أول انكماش أميركي منذ 3 سنوات… بداية عصر غير ذهبي لترامب

ارتفاع توقعات الركود وسط مخاوف من تباطؤ عالمي

* المرة الأولى منذ حوالي ثلاث سنوات التي كسر فيها الاقتصاد الأميركي نموه

* يتوقع اقتصاديون أن ينكمش الناتج المحلي الإجمالي خلال الربع الثاني

وعد الرئيس الأميركي دونالد ترامب بأن فترة ولايته الثانية ستكون بداية عصر ذهبي جديد. إلا أن العوائد الاقتصادية المبكرة لا تبدو قريبة إلى الوعود. فهي المرة الأولى منذ حوالي ثلاث سنوات التي كسر فيها الاقتصاد الأميركي نموه المطرد ليسجل انكماشاً في الربع الأول من العام الحالي.

يمثل الانكماش بنسبة 0.3 في المائة انخفاضاً حاداً عن التوسع بنسبة 2.4 في المائة الذي تحقق في الربع الأخير الكامل من رئاسة الرئيس جو بايدن، وهو بعيد كل البعد عن أوقات الازدهار التي توقعها حلفاء ترامب وكبار المديرين التنفيذيين بعد إعادة انتخاب الرئيس. والأكثر من ذلك، لم تتحقق العناصر الداعمة للنمو في جدول أعماله، مثل تمديد التخفيضات الضريبية لعام 2017، مما يوفر غطاءً ضئيلاً للآثار السلبية للحرب التجارية التي يشنها ترامب.

ترامب يحمل قائمة بالرسوم الجمركية التي فرضها على الدول

علما أن آخر مرة انكمش فيها الاقتصاد الأميركي كانت في الربعين الأول والثاني من عام 2022. وهي فترة اتسمت بارتفاع التضخم، وارتفاع أسعار الفائدة مع بدء مجلس الاحتياطي الفيدرالي جهوده لمكافحة التضخم، بالإضافة إلى استمرار مشاكل سلسلة التوريد المتعلقة بجائحة كوفيد-19. وعلى الرغم من النمو السلبي في النصف الأول من عام 2022، فقد نما الاقتصاد الأميريي بشكل عام بنسبة 2.1 في المائة على مدار العام.

فماذا يعني التطور؟

انكماش الاقتصاد الأميركي يبرز تأثير الرسوم الجمركية: إذ يُعزى ذلك بشكل رئيسي إلى زيادة الواردات في الأشهر الأخيرة، حيث سارعت الشركات والأفراد إلى شراء المنتجات الأجنبية قبل أن تزيد رسوم ترامب من تكلفتها.

وإلى جانب الواردات، كانت مؤشرات أخرى على قوة الاقتصاد إيجابية: فقد ارتفع إنفاق المستهلكين، المحرك الرئيسي للاقتصاد الأميركي، بمعدل سنوي قدره 1.8 في المائة، وارتفع الاستثمار بنسبة 21.9 في المائة، مدفوعةً بارتفاع بنسبة 22.5 في المائة في مشتريات المعدات.

ويشير انكماش النمو إلى بداية فترة صعبة للاقتصاد الأميركي، ويعود ذلك أساساً إلى الرسوم الجمركية، وفقاً للعديد من الاقتصاديين الذين رأوا أن تباطؤ النمو الاقتصادي، مصحوبًا بارتفاع التضخم، بفعل الرسوم الجمركية، قد يتحول إلى “ركود تضخمي”، أو حتى إلى ركود اقتصادي، خاصةً إذا دخلت رسوم ترامب الجمركية التي أطلقها في “يوم التحرير” على العديد من الدول الأجنبية حيز التنفيذ في وقت لاحق من العام.

ويتوقع اقتصاديون بارزون أن يُظهر تقرير الناتج المحلي الإجمالي انكماشاً في الاقتصاد خلال الربع الثاني.

بداية صعبة

كذلك، تُعد تقديرات التجارة الأولية بداية صعبة لرئيس انتُخب بناءً على وعد بإطلاق العنان للاستثمار الخاص وتعزيز القدرة الشرائية للمستهلكين الأميركيين. وقد تصاعدت مخاوف الركود في الأسابيع التي تلت بدء ترامب في طرح سلسلة من التعريفات الجمركية الضخمة – التي أعقبها إلغاءات سريعة – والتي يقول الاقتصاديون والرؤساء التنفيذيون في “وول ستريت” إنها ستؤدي إلى ارتفاع التكاليف وإضعاف الاستثمار.

وقد يؤدي الانكماش في الربع الأول من العام إلى إجبار ترامب ومستشاريه على حساب العواقب السياسية المترتبة على الناخبين الذين سرعان ما بدأوا في الاستياء من العناصر الرئيسية في أجندته الاقتصادية. وهو ما يهدد بتقليص رأسماله السياسي في وقت هو في أمس الحاجة إليه، حيث يطلب من الشعب الأميركي أن يثق به بشأن سياساته العدوانية المتعلقة بالتعريفات الجمركية.

وكان صندوق النقد الدولي توقع أن يشهد الاقتصاد الأميركي تباطؤًا في النمو وارتفاعاً في الأسعار، وهي الأكبر بين الاقتصادات المتقدمة، بسبب حالة عدم اليقين الناجمة عن الرسوم الجمركية. وبحسب توقعاته الأخيرة، سيبلغ النمو 1.8 في المائة هذا العام، بانخفاض عن تقديراته السابقة البالغة 2.7 في المائة في يناير (تشرين الأول).  كما وتوقع

الرسوم الجمركية تغرق الاقتصاد الأميركي رغم وعود ترامب الزهرية

الصندوق أن تؤدي الزيادة الحادة في الرسوم الجمركية وحالة عدم اليقين إلى “تباطؤ كبير” في النمو العالمي.

ترامب يتنصل

إلا أن ترامب تنصل من مسؤولياته عن البيانات الأخيرة قائلاً إن لا علاقة له بها، وملقياً اللوم على سلفه الرئيس جو بايدن، ومشيراً إلى أن الأمر قد يستغرق وقتاً حتى تحقق أجندته عوائد اقتصادية.

ومع ذلك، كانت سياسة ترامب الجمركية من بين أكبر العوامل التي أعاقت نمو الاقتصاد. فقد ارتفع الطلب على السلع الأجنبية خلال الأشهر الثلاثة الأولى من العام، حيث سارعت الشركات إلى استباق حواجزه التجارية الجديدة. وأفاد مكتب الإحصاء أن العجز التجاري للسلع بلغ مستوى قياسياً في مارس (آذار)، مما أثر سلباً على تقديرات وزارة التجارة لأنه يُخصم من الناتج المحلي الإجمالي.

وكان لافتاً تصريح الخبير الاقتصادي آرثر لافر، وهو من مؤيدي ترامب وقدّم المشورة للرئيس بشأن السياسة الضريبية خلال ولايته الأولى، حين قال إن “الرسوم الجمركية تُعقّد الاقتصاد… لا أعرف بالضبط إلى أين يعتقد الرئيس ترامب أن الأمور يجب أن تتجه. لا أعرف إلى أين يتجه. أنا متفائل جداً بأنه سيُخفّض الرسوم الجمركية بشكل كبير. عندما يكون في خضم المفاوضات، يُخيفني بشدة كما يُخيف الجميع”.

المستهلكون ازدادوا تشاؤماً

وتوازياً، ازداد تشاؤم المستهلكين… وهو ما أظهره استطلاع شهري ينجزه مجلس المؤتمرات العريق بأن التوقعات للمستقبل هي الآن في أدنى مستوياتها منذ عام 2011… ولا تقل النظرة من جانب الإدارة العليا كآبة. فقد ألغت شركات مثل “دلتا إيرلاينز” و”جنرال موتورز” و”يوبي إس” توجيهاتها المالية في ضوء حالة عدم اليقين المتعلقة بالرسوم الجمركية، وحذر عمالقة الحزب الجمهوري في “وول ستري”ت، مثل كين غريفين من “سيتاديل” وبول سينجر من “إليوت” لإدارة الاستثمارات، من أن سياسات ترامب قد تُقوّض أسس الأسواق الأميركية.

هل الاقتصاد الأميركي سيركد؟

تتزايد المخاوف من أن الاقتصاد الأميركي يتجه نحو الركود بسبب رسوم ترامب الجمركية. وقد رفع العديد من المتنبئين توقعاتهم لفرص الركود استجابةً لتوقعات جديدة غير مؤكدة وتزايد المخاطر. وقال رئيس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول_ المكروه من ترامب – “هناك دائمًا احتمال غير مشروط لحدوث ركود”. وأضاف أن الاحتمالات قد تتراوح عموماً بين واحد من أربعة في أي وقت، مشيراً في الوقت نفسه إلى أن البنك المركزي لا يُصدر توقعات بحدوث ركود.

وحذرت وزيرة الخزانة الأميركية السابقة جانيت يلين من أن التعريفات الجمركية ستُحدث “أثاً سلبياً هائلاً ” على الاقتصاد الأميركي، حيث إنها تُعيق الشركات التي تعتمد على إمدادات المعادن الحيوية القادمة من الصين. وتباعت في تصريحات لصحيفة “فاينانشال تايمز” البريطانية: “لست مستعدة بعد للتنبؤ بحدوث ركود، ولكن بالتأكيد احتمالاته ارتفعت بشكل كبير”.

أما مصرف “ويلز فارغو” الاستثماري فرأى من جهته، أن الاقتصاد الأميركي يواجه خطر ركود أكبر الآن مما كان عليه قبل شهر، “لكن هذا الانكماش بنسبة 0.3 في المائة في الناتج المحلي الإجمالي للربع الأول ليس بدايةً له. بل يعكس التغيير المفاجئ في السياسة التجارية الذي أدى إلى أكبر تراجع في صافي الصادرات في بيانات تعود لأكثر من نصف قرن. “

اقتصاديو “بانثيون للاقتصاد الكلي” رأوا أن الانخفاض الحاد في الناتج المحلي الإجمالي الكلي يعو في معظمه إلى زيادة غير مسبوقة في الواردات قبل فرض الرسوم الجمركية، والتي يُرجَّح أنها تُقاس بشكل غير دقيق. و”مع ذلك، نرى دلائل واضحة على أن الاقتصاد كان بالفعل يتباطأ بشكل كبير في الربع الأول. ومن المرجح أن نشهد فترة ركود في المستقبل إذا استمرت مجموعة الرسوم الجمركية الحالية، مع احتمال حدوث ركود اقتصادي إذا فُرضت الرسوم الجمركية الإضافية المتبادلة بالكامل في يوليو (تموز)”.

في المقابل، فإن مصرف “يو بي أس” ليس قلقاً بشأن قراءة الناتج المحلي الإجمالي السلبية، فـ”في نهاية المطاف، نما الاقتصاد بنسبة 2.5 في المائة في عام 2022 ككل، على الرغم من التراجع الذي شهده في الربع الأول من عام 2022. لكن ما يثير القلق أكثر هو التأثير المحتمل للرسوم الجمركية، والذي من المرجح أن يُسبب تباطؤًا اقتصاديًا أكبر في النصف الثاني من عام 2025″.

ركود عالمي…

بحسب استطلاع أجرته وكالة “رويترز” بين خبراء الاقتصاد، الذين توقعوا قبل أربعة أشهر فقط نمواً عالمياً قوياً، فإن مخاطر الركود العالمي هذا العام زادت في الواقع بشكل حاد، حيث أشار كثيرون إلى أن السياسات التجارية الأميركية أضرت بمعنويات الأعمال. وهو ما يتماشى مع أبحاث سابقة أجراها المنتدى الاقتصادي العالمي والتي توقعت أن التكاليف الاقتصادية للتجزئة العالمية قد تتجاوز الأزمة المالية لعام 2008، مما قد يؤدي إلى انخفاض الناتج المحلي الإجمالي العالمي بما يصل إلى 5.7 تريليون دولار – أو 5 في المائة.

باختصار، أحدثت اضطرابات الرسوم الجمركية ضجة كبيرة في أرقام النمو الرئيسية للربع الأول. والسؤال هو إلى متى سيتمكن المستهلكون والشركات من تحمل حالة عدم اليقين؟ وإذا كان نمو الربع الأول قد تأثر بارتفاع الطلب لتسريع وتيرة الرسوم الجمركية، فإلى أي مدى يجب الاستعداد لتأثير تداعيات الأزمة المالية في الربع الثاني؟.