كأن أسعد فضة قدم ما لا يقدم بعمر واحد . عشرات المسرحيات والأفلام السينمائية والمسلسلات التلفزيونية. بقي مسرحياً في أداءاته وإخراجاته وتأليفاته . لإن ابن المسرح ابن أبيه . لا يزال الجمهور في الجمهورية العربية السورية وفي عواصم العرب يذكر مونودراما “يوميات مجنون ” أول مونودراما قدمت على المنصات العربية ، بإخراج واحد من طليعيي المسرح العربي فواز الساجر، فواز الساحر ، من قضى وهو لا يزال في الثالثة والأربعين من العمر إثر ذبحة لم تهمله . مونودراما لا مألوفة . رجل وحيد على خشبة عريضة . مسرحية لا تخطئ . مسرحية تقوم بأدوارها بلا عجلات . اليوم ، بسر جديد على منصة قديمة ، بعد أن جاء الممثلون والممثلات إلى هذا الصدر . صدر تسكنه الأرواح . حتى

استنفذوا أرواحه ببطء وقسوة ، لأن معظهم عمروا فيه أعمارهم متردون فهم . لم يجئ فضة إلى عمل على وجه السرعة . لديه أكثر من سبب. الأبرز محاورة الأشكال لا الإرتطام بها . مذاك ، لو تقتله تجربة ولا برد يوم ولا بد فارغة . يوميات مجنون ، عرس الدم ، المفتاح ، دون جوان. عشرات . مسرحيات بلا تهور . غير أن التلفزيون رافعة الممثل . رافعة كرافعة الإسمنت ، بحيث إذا ما خرج أحدهم في واحد من طقوس التلفزيون لا يعود ينسى . كأن ثمة من يمر وهو يدفع الممثل التلفزيوني إلى الإلتصاق بزجاج الشاشة ، بحيث يضع وجهه وجمله في وجه المشاهد ، مشاهد تعب لا يقوى على الحياة حتى يرى الأبطال يقتلون بدون دفن . اسعد فضة أقوى من مسلسلاته التلفزيونية . إلا أنه اذ يدع رأسه تسبح في المسرح ، لأن ذكاء المسرح لا يسمح بالسباحة في البحار الميته . انطلاق اسعد فضة انطلاق حلم في المسرح السوري في تلك الأعوام . أعوام أضحت طريدة الأعوام . انطلاق انقضاض اللحظات الجميلة على التصويبات العميقة . لم يشخ المسرح معه ، لأنه لم يساهم في تقديم مسرحية فقط ، لأنه اخرج جزءاً من هشاشات المسرح من الرأس إلى الهواء ، بعد أن راقت للكثير من المسرحيين . حمل المسرح إلى سماوات لا تحصى مع الساجر وسعد الله ونوس ومانويل جيجي ونائلة الأطرش وكل من لا تستهويهم القيعان . ذلك أنه ساهم في العكوف على بناء مدينة المسرح ، لا مسرحية ولا أربعة . كما لو أن عدم بنائها سوف يخرج القمر من مداره .أدى فضة عملاً من الأعمال المهمة في تدفئة الأفكار الراسبة ، في رفعها من رسوها في الحد الأدنى إلى خد الجمهورية . آه ، تلك الأيام الجميلة . مسرحية بيكيت ، آه تلك الأيام الجميلة . رفع المسرح بالأعمال الإبداعية والإدارية . مدير مؤسسة المسرح ، مدير مهرجان دمشق المسرحي . المهرجان العريق . مهرجان الرصاص المسرحي ، العقول والغرائز والعرسان والعرائس . أصحى المهرجان مع فضة سفينة ، كسفينة نوح ، من مهامها النجاة . نحاة المسرح وأطرافه . المسرحيون نبلاء عاطفيون ، يمتلكون حدس العميان ، يمتلكون البصيرة ، بحيث رأوا حين يرون العمق دونما حاجة إلى ثرثرة . كل الأعمال مهمة في تلك المرحلة التراجيدية . فضة أب من آباء غاباتها . لا ينسى أحد أن مسرحياته كالحلوى. حلوى لا تؤكل . هذا هو الفرق بين حلواه والحلوى . حلوى ماض لا تتذكر الأسنان ، لأنها إذا تذكرت ستضحي اكثر تعاسة إذا ما قام قياسها على حلوى اليوم . قدم فضة مسرحيات ، لا عاهات ، في ارتماءات

إبداعية باهظة .لا علاقة لها بالصراخ، اللعنات ، التأوهات ، سرد النفس للنفس إلا حمل السرد السرد للآخر . لغة بارعة . لغة وسيمة ، لا لغة من جاءوا فقط للضجيج . بذل قصارى الجهد في حمل الأمور على محمل الجد ، الحد ، الأمور بأسرها . لن يفقد سيطرته على الملاحظات والهوامش .وكل ما يقع في القوائم ، قوائم الذروة في المجالات باختلافها . المقامر بالفراغ ، لن بفقد سيطرته على المسرح وهو يطرزه كما تطور الجدات مناديلهن . لن يفقد سيطرته على الفراغ في المسرح . لأن المسرح مساحة فارغة لا تصدق حضورها إلا بملء الفراغ . جيش خلاص المسرح في ملء الفراغ . تعين على فضة أن يفتح صندوق ميدوزا، ليصنف محتوياته ، لكي يصلح محتوياته . ذلك أن التصنيف أولى المراحل في الطريق إلى تصديق ما يعيد الحياة إلى الحياة . حياة المسرح في الحياة ، للأصدقاء القريبين والبعيدين . لأن ثمة من يدعي أن المسرح عصي على الفهم إلا على الأصدقاء . المشاهد في المسرح صديق ، لا رجال حانات ينكسرون لحظة خروجهم من الحانات ، بعد أن دخلوها مكسورين لأنهم وجدوا أن ليس من اللائق أن يناموا . المسرح أن يحلم المسرح بالمسرح بالجمهور ، بالأوقات الأخر . ينبغي أن يعيش المسرح لا لكي تموت الحياة ، حيث إذا عاش يحول الورق إلى حلم ، إلى ركض خلف الأحلام بسيقان طويلة ، بسيقان نعامات لا ودودات . يبقى المسرح ما تبقى الحياة . لن يموت ، لأن الحياة لا تموت .يراه المسرحي بمخاطره ، انسياب المسرحي على وجنة العالم ، بعيداً من الإنسياب في الغوغلة . لأنها لا تفعل سوى أن تكمل . غوغل سائل وهش . جزء من البيوغرافيا. الغوغلة انتظار الرد من جثة . ما أراده أسعد فضة منذ البداية وجد في روحه . روح لا تزال تقوم بالتأليف حتى ولو توقف صاحبها عن التأليف . الروح لا تموت . تبقى في العالم . ثم ، تبقى بين العالمين. انخراط في الحياة من خلال الروح، هذا ما يدفع المسرحي إلى التقافز في السعادة . هذا هو أسعد فضة . لا علاقة للأمر بالإسم . افضل ما يمكن المسرحي أن لا يفهم إلى لحظة دخوله الصالة . لن تسقط الرأس بالصدفة على فكرة . لن يسقط مسرح أسعد فضة بالغموض . ولا بالبروليتاريا . ذلك زمنها ، لكن فضة لم يقع في أعطابها المعروفة . فضة ، اسعد فضة إسم لا يخدع ، على الرغم من أن بعض الأسماء خادعة . أو لا تقود إلى قراءتها إلا من خلال اللطف . بدون روح ، لا شيء سوى فراغ يذكر ، سوى فضاء يذكر . فضة من رواد مرحلة التأسيس الأخرى بعد المرحلة الأولى مع من منح المسرح عذر الإنطلاق . مارون النقاش . لا حلول وسط . تغير الحال السياسية والإجتماعية والإقتصادية ، لا المزاجية ، أخذ الرجل إلى دفع جسده إلى لعب دور الحمالة ، حين وجد في دربته العالية في العديد من الأعمال السينمائية والتلفزيونية والمسرحية كمؤد، من دون أن يتبعثر في الأرض ، من دون أن يبعثرها . جسده حمالة ادوار وحيدة لأن الجمهور اعترف بصوابها . فضة ملاك الإخراج والأداء والتأليف . ملاك وشيطان في جسد واحد حمال جوع إلى الشبع والإعتراف إلى الدنيا . لم يحيا وحيداً في ازدحام الليل . لا يزدحم المسرح إلا في لياليه . لأنه إذا وقف وقف مع آخرين على الحافة الأعظم . مدها على سهم الخيال . حيث الموت لا يمت بصلة إلى الواقع . وحيث يتحول الغزات العظيم إلى جرح في غموض المسرح .
لا أسهل من كسر الكرة الأرضية ، حين يؤخذ فضة من جوانب دون الأخرى . لأنه لو يمتلك يداً وحيدة في عبوره الواثق من عالم إلى آخر . وأسّ الغبطة في شد العمل الإداري من الغيبوبة إلى الأعصاب المشدودة ، كما فعل في المهرجان الدولي ( مهرجان دمشق ) و في مديرية المسرح والموسيقى وفي المؤسسة العالمية للمسرح (iti). لأن بوجوده أضحت العكس . عكس وجودها القديم . كما لو أن المؤسسة في العالم الآخر ، في الأخير من هذه الأرض . المأسسة واحدة من أقلامه . لأن امضاء اجزاء واسعة من أوقاته في حماية الملاذات هذه يقود ، قاد إلى الإحتمالات الأخرى ، بعيداً من مناشير الحواس . حملها وشغلها بعد حمايتها بحيث أضحت حديث الشعراء لا المداحين . . منحها كل شروط استمرارها . فضة حل من الحلول الحاذقة في هذا المجال . حل من الحلول الحاذقة في المجالات الأخرى . مذ قدم يوميات مجنون ، فات المسرح أن يبقى في متعلقاته الورقية . أضحى المسرح مخيفاً بالخيال .قدمت في افتتاح الدورة السابعة من مهرجان دمشق المسرحي بحيث رَحَلَّت مسرحية “الملك هو الملك” من عروض المهرجان ، لتكشف عن مؤدٍ أضحى جزءاً من مؤلف غوغول . هبط فيه كنا يهبط رائد فضاء في جزء مظلم من أرض غير مكتشفة . إذاك وجد فضة كمجنون اداء تستعصي قراءته بالأدوات القديمة . أفضى به الدرب إلى حيث يريد الذهاب . تجربة كلما أوغلت بالمسير توسعت الإحتمالات ، في الإخراج والأداء ، بدون أن يمنى بالنقصان أو بسعار البحث عن مكان.مذاك وجد مكانه بالتعبيرات بالصور المختلفة . بأول المطاف شيء من نهاية المطاف . لا بالمعنى الزمني ، بمعنى ايجاد الحقائق الأساسية في درب خاص لم يبدأ من إجراء تحقيق .
فضة نفسه في المسرح. لا نفسه في الإدارة . هو عليم بالإدارة ، ادراة إبداعية جابهها الرجل بمليون جزئية من جزئيات الإبداع ، لا المعلومات العشوائية الزائفة . ما أن يضع يده على مادة حتى تضحي مادة عضوية . جائع باستمرار إلى معرفة ما سيحدث من خلال التجريب ، لا من خلال الإفادات . اصبح اسماً يتحدى الفهم القديم للمسرح مذ أطلق ابو خليل القباني مسرحه مطارداً من صبيان الشيخ سعيد الغبرا. قوالُ حقيقة في منهج لا يقوله مختلف الأشخاص ،وصولاً إلى لحظة اختفائه عن مرور الشهور والأعوام . منذ البداية وجد وكأنه رجل من رجال علماء النفس السلوكي في المسرح ، حيث لا يوجد في العقل إلا ما يوجد في الحس أولاً . استغرق الأمر علوماً معيارية ودراماتورجيا شاملة في عصر لم يشع به الكلام على الدراماتورجيا. سوف يتم الإستشهاد بما فعله دوماً بعيداً من التحيزات ، من خلال الإتصال الحي بالذاكرة . ولو أنه ردد بين ذاته وذاته ، ذكي من لا يتذكر . لأن الذاكرة دائرة . شكل مكتمل ما أن يبدأ حتى ينتهي في لحظة البدء نفسها . طلاق الدائرة طلاق تكوين ، يتعلق بشكل ومضمون الدراما . يفيد أن نلاحظ أن فضة صاحب مشروع ، لا صاحب استقلال جزء عن جزء . ولايات متحدة لا أميركية في حسابات التفاضل والتكامل في مشروع امتد في المسرح والسينما والتلفزيون . قام الأخير على مقاييس التوقيت والقدرة على التمييز بين مؤديين . واحد في المسرح ، واحد في التلفزيون . مؤدي المسرح على استلهامات نظرية ارتبطت بالهاماتها . ذلك زمن القطبية والقطبين والصراع بين الرأسمالية والإشتراكية . صراع لم ينوجد كصراع عديم الفائدة في المجالات الثقافية . بالعكس . أدى الإصطدام بين العالمين إلى قيام ظروف فكرية مختلفة . ثم ، فكر مختلف . لا أشكال بلا أفكار . انتج الإصطدام افكاراً ومفكرين . فضة ولد في تلك المرحلة لا في القرن التاسع عشر ولا إلى جانب انطون ولا ماياكوفسكي . لا ينكر الأمر . لا تنكر أهميته . لأنه أقام أجزاءه الضامنة للإبداع في اشكاله لا في شكلياته .
علم فضة نفسه أساليب الإستبطان في مجال الفكر هذا . تلك أيام هائلة . تلك مرحلة عظيمة انتهت بآحادية الغباء والسلبطة على شعوب الأرض. لذلك ، جمع فضة الإهتمام بالتاريخ والمعاصرة . النص التاريخي والنص المعاصر . نص في مستويين . نص ادبي ونص بصري يطبق الواحد على الآخر في نطاق واسع . تأسيس أقسام . قام فضة بذلك في فهم توظيف الكيفية في خلق المعنى في الحياة والفن . تجارب في غاية الأهمية مع الملك هو الملك وبداية ونهاية والمفتاح . قدم نقيب الفنانين الأخوة كارامازوف ، دون جوان لموليير ، لكل حقيقته لبيرنديللو ، عرس الدم للوركا ، التنين لشفارتس، الغريب لمحمود دياب ، السعد لأحمد الطيب العلج ، سهرة مع ابي خليل القباني لسعد ونوس . لم يتوقف أمام إسم وهو يخوض في عملياته الإستقرائية بالنصوص. تلك بداية نارية صنعت آنية مختلفة . تلك بداية تذكر بالدقة في تلك المرحلة ، بالوعي العلمي ، العلني والمضمر . بالظواهر . سلسلة مهمة حررها فضة ، بحيث ركزها في الأهمية الحيوية لبناء المسرح ، المقولات الصارمة في تلك المرحلة . بعدها ، وقع التأرجح ، بدون رغبة في خوض معركة شرسة مع التأرجح . صيغ مكثفة في بحوث عصبية ، نفسية ، مكثفة. ثم ، مضي في العاطفة بعد استنتاج الحقيقة. حيث استبعدت المعارك ضد الاستنتاجات السابقة . ذلك ان المسرح راح ينقاد رويداً رويداً إلى بقاعه المظلمة. بات من الصعب تنظيم عمل كبد المسرح كما جرى الأمر في بادئ الأمر . كبد ينظم تدفق الدم في الطقوس والعواطف والسرديات . تم تجريب الإدراك ، تجربته واستكشافه في اللعب والتمثيل والفرجة. بعدها بقي الإتصال بالمسرح كمساحة للبقاء. ولأن الوعي الداخلي محصن ، ادرك فضة أن الإطلاق شيء لا نفكر فيه فقط . أنه التزام ماض. هكذا ، خرج من علوم المسرح الطبيعية إلى الأخذ بالقضايا البعيدة من المعرفية في السينما والتلفزيون ، حيث عاش على مفهوم النسبية هناك . مع ذلك ، دوره في بنات آوى جنس ، طبقة في الأداء . اداء يذكر بالمراحل الأولى . مراحل الذهب لدى فضة الذهب ذي المفهوم التناظري لا الإستعاري .
فضة جزء من واقع ، جزء من حيويات المسرح على وسائط القرن العشرين . انفجر . ثم ، تسرب ، بعد أن مزج القوة بالكثافة . بعد أن غضب ما حلا له الغضب في تلك المرحلة ذات الأفعال البشرية المذهلة .
# كرّمته الإمارات العربية المتحدة على منجزه الإبداعي الكلي .