والصحافي برتبة شهيد في هذه الحرب ما لم تُردَع وما لم تحاكم “إسرائيل”.
مع استمرار الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، برز دور الإعلام في توجيه الرأي العام، وإيصال الصورة على الأرض ونقل الواقع كما هو، إذ، يخوض اليوم الإعلام حرباً شرسة بوجه التضليل وحملات التشويه والتكذيب التي تشنّها وسائل الإعلام الغربية والإسرائيلية، اذ أن هذه الحرب كشفت إجرام العدو وعرّته وداعميه من ادعاءاتهم الخبيثة.
وفي هذه الحرب على فلسطين، يتعدّى دور الإعلام عن كونه ينقل الصورة فحسب ليكون أداة دفاعية مدعومة بالحق، تستند إلى الظلم الذي يمارس بحق الشعب الفلسطيني نظراً لقدرته في الوصول إلى الرأي العام العالمي رغم الراويات الكاذبة وحملات التضليل.
وبما أن غزة هي محور تقارير “الحصاد” وجب التطرّق إلى الدور الأساس الذي يلعبه الإعلام وآلياته في حماية فكر المشاهد وكيفية رصده انتهاكات وجرائم العدوان الإسرائيلي مند السابع من أكتوبر الماضي، وفي هذا الصدد كان لنا حديث خاص مع الإعلامية ومذيعة الأخبار في قناة الميادين الفضائية وفا سرايا التي حدثتنا عن كيفيّة التصدي لحملات تضليل العدو والسيناريوات الممنهجة التي يتبعها مروراً بقراءة على سياسة الإعلام الغربي في تناول القضية الفلسطينية، إضافةً إلى وقفة على دهاليز سياسية واجتماعية بنظرة آفاقية وتمنياتها للعام المقبل.
وفا سرايا هي الإعلامية المحاورة، الأم، المناصرة والمقاومة في الصفوف الأمامية للقضية الفلسطينية، وقد لامس برنامجها الأخير “حتى القدس” وقائع حقيقيّة لقضية الحق، ولطالما عبّرت آراؤها عن قناعتها في أحقية الشعب الفلسطيني بالدفاع عن أرضه ومن منبرها الشخصي والمهني أثبتت تجربتها أهمية الإعلامي كصوت يدافع عن الظلم بوجه الاعتداء.
* “الحصاد”: برأيك، كيف تكون الكلمة الحق سيفاً بوجه أداة الظلم والقتل؟
– كلمة الحق تستمدّ قوتها من صدقها وأحقيتها كمعيار قيميّ لا جدال عليه، لذلك دائماً على أهل الحق أن يردّدوا مهما كانت الظروف وكيفما كان الواقع، أن يقولوا كلمة الحق لأن في ذلك مقدرة على ردّ الظلم على المظلوم، للكلمة فعل كالسيف فكيف إذا كانت كلمة الحق.
* “الحصاد”: خلال هذه الحرب كيف يواجه الإعلام المناصر للقضية الفلسطينية حملات الكذب والتضليل اللذين تمارسهما الشبكات الإعلامية للعدو وحلفائه؟
– موضوع التضليل والكذب والسرديّة المشوّهة، بصراحة لم يبدأ خلال هذه الحرب، إنما من النطفة الأولى للمشروع الصهيوني الذي بنى على أسس ومقولات كاذبة، واستمرّ في إنتاج السرديّات وأساليب التضليل مدعماً في آليات دعائية ضخمة كانت محتكرة الإعلام العالمي، مما ساهم في خلق ثقافة مغايرة للحقيقة في النظرة إلى القضية الفلسطينية كقضية محقة.
أما في الوقت الراهن فاختلفت الأمور على عدة مستويات، مما عزّز حضور الإعلام المناصر للقضية بوجود الإعلام البديل ومنصّات التواصل الاجتماعي مما أتاح مواجهة كل أساليب التضليل على المستويين العالمي والعربي. التغيّرات في وسائل الإعلام والتكنولوجيات خلقت واقعاً مغايراً في البنى المعرفيّة مما شكّل الوعي الجديد، خصوصاً من الأجيال الجديدة التي باتت تبحث بنفسها عن المعلومات وما مدى حقيقتها من باطلها.
* “الحصاد”: ما الدور الذي يلعبه المحاور الإعلامي اليوم بالحرب على غزة؟
– في نهاية المطاف الإعلامي هو إنسان، ربما تكون له بصمتُه وفرادتُه وأدائه وتأثيره لكنه يبقى فرداً في هذه المجتمعات الكبيرة، فهو يعطي كل ما لديه من قوة ومعرفة وحصانة وأداء، خصوصاً في الحرب على غزة وفي القضية الفلسطينية، إنما الفعالية الأكبر هي للمؤسسات والمشاريع
الإعلامية وغير الإعلامية التي تنتج المعرفة والوعي اللذين يؤثران على الرأي العام. وهو دور يقع على عاتق الأفراد كإعلاميين ودور أشمل على الشبكات الإعلامية.
*نحن في زمن فلسطين ولن ترعبنا أو ترهبنا جرائم العدو وإبادته.
* “الحصاد”: كيف يشارك الإعلام في تعميق مفاهيم التحدي والصمود؟
– ليس دور الإعلام تعميق مفاهيم التحدّي، إنما وظيفته في تقديم الخبر والمشهد وعدم التسطيح والتجهيل بحيث يقدّم المادة المفيدة والمعرفية والخبر الدقيق والصحيح. تعميق مفاهيم الصمود والتحدي هو دور الأحزاب والمؤسسات والمجتمعات الأهلية.
* “الحصاد”: كيف تقرئين الإعلام الغربي بالحرب على غزة؟
– مما لا شكّ فيه، فإن الإعلام الغربيّ تعرّى وكشف عن حقيقته ولم يعُد لدينا التباس في حقيقة دوره ووظيفته وبات شريكاً في هذه الحرب في تقديم السردية الإسرائيلية. وأكثر من ذلك يلعب دوراً في تغيير الحقائق. وهنا تكمن الخطورة والوقاحة، مما جعله يسقط أخلاقياً وإعلامياً وحقوقياً وإنسانياً. وهذا عار سيُسجَّل في تاريخ هذا الإعلام وهذه المؤسسات والمراكز الإعلامية التي عملت وتعمل ضمن أجندة ومشروع خدمة الغرب الأطلسي والعسكري.
* “الحصاد”: هل الحرب على غزة أظهرت إفلاس النظام العالمي وعجزه عن إحقاق الحق، بحسب رأيك؟
– الحرب على غزة تؤكّد ما كان يحمل مضامين الشكّ سابقاً، ثمّة محطات كثيرة أظهرت إفلاس المنظومة العالمية، وما تحمله من قيم معاكسة للقيم الحقيقية. هذا ما شهدناه أكثر من مرة في الحرب على العراق ومجموعة الأكاذيب مؤخراً في جائحة كورونا، ولكن كان أوج الوقاحة في الحرب على غزة، وهنا تأكّد لنا أن القوة هي الأساس لإحقاق الحق، وأن مفهومي القوة والحق لهما ارتباط عضويّ ووثيق، الحق والقوة، القوة تحافظ على حقك أو تجعلك تحصل عليه، إنما ما هو حق لك يمكن أن يُسلب منك إن لم تكن قوياً كفاية. ونحن نعيش في عالم لا يفهم إلا لغة القوة!
ولا بدّ من الإشارة إلى أن الزخم الجماهيري الغربي الداعم لفلسطين أربك كلّ الحسابات لمنظومة النظام العالمي المنافق.
*الإعلام الغربيّ تعرّت حقيقته ووظيفته شريكاً في هذه الحرب في تقديم السردية الإسرائيلية.
* “الحصاد”: كيف تقيّمين الأصداء العربية إزاء ما يحصل؟
– لا يمكن الإجابة بشكل عام وشامل عن الأصداء العربية، إنما يمكن أن تكون الإجابة، إعادة التساؤلات، هل يوجد واقع عربيّ واحد؟ هل العرب موحّدون على نظرتهم للقضية الفلسطينية وعلى ما يجري؟ هل يوجد تفاوت في الواقع العربي؟ أين العرب اليوم وكيف يمكن تصنيفهم؟
دون الحصول على أجوبة لهذ الأسئلة لا يمكن الإجابة عن السؤال الأساسيّ الشامل؟ إنما بشكل عام لا يمكن تحقيق أي انتصار على الصعيد الفلسطيني دون وجود نهضة عربية ووعي عربي، وما دون ذلك هو فقط انتصار في المعارك العسكرية.
* “الحصاد”: واصل العدو اعتداءه على الصحافيين وكان آخرهم زملاؤك في “الميادين” فرح عمر وربيع المعماري وحسين عقيل. ماذا تقولين عن جرائم العدو بحق الصحافيين؟
– ليس بغريب على الإسرائيلي صلفه وعدائيته، كان هذه المرة استهداف الصحافيين متعمّداً ومباشراً بشكل صارخ، كان مفاجئاً… فالقرار السياسي اتُخِذ من قبل الكابينت بحظر “الميادين” في فلسطين المحتلة وأتى القرار العسكري باستهداف الزملاء فرح وربيع وحسين. المستغرب في هذا الموضوع دور المؤسسات الإعلامية العالمية وحقوق الإنسان والحقوق الصحافية على المستوى الدولي والشرعية الدولية والمنظمات الدولية التي شهدناها بعين واحدة، وازدواجيّة المعايير في التعاطي مع استشهاد الزملاء، كل الزملاء الصحافيين العرب من جميع المؤسسات الإعلامية العربية. وهذا الصمت هو على مستوى جرائم “إسرائيل” لا يقلّ عنها جرماً. أين الإعلام الغربي في الدفاع عن الإعلاميّ والصحافيّ والمراسل والمصوّر وهو حق منصوص بالقانون الدوليّ في حمايته وعدم التعرّض له؟ أين هذه المؤسسات الحقوقية والمراقبة والتي تصرع رؤوسنا في أي حدث خارج الحدث الفلسطينيّ؟ ما لم تُردَع “إسرائيل” وما لم تحاكم “إسرائيل”، فالصحافي في رتبة شهيد في نقل هذه الحرب.
ولكن لن يرعبونا ولن يرهبونا سنستمر برسالتنا ونقل الواقع كما هو وتعرية جرائم الكيان الغاصب نصرة للشعوب الحرة ونصرة لفلسطين أقدس القضايا.
* “الحصاد”: كمناصرة للقضية الفلسطينية وأم لطفلة، بماذا تتوجّهين إلى أمهات غزة الثكلى؟
– “ماتوا من دون ما ياكلوا” وعايشين؟ مين ضل عايش؟ وين ولادي؟ صرخات وعبارات لن تُمحى من ذاكرتي كأم. هل هنالك أصعب من مشاهد نتابعها لأطفال يستنجدون من تحت الأنقاض؟ هل هنالك أقسى من مشاعر فقدان أمهات غزة لفلذات أكبادهن ويُحرمنَ من لحظات الوداع وحتى من لمسهم بعدما قطعتهم طائرات المحتل الغادرة وقصفه الهمجي إلى أشلاء؟ ما هذا الظلم؟ أمهات حوامل تقتل الأجنّة في أرحامهن!
أمهات غزة أجمل الأمهات وأروعهنّ، فأمدهن الله بالقوة والصبر كي يقاومن ويتحمّلن هذه المأساة والإبادة الجماعيّة والكارثة الإنسانية غير المسبوقة.
* “الحصاد”: يقال إن هذه الحرب ستغيّر الصورة السياسية والاقتصادية في العالم. هل لديك تصوّر للمرحلة المقبلة؟
– إن تداعيات عملية “طوفان الأقصى” على الصراع الفلسطيني الإسرائيلي وعلى الشرق الأوسط قد تعمل على إعادة تشكيل هذا الصراع من جديد. فالسكوت عن جرائم الحرب التي تُرتكب بحق الفلسطينيين لم يعد ممكناً تسويقه في النظام الرسميّ العربيّ والإقليميّ. وقد يفرض على النظام العربي المشاركة في نصرة الفلسطينيين كي يتجنّب السقوط الداخليّ. ونحن قد ندخل مرحلة التشبيك الاقتصادي والسياسي وصولاً إلى رؤية نوعاً ما موحّدة.
أما اقتصادياً فتشير كل التقارير وبحسب خبراء اقتصاديين إسرائيليين وغربيين أنّ “اقتصاد الكيان مقبل على ركود لا محالة، مع تراجع الإنتاجية المتوقّع وكلفة الحرب الكبيرة على اقتصاد البلاد وهروب المستثمرين الأجانب”.
*رسالتنا تعرية العدو الإسرائيلي نصرةً للحق
* “الحصاد”: ما هي تمنياتك بالعام الجديد للشرق الأوسط؟
– أمنيتي الوحيدة هي السلام لشعوب تستحق الاستقرار وتحبّ الحياة ولن نحصل على هذا السلام إلا بمقاومة مشروع الاحتلال ومطامعه بأرضنا وصولاً إلى التحرير الكامل.
* كلمات تتوجّهين بها إلى فلسطين.
– فلسطين قضيتي، فلسطين قويّة بشعبها ومقاومتها وستنتصر، والدليل الملحمة البطوليّة في طوفان الأقصى فكل الساحات المقاومة واحدة حتى القدس، ونحن في زمن فلسطين!