أردوغان-أوجلان: أي حلّ للمسألة الكردية؟

تحوّلات دولية وإقليمية وأجندة تركية تقف وراء الحدث

شيء ما دفع الأمور إلى التطوّر على نحو غير مسبوق في “المسألة الكردية” في تركيا. بدا أن سيناريو يُرسم في تركيا، متسلّحا بمتغيرات العالم والمنطقة، ينعش مشروعا لإغلاق ملف الصراع التاريخي بين أنقرة وحزب “العمال الكردستاني”  PKK. لكن اللافت أن المسار نجح، على نحو أثار أسئلة، في دفع الزعيم التاريخي للحزب الكردي، عبد الله أوجلان، إلى

وصايا أوجلان: إلقاء السلاح وإسقاط الأوهام

نشر رسالة، حملها موفدون من سجنه، يطلب فيها من حزبه إلقاء السلاح وحلّ نفسه ووقف التعويل على أي حلول يُشتم منها انفصالا عن تركيا. بدا الحدث عابرا للحدود، يطال كل أكراد المنطقة والعالم. وبدا أيضا لافتاً بالنسبة لعواصم العالم يطرح أسئلة بشأن ما يمكن أن يغيره الأمر من أمور كثيرة في الشرق الأوسط. فكيف بدأ هذا السياق؟

مفاجأ بهشلي

تدافعت مجموعة من المؤشرات الصادرة عن منابر الحكم في تركيا باتجاه خريطة طريق لحلّ “المسألة الكردية”، بما في ذلك فتح ملف أوجلان وحزب “العمال الكردستاني”. ورغم أن الإشارات غير واضحة، إلا أن كثيرا من الأعراض بدأت تؤكد هذا الاتجاه لأسباب داخلية، لكنها شديدة الصلّة بالتحوّلات الجيوستراتيجية المقبلة في المنطقة. ففي 22 تشرين الأول (اكتوبر) 2024، فاجأ رئيس حزب “الحركة القومية” في تركيا، دولت بهشلي، الرأي العام التركي بدعوته من داخل البرلمان، إلى حضور زعيم حزب “العمال الكردستاني” السجين، عبد الله أوجلان، إلى البرلمان وإعلان حلّ الحزب المصنف منظمة إرهابية وترك سلاحه، مقابل تمتعه بـ “الحق في الأمل”.

وبهشلي هو حليف الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، في الحكم والحكومة. ويرأس أكثر الأحزاب تشددا وقومية وعداء ضد حقوق الأكراد في تركيا. وعلى الرغم من عدم تصديق المراقبين لتحوّلانه، إلا أنهم دعوا إلى مراقبتها بصفتها جزءاً من حراك تركي في هذا الاتجاه. قال: “إذا تم رفع عزلة أوجلان فيجب أن يأتي ويتحدث في اجتماع المجموعة البرلمانية لحزب الديمقراطية والمساواة للشعوب، (مؤيد للأكراد)، ويجب أن يعلن بأعلى صوته أن الإرهاب قد انتهى تماماً وأن المنظمة (حزب العمال الكردستاني) قد انتهت”.

أضاف بهشلي أنه “إذا أبدى (أوجلان) هذه الحكمة وهذا العزم، فسوف يكون من الممكن وضع ضوابط قانونية بشأن استخدام (حق الأمل) والاستفادة منه”. ويقصد بـ “حق الأمل” السماح للمحكوم عليه بالسجن المؤبد المشدد بديلاً عن عقوبة الإعدام، كما في حالة أوجلان، للعودة إلى المجتمع بعد فترة معينة، والحفاظ على الأمل في استعادته الحرية.

رأى مراقبون أن الهدف الحقيقي هو تحويل ذلك “الحق” سريعا، ضمن صفقة معينة، إلى إمكانية منح الأكراد حقوقا معيّنة في إطار ما كان سبق لحكومة حزب “العدالة والتنمية” أن سعت إليه ووعدت به قبل أكثر من عشر سنوات. لكن أن يأتي هذا الوعد من أقصى شخصية قومية معادية للأكراد، فهو تفصيل يستحق التوقف عنده.

وسبق لبهشلي أن بعث بإشارة لافتة عقب مصافحة، وصفت بالتاريخية المفاجئة، لرئيس ونواب حزب الديمقراطية

لما يفرج أردوغان عن ملف الأكراد

والمساواة للشعوب، المؤيد للأكراد، خلال افتتاح السنة التشريعية الجديدة، في مطلع تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، وإعلان إردوغان تأييده لهذه الخطوة من جانب شريكه في “تحالف الشعب”.

دوافع تركيا

يتحدث مراقبون عن أن الإشارات التي صدرت باتجاه المصالحة مع الأكراد مرتبطة بالتحوّلات التي تشهدها المنطقة، واستنتاج أنقرة قرارا أميركيا بالقضاء على أذرع إيران في المنطقة، وخططا إسرائيليا باتجاه تعزيز نفوذها جنوب سوريا. ففي 22 تشرين الأول (أكتوبر)، قال أردوغان، إن حكومته تعمل على تعزيز الجبهة الداخلية “مع اقتراب النار التي أشعلتها إسرائيل في غزة ولبنان” من حدود بلاده. وكان سبق أن قال، في 15 أيار(مايو) 2024، إن إسرائيل قد “تضع عينها”على منطقة الأناضول التركية في المستقبل إذا لم يتم إيقافها في قطاع غزة. ويرى مراقبون للشؤون التركية أن أنقرة باتت تميل للمصالحة مع الأكراد لعدة أسباب:

الأول: التخلّص من مشكلة حزب “العمال الكردستاني، لا سيما تياره الإيراني.

الثاني: إلقاء الحزب سلاحه مقابل تحسين حقوق الأكراد في تركيا، ما سينسحب حكما على وضع سلاح ذراع الـ PKK  في سوريا، أي قوات سوريا الديمقراطية (قسد).

الثالث: تعزيز نفوذ تركيا شمال سوريا بالتفاهم مع الأكراد وبالاعتماد على فصائل سورية معارضة قريبة من أنقرة.

الرابع: انخراط المكوّن الكردي في سعيّ أردوغان وحليفه بهشتي إلى إدخال تعديلات دستورية تتيح للرئيس الترشح لولايات رئاسية أخرى.

فيدان وبرزاني

يقول مراقبون إن الرجل الأقوى في تركيا بعد أردوغان حاليا، هو حقان فيدان، وزير الخارجية الحالي ورئيس المخابرات السابق. وكان أوكل إلى فيدان في السابق محاولة حل المشكلة الكردية عام 2012-2015، وهو من ذهب، من أجل هذه المهمة، لمقابلة قيادات في حزب “العمال الكردستاني” في أوسلو. ويُعتقد أنه حاليا داعم لهذا التحوّل باتجاه الأكراد ويستجيب لمصالح تركيا. ويُعتقد أيضا أن صدور الدعوة للإفراج عن أوجلان وإبرام صفقة معه تحمل أيضا رسالة تودّد إلى واشنطن، سواء في حلّ المشكلة الكردية في تركيا وامتدادات ذلك باتجاه حلفاء واشنطن الأكراد في سوريا، إضافة إلى استعداد تركيا للمساهمة في القضاء على أذرع إيران في المنطقة.

وقد دعا محللون إلى إدراج الزيارة المفاجئة لرئيس إقليم كردستان العراق، نيجرفان بارزاني إلى تركيا في 16 تشرين الأول (اكتوبر) 2024 داخل مؤشرات تركيا باتجاه صفقة مع “العمال الكردستاني”. وقد اجتمع برزاني مع فيدان، ورئيس

هل يتقيد حزب العمال الكردستاني بوصايا قائده

المخابرات، إبراهيم كالين، اللذين حضرا أيضاً لقاءه مع إردوغان. وربط مراقبون بين زيارة بارزاني والرصيد السابق لعائلة بارزاني، خصوصاً رئيس إقليم كردستان السابق، مسعود بارزاني، الذي لعب دوراً في “عملية الحل” السابقة، عندما زار ديار بكر، كبرى المدن التركية ذات الأغلبية الكردية، في تشرين الثاني (نوفمبر) 2013، وقدَّم دعماً قوياً لإردوغان، الذي كان رئيساً للوزراء في ذلك الوقت، لحل المشكلة الكردية بالوسائل الديمقراطية، قبل أن تفشل العملية وتنتهي بإعلان إردوغان، في يونيو 2016، أنه “لا توجد مشكلة كردية في تركيا”. وجدير بالذكر أن زيارة برزاني حدثت قبل أيام من إجراء الانتخابات في إقليم كردستان في العراق، في 20 تشرين الأول (اكتوبر) 2024، (بعد تأخر أكثر من عامين) التي فاز بها حزب برزاني (الحزب الديمقراطي الكردستاني).

قيادة جبال قنديل

إثر زيارات قام بها وفد من نواب حزب “الشعوب” الكردي في تركيا إلى أوجلان في سجنه، شاعت أجواء إيجابية تؤشر إلى إمكانية نجاح التوصل إلى تسوية تاريخية لإنهاء النزاع المسلح. بالمقابل فإن عوامل عدّة منها إقليمي قد تتسبب بتعقيدات داخل ملف له أبعاد تشمل دولا في المنطقة. ففي 23 كانون الثاني (يناير) الماضي، رجّحت وسائل إعلام تركية، أن يوجه أوجلان القابع في سجنه منذ عام 1999، دعوة إلى حزبه ومناصريه لإلقاء السلاح منتصف شهر شباط (فبراير). وإثر إحدى زيارات الوفد الكردي للسجن، كشفت المعلومات أن الوفد ناقش مع أوجلان تفاصيل اللقاءات التي عُقدت مع أحزاب “العدالة والتنمية” و”الحركة القومية” و”الشعب الجمهوري”، بالإضافة إلى المخاوف التي أبدتها بعض الأحزاب السياسية.

وأشارت مصادر تركية مراقبة أن الأجواء السياسية الحالية في تركيا تختلف عن تلك التي أدت إلى فشل المحاولة الأولى لحلّ المشكلة الكردية عام 2013. ولفتت في هذا الإطار أن بهشلي اليميني القومي هو الذي دعا إلى الحل حاليا فيما كان رافضا له آنذاك. ولاحظت المصادر أنه باستثناء حزب “الجيد”، فإن بقية الأحزاب السياسية التركية، الموالية

مظلوم عبدي قائد “قسد”: الأمر لا يعنينا

والمعارضة، منفتحة جميعها على هذا المسار. وأشارت أيضا إلى أن التحوّلات الإقليمية تدفع وتشجع تركيا لمحاولة استكشاف طرق للتوافق والتسوية في هذا الملف.

وأقر معلقون سياسيون أتراك بإيجابية أوجلان، لكنهم لفتوا إلى أن “مسلحي قنديل”، في إشارة إلى مقاتلي PKK في جبال قنديل شمال العراق، لم يبدوا هذه الإيجابية، وأنه ينقل عنهم تشكيكهم في نوايا القيادة التركية واشتباههم بالضغط عليهم عبر أوجلان وما زالوا يرفضون إلقاء السلاح.

وترتكز خطة أردوغان-بهشلي على نقطتين: إلقاء الـ PKK للسلاح وحلّ الحزب نفسه. لكن باحثين أتراك يرون أن لحلّ قضية الأكراد في تركيا أبعادا سورية وعراقية وإيرانية، ويعتبرون أن إيران كانت وراء أحد أسباب فشل محاولة 2013. وتمتلك إيران نفوذا، عن طريق المال والسلاح، داخل تيار في حزب العمال الكردستاني. ويعتقد أن طهران تستخدم الحزب للضغط على تركيا ولتكون شريكا مرجّحا في أي تسوية لملف الأكراد في المنطقة.

وقد تساءل مراقبون عن مدى تأثّر البيئة الكردية خارج وداخل تركيا كما في قنديل شمال العراق بالرسائل الإيجابية لأوجلان. واعتبروا أن هذه القضية لا يمكن أن تعالج بمعزل عن الابعاد الإقليمية، ما يمكن أن يسبب انقساما بين أكراد المنطقة، بما في ذلك إمكانية تعامل “قسد” في سوريا مع الملف بشكل مغاير.

ويعوّل مراقبون على حقائق جديدة من شأنها إقناع الأكراد بالتسوية. في مقدمها حقيقة أن عمليات الجيش التركي ضد قوات الـ PKK كانت ناجحة على نحو أدى إلى تراجع قدرات المقاتلين الأكراد على شنّ عمليات إرهابية ضد الدولة. ناهيك من أنه رغم إمكانية وجود خلاف بين اوجلان والقيادات الكردية في أوروبا وقنديل، إلا أن البيئة الكردية الحاضنة تبدي ميلا للتسوية وإنهاء الصراع.

ورغم أن ملف “قسد” هو مشكلة تُناقش في سوريا مع الإدارة الجديدة في دمشق، يرى خبراء في الشؤون الكردية أن قضايا الأكراد في المنطقة مترابطة، وأن أي تطوًر بشأن أكراد تركيا سيتداعى إيجابا أو سلبا على مشكلة “قسد” شمال وشرق سوريا.

توصيات أوجلان

أعلن أوجلان في رسالة وجّهها، في 26 شباط (فبراير) 2025، عن مجموعة من التوصيات التي يدعو حزبه لتبنيها. جاء هذا الإعلان بعد زيارات متعدّدة قام بها وفد من حزب “الديمقراطية ومساواة الشعوب” إلى سجنه. وقد عمل الوفد على نقل الرسائل بين أوجلان والقيادات الكردية، سواء في جبال قنديل شمال العراق، أو أربيل والسليمانية في إقليم كردستان

ما دور مسعود برزاني؟

العراق، أو في سوريا.

وقد جاءت توصيات أوجلان على شكل رسالة مكتوبة بعد أن تردد سابقا أنه سيطلق رسائلة عبر فيديو مسجّل. ويُعتقد أن موانع قانونية، كان عبّر عنها وزير العدل التركي، حالت دون ذلك. ويمكن تسجيل مجموعة من الملاحظات بشأن مضمون الرسالة من أهمها التالي:

1-لم يتوجّه أوجلان إلى “الأمة الكردية” في العالم وخصوصا في الدول الأربع المعنيّة، تركيا، إيران، العراق، سوريا، ولم يتوجّه حتى إلى أكراد تركيا، بل توجه إلى حزبه فقط، بشكل يحصر التوصيات بحزب يمتلك شرعية تاريخية لتزعمه.

2-كان سبق لأوجلان في مناسبات سابقة أن طلب من الحزب وقف إطلاق النار، لكنه هذه المرة يطلب إلقاء السلاح بشكل كامل، بما يطلق فتوى بإسقاط خيار الكفاح المسلّح، ويعبّر بذلك عن تحوّل أيديولوجي، ينهي حقبة انتهج فيها الحزب، كما فصائل ثورية في العالم هذا النهج.

3-لم يكتفِ أوجلان بطلب إلقاء السلاح والتخلي عن العمل المسلّح، بل طلب عقد مؤتمر للحزب لإعلان حلّه نهائيا، على الرغم من دعوته إلى اللجوء إلى العمل السياسي. وأوحى الأمر أن ممارسة السياسة ستحتاج إلى تشكّلات أخرى منفصلة عن الحزب واسمه ومسيرته.

4-ذهب أوجلان إلى مستويات أخرى،  بإسقاطه كل أشكال الحكم الذاتي أو الإدارة المنفصلة أو أي مطالب يُشتم منها

بهجت بهشلي: الزعيم القومي الذي أطلق المسار

استقلالا عن تركيا، معتبرا أنها خيارات ساقطة وجب التخلي عنها.

5-تعامل أوجلان في توصياته مع المسألة الكردية بصفتها شأنا تركياً، يتمّ من داخل الدولة وليس ضدها، وأن حلّها يكمن في اندماج الأكراد كمواطنين أتراك كباقي المواطنين.

6-قدم أوجلان مراجعاته الجديدة كزعيم تاريخي، وله المونة والنفوذ، ويمتلك وحده الحقّ في تقرير سياسات الحزب وتوجهاته وحتى مصير بقائه. ويشبه الأمر تجارب عرفتها بعض الأحزاب الشيوعية في أوروبا، حين قرر زعماؤها التاريخيون تغيير نهج الحزب إلى حدّ الابتعاد عن موسكو في عهد الاتحاد السوفياتي.

7-لم يربط أوجلان قراراته بأي مكاسب توحي بأن المراجعات أتت بناء على “صفقة” أبرمها مع النظام السياسي التركي. ويعني الأمر أنه يوحي بان قرارته هي نتاج “مراجعة” بغضّ النظر عما يمكن أن تثمره من تنازلات من قبل حكومة الرئيس رجب طيب أردوغان. حتى أن ما صدر عن أنقرة ما زال لا يوحي بقرب الإفراج عنه أو حتى نقله من السجن نحو الإقامة الجبرية، على الأقل في الأجل الفوري.

8-رغم ظهور أعراض، في بداية هذا المسار قبل أشهر، أوحت بأن “قيادة قنديل” في الحزب لن تلتزم بتوجيهات زعيمها التاريخي، غير أن اعتراضات الحزب غابت تماما، لا بل أعلن الموافقة الكاملة، مشترطا/متمنيا (حسب تفسير العبارة باللغة الكردية) أن يخرج أوجلان من السجن لقيادة مؤتمر الحزب الذي طلب انعقاده لإعلان قرار حلّه.

مراجعات أوجلان وحسابات تركيا:

فيما فشلت محاولة سابقة كان بادر إليها الرئيس التركي حينا وزعيم الـ PKK حينا آخر في إيجاد تسوية للمسألة الكردية أو على الأقل وقف إطلاق النار، فإن التجارب فشلت تارة لأسباب تركية، لا سيما معاندة “الدولة العميقة” ورفض التيارات القومية، وتارة أخرى لأسباب تتعلق بصراع قوى داخل حزب “العمال الكردستاني” أدت إلى عدم التزام الحزب بتعليمات قائده. غير أن ظروفا متعدّدة قد تكون وراء تقاطع أسباب عديدة لإنتاج هذه “المراجعات” وإمكانية تحقيقها تقدما في مسار السلم. وتبرز هنا الأسباب والعوامل التالية:

1-تتحدث بعض التحليلات عن عزم النظام السياسي التركي على إدخال تعديلات دستورية، من شأنها السماح للرئيس أردوغان بالترشّح من جديد إلى الرئاسة، وربما لدورات غير محدودة، ما يتطلّب مشاركة واسعة للأحزاب، بما فيها تلك ذات التصويت الكردي.

2-يعتبر خبراء في شؤون تركيا أن نجاح تسوية مع حزب “العمال الكردستاني” تنهي الصراع التاريخي، لا سيما المسلّح، من شأنه رفع شعبية حزب “العدالة والتنمية” الحاكم، بعدما منيّ بتراجع في شعبيته في الانتخابات المحلية الأخيرة التي جرت في 31 آذار (مارس) 2024.

3-يرى خبراء في الشؤون الاستراتيجية أن خطط تركيا الجيوستراتيجية في الشرق الأوسط والعالم، باتت تحتاج إلى التخلّص من أثقال المسألة الكردية، إلى درجة أن تبادر أنقرة، بشخص بهشلي، والذي كان من أكثر الشخصيات القومية المعارضة لأي تسوية مع حزب “العمال الكردستاني”، إلى اقتراح مباشرة مسار التسوية.

4-يقدّر باحثون أن تغيرات دولية بدأت تذهب باتجاه وقف الحروب بالوكالة، وإنهاء تكتيكات دعم الظواهر الميليشياوية، وتقادم استمرار ظاهرة الـ  PKK من دون أي غطاء دولي. ويظهر ذلك جليا في ترحيب العواصم الأساسية في العالم برسالة أوجلان.

5-غياب أو انتهاء أي رعاية دولية كبرى لسلوك الحزب، وتوسّع إدراجه على لوائح الإرهاب، وعدم استثمار أعماله لمصلحة أي صراع دولي. ويعتقد أن “الانذار” الذي وجهه وزير الخارجية التركي، حقان فيدان، ضد إيران بشأن دعمها لـ  “قسد” في سوريا ينهل من هذا الاتجاه.

التداعيات على “قسد” وأخواتها:

بعد أن تداولت وسائل الإعلام مضمون رسالة أوجلان، خرجت كافة الشخصيات القيادية الكردية التابعة لـ “قسد”، وحزب “الاتحاد الديمقراطي”، و “مجلس سوريا الديمقراطية”، وفي مقدمها، قائد “قسد” كمظلوم عبدي،  بمواقف متشابهة توحي بأمر جرى تعميمه مسبقا للدفع بالمواقف التالية:

1-ترحيب برسالة أوجلان واعتبارها تحوّلا مهما في تاريخ الصراع، مع التأكيد، مع ذلك، أن لا علاقة لكل هذه التشكّلات الكردية السورية برسالة موجهة إلى حزب “العمال الكردستاني” في تركيا، وبالتالي فإن “قسد” وأخواتها غير معنيّة بالتخلي عن السلاح.

2-التمسّك بالسلاح كحقّ للدفاع عن النفس أمام الهجمات التي تستمر تركيا والفصائل السورية التابعة لها بشنّها ضد المناطق الكردية شمال وشمال شرق سوريا.

3-إعلان حزب “العمال الكردستاني” التخلي عن السلاح ووقف إطلاق النار، يسقط حجّة تركيا بشنّ عمليات عسكرية ضد “قسد” التي تتهمها تركيا بأنها ذراع الحزب التركي في سوريا.

لكن بغضّ النظر عن الحجج والمواقف التي تندفع “قسد” لتقديمها، والنأي بنفسها عن التزامات تنتج عن رسالة أوجلان، فإن التطوّر يفرض احتمالات أهمها التالي:

1-نجاح مسار تسوية المسألة الكردية في تركيا من شأنه تقوية أوراق تركيا ضد “قسد” في سوريا، بما في ذلك تصعيد الضغط العسكري لإنهاء ظاهرة كانت مستفيدة من الظاهرة الكردية في تركيا.

2-إسقاط أوجلان لحلول، مثل الحكم الذاتي والفيدرالية أو أي أشكال إنفصالية أخرى لحماية حقوق الأكراد في تركيا، يسقط سردية نظرية للحزب الأم ومنظّره التاريخي اعتمدت عليها تشكّلات “قسد” وأخواتها للمطالبة بتعامل تمييزي كالاعتراف بالإدارة الذاتية ورفض سيادة دمشق عليها.

3-إسقاط نظرية الكفاح المسلح ونظرية الكيان المنفصل والدفع باتجاه الاندماج في تركيا في رسالة أوجلان، يضعف أوراق عبدي في مفاوضاته مع الإدارة الجديدة، برئاسة أحمد الشرع.

4-موقف تركيا الجديد والخشن ضد إيران بصفتها الدولة الداعمة لـ “قسد”، وموقف زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني، مسعود برزاني، المشجع لـ “قسد” بالاندماج من خلال الحوار داخل النظام السياسي الجديد في سوريا، وموقف واشنطن الداعم لرسالة أوجلان، المصنف إرهابيا في الولايات المتحدة، هي عوامل تضعف مواقف “قسد” التقليدية السابقة.

تعبّر رسالة أوجلان عن تحوّل تاريخي نظري في فهمه للصراع الكردي في تركيا  لصالح منطق الدولة التركية والمواطنة داخل تركيا. ويكشف تقيّد حزب العمال الكردستاني برسالة أوجلان عن وجود مناقشات مسبقة واستنتاج لتحوّلات إقليمية دولية تملي إلقاء السلاح والقبول بحلّ الحزب. ويُقدّر أن أسبابا داخلية تركية تتعلق بتعديلات دستورية تسمح لأردوغان الترشح لدورات رئاسية جديدة أملت تشجيع تحقيق تسوية للقضية الكردية تتيح مشاركة أوسع للمصادقة على هذه التعديلات. يكشف الانذار الذي وجهته تركيا ضد إيران بخصوص دعمها لـ “قسد” عن قوة أوراق تركيا داخل الملف الكردي، إلى درجة الاستعداد لمواجهة طهران، وعدم السماح لها بتغذية بقاء الظاهرة الكردية المسلحة في سوريا. قد يفتح التطوّر مسارات تتعلق بأكراد المنطقة لا سيما في سوريا حيث الملف ملتهب ويحتاج إلى علاجات من وراء الحدود.

فاجأ رئيس حزب “الحركة القومية” في تركيا، دولت بهشلي، الرأي العام التركي بدعوته من داخل البرلمان، إلى حضور زعيم حزب “العمال الكردستاني” السجين، عبد الله أوجلان، إلى البرلمان وإعلان حلّ الحزب المصنف منظمة إرهابية وترك سلاحه، مقابل تمتعه بـ “الحق في الأمل”.

يقول مراقبون إن الرجل الأقوى في تركيا بعد أردوغان حاليا، هو حقان فيدان، وزير الخارجية الحالي ورئيس المخابرات السابق. وكان أوكل إلى فيدان في السابق محاولة حل المشكلة الكردية عام 2012-2015، وهو من ذهب، من أجل هذه المهمة، لمقابلة قيادات في حزب “العمال الكردستاني” في أوسلو.

لم يتوجّه أوجلان إلى “الأمة الكردية” في العالم وخصوصا في الدول الأربع المعنيّة، تركيا، إيران، العراق، سوريا، ولم يتوجّه حتى إلى أكراد تركيا، بل توجه إلى حزبه فقط، بشكل يحصر التوصيات بحزب يمتلك شرعية تاريخية لتزعمه.

تساءل مراقبون عن مدى تأثّر البيئة الكردية خارج وداخل تركيا كما في قنديل شمال العراق بالرسائل الإيجابية لأوجلان. واعتبروا أن هذه القضية لا يمكن أن تعالج بمعزل عن الابعاد الإقليمية، ما يمكن أن يسبب انقساما بين أكراد المنطقة، بما في ذلك إمكانية تعامل “قسد” في سوريا مع الملف بشكل مغاير.

إسقاط أوجلان لحلول، مثل الحكم الذاتي والفيدرالية أو أي أشكال إنفصالية أخرى لحماية حقوق الأكراد في تركيا، يسقط سردية نظرية للحزب الأم ومنظّره التاريخي اعتمدت عليها تشكّلات “قسد” وأخواتها للمطالبة بتعامل تمييزي كالاعتراف بالإدارة الذاتية ورفض سيادة دمشق عليها.

سُجل غياب أو انتهاء أي رعاية دولية كبرى لسلوك الـ PKK، وتوسّع إدراجه على لوائح الإرهاب، وعدم استثمار أعماله لمصلحة أي صراع دولي. ويعتقد أن “الانذار” الذي وجهه وزير الخارجية التركي، حقان فيدان، ضد إيران بشأن دعمها لـ  “قسد” في سوريا ينهل من هذا الاتجاه.