سيناريوهات الإنقاذ لا تعفي حكومة دياب من مسؤولياتها

هلع شامل يسيطر على اللبنانيين

بيروت ـ غسان الحبال

 »الهلع« هو عنوان وحيد للمرحلة التي يعيشها المواطن اللبناني.

هو هلع شامل، مؤشراته السلبية كثيرة وهي آخذة في الازدياد والاتساع: إرتفاع نسب البطالة، نسبة هجرة غير مسبوقة، إقفال المؤسسات والشركات، أزمة السيولة والعملة الصعبة، تدني الثقة بالإقتصاد اللبناني، إحجام السياح العرب والأجانب عن زيارة لبنان، تفاقم الدين العام، تدهور قطاع الكهرباء في ظل الإصرار على اعتماد خيارات هي عملياً الأكثر كلفة والأقل استدامة، ناهيك عن عشرات الأمثلة التي تكبر بها مروحة الهلع لتطال مختلف القطاعات والمرافق في الدولة.

هو هلع اقتصادي ناتج عن قرارات المصارف وتحكمها بمصير مدخرات المودعين ورواتبهم، والتهديد اليومي القائم بإمكانية إفلاس الدولة، فضلا عن تدخل القضاء أحيانا بأحكام تحمل ابعادا قد تؤثر سلبا على لبنان على المستوى المالي العالمي.

هو هلع اجتماعي وصحي يتمثل بالمدارس المقفلة او العاملة بشكل عشوائي، وبتوقف معظم الهيئات الاجتماعية التي تتولى مساعدة الناس عن العمل، وبفوضى الدوام

مجلس الوزراء مجتمعا برئاسة عون: قرارات تنتظر التنفيذ؟

والعمل الضاربة بادارات الدولة المعنية بالشأن الاجتماعي والتربوي. وطبعا كل ذلك يأتي تحت ستار انتشار جرثومة  »كورونا« التي ذكر أنها وصلت إلى لبنان عن طريق لبنانيين عائدين من طهران، وعدم حسم لبنان رسميا وبشكل واضح موضوع وقف الرحلات الجوية والبرية بين لبنان وايران.

المواطن وهاجس انهيار الدولة

والمواطن محق في مخاوفه، وهلعه سياسي حين يكون تحت تهديد انهيار الدولة في أية لحظة، نتيجة تشرذم اهل الحكم وخلافاتهم التي لا تنتهي حول موضوع النأي بلبنان عن المحاور السياسية التي تقسم المنطقة، وانعكاس هذه الخلافات بقوة على الداخل تموضعا طائفيا ومذهبيا، يعطل آمال حكومة الرئيس حسان دياب، أو أية حكومة أخرى، بالأقدام على العمل وممارسة مهامها بشكل طبيعي، حتى باتت الحكومة نفسها، نتيجة هذا الهلع، أسيرة الحديث/الحجة عن أن ما نعيشه اليوم من انهيار ومن فساد هو نتيجة لممارسات الذين حكموا البلاد منذ ثلاثين سنة حتى اليوم، من دون إدراك بأن هذا الامر يشمل جماعة العهد أنفسهم، الموجودين في السلطة التشريعية منذ 15 عاماً، وفي السلطة التنفيذية منذ 12 عاماً بمن فيهم طبعا  »تيار المستقبل« الذي خرج مؤخراً من السلطة التنفيذية بعد 28 عاماً، وحركة  »أمل« الموجودة في السلطة التنفيذية منذ 36 عاماً بوزرائها وبشخص رئيسها رئيس مجلس النواب منذ 28 عاماً، فضلا عن الحزب التقدمي الإشتراكي الموجود في السلطة منذ ثلاثين عاماً، وغيره من الأحزاب التي دخل زعماؤها إلى السلطة لأعوام وخرجوا منها لأعوام، وكذلك الشخصيات ذات الولاءات الخارجية الإقليمية.

أما السؤال الرئيسي وسط هذا الهلع السياسي الذي اصاب الحكومة الجديدة نفسها، هو عما إذا كانت نسيت هي أيضا، كما القابعين في السلطة منذ اكثر من ثلاثين عاما، أن القرار السياسي اللبناني لم يكن يصنع في لبنان، وأن الوجود السوري سمح وساهم بدوره في الفساد وزرعه في أجهزة الدولة واداراتها منذ العام 1984، وأن السلاح غير الشرعي جاء بعد ذلك ليهيمن على القرار السياسي، وليصبح بدوره جزاء من دورة الفساد، وليسهم في الهلع السياسي الذي يعيشه اللبنانيون اليوم.

التنسيق بين الحكومة والناس والمعارضة؟

إن عدم التوصل حتى الساعة الى حصول أي تقاطع جدي بين الحكومة والقاعدة الشعبية والقوى السياسية المعارضة حول أي من الملفات الداهمة في البلاد، وعدم الاستبشار بوجود مخرج للعقد التي تقيد حركة السلطة ومؤسساتها المعنية بالنهوض، باتت تشكل سببا رئيسيا من أسباب الهلع السياسي من ان تتحول الساحة اللبنانية ساحة خصبة لتنفيذ اجندات داخلية وخارجية في لحظة دقيقة في مصير دول المنطقة، فيما الوقت بات يلعب دورا سلبيا ضد الدولة اللبنانية.

وطبعا جاء قرار تجميد سداد سندات اليوروبوند الشهر الماضي وإعادة جدولة سداد الدين العام، ليزيد الهلع هلعا، على الرغم من ان الرئيس دياب قفز من فوق هموم الماضي بكل أثقاله، متمسكا بالواقع الراهن وبالمستقبل، ليقول انه لابد لحل ما من أن يبدأ من مكان ما، طارحا عناوين متواضعة بلا خطط تنفيذية لحلول تخرج لبنان تدريجيا من الأزمة الحالية التي يراوح فيها على كل صعيد، ما لم يرفع أو يخفف من حدة الهلع الذي يعصف بالناس، فهو بكل بساطة حين  »وعد« الناس بالانتقال من الاقتصاد الريعي إلى الاقتصاد المنتج الذي  »سوف« يرتكز على الزراعة والصناعة والمعرفة والتكنولوجيا، إضافة الى القطاعات التقليدية في التجارة والسياحة والخدمات، لم يقدم خطة واضحة ومبرمجة تشرح للناس الذين نفذ صبرهم من الوعود، كيف سيتم هذا الانتقال ومتى.

واقع ملموس أم ترويج لانهيار؟

ووسط هذا الهلع الشامل الذي أصاب اليوم شعبا بكامله، ما زلنا نجد في صفوف السياسيين التقليديين، من يتهم الآخرين/خصومه بأنهم يتعمدون الترويج لانهيار لبنان، كالإتهام الذي يوجه مثلا لحزب الكتائب الذي بادر رئيسه النائب سامي الجميل إلى التعليق يومها على موقف الحكومة بتجميد سداد سندات  »اليوروبوند« وإعادة هيكلة سداد الدين العام، بالتأكيد على ان قرارات الرئيس دياب وحكومته  »خلت من أي اعلان عن إجراءات قانونية، وأي إصلاحات عملية وفورية، وخطوات اقتصادية واجتماعية إنقاذية، أو حتى تدابير احتوائية لنتائج قرار التعثر«، مشيرا يومها إلى أن  »‏كل ما سمعناه هو اعلان افلاس الدولة وفضح حقيقة الاحتياطي الصافي بالعملات الأجنبية في مصرف لبنان«، الأمر الذي زاد اللبنانيين شعوراً بالغموض والحيرة ورفع منسوب التساؤلات لديهم حول مصيرهم ومصير بلدهم.

ويقول وزير سبق له أن شغل حقيبة المالية

 »إن مَن يرّوج لسياسة إنهيار لبنان، ماليًا وإقتصاديًا، لا يبالغون في التوصيف، إذ ينطلقون في حملتهم هذه من وقائع لا تقبل الجدل ولا تحمل في طياتها أسبابًا تخفيفية قبل إعلان لبنان دولة مفلسة بكل المعايير المعتمدة دوليًا في مثل هذه الحالات التي تشبه إلى حدود معينة، وضعية لبنان الموضوع في غرفة العناية الفائقة، بعد التدهور الظاهر في حالته الصحّية غير القابلة للشفاء، إن لم تُتخذ إجراءات علاجية فورية وسريعة تنقذه من مصيره المحتوم«.

يضيف:  »وبصرف النظر عمن يروج لهذا الإنهيار فإن الأسباب الموجبة تنبع من الداخل اللبناني بعدما وضع لبنان في واجهة المواجهات، وذلك بفعل إنغماس فريق من اللبنانيين في الصراع الدائر في المنطقة، والتي تدخل في مخطط إعادة رسم خارطته السياسية، وذلك بعدما تحولت ساحاتها إلى صراع نفوذ بين القوى الدولية والإقليمية.

الرئيس حسان دياب: عناوين بلا خطط

ولولا إنغماس  »حزب الله« في مطحنة المصالح المتشابكة لكان لبنان، وفق بعض الأوساط التي لا تزال تنادي بسياسة النأي بالنفس، ينتظر في قاعة الجلوس بدلًا من الإنتظار في الملاجىء إتقاءً من شظايا الحرب الإقتصادية التي تُشّن عليه، كوسيلة ضغط أميركية على  »حزب الله«، بعدما إعتبرت واشنطن أن حكومة دياب هي الواجهة الخلفية لما يقوم به الحزب تحت ستار أنه مكّون أساسي من مكّونات التركيبة اللبنانية القائمة حتى إشعار آخر على توازنات حسّاسة يعرفها الأميركيون جيدًا، ويعرفها أكثر الفرنسيون، الذين يحافظون على علاقات جيدة مع جميع الأطراف اللبنانية بخلفية إقليمية«.

ويعرب الوزير السابق عن اعتقاده بأن  »الساحة اللبنانية الداخلية مقبلة، فضلا عن أزماتها الإقتصادية والمالية، على مزيد من العقوبات، التي ستطاول هذه المرّة شخصيات غير سياسية، والتي يُتوقع أن يكون لها مزيد من المفاعيل السلبية على وضعية لبنان، في ظل الضغوطات التي تمارسها واشنطن على عدد من العواصم العربية والأوروبية للحؤول دون تقديم مساعدات مالية له، والذي لا يمكن أن تستقيم أوضاعه الكارثية من دونها، وذلك في ضوء الارتباك الذي تبديه حكومة دياب حيال الأزمات، والذي لا يصبّ في خانة إستعادته العافية المطلوبة التي تؤهله للخروج من غرفة العناية المكثّفة«.

سيناريوهات لحلول تنقذ لبنان

إلا أن هناك بين القوى السياسية اللبنانية من يرى أن  »إنقاذ البلد يمكن أن يجري عن طريق اتخاذ الحكومة اللبنانية موقفاً حاسماً ضد التدخلات الإيرانية في شؤونه، وفي شؤون الدول العربية التي تمتنع عن مساعدة لبنان بسبب انسجام الحكم فيه مع  »حزب الله« والسياسة الإيرانية، فحسم الحكومة موقفها بالانفصال عن المحور الإيراني يشجّع الدول العربية، لا سيما الخليجية، على مساعدته في تخطي أزمته المالية عبر ضخ مبالغ من الأموال تحسّن السيولة لإنعاشه، بموازاة خطة لبنانية لتنشيط الاقتصاد تدريجياً، فيكون الموقف السياسي اللبناني لعب دوراً في دفع هذه الدول التي تمتنع إلى الآن عن مدّ يد العون له لأسباب سياسية، لتقديم المساعدة«.

مقابل هذا المخرج المفترض الذي يمكن أن يقطع الطريق على الانهيار، هناك من يتحدث عن سيناريو مختلف يتمثل بأن  »تقوم إيران بعد مدة بتعديل في سياستها بما يؤدي إلى تقديمها تنازلات قد تتيح في المجال أمام اتفاق جديد، بأن ممكنا، مع الولايات المتحدة الأميركية بعد مقتل اللواء قاسم سليماني الذي كان يمثل خطا ايرانيا يشكل عائقاً أمام اتفاق طهران مع واشنطن«.

وبين الأوساط الدبلوماسية الغربية العاملة في لبنان، مَن يعتبر أن هناك  »ملامح استعداد لدى بعض الدوائر الإيرانية لتقديم بعض التنازلات، فإذا حصل ذلك يبدو هذا السيناريو المفترض أعلاه فعالاً أكثر من تولي الحكومة اللبنانية اتخاذ موقف متشدد حيال السياسة الإيرانية بشكل يستقطب الدول العربية مجدداً نحو لبنان، ففي حال اتفاق أميركي إيراني جديد تتغير الأوضاع في المنطقة برمتها، وينعكس ذلك إيجاباً على لبنان عبر تراجع الضغوط عليه«، لكن الاوساط الغربية هذه لا تغفل التأكيد على  »ضرورة أن يلتزم الفرقاء اللبنانيون مبدأ النأي بالنفس عن صراعات المنطقة، فالحديث عن ذلك في البيانات جميل جداً، لكن يجب تطبيقه بالفعل لا بالقول فقط«.

الهلع والمسؤولية والحيرة بين محورين

وإلى أن تحسم الحكومة اللبنانية أمرها وتشق طريقها أمام عمل إنقاذي شامل طالما تحدثت خططها عنه خلال الأشهر الأولى من عمرها، سيبقى لبنان واللبنانيون أسرى الهلع من المخاطر التي تتهددهم على كل صعيد سياسي واقتصادي واجتماعي، بقدر ما سيبقون أسرى الحيرة بين محورين:

الأول يتمثل بتيار في الإدارة الأميركية يتبنى نظرية ترك لبنان ينهار ليتحمّل  »حزب الله« وحلفاؤه في الطبقة الحاكمة المسؤولية، ومن ثمّ تُجرى إعادة تركيبه سياسياً واقتصادياً، وهي نظرية ما زالت تجد صدى سواء في واشنطن أو على الصعيد الدولي.

والمحور الثاني يقول بحرص الدول الكبرى على منع انهيار لبنان، وبالتالي ستسعى لانتشاله من حافة الهاوية، وبأن  »المجتمع الدولي سيتلقف البلد الصغير الذي تنخره التناقضات وأضرار المحاصصة والنفعية والفساد لدى طبقته السياسية، لأن معالجة مأزقه الحالي أفضل من وقوعه في الفوضى وعدم الاستقرار السياسي والأمني الذي تستفيد منه القوى التي تدور في المحور الإيراني والقادرة على السيطرة أكثر على قراره السياسي«، وهذا الأمر يشير إليه مصدر ديبلوماسي غربي عبر تأكيده بأن  »المسألة حُسمت في الآونة الأخيرة نتيجة الحوار الفرنسي الأميركي، إذ أقنعت باريس واشنطن بأن خيار الانهيار في لبنان والفوضى التي ينتجها لن يحققا الغرض منهما«.

يبقى أن كل هذه السيناريوهات لا تعفي الحكومة اللبنانية من مسؤوليتها الأساسية في إنقاذ اللبنانيين من الهلع الذي يسيطر عليهم، وذلك عبر استعجال خطواتها الإصلاحية التي يفترض أن تبدأ من نقطة ما كالمبادرة إلى معالجة مشكلة الكهرباء، إشارة تؤكد من خلالها على جديتها في العمل، وإطلاق خطة الإصلاح في القضاء كإشارة إيجابية أخرى، فضلا عن ضرورة البت بقضية الوظائف الـ 5300 في القطاع العام (التوظيف الذي حصل عام 2018 خلافاً لقانون وقف التوظيف للحد من تكلفة جهاز الدولة)، وغيرها من الإجراءات التي تتعلق بكيفية عمل أجهزة الدولة، والتي يمكن أن تشكل مؤشرات إلى أنّ الحكومة جدية ومنتجة، وذلك وفق تعليق لمرجع نيابي بارز أكد فيه أنه و »على الرغم من أن هذه الإشارات لن تنهي الأزمة فإنها تدل إلى أين تتجه، إذ تعطي تطمينات إلى المستقبل وتشجّع الدول المعنية على البحث في دعم لبنان«.

العدد 103 – نيسان 2020