إلى أين يأخذنا الذكاء الاصطناعيّ؟

بالنسبة لكارل ماركس يُعتبر “العمل عقداً قائماً بين الإنسان والطبيعة حيث يبذل الإنسان ذاته اتجاهها”.

كذلك فهو لم “ينظر إلى العمل باعتباره مجرد وسيلة للبقاء أو مصدراً للقيمة الاقتصادية، بل باعتباره جانباً أساسياً من الطبيعة البشرية”، وصولاً لتحقيق الأهداف المستقبلية والخلق الابداعيّ.

كي يستمر الإنسان سعى منذ وجوده الأول إلى خدمة نفسه، من خلال علاقته الخاصة بالطبيعة، فابتكر من خلالها أدواراً مختلفة للبقاء على قيد الحياة.

اعتاش الإنسان قديماً من منتجات الاشجار وقطع الخشب والصيد بمختلف أنواعه.

كانت الطبيعة ملاذاً له،فابتكر منها عالمه الجديد وأمانه الماديّ، عمل ليبقى حيّاً، فأصبح ما هو عليه الآن.

سعت القبائل سابقاً لحماية الجماعة، كقفير النحل ومجتمع النمل.

 رقصوا وغنوا حول النار والشمس والأرض وتحت الكواكب الملتهبة كزيزان الحقل.

دفعتهم غريزة البقاء لنحت وسائل بدائية بهدف الاستمرار، ومن هذا البناء الهرمي المنتظم عمل العقل البشريّ دون هوادة ليبني الحضارات المتلاحقة.

انتقل إلى نحت  الهياكل على غرار المغاور والمعابد والتاريخ واللغة، والتشييد السرديّ للمدن.

 بدأ النظام يتدحرج من خلال الأنا المتفاقمة كصخرة تزيل كل  من يعترضها.

هكذا صنع الإنسان من الطبيعة والأشياء المحيطة به عالماً دينيّاً وحربياً واجتماعياً ومادياً وتراتبياً.

هكذا ولدت الطبقية تمهيداً لنشوء الأنظمة العالمية كالرأسمالية والشيوعية.

فالعمل هو نفسه الإنسان وبديله، سواء أكان واحداً أو مجموعة، وفقاً للمنهجية والأداء المطلوبين.

أمّا مبدأ الالتزام فهو ظاهرة سيويولوجية تحدد قيمة الفرد في مجتمع الآلة والضوضاء، لذلك زحفت الأرياف إلى المدن وزنرت أحزمة الفقر العواصم العالمية.

فهل هي السماء التي أضاءت الطريق خوفاً من الاصطدام بالعادي والمتكرر؟ أم أنها الطريق رسمت نفسها من خلال الأسئلة والعناصر الأربعة ليصبح للإنسان كلام  آخر مع الخوف والتحديات؟

وهل ما نشهده اليوم أزال فكرة  الفوبيا أم أننا سنصاب برهاب المستقبل وحراسه من الروبوتات ؟

وبالمناسبة هل اخترع الإنسان أهدافاً أكبر من نطاق روحه القبائلية، هل انقلب على نفسه في سياق جهله بمصطلح الموت؟

“إيلون ماسك ” هل يكون عدو الروح والقدرية؟

شهدت السنوات الأخيرة من حياة البشر على الأرض انقراضاً لحضارات كثيرة، واختراعات سبقت العقل البشريّ المحدود، وكأننا أمام معجزات من نوع آخر، ملموسة، سريعة العطب، مادية وصلبة.

أثرت التكنولوجيا بشكل استثنائي على تسلسل الأيام في الروزنامة المعتادة، أصبح الإنسان رهين الآلات على أنواعها، فلم  يعد  يستطع فك إدمانه المتحلق حول الشاشات على أنواعها، وبالتالي أصبح الزمن سريعاً والعلاقات الإنسانية هشة وما كان يحمله الناس من مبادئ وأخلاقيات لم تعد ضرورية في عصر لا يعترف سوى بالإنتاج والمال  والتفاهة على رأي الفيلسوف “ألن دونو” .

كذلك فإن دور المثقفين تراجع أمام سيطرة الأميين والمؤثرين الجاهلين، فلم تعد الكتب القيمة بذات الأهمية وأصبح عالم خلف الشاشات محض تزوير وفلاتر.

ازدهرت الأنساق الكاذبة والأقنعة المفتعلة على حساب المضمون، وصار المثقف الحقيقيّ كتاباً على رف في مكتبة ورقية، في حين يبدو العالم حاسوباً ضخماً تحكمه أباطرة من نوع جديد.

 صارت المشاعر الراقية كالمحبة والإخلاص والتضحية والمواطنية مفردات فاضحة وشبه عبثية.

”  مواقع التواصل نجحت في ترميز التافهين ، أيّ تحويلهم إلى رموز . صار يمكن لأية جميلة بلهاء أو وسيم فارغ ، أن يفرضوا أنفسهم على المشاهدين، عْبَر عدة منصات تلفزيونية عامة… هي في أغلبها منصّات هلامية وغير منتجة ، لا تخرج لنّا بأيّ منتج قيميّ صالح لتحدي الزمان”.

ما عبّر عنه دونو في كتابه نظام التفاهة، يتداوله الناس كالعملات المشفرة على منصات اكس وتيك توك وانستاغرام.

قد لا يتوقف الأمر عند هذا الحد، فالتطور الهائل بين دقيقية وأخرى قد يؤدي إلى كارثة فعلية بطلها الذكاء الاصطناعي. وذلك لناحية فقدان البشر لوظائف حيوية وتقليدية  كانوا يشغلونها وتعينهم على الايام.

إن حلول الروبوتات مكان الانسان سؤال يشغل سكان الأرض، وقد بات  مشرعاً في ظل السباق العالميّ، القائم على تطوير الروبوتات وتحديثها لتشغل الوظائف مكان البشر.

ولا يمكننا ان نستهين بقدرة الذكاء الاصطناعي في توليه للمسؤوليات، فهو قادر مثلنا على إعطاء الدروس الهادفة في المدارس والجامعات، والتفاعل مع الطلاب بطريقة منطقية، كذلك أثبت جدارته في تشخيص الأمراض النفسية والعضوية والتعامل معها بطريقة علمية وموضوعية.

هذا إلى جانب قدرته على تولي الوظائف الحكومية ومنح استشارات قانونية خاصة بمعاملات المواطنين.

بات بإمكانه الاحتفاظ بمختلف المعلومات بطريقة أسرع منا كبشر وتخزينها في ذاكرة معدنية طويلة الأمد.

والأمر نفسه ينطبق على مهن أساسية مثل الهندسة والمحاماة وغيرها.

لذلك فإن الثورة التكنولوجية قد يكون لها تأثيرات سلبية، من ناحية زيادة نسبة العاطلين عن العمل وعدم الإنتاج والقدرة على إعالة الذات والغير، مما قد يتسبب  بزيادة الجرائم والأمراض النفسية والإدمان والاتجاه إلى طرق ملتوية لتحصيل المال، وبالتالي استشراء الفساد في المجتمع، ومضاعفة عمليات السلب والقتل والاعتداء بكافة أنواعه.

إضافة إلى كل هذه التداعيات، فإن الجرائم بحق البيئة مستمرة، وذلك من خلال العابثين في مصير الوجود والأرض، حيث تباد الغابات وتلوث المياه بهدف التطور والتمدن والتسلح  والجشع غير الأخلاقي، دون  إقامة أي حساب لعقاب الطبيعة الذي قد يصبح صادماً، ولن ينقذنا من غضبها الهواتف الجوالة أو آلات المفبركة.

يبدو أنّه حتى الآن لم تثبت قدرة الروبوتات على الإنتاج الإبداعي، خاصة في المجالات الادبية والفنية وذلك لكونها تعتمد على اللاشعور وما تخزنه الروح من ألوان وأحداث وإثارة تتعلق بالحلم والرؤيا والأبعاد الغير مرئية.

فالإبداع يحتاج إلى مخزون من المشاعر والتفاعلات العصبية والكيميائية، إضافة إلى الموهبة التي يصعب اختراعها.

لقد توقع الملياردير إيلون ماسك في آخر تصريح له ، خلال جلسة عقدت  بمبادرة مستقبل الاستثمار بالسعودية، بأنه “مع مرور الوقت سيكون هناك روبوتات أكثر من البشر”.

كذلك يعتقد ماسك بأن “يصل تطوير الذكاء الاصطناعي لدرجة قد يصبح فيها اذكى من أذكى انسان، وقد يتحقق هذا الأمر في الأعوام المقبلة “.

يؤكد هذا  الكلام بأن العالم لن يكون كالسابق، وأن التكنولوجيا ستحسم الكثير من الحروب الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، ويسري الأمر على مستوى الوظائف والأبحاث والرحلات الفضائية، وقد نكون أمام صدمة معرفة المستقبل والتنبؤ بالأحداث القادمة.

فإلى أين يأخذنا الذكاء الاصطناعي ؟

إلى زمن من نوع آخر، حيث الاصطدام المباشر بالسماء سيد الموقف، حيث لا نحتاج إلى منجمين يبصرون ما تخبئه عدسات المستقبل اللاصقة.

حيث الشاشات المضيئة لها الأولية على كل ما لا يشبهها من قيم وأحداث.

وماذا عن الحب ؟ موضب في علب جاهزة، والمشاعر مجرد أيام عابرة ، والأديان كيف ستؤمن السلام الداخلي لبشر مفصومين بين حياتين : الواقع والافتراضيي،وما بينهما من تشتت أفكار وأسباب للفرار من الأجساد الحقيقية إلى روبوت يحتمل الحمل في كيسه المعدني عن الأم العاملة،

وماذا بعد؟ ماذا أكثر ؟ وإلى أين ؟

القرار ل” AI “، الذي بالطبع سيكون قادراً على القيام بوظائف وربما يستطيع التفوق بالأداء نتيجة المعلومات الشاسعة التي يحملها في مخيلته الحديدية ، ويوسع الروبوتات كذلك  غسل الأطباق وتلميع ابواب المتاجر وقطع الخشب وتنظيم الأموال والقوانين وأخذ الكلاب في نزهة قبل النوم.

باستطاعتها أيضاً العمل لوقت طويل دون ان تتعرق او تشحب او تصاب بالسرطان والزهايمر ووجع المفاصل.

لكن ماذا عن المشاعر الإنسانية والحنان والأمومة وألم الفراق والغياب.

 كيف سيشعر الروبوت وهو ينظر إلى رجل أو امرأة خذلتهما الحياة؟

نعم بإمكانه أن يبني بيتاً لمن فقد أهله في الحرب، لكن هل يستطيع منع الحروب  ووضع الدموع بدل الأزهار على قبور الأموات، وإعطاء وطن لمن فقد أرضه، أو انتظار المخلص؟