الأدب النسوي: ثورة الحروف في مواجهة الهيمنة

الأدب النسوي حركةٌ أدبيَّة حديثة، وفرعٌ من فروع الأدب الذي بدوره يرتكز على القضايا النسائية التحررية الرافضة لكلّ أشكال الظلم الاجتماعي؛ فشكَّلت المرأة من خلال إبداعاتها ولغتها هويتها، والبحث عن ذاتها على الرغم من الضغوطات، ومعاناتها في المجتمع.

    ولقد ظهر مصطلح النسوية عام 1895  قبل القرن السابع عشر في انجلترا، فظهرت حركات مقاومة النساء؛ بسبب سيطرة الرجال، ثم امتدّت بعد ذلك إلى فرنسا والولايات المتحدة، عندما راج الأدب النسوي مع بداية الاتصال الثقافي مع الغرب، فباتت المرأة قضية معبّرة عن قضايا الوطن بالتزامن مع قيام الثورة الفرنسية، فظهرت الحركة النسائية التي تنادي بحقوق المرأة وهي: الحرية، والمساواة، والإخاء.

بدأت أهمية الأدب النسوي في الظهور خلال الربع الأخير من القرن التاسع عشر وقد وصل للقمة في ستينيات وسبعينيات القرن العشرين.

 وكان الهدف منه تقويض النظام الذكوري الأبوي ونقده، ومعالجة خصائص هوية المرأة من خلال وعي فكري معرفي بقضية البنيات الاجتماعية، تلك التي عانت منها النساء، وإن هذا الغياب ناتج عن الفروق التي تكرسها الثقافات بين جنسي الرجل والمرأة، والتي بدورها تجعل الرجل هو المركز، وتمنحه سلطة الهيمنة.. في المقابل هامشية المرأة، وتتجاوز مرحلة الوعي إلى مرحلة الفعل المشارك في التغيير.

 وتعدَّ الأعمال الأدبية النسوية هي الكتابة التي تعبر عن رؤى نسوية للعالم، فهي تعرض قضايا مثل: العنف ضد المرأة، والتمييز الجنسي وحقوق الإنسان والمساواة بين الجنسين، والتحرر الشخصي والهُوية وغيرها.

 وإلى تغيير النظرة السائدة للمرأة في المجتمع وإلى إبراز دورها وأهميتها في الحياة الاجتماعية والثقافية.

     وممَّا لا شك فيه أن الأدب النسوي يساعد على تشكيل هوية المرأة، والتعرف على تاريخها وتراثها وثقافتها، وعلى تعزيز الوعي النسوي والتحرر الفكري والثقافي والاجتماعي. وتشمل هذه الحركة العديد من الأشكال الأدبية، بما في ذلك الشعر والقصص القصيرة والروايات والمسرحيات والنثر الأدبي والكتابة الصحفية وغيرها.

الفرق بين الأدب النسوي والنسائي:

     هناك فروق بين الكتابة النسوية والنسائية. الأدب النسوي: هو أعمال النساء بغضّ النظر عن المضمون والمحتوى المعبِّر عن الحركة المستندة إلى فكرة العدالة والمساواة بين الرجل والمرأة، فيشمل النصوص التي تكتبها النساء عن النساء، والنصوص التي يكتبها الرجال عن النساء والنصوص التي تعكس صور النساء لذواتهن، وصورة علاقة الرجل بالمرأة. ومن هنا الذي يحكم النص هو قوانين الكتابة الأدبية.

أما الأدب النسائي: فهو الأعمال الأدبية التي بدورها تدافع عن المرأة بغض النظر عن الذي كتبها، رجلًا كان أم امرأة.. والذي يشكل خطابًا يستند إلى وعي نسوي من خلال طرح الأوضاع المقيدة المفروضة على المرأة ومناقشتها والبحث من خلال منظومة اجتماعية عادلة.

    نتيجة لذلك ظهرت المرأة الروائية المبدعة، فعبّرتْ عن رؤاها تُجاه العدو، فكانت الروايات في البداية يغلب عليها الفكر الأخلاقي، وأحكام الوعظ والإرشاد ومع مرور الوقت أصبحت المرأة في العديد من الأعمال الراسخة تعبيرًا عن قهر ما، أو الرغبة في التحرر من عدو ما وفي القرن العشرين كان موضوعها عن الكفاح ضد الاحتلال، وحتى بعد التحرر جاءت مرحلة الصراعات الأيديولوجية من أجل حياة أفضل .

كاتبات الأدب النسوي في العالم:

     من أهم كاتبات الأدب النسوي هي الشاعرة الفلسطينية “فدوى طوقان” التي جسّدتْ استثارات مجتمعها المغلق؛ فطرحت في دواوينها الشعرية عالم المرأة الإنساني الذي يتلهف على أعماق الحياة بكل مساراتها؛ فكانت عبقرية أدبية من عبقريات زماننا العربي. والأديبة ” شارلوت برونتي” هي انجليزية نسجت أقلام القصّاصين وحكايات من الأساطير والخيالات، فهي تعدُّ واحدةً من العبقريات التي كانت رعشة من رعشات الإبداع في الأدب الانجليزي في القرن التاسع عشر. وقد وُلِدَتْ ” شارلوت” عام 1816م، حيث أطلّتْ على الدنيا في وقت كان فيه الفكر الأوربي يعاني آلام مخاض بعدما أثقلته الثورة الفرنسية، وحروب نابليون. و”هلين كيلير”، وهي الأمريكية التي وُلِدَتْ عام 1880م المرأة الأديبة المعجزة الفتاة العمياء والصماء والخرساء التي وجدت بتصميمها وإرادتها بابًا للخروج من الظلام الدامس، ولم يكن هذا المخرج لنفسها فحسب؛ وإنما لباقي الإنسانية.. فنجاحها في نضالها المرير غدا نموذجًا متوهّجًا بالنور، وأملًا مجسّدًا للمعاقين من أمثالها، ودافعًا لهم نحو رؤية جديدة للحياة وللعالم . والكاتبة الأمريكية “بيرك باك”، تلك التي تعيش في الصين، والحائزةعلى جائزة نوبل للآداب عام 1938م عن روايتها “الأرض الطيبة” التي تُرْجِمَتْ إلى العربية؛ فكانت رواية واقعية غنية جِدًّا، وزاخرة بالتجارب والأحداث. ثم دُوِّنَتْ سيرة حياتها عام 1953م.

أهم المدارس النسوية:

     الواقع أن هناك العديد من التيارات في الحركة النسوية وهي:

 المدرسة النسوية الليبرالية: وهي من أقدم التيارات الذي تقوم على فكر ليبرالي؛ فتنادي الكاتبات المنتميات لهذا التيار بالمساواة بين الرجال والنساء، من حيث إتاحة فرص العمل، وتقييم الأعمال دون تفضيل أي شخص بسبب لونه أو نوعه، وتنادي بتكافؤ الفرص من وجهة نظر واقعية. وهذه المدرسة لها منظور فلسفي فردي.

والمدرسة النسوية الراديكالية: ذلك التيار الراديكالي المتشدد الذي يدعو إلى الانفصال عن الرجال، وعدم التعامل معهم، وبناء مجتمع للنساء فقط. من هنا ترى النساء الراديكاليات أن جسد المرأة هو علامة على تفوقها على الرجال، وأن المرأة تحافظ على الحياة من خلال قدرتها على الحمل والولادة، وهذا التيار يبنى على أفضلية الأنثى على الذكر؛ فيؤثر سلبًا على الحياة الاجتماعية.

والنسوية الماركسية: هو تيار يؤكد على البعد الاقتصادي للتفضيل النوعي، حيث  يخدم مصالح الرأسمالية المستغلة، ويرى هذا التيار أن دور المرأة كزوجة وأم يهدف في الأساس إلى تسخيرها للعمل في المنزل دون تقاضي أجر عن مجهوداتها ووقتها، وأصحاب هذا التيار يدعون إلى المساواة مع الرجال  في الأجور، وساعات العمل بين الرجال والنساء.

وتيار النسوية ما بعد البنيوية: وهو الأكثر انتشارًا. وهذا التيار يرى أن ( الكيان الواحد) سواء أكان فردًا أم ثقافة أم مجتمعًا أم غيره. وتعتقد المنتميات لهذا التيار أن التفرقة بين الجنسين تكمن في اللغة التي تقوم بالتأنيث والتذكير، وهو في الأساس كيان جامع لصفات اصطلحنا لغويًّا وثقافيًّا على تأنيثها، أو تذكيرها كالذكاء والحساسية مثلًا التي التصقت بالرجال والنساء على التوالي، حيث ترى الكاتبات المنتميات لهذا التيار أن الأفراد يمكن أن يجمعوا بين الذكاء والحساسية برغم كونها صفات مجنّسة لغويًا . فمثلًا مطالبة الرجال بعدم البكاء لتكتمل رجولته مجتمعيًّا هو أسلوب كاتب قاهر للرجل؛ لأنه في الأصل يشترك مع النساء في القدرة على الإحساس. ونتيجة لذلك، فمن حقه التعبير عن مكنوناته، فهو نسق قهري يفرضه. في حقيقة الأمر يعدّ إرثًا ثقافيًّا ذهنيًّا تكرّسه المجتمعات، ولا توجد علاقة بينه وبين الاختلاف البيولوجي بين الجنسين.

أما تيار النسوية السوداء: فتقرّ فيه المنتميات إليه بحقّ الملوّنات في الولايات المتحدة في الاعتراف بالمختلف دون إبعاده.

ومن هنا يقودنا ذلك إلى مفهوم آخر من المفاهيم النسوية ينبغي إلقاء الضوء عليه، وهو (الجِنْدر)، وقد تعدد الترجمات لهذا المصطلح، فتُرْجِمَ (بالنوع)، أو (الجنس)، أو (الجنوسة). وهو ما يترتب عليه من تغيّرات  للمفاهيم وإحلال وتبديل لها. ويقودنا معنى (الجنوسة) في جوهره إلى أن التميُّز بين الجنسين مرتبط بالسمات الثقافية، وبناء على ذلك يتصل هذا المعنى اتصالًا مباشرًا بالدور المنوط به كل منهما في المجتمع، وتسلط هذه النوعية من الدراسات على رصد مسار علاقات القوى بين الجنسين في سياقاتها الاجتماعية، والثقافية، والاقتصادية، وتحليلها، ودراسة انعكاساتها على المجتمع.

ما النقد النسوي:

     هو فرع من فروع النقد الثقافي الذي يركّز على التاريخ النسوي ومؤرخي حركة تحرير المرأة.. والنقد النسوي يُعْنَى بدراسة النوع، حيث كانت بدايته في نهاية الستينيات.

 ولقد حظى النقد النسوي باهتمام النقاد والباحثين؛ كونه يبحث عن الاختلاف ونقاط القوة الذي يتمتع به الأدب النسوي، كما نجد أن قضية المرأة وآدابها كان مثار جدل، وإشكالية من العديد منهم. في وقت أن القضايا النسوية تتشابك فكرًا وسلوكًا في كل الثقافات المعاصرة في الإبداع الأدبي والنقدي.

     خلال فترة السبعينيات كان الأدب النسوي محل اعتبار واهتمام واعتناءٍ نسويٍّ عبر فروع معرفية مختلفة مثل: المنظور النسوي في العلوم وعلم النفس والدراسات اللغوية، فمنذ الستينيات كانت بداية الاهتمام بصورة المرأة في الأدب تليها مرحلة التأصيل. وهو الآن منهج في تناول النصوص والتحليل الثقافي بصفة عامة، وينشغل النقد النسوي بالجنوس/التذكير والتأنيث، والمعرفة النسوية ، وبدراسة الطرائق التي تشكلت بها صورة المرأة، وصورة المرأة في النصوص المعروضة، ووسائل الإعلام الجماهيرية، وفي النصوص الدرامية، وبالاستغلال الجنسي لجسد المرأة.  ويركز النقد النسوي على دور المرأة في الحياة اليومية وعلى وعي النساء من حيث ارتباطهن بحياتهن.

    ويلاحظ أن النسويات تشترك في نقدها ومعارضتها للتعصب الديني واللغوي والعرقي ومناهضتها للاستعمار وللحرب والتسلح، ومحاربتها للفقر والمرض وللأمية ومناصرتها لشؤون الأسرة والمرأة والطفل والحفاظ على البيئة.

ومن أهم الناقدات النسويات اللائي تجدر الإشارة إلى جهودهن في النقد النسوي وهن قد قمن بشق الطريق وتعبيده.. فهؤلاء الناقدات أكثرهن باحثات وأكاديميات تأثرن بالتوجيهات الجديدة في التاريخ الاجتماعي والنقد الثقافي ومنهن: (إيلين شوالتر)1942-1977 م حيث انحازت في كتابها (حرية المرأة وأدبها) إلى الربط بين مفهوم الخصوصية في الكتابة النسوية مع اختلاف الحياة التي تعيشها المرأة والمسؤوليات والواجبات المنوطة بها، حيث ينتج عن ذلك مضامين مختلفة في أعمالها الأدبية. والناقدة الأمريكية (ماري إلمان) 1921-1989 انتمت للحركة النقدية المبكرة، ففي كتابها (التفكير حول المرأة) لم تَمِلْ للنظرة الموحّدة بين تجارب الكاتبات، وترى أن الكاتبات تتحدَّى سلطة الذكر. والكاتبة (هيلين سيكوس)1937م الناقدة الفرنسية أطلقت دعوتها من خلال التحام أجسادهن مع الكتابة كلًّا واحدًا.. بمعنى أن يصبح الجسد والكتابة كلًّا واحدًا .

هذا، ولا يقتصر النقد النسوي على كونه مجرد خطاب ملتزم بالنضال ضد التمييز الجنسي، ويسعى جاهدًا إلى تحقيق المساواة بين الجنسين؛ ولكنه فكر فلسفي يسعى إلى دراسة تاريخ المرأة، وتأكيد حقها في الاختلاف، وإبراز صوتها.