإعادة تكوين السلطة من رأس الهرم نزولاً.
10- إستقلالية القضاء يجب تأمينها بقانون، وبعد كل ذلك تبدأ الورشة.
هل انتهت وتراجعت الانتفاضة؟
الوقائع الميدانية تنفي ذلك على الرغم من كل الحصار المضروب حولها، حيث بات شباب الانتفاضة وشاباتها، يدركون بكثير من الوعي واليقين ان طريق الحرية طويل ومعبد والصعوبات والعوائق، وهم يظهرون يوما بعد يوم اصرارا على متابعة هذا الطريق النضالي حتى الوصول الى كامل الأهداف في التغيير الفعلي الذي يطمحون اليه.

 

العدد 101 –شباط 2020