بمشاركة فنانين من مختلف الدول العربية والإسلامية
الأصالة والعراقة مفهومان يستمدان تأصيلهما من أساسيات الحدود العربية المكوّنة اللغة والجغرافيا والامتداد التاريخي والحضاري للشعوب العربية التي أنتجت أهم روّاد الفكر العربي في الأدب والشعر والموسيقى ومحافل العلوم على اختلافها، وأثبتت التجربة أهمية اللغة العربية منذ نشأتها من خلال القرآن الكريم، حتى آلت اليوم نقطة تحوليّة في التطور والحداثة من خلال جذب أبرز المؤتمرات والمحاضرات والفعاليات العالمية التي تضمن برامج شاملة في العلوم والابتكار وتجمع هذه المؤتمرات أهم المختصين في العالم العربي والعالم أجمع!
وفي هذا السياق، وحرصاً منها على تولّيها كافة برامج التطور العلمي والحداثة من منطلق اعتقادها وقناعتها بأهمية اللغة العربية كعنصر يتخطّى التواصل الفكري وكون اللغة العربية تكوين يرتكز على الحضارة والتراث العربي وتواكب الحداثة أطلقت وزارة الثقافة السعودية مبادرة الخطّ والكتابة العربية، من خلال معرض بعنوان “دروب الروح”.
شارك في هذه النسخة من المعرض 34 خطاطاً من 11 جنسية، من بينهم 12 خطاطا سعودياً، بالإضافة الى 19 فنانا ومصمماً معاصراً من 12 جنسية، من بينهم 4 فنانين سعوديين.
يشكّل هذا المعرض دعوةً للانطلاق في رحلة وجدانيّة غامرة من الاكتشاف، وتأمّل جماليّات الخطّ العربيّ، وإدراك قيمته باعتباره كنزاً ثقافياً، ومظهراً من مظاهر ثقافة المملكة العربية السعودية وتراثها.
ضمّ المعرض أعمالاً فنية إسلامية ومخطوطاتٍ نادرة من مقتنيات وزارة الثقافة بالإضافة إلى المقتنيات الخاصة، وعدد من الأعمال المُعارة من متحف معهد العالم العربي في باريس والمعهد الوطني للتراث في تونس.
فنّ الخطّ العربي
يأتي المعرض ضمن سلسلة المبادرات التي أطلقتها وزارة الثقافة السعودية عبر هيئاتها المتنوعة، والتي تندرج ضمن طموحات 2030 والمنظور الجديد لمستقبل المملكة وتراثها وحضارتها.
وهذه الخطوة تعتبر امتداداً حضارياً على أهمية اللغة العربية كونها نسيج التأصيل والعراقة، وهي نتاج فكرٍ وعلمٍ وحداثة لا بدّ من المحافظة عليه لا بل نشره على أوسع نطاق.
يعكس “دروب الروح” البعد الروحي للخطّ في الحضارة العربية الإسلامية من خلال مجموعة من الأعمال الفنية التاريخية والكلاسيكية والمعاصرة. نشأ فنّ الخط العربي في غضون نسخ القرآن الكريم، ليشكّل تعبيراً مرئياً عن الإيمان، ويجسّد جمال وتناغم الخط العربي. وفي عام 2022، ونتيجة مبادرة قادتها المملكة العربية السعودية بالتعاون مع 15 دولة ناطقة باللغة العربية، تم إدراج الخطّ العربيّ ضمن قائمة التراث الثقافيّ غيرالمادي لليونسكو.
لطالما جذب الخطّ العربي أهم الرسّامين والخطاطين العرب منهم والعالميين وكان أداة لتحفيز اللغة البصرية والتناغم التشكيلي الذي يجمع اللغة، البصر، والتآلف، وقد حقق الخطّ العربي هذا التناغم من خلال مرونته، عدا عن كونه فنًا تشكيليًا تتمتع حروفه بالقدرة على الصعود والنزول والانبساط والمرونة في تغيير أشكالها وهذه الصفات تجعله سهل التعبير عن حركته وكتلته فينتج حركة ذاتية تجعل الخط خفيف الكتلة له رونق مستقل يجعله يحقق احساسًا بصريًا ونفسيًا وايقاعًا جميلًا.
اذ يقول بيكاسو عنه: “إن أقصى نقطة أردت الوصول إليها في فنّ الرسم وجدت أن الخطّ العربي قد سبقني إليها منذ أمد بعيد”.
محاور المعرض
يقوم المعرض على أربعة محاور متكاملة: النور، والحرف، والمساحة، والشعر، والتي تسلّط الضوء على القوة الروحيّة التي تغمر فكر الخطاط وتنعكس في تقنياته، وعلى العاطفة التي يثيرها الخطّ العربي لدى من يقرؤه ويتأمله. تُجسّد مفاهيم النور، والحرف، والمساحة، والشعر مجموع القيم العالمية والروحية التي تُؤطِّر الأعمال الفنية المعروضة وتجمعها معًا بهدف إثارة حوار متن ومُحفّز للتفكير. ولطالما لعبت الخطوط العربية وفنّ الخطّ العربي دوراً محورياً كعنصر مشترك يربط الأعمال المتباينة وذات الطبيعة المتنوعة التي تنتمي لفترات زمنية مختلفة. كما يشهد استخدام الخطوط العربية في الفنّ والتصميم المعاصرين على القوة الروحية الدائمة التي ننسبها إلى كلٍ من الكلمة وتجسيدها البصري في الخط، لأنّ الخط العربي هو في آن معا وسيلة للتواصل ووسيلة لتجسيد الجمال والروحانية.
وترمز كل من المحاور إلى حسيات معينة في ابراز جمالية الخط العربي وأهميته من خلال التصورات المختلفة في تشكيله.
النور: نور تجلّى بشاعه وابداعه.
الحرف: حروف تشكلّت، فأبهرت وسحرت.
المساحة: مساحة امتلأت فناً وجمالاً.
الشعر: أشعار تسحر الأنظار.
ركز المدينة المنورة للفنون
يعدّ مركز المدينة الوجهة الثقافية الأكبر في المدينة. هو نقطة تحول في المجال الثقافي الشعبي لروح المملكة ويعمد على تعزيز أواصر الحراك الثقافي والفني للملكة مع نماذج الفنون العالمية.
يوفّر للزائرين فرصة للتعرّف والإستمتاع بالفنون المعاصرة والعالمية.
منذ افتتاحه، نظّم المركز مجموعة متنوعة من المعارض الفنية والبرامج الثقافية، بما في ذلك المعارض الفردية والجماعية، والورش الفنية. وقد حظيت هذه المعارض والبرامج باهتمام كبير من الجمهور المحلي والعالمي.
في حديث له أشار الفنان والكاتب عيسى مخلوف أن أهمية هذ المعرض تندرج كونه يعطي صورة عن واقع الخط العربي. فهذا الخط هو من الفنون القائمة بذاتها، إلى أن المعرض يقدّم نموذجاً مفصلاً عن امتداد الخطّ التاريخي، ظهر ذلك باللوحات القديمة المعروضة. نجد في دروب الروح مكنونات الماضي وتأصيل الحاضر، وكيفية بقاء الخط وقدرته على التواصل والاستمرار عبر الزمن حيث عاش متألقاً عبر المخطوطات القديمة والصور والنماذج الحية التي تعبّر عن روعته.
الخطاط المشارك في المعرض عبد الرحمن الشاهد، أشار إلى أن هذه التجربة فريدة كون المعرض قاعدة للقاء الأعمال من مختلف العالم للاحتفاء بالخط العربي. وهو صلة تفاعل تجمع بين الخطاطين. ثراء المعرض بالأعمال أضاف عليه أهمية عالية خصوصاً أنه متنوع بالمحتويات المعروضة. شاركت بعمل بعنوان نصّ الحكيم يتضمّن أسرار الخطّ العربي وتفاعله واظهاره للإعجاز الموجود في القرآن الكريم.