موسى الحسيني لم يكن عابر سبيل

معن بشور

بعض الناس لا يمكنهم أن يكونوا في حياة من عرفهم عابري سبيل، بل إنهم يتركون بصمات فكرية ونضالية لا تزول مع الأيام..
من هؤلاء كان الدكتور موسى الحسيني رحمه الله، الذي عرفته قبل أن أتعرف إليه، وأعجبت بكتبه وكتاباته قبل أن أعجب بشخصيته المحبة والصادقة والممتعة إذا جالستها، والمفيدة إذا أستمعت إلى حديثها…
طبعاّ كان في أبي حيدر الغالي بعض من قسوة لا ينكرها، وأنفعال يعترف به، مثله مثل الكثير من أبناء الرافدين الذين أذا أحبوا أحبوا دون حساب، وإذا غضبوا فيا ستار…
لكن شيئاً في هذا الرجل، كما فيمن هم من طينته، لا يمكن إلا أن أؤكد عليه في زمن ضياغ المقاييس ، وتحول أخطر الانحرافات إلى وجهة نظر…
فعشية الحرب على بلده العراق في أوائل هذا القرن، أنبرى موسى الحسيني ، ككثيرين من شرفاء العراق الذين عارضوا النظام القائم في بلادهم قبل الاحتلال، ودفعوا أثماناً غالية بسبب معارضتهم ، لكنهم حين تعرض وطنهم لخطر العدوان والأحتلال هبوا، كما النمر الجريح، ليدافعوا عن العراق وليتجاوزا كل الخلافات والحساسيات والصراعات انطلاقاً من قول طالما ردده أبو حيدر »قد يكون ذلك الحق، كل الحق، أن تعارض نظاماً يتحكم في بلدك، ولكن ااواجب، كل الواجب، ان تكون أول من يدافع عن بلده حين يتعرض لعدوان أو احتلال، وأن تتجاوز كل خلاف او صراع من أجل ذلك…«
أمر آخر لا يمكن أن أنساه لأبن الناصرية ، قلعة العروبة والتحرر في وسط العراق، هو حبه لبيروت التي أقام فيها لسنوات، كما أقام في دمشق، متطوعاً في صفوف الثورة الفلسطينية، وهو حب لم تستطع 23 سنة من الإقامة في أرض الضباب البريطانية أن تنسه شوارعها وأنديتها ومقاهيها وجامعاتها، بل كنت تراه في زيارته الأخيرة لها في الصيف الماضي، مقبلاً عليها بكل حماس وكأن في داخله شعور بأنها زيارة الوداع…
لموسى الحسيني، المناضل والكاتب والمفكر، وقبل ذلك العروبي الناصري الأصيل، تلميذ الراحل الكبير الشهيد فؤاد الركابي، نقول :أمثالك لا يغيبون… ففكرهم حاضر بين أخوانهم، وسيرتهم النضالية، وصلابة مواقفهم، ومبدئية خياراتهم تبقى حاضرة مهما مرّت عليها السنون.
السيد موسى الحسيني، عدو الطائفية والانتهازية كان منسجماًَ مع نفسه، مقاوماً لكل احتلال، مشاركاً في المقاومة الفلسطينية… ومؤسسا فيالمقاومة العراقية … ومدافعاً، بكل ما أوتي من فكر ورأي عن المقاومة اللبنانية وشعاره الجميل: »انت تقاوم… أذن أنت موجود«.
والمقاومة عنده لم تكن للاحتلال فقط، بل هي مقاومة للفساد والاستبداد والنفاق والاستغلال والاحتكار والتبعية وكل الشرور التي تعاني منها المجتمعات.

العدد 102 –اذار 2020